Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل أعلن الكوكب "الحرب المناخية" انتقاما من البشر؟

ظواهر متطرفة تعصف بالكرة الأرضية ونظم إحيائية مهددة بالفناء

الناس يشاهدون الحرائق بالقرب من قرية مالونا في جزيرة رودس اليونانية (أ ف ب)

ملخص

نصف الكرة الشمالي يشهد موجة حر غير مسبوقة وفيضانات وحرائق غابات في أماكن عدة... هكذا غيرت التغيرات المناخية وجه العالم

قبل أيام علقت الأمم المتحدة على موجة الحر التي تضرب أنحاء متعددة من العالم، محطمة الأرقام القياسية في القارة الأوروبية، متوقعة اشتداد تلك الموجات بصورة أكبر.

ووفق المستشار الرفيع المستوى لشؤون الحرارة الشديدة في المنظمة العالمية للأرصاد الجوية جون نيرن فإن "شدة هذه الأحداث المناخية ستظل مستمرة في الازدياد، وعلى العالم أن يستعد لمزيد من موجات الحر الأكثر شدة".

وأصر نيرن على أن "الحرارة الشديدة التي نشهدها هي نتيجة لتغير المناخ، ولم تكن جزءاً من أنظمة الطقس العادية في الماضي"، متوقعاً أن تؤدي ظاهرة النينو المعلنة أخيراً إلى تضخيم تواتر وشدة درجات الحرارة المرتفعة، مما ستكون له "تأثيرات خطرة للغاية على صحة الإنسان وسبل عيشه".

وسببت ظاهرة النينو في عامي 1997 و1998 في مقتل 23000 شخص جراء العواصف والفيضانات، وإلى جانب أضرار بلغت أكثر من 33 مليار دولار. وتتصاعد تخوفات علماء أرصاد أن تقترب الخسائر مع نهاية العام من تلك النسبة.

وتعد النينو ظاهرة طبيعية تقع في المحيط الهادئ، وتؤثر في النظام المناخي بجميع أنحاء العالم، وتتكرر كل سنتين إلى سبع سنوات.

توقعات بزيادة نسبة الوفيات

وفق تقرير صادر حديثاً عن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية فإن نحو 60 ألف شخص توفوا بسبب درجات الحرارة الشديدة في أوروبا الصيف الماضي، على رغم وجود خطط قوية للإنذار المبكر والعمل الصحي بالقارة، مما يستدعي ضرورة تكييف البنية التحتية لتحمل درجات الحرارة المرتفعة لفترات طويلة وزيادة الوعي بالأخطار بين الفئات الضعيفة.

 

 

وحذرت المنظمة أيضاً من زيادة مخاطر الوفاة بسبب موجات الحر في آسيا وشمال أفريقيا والولايات المتحدة. ووفقاً لها، فإن موجات الحر الشديدة والمكثفة هذا العام مقلقة، إلا أنها غير مستغربة لأنها تتماشى مع التوقعات. متوقعة استمرار موجات الحر الشديد حتى أغسطس (آب).

ووفق عضو الهيئة الدولية لتغير المناخ واستشاري التغيرات المناخية بالأمم المتحدة سمير طنطاوي فإن ما يشهده النصف الشمالي من الكرة الأرضية من ارتفاعات غير مسبوقة في درجات الحرارة يعد أحد مظاهر الأحداث الجامحة الناتجة من التغيرات المناخية، حيث لم تستطع دول العالم حتى الآن التوصل لاتفاق لخفض فوري ومعنوي في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، الأمر الذي يهدد نظماً إحيائية بالفناء، إضافة إلى تأثيراته السلبية على عديد من المحاصيل الزراعية، بما يعني أزمة غذاء، إضافة إلى زيادة معدلات البخر من المسطحات المائية بما فيها العذبة والتأثير على الموارد المائية.

ويتوقع تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية في أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي أن يسبب تغير المناخ خلال الفترة من عام 2030 إلى عام 2050، نحو 250 ألف وفاة كل عام بسبب سوء التغذية والملاريا والإسهال والإجهاد الحراري، وأن تتراوح الكلفة المباشرة للضرر على الصحة بين اثنين وأربعة مليارات دولار أميركي بحلول عام 2030.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأشار التقرير إلى أنه ستكون المجالات التي تفتقر إلى البنية التحتية المتينة في مجال الصحة، ومعظمها في البلدان النامية، أقل قدرة على التعامل من دون الحصول على مساعدة من أجل التأهب والاستجابة.

ورجع طنطاوي في تصريح لـ"اندبندنت عربية" السبب في موجة الحر الشديدة الحالية إلى توافر ظروف جوية تتمثل في منخفض الهند الموسمي الذي يعمل على سحب كميات كبيرة من الهواء الساخن من منطقة وسط آسيا وشبه الجزيرة العربية، إلى جانب تأثير "القبة الحرارية"، وهي ظاهرة جوية تحدث نتيجة اختلاف في الضغوط الجوية في طبقات الغلاف الجوي، حيث يتولد مرتفع جوي في طبقات الجو العليا نتيجة انخفاض درجة الحرارة والذي يضغط بدوره على الهواء الساخن بطبقات الجو الدنيا مانعاً صعوده لأعلى واستبدال تيارات هواء باردة به تعمل على تلطيف الحرارة.

وأضاف طنطاوي أن المعدلات العالية من الرطوبة النسبية تزيد أيضاً من الإحساس بالحر، ويتطلع العالم إلى الدورة المقبلة من مؤتمر الأمم المتحدة للتغيرات المناخية الذي يعقد بالإمارات في محاولة للوصول إلى حلول جذرية لمشكلة تغير المناخ.

تأثير ظاهرة النينو

وتوقع كبير علماء المناخ في وكالة الفضاء الأميركية "ناسا" غافين شميت أن يصبح يوليو (تموز) 2023 الشهر الأكثر سخونة على الإطلاق، ليس فقط منذ بدء تسجيل درجات الحرارة، إنما "مئات إن لم يكن آلاف السنين".

وأوضح شميت أن "التغييرات المناخية غير المسبوقة في جميع أنحاء العالم لا يمكن أن تعزى فقط إلى ظاهرة النينو المناخية، فعلى رغم الدور الصغير الذي تلعبه، فإن ما نراه هو سخونة شاملة في كل مكان على الغالب، لا سيما في المحيطات. ومنذ أشهر عدة شهدنا درجات حرارة لسطح البحر حطمت الأرقام القياسية حتى خارج المناطق الاستوائية.

ويتفق كبير متخصصي إدارة المشاريع والموارد المائية والزراعة في الأمم المتحدة أحمد فوزي دياب مع رأي شميت، وقال في تصريح خاص إن المشكلة ليست في درجات الحرارة المرتفعة، الشيء الغريب الذي يحدث هذا العام هو استمرارية للطقس المتطرف، حيث إن الموجة الحارة مفترض انتهاؤها بعد نحو أسبوع، لكنها باتت متواصلة لأشهر، وسط توقعات باستمرارها حتى أغسطس المقبل، وهو أمر أبعد من كونه تأثير ظاهرة النينو.

وشدد دياب على أن ما يحدث في العالم خلال الفترة الماضية أمر غير طبيعي، وسيتأثر عديد من الدول السياحية بتلك التغيرات، ومنها مصر وتركيا وفرنسا واليونان وإيطاليا والبرتغال وإسبانيا، متوقعاً أن تتقلص الأمطار بنسب كبيرة بتلك المناطق في المستقبل، وأن تصل درجات الحرارة فيها إلى 50 درجة مئوية، إضافة إلى تزايد حدوث ظاهرة الهجرة المناخية من أوروبا إلى المناطق ذات الطقس أكثر استقراراً.

 

 

وتوقع هبوط أمطار غزيرة في توقيتات مفاجئة تصل إلى حد السيول والفيضانات في فصل الشتاء بمناطق في أوروبا والشرق الأوسط، وطالب بضرورة التعاون الدولي للحد من آثار تلك التغيرات، متسائلاً "هل وصل العالم إلى الحرب المناخية؟".

ودعت المنظمة الدولية للهجرة في تقرير صادر عنها في يونيو (حزيران) إلى ضرورة إيجاد حلول ملموسة للتعامل مع الهجرة الناجمة عن التغيرات المناخية في منطقة البحر المتوسط، مشيرة إلى أن التغيرات المناخية تسببت في تشريد 305 آلاف شخص في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في عام 2022، بزيادة 30 في المئة عن العام الذي سبقه.

ووفقاً لآخر الأبحاث من الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، فإن أمامنا أقل من 11 سنة لإجراء التحول الضروري لتجنب أسوأ تأثيرات تغير المناخ. ويلزم تخفيض مستوى ثاني أكسيد الكربون في الجو بمقدار 45 في المئة بحلول عام 2030 لمنع تجاوز الاحترار العالمي 1.5 درجة مئوية لتجنب أسوأ تأثيرات تغير المناخ.

وتأثرت اليونان التي تعد من أهم الوجهات السياحية في أوروبا بظاهرة الاحتباس الحراري، فقد أصابتها الحرائق الخانقة منذ نحو أسبوع ملحقة الضرر بمنشآت سياحية.

ووفقاً للناطق باسم فرق الإطفاء يانيس أرتوبيوس في تصريحات صحافية له، فإن حرائق الغابات أدت إلى "إجلاء 2466 شخصاً وقائياً" ليل الأحد/ الإثنين، كما أدى حريق في جزيرة رودوس السياحية أيضاً في جنوب شرقي بحر إيجة السبت الماضي لإجلاء أكثر من 32 ألف سائح خلال أكبر عملية من نوعها تشهدها اليونان على الإطلاق، كما أدت الحرائق إلى إخلاء جزيرة كورفو اليونانية.

وعلى هذا النحو، أعلن رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس، أمس الإثنين، أن اليونان "في حرب" ضد حرائق الغابات المشتعلة في البلاد و"لا يزال أمامنا ثلاثة أيام صعبة" بسبب ارتفاع درجات الحرارة.

وبحسب جمعية المفوضية الأوروبية للسفر التي تأخذ من بروكسل مقراً لها، فإن عدد السياح الأوروبيين الذين يخططون للسفر إلى الوجهات البحرية في المتوسط خلال فصل الصيف والخريف تراجع بنسبة 10 في المئة مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، في حين أصدرت وزارة الخارجية البريطانية تحذيرات في شأن ارتفاع حاد بدرجات الحرارة في كل من إسبانيا واليونان، واندلاع حرائق الغابات في "لا بالما" وبالقرب من أثينا، إلا أن الحكومة البريطانية أحجمت حتى الآن عن إصدار توصيات بـ"عدم السفر".

وشرح أستاذ المناخ بجامعة الزقازيق علي قطب الأسباب وراء حرائق الغابات الخانقة "نتيجة الارتفاع الشديد في درجات الحرارة وظاهرة الاحتباس الحراري، ونظراً إلى ما تنتجه الغابات من كميات أوكسجين هائلة، تنتشر الحرائق بشكل كبير، وينبعث منها دخان يحتوي على أول وثاني وثالث أكسيد الكربون، وينجم عنها غازات سامة، تؤدي إلى تلوث بيئي كبير".

وحول التغيرات الملموسة بفعل التغيرات المناخية، قال قطب في تصريح خاص إن صيف هذا العام يأتي بارتفاع الحرارة في بعض المناطق مؤدياً إلى حرائق مثلما الحال في كندا وأوروبا وأميركا، وتسقط الأمطار وتضرب السيول والفيضانات مناطق أخرى مثل الهند وباكستان والصين، وتظهر الأعاصير في المناطق المدارية والاستوائية، كما يشتد عنف الظواهر الجوية المناخية، فتطول موجات الحر وتسقط الأمطار بغزارة في أوقات غير معتاد عليها.

وأشار إلى أنه حتى الآن يعد صيف هذا العام هو الأعلى في درجات الحرارة المسجلة مقارنة بالعام الماضي بسبب تأثير ظاهرة الاحتباس الحراري وعنف الظواهر الجوية.

اقرأ المزيد

المزيد من بيئة