Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أوكرانيا: تمرد "فاغنر" برهن على هشاشة بوتين لكن الفصل للميدان

يعتقد المسؤولون في كييف بأن أي مخاوف كانت تساور الدول الغربية في شأن إرسال أسلحة حاسمة تبددت وأنه من الضروري أن تستمر بلادهم بتلقي الدعم من الحلفاء.

الخطوط الأمامية قرب مدينة باخموت شرق أوكرانيا - حيث كانت قوات "فاغنر" طرفاً في إحدى أشرس معارك الغزو (رويترز)

ملخص

لا أحد يعلم تماماً ما الذي جرى في الكواليس. لكن بالنسبة إلى الأوكرانيين الذين تابعوا مجرى الأحداث بمتعة وقلق، أثبتت الساعات الأخيرة للعالم مدى هشاشة وضعف بوتين

الصمت مدوّ.

السبت الفائت، انهمك يفغيني بريغوجين، بائع النقانق الروسي الذي استحال إلى مرتزق، بتسجيل مقاطع صوتية وفيديوهات مليئة بالشتائم كل ساعتين، أذيعت في كل أرجاء العالم.

وفي هذه التسجيلات، حمّل رئيس مجموعة "فاغنر"، الشركة العسكرية الخاصة، وزارة الدفاع الروسية مسؤولية قصف قواته في منطقة دونباس شرق أوكرانيا. ثم اتهمها بالكذب على البلاد في شأن دوافع الحرب في أوكرانيا، متعهداً بالاقتصاص منها.

بعد ذلك، قطع هو وقواته التي يبلغ عديدها 25 ألف عنصر الحدود من أوكرانيا باتجاه روسيا بلا أية عراقيل، وسيطروا على مدينة روستوف الجنوبية التي تعد المركز اللوجستي العسكري الرئيس للقوات الروسية في إدارة غزوها لأوكرانيا. وأسقطوا مروحيات روسية عدة حاولت وقف زحفهم لمسافة ألف كيلومتر (620 ميلاً) على موسكو. نشرت على الإنترنت مجموعة كبيرة من الفيديوهات التي تظهر أرتال قوات "فاغنر" الضخمة  التي تضمنت دبابات محملة على متن شاحنات وأنظمة بانتسير الصاروخية، وأسلحة مدفعية خزّنها بريغوجين- وهي تتقدم على بعد 200 كيلومتر من الكرملين. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ربما ما يثير القلق أكثر من ذلك هو اقترابها من مواقع رئيسة أخرى مثل بوريسوغليبسك- المدينة التي مروا بجانبها في منطقة فورونيج التي يعتقد بأنها تضم أحد مخازن الأسلحة النووية الروسية الكبرى.

وسرعان ما ردّ فلاديمير بوتين المذعور بنفسه عليه، متهماً إياه بالخيانة والتمرد المسلح. وفجأة، بدا أن روسيا أصبحت على مشارف حرب أهلية دموية يمكن أن تتسبب في مشكلة لبقية العالم. ما الذي قد يحدث إن وقع نزال بين السيد بوتين المحشور في الزاوية من جهة وأمير حرب مجنون من أصحاب المليارات قادر على الوصول إلى مخزون من الأسلحة النووية من جهة ثانية؟

ثم انتهت الأمور فور انطلاقها، على ما بدا. ومقابل حصوله على الحصانة، وافق بريغوجين على نفيه إلى بيلاروس، زاعماً أنه أراد "حقن الدماء". فيما عادت قواته المطيعة أدراجها إلى دونباس. والتقطت آخر صورة له أثناء دخوله إلى مركبة في وقت متأخر من السبت الماضي.

منذ تلك اللحظة، لم ينبس ببنت شفة. أذاع التلفزيون الروسي الرسمي مقتطفات من مقابلة مع بوتين مساء أول من أمس الأحد، لكن بدا أنها سجلت قبل التمرد، ولم يشر فيها أبداً إلى أحداث السبت. بل قال في هذه المقتطفات إن الأولوية بالنسبة إليه هي غزو أوكرانيا.

 

بعدها وقف العالم متسائلاً، ما الذي حدث للتو؟

لا أحد يعلم تماماً ما الذي جرى في الكواليس. لكن بالنسبة إلى الأوكرانيين الذين تابعوا مجرى الأحداث بمتعة وقلق، أثبتت الساعات الـ24 الأخيرة للعالم مدى هشاشة وضعف بوتين كما بطلان حجة الغرب- بحسب تعبيرهم- بأن تقديمه دعماً عسكرياً كبيراً لكييف، يشكل تهديداً بإشعال فتيل حرب عالمية ثالثة.

كما قال لي أحد كبار المسؤولين "تغيّر مستقبل روسيا جذرياً في يوم واحد، هناك نظام أمني عالمي جديد". فالخوف من السيد بوتين باعتباره "الذئب الشرير" الذي يمنع الدول الغربية من إرسال أسلحة رئيسة تحطم.

ويأمل مسؤولو وزارة الدفاع كذلك في أن تقضي كارثة السبت على الاعتقاد بأن حصول أزمة داخلية في روسيا، بدلاً من انتصار عسكري أوكراني، ربما يعجل بنهاية الحرب. 

وقال يوري ساك، مستشار وزارة الدفاع، لـ"اندبندنت": "إن السبيل الوحيد لإعادة إحلال السلام وحماية أوروبا هو في الحرص على إلحاق أوكرانيا هزيمة بروسيا في ساحة المعركة".   

وأضاف "لهذا السبب، من الضروري جداً أن يواصل الحلفاء في الغرب إمدادنا بالدعم العسكري- ولهذا السبب فإن حصولنا على مقاتلات إف 16 بأسرع وقت ممكن أمر في غاية الأهمية". 

 

والأمر الآخر الذي أكدته فوضى السبت الماضي هو أن هذه الأحداث تنذر بنهاية "فاغنر"، بشكلها الحالي في الأقل. إن "فاغنر" جيش روسي خاص لديه تاريخ حافل في أوكرانيا وليبيا وسوريا والسودان ومناطق أخرى من العالم. وكان أداة قيّمة وأساسية بالنسبة إلى بوتين في بداية غزوه لأوكرانيا لكنه تحول إلى شوكة في خاصرته بسبب بريغوجين وفيديوهاته.

وترى تاتيانا ستانوفايا، الخبيرة الروسية المتخصصة في شؤون فاغنر والزميلة الأقدم في برنامج روسيا وأوراسيا في مؤسسة "كارنيغي" للسلام الدولي أنه "حتى لو نجح بريغوجين في اصطحاب أشخاص مقربين منه إلى بيلاروس، لن تكون جماعة فاغنر كما عهدناها، بل عصابة رجال مسلحين".

وأضافت: "يبدو أن بريغوجين خرج من اللعبة السياسية في روسيا، وفاغنر أيضاً ستختفي- باعتبارها منظمة لديها تفويض من الكرملين".

وهذا انتصار للسيد بوتين، بشكل من الأشكال. كانت "فاغنر" في بدايتها ذراع الكرملين الطويلة خلال بداية غزوه الأولي لشرق أوكرانيا في 2014- وشكلت سبيلاً كي تبسط روسيا سلطتها وتفرض التغيير في وقت تحافظ على بعض الإنكار المقبول. ولفترة طويلة، ظل السيد بريغوجين (الذي كان في البداية متعهد طعام للسيد بوتين) ينفي تورطه في الموضوع، حتى إنه فاز بدعوى قضائية رفعها على صحافي بتهمة التشهير بعد أن سماه الأخير علناً مؤسس الجماعة.

وبدأت المنظمة تؤدي أدواراً استراتيجية في حروب روسية عدة بالوكالة، وصولاً إلى فبراير (شباط) 2018، عندما وقعت في مشكلة بعد دخولها في معركة واسعة النطاق مع القوات الأميركية في سوريا، وحينها قُصّت أجنحتها. بعد ذلك، تقلصت نشاطاتها وتحولت عبارة "فاغنر" إلى مصطلح عام تنضوي تحته مجموعة من الشركات الأمنية الخاصة الغامضة.

تغيّر كل هذا في فبراير 2022 حين شن بوتين غزوه على أوكرانيا واحتاج إلى "فاغنر" من أجل مساعدته في الحفاظ على تماسك إحدى أكثر جبهات الحرب دموية: جبهة دونباس. 

تكللت هذه العملية بالنجاح في البداية إلى أن أسس السيد يريغوجين لنفسه قاعدة من المعجبين على "تيليغرام" حيث كان يعبّر مرات كثيرة عن سخطه من نقص الذخيرة وغباء جنرالات موسكو. 

حاولت روسيا أن تضع "فاغنر" تحت لواء وزارة الدفاع لكن يبدو أن هذا ما أسفر عن تحرك قواته اليائس أخيراً نحو موسكو.

جنود سابقون في فاغنر ذكروا لـ "اندبندنت" أنه على رغم كون بريغوجين "ماهراً في التلاعب" بالناس وأنه كان يبث الرعب في نفوس الرجال من أجل إخضاعهم له، بدأ نفوذه يضعف خلال الأشهر الأخيرة وربما لم يكن إخلاص مقاتليه له على الدرجة التي تمناها.

وقال مقاتل سابق مستاء خدم على الجبهة في باخموت خلال الخريف قبل أن ينجح في الهروب إلى أوروبا بمساعدة منشقين "كنت أراقب بداية انهياره منذ فبراير، إذ بدأ الآخرون بتجاهله وأخذت سلطته تتدهور... لقد أغضب عدداً كبيراً من المقاتلين لأنه دفع لهم 60 في المئة فقط من رواتبهم، مما أرغم أسرهم على طرق أبواب شركة فاغنر الأمنية الخاصة للحصول على بعض المال".

 وتنامى الغضب والامتعاض مع إرساله المقاتلين إلى موتهم المحتم، "كأنهم وقود مدافع"، بحسب تعبيره. "كما كان الوضع متوتراً باستمرار بين فاغنر والقوات الروسية النظامية. وتقاتلوا مع بعضهم بعضاً". 

ولهذا يعتقد بأنهم "سيجدون جثة بريغوجين الهامدة" قريباً. وقال الجندي "طالما هو وحده، فهو نكرة. لكن عندما يشعر بوجود دعم له، يصبح قوياً".

ربما يكون بوتين نجا من هذه العاصفة، ويحتمل أن يعود مواطنوه لمساندته. وربما يتعرض بريغوجين لـ"حادثة مؤسفة" في بيلاروس. وقد تتلاشى "فاغنر" باعتبارها فكرة، معه. لكن الأحداث الاستثنائية التي وقعت السبت الماضي أثبتت للعالم ولأي معارض داخل روسيا، بأن بوتين لا يحتكر السلطة ويمسك وحده بزمامها كما الصورة التي عكسها لفترة طويلة. وهذا وحده قادر على تغيير قواعد اللعبة. 

© The Independent

المزيد من متابعات