لا تكاد تمر عملية أمنية أو تصعيد أمني، سواء عند الحدود الشمالية، تجاه لبنان وسوريا، أو الجنوبية تجاه غزة، أو في القدس والضفة، إلا وتخرج إسرائيل متفاخرة بقدراتها الاستخبارية ووحداتها الخاصة في الجيش الإسرائيلي، التي وجدت لضمان مراقبة جميع الحدود أو البلدات التي تشكل خطراً أمنياً على إسرائيل، خصوصاً القدس والبلدات الفلسطينية القريبة من المستوطنات.
وعلى رغم أن الكشف عن تفاصيل عملية غوش عتسيون، التي قتل فيها جندي إسرائيلي، أتى متأخراً بعد إلقاء القبض على فلسطينيين بتهمة تنفيذهما التهمة وهما نصير وقاسم عصافرة، إلا أنها اعتبرت في تقرير خاص لأجهزة الأمن، أن شبكة الكاميرات التي أقيمت تشكل أفضل أداة للمراقبة الأمنية وتعقب منفذي العمليات أو من يخططون للتسلل إلى المناطق الإسرائيلية عبر الحدود.
شبكة مراقبة
وفي ذروة النقاش الإسرائيلي حول كيفية اختطاف الجندي والتضارب في التقديرات حول منفذي العملية وطريقة القتل، وإذا ما يقف خلفها تنظيم، اعتبر الإسرائيليون شبكة المراقبة، التي نصبت خلال السنتين الأخيرتين، ساهمت في حل لغز القتل وأوصلت أجهزة الاستخبارات إلى طرف الخيط.
هذا التفاخر الإسرائيلي ووجه بانتقادات كون شبكة الكاميرات، التي تشرف عليها وحدة خاصة في الجيش، لم تساعد في كشف الدقائق الأولى من العملية عند خطف الجندي، وشدد مسؤولون أمنيون سابقون على أن عدم مساهمة شبكة الكاميرات في منع العمليات لا يمنح أجهزة الاستخبارات أي تفوق.
ما بين الحدود والبلدات الفلسطينية
اختلفت تقديرات الإسرائيليين حول نجاح شبكة الكاميرات. ففي حين وافق البعض على أن نصبها في القدس والأراضي الفلسطينية لا يحقق نجاحات كبيرة لعدم منعها عمليات، اعتبرت هذه الجهات شبكة المراقبة عند الحدود لا تحقق نجاحاً فحسب، إنما تحقق تفوقاً إسرائيلياً.
واستذكرت هذه الجهات محاولات لعمليات تسلل من جهة سوريا نحو الجولان السوري المحتل، قرب خط وقف إطلاق النار أو جبل الشيخ. في حينه تفاخرت الاستخبارات بمنع التسلل عبر مواجهات وقعت بين طرفي الحدود أو اعتقال نشطاء من الطرف السوري.
لكن الأمر يختلف من جهة الضفة الغربية والقدس، فكاميرات المراقبة لم تحقق حتى اليوم، أي نجاح تتحدث عنه الأجهزة الإسرائيلية باستثناء محاولة التشخيص إذا ما خُطف المستهدف أو قتل في المكان.
في الضفة، خصوصاً المناطق القريبة من المستوطنات، قررت أجهزة الأمن الإسرائيلية نصب الكاميرات بعد مقتل ثلاثة فتية من المستوطنات، كما وضعت آلاف الكاميرات، التي توفر صورة واضحة لتحركات فلسطينيين تراقبهم وحدة خاصة من الجيش، وعناصرها هي من تقرر إذا كان هذا الفلسطيني يخطط لعملية.
في المقابل، تساهم شبكة كاميرات المراقبة، في منع وقوع عمليات أو الوصول بسرعة إلى مكان العملية. حتى اليوم، أي بعد خمس سنوات، لم تسجل أية عملية نجاح تذكر لإحباط عمليات، ومع هذا تصر أجهزة الأمن على أن شبكة الكاميرات هامة وضرورية، بل تسهم في تفوق قدرات الجيش.
كاميرات المراقبة
في أعقاب اعتقال المشتبهين في عملية غوش عتسيون، نشر تقرير إسرائيلي جاء فيه أن أجهزة الأمن تمكنت من إمساك طرف الخيط، الذي أوصلها إلى منفذي العملية بفضل كاميرات المراقبة، التي سبق ونشرت على طول وعرض كافة المحاور الرئيسية والفرعية في الضفة.
وبادعاء معدي التقرير فإن هذه الكاميرات جعلت مهمة تعقب السيارة التي كان يقودها منفذا العملية سهلة حيث تتمتع هذه الكاميرات بتقنية وتكنولوجيا متطورتين، إذ رصدت الوحدة السيارة من نوع "هيونداي"، بلون أبيض وهي الوحيدة التي تواجدت في المكان وفرت باتجاه البلدات الفلسطينية المجاورة.
شبكة أمان
التوقعات الإسرائيلية، في أعقاب عملية غوش عتسيون، أبقت البحث في سبل مواجهة وضع تعود فيه العمليات ضد الإسرائيليين، على رأس أجندة المؤسستين الأمنية والسياسية، فيما يواصل الجيش تعزيز قواته في مختلف المناطق في موازاة تعزيز أجهزة المراقبة، خصوصاً في الشوارع التي يستخدمها مستوطنون ووحدات الجيش ومركباته وكذلك مداخل المستوطنات ومحطات تعبئة الوقود الإسرائيلية، إضافة إلى محطات الباصات والحافلات العمومية والحواجز العسكرية، التي ينصبها الجيش عند مداخل المناطق الفلسطينية.
ولوحظ بعد عملية غوش عتسيون، أن الفلسطينيين يتعرضون إلى معاناة مضاعفة، سواء الانتظار والزحمة ومن ثم التفتيش والتحقيق.
إيرلندا مصدر لأمن الإسرائيليين
يعتبر الإسرائيليون أن أكثر من ألفي كاميرا نصبت في مختلف مناطق الضفة وقادرة على كشف تفاصيل وجوه الفلسطينيين، تشكل دعماً كبيراً من إيرلندا لضمان أمن الإسرائيليين.
فالشركة التي تنتج هذه الكاميرات هي "أنيفيجين" ومقرها في بلفاست الإيرلندية، وتسجل في إسرائيل كأكبر الشركات البيومترية.
وبحسب ما كشف الإسرائيليون من تفاصيل عن هذه التقنية فهي تعمل على كاميرات من كافة الأنواع والشركات، وبشكل فوري وباستهلاك مواد محوسبة قليلة.
وتزود الشركة أيضاً أجهزة الأمن الإسرائيلية بكاميرات خاصة نصبت عند الحواجز العسكرية، التي يمكنها ضبط أدق التفاصيل للفلسطيني الذي يعبر هذه الحواجز.
السايبر لا يقل أهمية
في موازاة نشر شبكة الكاميرات حرصت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية على مراقبة الفلسطينيين في كل تحركاتهم. واعتبرت شبكة التواصل الاجتماعي، قوة كبرى في التجنيد والتحريض، ما استدعاها إلى ابتكار أنظمة متطورة تمكنها من ملاحقة شبكات التواصل الاجتماعي والرصد والمراقبة وتكون لها القدرة على شن هجمات إلكترونية، إذا اقتضت الحاجة.
ولضمان نجاح هذا النشاط طلب الجيش الإسرائيلي من شركات السايبر تزويده بمنظومة إلكترونية ضخمة، تمكنه من تجميع المعلومات عن أصحاب حسابات وسائل التواصل الاجتماعي "فيسبوك" و"تويتر" وغيرهما، كما طلب تمكينه من التعرف إلى أصحاب الحسابات المغلقة والسرية ومن الأعضاء في أي مجموعات خاصة مغلقة إلى جانب توفير إمكانية للجيش لاستخدام حسابات وهمية.
وفي تقرير سبق ونشر حول الموضوع، ورد أن الجيش طالب بمعرفة 500 صديق أو شخص تواصل أو علق لهم وأضافهم أو خلق أي نوع من الاتصال بينهم وبين صاحب الحساب المستهدف، ومن طلب صداقته أو توجه هو له بطلب صداقة.
وكشف أن الجيش وضع في أولويات المتابعة واختيار الحسابات، استخدام كلمات إرهاب، مقاومة، قومية، دين، علاقات اجتماعية، تنظيمات، سياسة وأسماء الأحزاب والسياسيين. كما شدد الجيش على أن تكون الكلمات باللغات العربية والعبرية، خشية أن تكون أسماء وهمية من قبل فلسطينيين، وكذلك اللغة الإنجليزية.