Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حول تبادل المستقبل

تتجه أوروبا نحو أزمات اجتماعية وجيوسياسية بينما الخليج ودول إقليمية تكثر فيها الآمال بالنسبة إلى الغد

يرى مراقبون أن ما وصفه الأمير محمد بن سلمان، ويخشى الاعتراف به قادة عالميون، هو واقع نسبياً (أ ف ب)

ملخص

نشهد براعم حركة إصلاح وتجديد وتنمية وسلام وتغيير في نقاط عدة من الشرق الأوسط

توقفت عند عبارة أطلقها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في مناسبة عامة، أعلن فيها أن الشرق الأوسط سيتحول إلى أوروبا المستقبل، وكان لهذا التصريح العلني وقع خاص في فهمي لنظرة القيادة السعودية الجيوسياسية ولفهم القائد العربي الشاب لتطور التاريخ المعاصر ومواكبته له.

لم تستوعب نخب واشنطن وبروكسل فكرياً مغزى عبارة الأمير محمد بن سلمان، لا سيما بعد أن أعادت السعودية تموضعها الإقليمي والدولي بعد حرب أوكرانيا وتعمق الأزمة النفطية، وعودة الإدارة الإيرانية للاتفاق النووي وتخليها عن الثورة، وبشكل عام تخلي الغرب عن مجابهة المتشددين الإسلاميين لقاء مكاسب وتحت ضغط اللوبيات.

استنتجت القيادات والنخب في المنطقة العربية أن الغرب دخل في مرحلة تخبط داخلي بين ما يسمى العولميون Globalists والقوميون Nationalist، وما بين مؤيدين للشراكة مع الإسلاميين كأوباما وبايدن، والمواجهين لهم كترمب وبوش من قبله. من هنا قرأ المستنيرون الاستراتيجيون في الشرق الأوسط، قيادات ومفكرين، جزءاً من المستقبل، عبر عنه ولي العهد السعودي في عبارة توقف عندها كثيرون في الغرب.

ما فهمناه من تصريح ولي العهد السعودي أنه يرى أن المنطقة فيها من التطورات، وبخاصة في السعودية ما سيؤدي بها إلى تطور ملحوظ، إما بالاقتصاد أو بالتنمية أو باتجاهات المجتمعات المدنية. 

المستقبل الأوروبي

القارة الأوروبية أنتجت جزءاً كبيراً من الحضارة العالمية لقرون عدة، كما جرت على أرضها أكثر الحروب تدميراً، من الحرب العالمية الأولى، فالحرب الأهلية الإسبانية، إلى العالمية الثانية، إلى حروب البلقان. ولكنها دخلت عصراً ذهبياً منذ سقوط الاتحاد السوفياتي، ودخول دول أوروبا الشرقية تدريجاً إلى الاتحاد الأوروبي. ووصلت ما كان يسمى بالقارة العجوز إلى قمة التقدم الاقتصادي والاجتماعي والفكري تحت مظلة الاتحاد الأوروبي، وعاصمته بروكسل، فكونت مع الولايات المتحدة والدول الأنجلوساكسونية العالم الغربي الجبار والمتحرر، قلب العالم الحر.

ولكن أوروبا لسرعة تقدمها وبسبب إثراء نخبها السريع تناست ملفات كثيرة منذ نهاية الحرب الباردة، ملفات عادت لتهدد استقرارها. ومن أبرزها الصدام الروسي - الأوكراني حول أراض واسعة في شرق أوكرانيا وجنوبها، طالبت بها موسكو منذ عام 1991. وكان بإمكان أوروبا أن تتوسط بين الطرفين خلال التسعينيات لحسم الخلاف، وكذلك بين روسيا وجورجيا في القوقاز. ولكن بروكسل ركزت فقط على عضوية دول أوروبا الشرقية، وتركت الشعبين الأوكراني والروسي يتخبطان على الأبواب الشرقية للقارة. فانهزت دول الاتحاد مرة أولى في عام 2014 عندما سيطرت روسيا على القرم، وصدم الاتحاد بانفجار حرب 2022، وبات الآن عبر الناتو، جزءاً غير مباشر في حرب مع قوة عظمى على أراض أوروبية. وما لم تنته هذه المواجهة الدموية فستكون لها تداعيات في الداخل الأوروبي سياسياً وأمنياً، وربما قانونياً. 

هذا التحدي الجيوسياسي الذي بات يغير ملامح أوروبا ويدخلها في حلقة "الحروب الطويلة"، لكن أوروبا تواجه تحديين أكبر داخلياً حالياً، وهما تصاعد التطرف والإرهاب من ناحية، وموجات المهاجرين غير الشرعيين التي تصيب الجزء الغربي من القارة خصوصاً. ويبدو أن التحديات الديموغرافية والاجتماعية والعقائدية كلها مترابطة، فدول الاتحاد فتحت أبواب الهجرة الواسعة لتستفيد من الأجر المنخفض للعمال المهاجرين، خصوصاً من الشرق الأوسط وأفريقيا. ولكنها، وهنا خطأها، اختارت أن تتساهل وأحياناً أن تدعم الأيديولوجيات المتطرفة الإسلاموية بما فيها التيارات الإخوانية، فكان دعمها يهدد استقرار الشرق الأوسط من ناحية، ومكن هذا القرار التيارات المتطرفة داخل الجاليات المهاجرة من ناحية أخرى. وانبثقت نتائج خطرة عن قرار كهذا، وهو إرهاب تكفيري ضرب دول أوروبية من داخل القارة، من إسبانيا إلى بريطانيا وبلجيكا وألمانيا والسويد والدنمارك وإيطاليا والدنمارك والنمسا وخصوصاً فرنسا، منذ عام 2004. ونتج من ذلك صعود لليمين القومي الذي عارض سياسات الاتحاد الأوروبي وبدأ يعاكس البيروقراطية في بروكسل، فانهارت الثقة بين اليمين والحكومات وبين المهاجرين والمجتمعات، وانفجرت مواجهات واسعة وكانت أخطرها في فرنسا في عام 2005 وهذا العام، ولم تنته جذرياً بعد.

مستقبل الشرق الأوسط

لا يختلف اثنان في أن تاريخ الشرق الأوسط كان مليئاً بالحروب والصراعات القومية والدينية والطائفية والإثنية والعقائدية، وفي العقود الماضية بين المتطرفين والمعتدلين وبين المتشددين والإصلاحيين، ولم يسلم أي بلد في المنطقة من العنف والمواجهات العسكرية والحروب، وأدى ذلك إلى موجات هجرة كبيرة. والوقائع أكثر وأوسع من أن نعرضها، ولكننا نشهد براعم حركة إصلاح وتجديد وتنمية وسلام وتغيير في نقاط عدة من الإقليم، ومعظمها تخرج حالياً من الخليج عموماً، والسعودية خصوصاً. فالإصلاحات السياسية والعقائدية في بعض هذه الدول، وإن كانت نسبية، بحسب مقياس التاريخ، فهي على تصاعد. وعلينا كمراقبين دوليين أن نفهم أن ما يجري في هذه الدول في عقدين من الزمن من إصلاح فكري وعقائدي يساوي نسبياً قرنين أو أكثر في تاريخ أوروبا منذ الطلاق مع العهود الوسطى.

أما على صعيد التنمية والتحديث فما يحدث في السعودية وغيرها يذكر بالتنمية السريعة لشرق آسيا بعد الحرب العالمية الثانية. وإذا حلت أزمات الهلال الخصيب وإيران واليمن وليبيا وغيرها، وتخطت تركيا أزماتها الداخلية والجيوسياسية - وهذا لا يحدث بين ليلة وضحاها - فستكون هنالك عوامل ستساعد في نهضة إقليمية تنموية وتحديثية، ولكن حتى الآن فالتطور الباهر حاصل في السعودية وعند شريكاتها الخليجيات.

أوروبا التي وصلت إلى العلى في الماضي، تواجه مشكلات شرق أوسطية النوع. أما السعودية فهي تبرهن منذ قمة العلا، أن التحول إلى أوروبا الحداثة في الشرق الأوسط ممكن، والتمني أن يحل شطرا البحر المتوسط أزماتهما، ويتجهان سوية إلى الإنسانية الأعلى.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء