ملخص
يظهر الأولاد من خلال الرسومات طبيعة العلاقة داخل أسرهم لا سيما أولئك الذين يعيشون في بيئات مضطربة اجتماعياً أو نفسياً
وقفت إحدى الفتيات الصغيرات المشاركات في واحدة من ورشات الرسم لتحكي لبقية الأطفال عن الرسم الذي أنهته، موضحة أنها رسمت نفسها وجدها المتوفى، ووالدتها، وأن والدتها تحاول سحب جدها وهي تصرخ وتبكي، وذلك بعد صدمة نفسية تعرضت لها الفتاة بسبب رحيل جدها. أما طفلة أخرى، فكانت ترسم في كل مرة نفسها وحيدة هي ووالدتها، موضحة أنها لا تملك أي صديقات، على رغم أن هناك الكثير من الفتيات اللواتي يحاولن أن يكنّ صديقات لها، إلا أنها ترفض أن تصدق أنهن سيبقين بجانبها لفترة طويلة.
في تعليق على هذه المواقف تقول مقدمة علاج الصدمات النفسية وميسرة هذه الورشات أسيل ريان، إنّه تم التعامل مع هذه الحالات بشكل فوري داخل المجموعة وتقديم الدعم النفسي، وإعطاء فرصة الحديث عن هذه المشكلات ونقاشها في نفس ورشة العمل.
وتوضح ريان أن هذه الورشات تجري في بيئات مختلفة كالمدرسة أو النادي الصيفي، وعادة لا يتم الحديث عن المشكلات النفسية منذ البداية، بل تبدأ الورشات بنشاط التخيل من ثم الرسم أو التلوين، أو أي عمل فني، من أجل أن يعبر الأطفال الفلسطينيون عن أنفسهم بحرية تامة، من دون أي تدخل من المسؤولين عن الورشات. كما أن الأنشطة تتطلب طاقة ووقتاً كبيرين، إضافة إلى التعامل بذكاء معها لكسر الحواجز بين أفراد المجموعة من دون أن يشعروا بالخجل أو الخوف من مشاركة أفكارهم ومشاعرهم مع الآخرين، ومن دون الشعور بالضغط من عبارات مثل "هيا نتحدث عن مشاعرنا أو لنقم بالتفريغ عن مشاعرنا".
تعامل فوري
عادة ما يتم اختيار المواضيع الخاصة بحلقة النقاش بالتحضير لها مسبقاً أو استنباطها من مواقف تحدث داخل المجموعة، كأن يتم التنمر على طفل معين، أو إتلاف الرسم أو العمل الفني الخاص به، وهنا يتم تحويل النقاش ليصبح عن هذا الموقف وأسبابه لإيجاد حلول له، وإعطاء مساحة لتشارك الأفكار والمشاعر.
بحسب ريان، فإن ورشات العمل مع الأطفال لها أشكال مختلفة، فبعضها يكون فردياً أو ثنائياً أو على شكل مجموعات تتألف من ثمانية إلى 12 طفلاً، من أجل أن يتحقق الهدف الخاص بالتفريغ والعلاج النفسي، ولكنها في الوقت ذاته تشير إلى أن البرامج التمويلية قد تتطلب للأسف مشاركة ضعف ذلك.
وتضيف ريان أن المجموعة عادة ما تضم أطفالاً من فئات عمرية متقاربة ضمن المدرسة أو المخيم الصيفي، فالعمر يلعب دوراً مهماً في اختيار اللغة المناسبة لإيصال الفكرة، فكلما كانت الفئة العمرية أصغر، كانت اللغة المستخدمة أبسط ومحددة أكثر، إضافة إلى أن التركيز يتم على تعدد الأنشطة لإيصال المفاهيم المختلفة بشكل أكبر من الكلام، أما فئة المراهقين على سبيل المثال فأنشطتهم تختلف لأن بعضهم يشعر بالخجل من مشاركة مشكلته أمام أقرانه خوفاً من الاستهزاء به لاحقاً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بعد إجراء الأنشطة وتحديد إذا ما كان بعض الأطفال لديهم مشكلات نفسية تتطلب تدخلات عاجلة، يتم التواصل مع الأهل من أجل لفت انتباههم لأهمية متابعة حالة الطفل. وهناك بعض المشكلات يتم التعامل معها داخل الورشات الجماعية، أو من خلال تدخل المعلم أو شخص يعتبره الطفل قدوة ويستمع له ويعطي له مساحة آمنة.
وكانت ريان بدأت العمل في مجال علاج الصدمة النفسية منذ ست سنوات، وفي العلاج بالتفريغ النفسي منذ عامين، وخلال هذه السنوات طورت من مهاراتها في الرسم من أجل التعبير بشكل أفضل عما يجول بخاطرها، مشيرة إلى أن التفريغ النفسي لا يعني التوجه للاختصاصي النفسي بل قد يكون الفن وسيلة فورية تساعد الشخص في التعبير عن نفسه والأفكار التي تراوده. كما أوضحت أن الأطفال يتأثرون بمحيطهم والأحداث الجارية وثقافة المجتمع بشكل كبير، وهذا يبدو واضحاً في رسوماتهم والألوان المستخدمة في الأعمال الفنية.
جلسات متعددة داخل المدارس
في بعض الحالات، يتطلب الأمر متابعة دائمة بخاصة داخل المدارس، ومن الأمثلة على ذلك، أن طفلة كانت ترسم نفسها لوحدها دائماً وتلون وجهها بلون شاحب، وهذا لفت نظر المرشدة التربوية غادة سمير خلال عملها في المدرسة، وبعد سؤال معلماتها، اتضح أن هناك عنصرية تمارس ضد هذه الطفلة بسبب لون بشرتها الداكن، فالأخريات لا يلعبن معها ويتركنها وحدها. كحل لهذا الأمر تم إجراء عدد من الفعاليات مع طالبات الصف باستخدام الألعاب والقصص، وبعد مدة بالفعل تغيرت رسومات هذه الفتاة، إذ بدأت ترسم نفسها داخل الصف مع فتيات أخريات ولكنها بعيدة منهن، ومن ثم بدأت ترسم صديقات لها بألوان زاهية، وبعد مدة تغيرت تعابير الوجه الشاحبة إلى إيجابية، وتحسنت مهاراتها الاجتماعية داخل المدرسة أيضاً.
ترى سميرة من خبرتها في الإرشاد النفسي أن الأعمال الفنية فرصة جيدة للأطفال للتعبير عن أنفسهم لأنهم يستطيعون الرسم والتلوين أو عمل الأشكال من الصلصال بحرية تامة، من دون الشعور بأي ضغط خارجي، ومن خلالها يظهرون طبيعة العلاقة داخل أسرهم، لا سيما أولئك الذين يعيشون في بيئات مضطربة اجتماعياً أو سياسياً أو نفسياً، وبالتالي يعبرون عن الواقع من دون الحاجة لتجميله كما يفعل الكثير من الناس عند الحديث مع آخرين عن مشكلاتهم. وتوضح سميرة أن طرق التعبير هذه تُشعر الأطفال بالإيجابية وتساعدهم على العودة تدريجاً لممارسة الأنشطة الحياتية المختلفة بطرق أكثر إنتاجية. مشيرة إلى أن الرسم لا يكون فقط داخل المؤسسات أو المدارس، بل يمكن للوالدين اتباعه لمتابعة الجوانب النفسية والاجتماعية لأطفالهم، والاستعانة دائماً بمختصين نفسيين من أجل فهم طبيعة هذه الرسومات.