Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هجوم أوكرانيا المضاد يضع مصير الرئيس بايدن على المحك

الضغوط والانتقادات أسهمت في تزويد كييف بقنابل عنقودية لتحقيق النصر

فشل القوات الأوكرانية في اختراق الدفاعات الروسية بعد أكثر من شهر على بدء الهجوم المضاد يضع بايدن في موقف صعب (أ ف ب/ غيتي)

ملخص

بينما يتجه جو بايدن إلى حملة إعادة انتخابه فإنه يحتاج إلى نصر أوكراني كبير في ساحة المعركة

بعد 17 شهراً من الحرب في أوكرانيا، ومع إرسال أسلحة متقدمة بعشرات المليارات، يحتاج الرئيس الأميركي جو بايدن لإظهار مكاسب واضحة ونصر أوكراني كبير ضد روسيا، وأي شيء أقل من ذلك سيطرح أسئلة غير مريحة على إدارة بايدن التي بذلت الكثير من أجل دعم أوكرانيا كجزء من معركة صاغتها إدارته على أنها من أجل مستقبل الديمقراطية وحكم القانون الدولي وأنها عدوان لا يستطيع الغرب تحمل خسارته، لكن خيبة الأمل في الهجوم الأوكراني الذي طال انتظاره لأنه لم يوجه ضربته بعد لتغيير مسار الصراع مع القوات الروسية، تهدد مستقبل بايدن وقد تحدد مصيره في الانتخابات الرئاسية، العام المقبل، كعامل بالغ الأهمية لدى الأميركيين الذين يعانون التضخم ومصاعب اقتصادية سببها رفع أسعار الفائدة، بينما تتدفق الأسلحة ومليارات الدولارات إلى أوكرانيا في الوقت الذي يقول فيه الخصم المحتمل في انتخابات 2024 دونالد ترمب إنه يستطيع إنهاء الحرب في 24 ساعة فقط، فما أشكال التأثير المحتمل إذا استمر الهجوم الأوكراني بلا فاعلية؟

بايدن في موقف صعب

وبينما يتجه الرئيس الأميركي جو بايدن إلى حملة إعادة انتخابه في العام المقبل، فإنه يحتاج إلى نصر أوكراني كبير في ساحة المعركة ضد القوات الروسية لإظهار أن دعمه غير المشروط لأوكرانيا عزز القيادة العالمية للولايات المتحدة، وأعاد تنشيط سياسة خارجية قوية يدعمها الحزبان الديمقراطي والجمهوري، وأظهر الاستخدام الحكيم للأسلحة الأميركية المتقدمة.

لكن فشل القوات الأوكرانية في اختراق الدفاعات الروسية القوية بعد أكثر من شهر على بدء الهجوم الأوكراني المضاد يضع الرئيس بايدن في موقف صعب بينما يستعد للمشاركة في قمة حلف "الناتو" التي ستعقد، الأسبوع المقبل، في فيلنيوس عاصمة ليتوانيا من أجل تعزيز الحلف ضد روسيا حيث تمتد الحرب في أوكرانيا وتتأرجح في صيفها الدموي الثاني، بينما يظل مسارها وشكل الحل النهائي للصراع غير مؤكدين حتى الآن، على رغم إصرار كييف على أنها تكتسب زخماً وتحقق تقدماً تدريجاً في ساحة المعركة التي تمتد لمسافة تزيد على ألف كيلومتر.

وحتى قبل أن تبدأ رحلته الأوروبية، بدا أن إدارة بايدن مستعدة لتجاوز قضية خلافية عبر تقديم ذخائر عنقودية لأوكرانيا (تحظرها 100 دولة حول العالم) كجزء من حزمة مساعدات عسكرية جديدة تصل قيمتها إلى 800 مليون دولار، على أمل أن تنجح هذه الذخائر في تدمير الدفاعات الروسية خلال الأسابيع المقبلة من القتال، ومن ثم تكسر الرواية الحالية عن الجمود العسكري في أوكرانيا وتهدئ أي دعوات داخل الولايات المتحدة وبين الحلفاء في "الناتو"، لإعادة النظر في السياسة الحالية، الأمر الذي يشكل أخطاراً كبيرة على الرئيس بايدن الذي قاد 50 دولة أخرى تدعم أوكرانيا في معركة طويلة الأمد تمت صياغتها وتسويقها على أنها من أجل مستقبل الديمقراطية وحكم القانون الدولي والعدوان الذي لا يستطيع الغرب تحمل خسارته.

معركة أميركا والغرب

وخلال الأسبوعين الأولين من الهجوم الأوكراني المضاد، صور الرئيس الأميركي خلال استقباله رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك في البيت الأبيض، المعركة في أوكرانيا على أنها معركة أميركا والغرب، وقال بايدن إنه طلب من الناس تخيل ما يمكن أن يحدث إذا لم تدعم أميركا والغرب أوكرانيا، وما إذا كانت روسيا ستتوقف في كييف، كما حذر من أن الصين أيضاً التي يعتبرها الغرب شريك روسيا في أهدافها للهيمنة على العالم، تراقب الأمر.

ومع عدم تحقيق تقدم يذكر للقوات الأوكرانية في ساحة المعركة، ارتفعت وتيرة الانتقادات السياسية من جانبين متعارضين أولهما يقول إن إرسال عشرات المليارات من الدولارات في شكل مساعدات أميركية لأوكرانيا كان أكثر من اللازم في وقت يسود فيه عدم اليقين الاقتصادي في الولايات المتحدة، بينما يرى فريق آخر أن بطء تسليم الأسلحة الغربية لأوكرانيا ورفض إدارة بايدن توريد أسلحة متطورة وفاعلة مثل الصواريخ بعيدة المدى والطائرات المقاتلة لم يمنح أوكرانيا الأدوات التي تحتاج إليها لتحقيق النصر في هذا الهجوم المضاد.

وزاد من وقع الأزمة التي تواجه بايدن، أن وتيرة الإمدادات العسكرية المحسوبة بدقة، أدت إلى استنفاد ترسانات الولايات المتحدة والحلفاء بشدة، وهي مشكلة ينظر إليها على أنها خطرة في وقت تعزز فيه القوات الصينية من نشاطها في شرق آسيا مع احتمال أن يكون الهجوم المضاد الأوكراني أقل من حاسم لفترة أخرى طويلة من الوقت، بينما يشير مسؤولو البنتاغون إلى أن دعم الحرب في أوكرانيا كشف عن تأخيرات في التصنيع الدفاعي نتجت عن ممارسات قديمة في تطوير الأسلحة، فضلاً عن العجز في خطوط الإمداد وعدد القوى العاملة، الذي تفاقم بسبب وباء "كوفيد-19" وهو ما كشف عنه تقرير أعده مكتب محاسبة الحكومة الأميركية، الشهر الماضي، وقدمه إلى الكونغرس.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتقول صحيفة "واشنطن بوست"، إن النتيجة المشوشة للمكاسب المحدودة التي حققتها القوات الأوكرانية، أخيراً، ستوفر ذخيرة إضافية للانتقادات الحالية وتزيد من الضبابية على النقاش بين "الناتو" والاتحاد الأوروبي حول الموقف المستقبلي تجاه كل من أوكرانيا وروسيا، إذ من المحتمل أن يؤدي أي نجاح أقل من ساحق إلى زيادة الضغط في الغرب لدفع كييف للتفاوض على تسوية إقليمية قد لا ترضيها، وقد لا ترضي أيضاً الرئيس بايدن الذي كان يطمح في انتصار ساحق يؤكد به سلامة موقفه الذي اتخذه منذ البداية بما يعزز فرصه الانتخابية عام 2024.

الجبهة الداخلية

ويشير موقع "بوليتيكو" إلى أن دعم واشنطن الذي تبلغ قيمته مليارات عدة من الدولارات لأوكرانيا واستعدادها لإرسال مزيد من أنظمة الأسلحة المتطورة بشكل تدريجي، لعب دوراً حاسماً في المقاومة المستمرة للهجوم الروسي، لكن هناك شكوكاً متزايدة في شأن استعداد مجلس النواب الأميركي، الذي يسيطر عليه الجمهوريون، للحفاظ على المستوى نفسه من الدعم، إذ جادل بعض الأعضاء المؤيدين لدونالد ترمب بضرورة إجبار الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على مناقشة شروط السلام مع موسكو.

ولكن بالنظر إلى الدعم الديمقراطي الكامل للحرب مع فريق من الجمهوريين في مجلسي الشيوخ والنواب، يبدو أن هناك عدداً كافياً من الأصوات للحصول على مستوى مرتفع من التمويل، على رغم أن واشنطن معرضة لخطر إغلاق الحكومة في الخريف والشتاء وسط خلافات ضارية حول الإنفاق الأمر الذي يمكن أن يبطئ مساعدات أوكرانيا.

التأثير المحتمل

وبينما بدأ بايدن بالفعل حملته الانتخابية الرئاسية لعام 2024، حيث من المتوقع أن ينافس الرئيس السابق ترمب الذي يكرر دائماً قدرته على إنهاء حرب أوكرانيا خلال 24 ساعة فقط، فإن استمرار الجمود على ساحة المعركة يمكن أن يوفر لخصمه فرصة جيدة للهجوم على سياساته وإظهاره كرئيس فشل في توقع نتيجة الحرب على رغم تاريخه السياسي الطويل في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ على مدى عقود.

ومع ذلك، يبدو أن الصورة مشوشة حول تأثير معركة استرداد أوكرانيا لأراضيها، على حظوظ الرئيس بايدن الانتخابية. ويرى البعض مثل العالم السياسي جون مولر أن شعبية الرؤساء تتأثر بما يسمى "الالتفاف حول العلم" أي التلاحم الوطني حول قضية حيوية تمس الوطن وأمنه، وأن الرؤساء يتأثرون بأربعة عوامل هي: المدة التي قضاها الرئيس، ومعدل النمو الاقتصادي أو الانكماش، وانخراط أميركا في حرب أو دعمها الشديد لها، والأحداث المهمة الأخرى في الشؤون الخارجية.

الالتفاف حول العلم

ويشير مولر إلى وجود قدر تأثيرات "الالتفاف حول العلم" على الرؤساء بعد أن يتورطوا في صراعات خارجية أو عندما يواجه الأميركيون تهديدات كبيرة في الداخل، وعلى سبيل المثال، ارتفعت شعبية الرئيس جورج أتش بوش (الأب) بمعدل 20 نقطة في الشهر الذي أعلن فيه حرب الخليج ضد العراق عام 1991، وارتفع تصنيفه بأكثر من 20 نقطة مئوية، كما زادت شعبية الرئيس جيمي كارتر بمقدار 22 نقطة في الشهرين التاليين لبداية أزمة الرهائن في إيران، عندما احتجز المسلحون أكثر من 50 أميركياً في طهران في أعقاب "الثورة الإسلامية".

لكن في السنوات الأخيرة، أدى الاستقطاب السياسي إلى الحد من أي قفزة حقيقية في تقييمات الرؤساء وبخاصة في الأزمات الخارجية، إذ ارتفعت شعبية الرئيس باراك أوباما من ست إلى سبع نقاط فقط بعد الغارة العسكرية التي قتلت أسامة بن لادن (مؤسس وزعيم تنظيم القاعدة السابق)، وعندما أعلنت منظمة الصحة العالمية أنها أطلقت رسمياً وباء "كوفيد-19" كجائحة عالمية عام 2020، نمت نسبة تأييد ترمب بمقدار ثلاث إلى أربع نقاط فقط.

وفي حين سيرحب بايدن بأي تحسن يمكن أن يحصل عليه بعد أن وصلت نسبة تأييده اليوم إلى 46 في المئة، إلا أن احتشاد الأميركيين ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا يعني أنهم سيقفون إلى جانب بايدن، فمن الناحية التاريخية، تلاشت معظم تأثيرات "الالتفاف حول العلم" بشكل ملحوظ في نحو أربعة أشهر، وهذا يعني أن تحقيق نصر عسكري أوكراني حالياً أو خلال أقل من عام لن يكون لها تأثير كبير على حظوظ بايدن الانتخابية، غير أن استمرار الجمود العسكري وعدم تحقيق النصر الذي ينتظره بايدن، قد يكون ورقة رابحة لخصمه الجمهوري في الانتخابات لأن السياسة الخارجية الأميركية كلها ستكون في الميزان.

المزيد من تحلیل