Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"التهرم السكاني" يأكل تونس الخضراء

البلاد تعاني خللاً في توزيع الثروة نتج منه ارتفاع البطالة وتراجع الخدمات

مخاوف تتزايد من تحول تونس إلى مجتمع متهرم مع تراجع نسبة الشباب (أ ف ب)

ملخص

تحول عدد سكان تونس من 4.5 مليون ساكن خلال الستينيات إلى 12 مليوناً حالياً بينما شهدت التركيبة السكانية متغيرات عديدة طوال العقود الستة الأخيرة، وصلت إلى التحذير من التهرم السكاني في العقدين المقبلين.

تحولات عديدة شهدتها التركيبة السكانية في تونس طوال العقود الستة الأخيرة، من مجتمع فقير يعاني الأمية وقلة الموارد تعداده أربعة ملايين ونصف المليون مواطن، بينما يشهد نمواً سكانياً كبيراً تجاوز ثلاثة في المئة سنوياً، مما دفع بالدولة آنذاك إلى وضع برنامج تحديد النسل وتدعيم الخط الأول للصحة الإنجابية من خلال تشريعات جديدة تسمح باستيراد وإشهار وبيع وسائل منع الحمل والترفيع في السن الدنيا القانونية للزواج للقضاء على زواج القاصرات، وصولاً إلى مجتمع مهدد بالتهرم السكاني تعداده 12 مليوناً حالياً.

ومع تطور المجتمع التونسي وانتشار التعليم ليشمل الإناث والذكور وخروج المرأة إلى العمل، تأخر تدريجاً سن الزواج لدى الشباب من الجنسين، ولم يعد الزواج أولوية ملحة، بل بات التحصيل العلمي والحصول على العمل أكثر أهمية من الزواج.

وتشير الإحصاءات إلى تأخر سن الزواج في تونس بالنسبة إلى الذكور من 26.8 سنة في 1966 إلى 36.2 سنة في 2019، وبالنسبة إلى الإناث من 20.9 سنة إلى 29.4 خلال الفترة نفسها، علاوة على تراجع مؤشر الخصوبة من 7.1 طفل لكل امرأة في سن الإنجاب عام 1966 إلى 2.2 طفل عام 2018.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في الأثناء تفيد الإحصاءات بأن عقود الزواج في تونس تراجعت 36 في المئة، كما تراجع عدد المواليد 28 في المئة خلال العشرية الأخيرة. وتعكس هذه المؤشرات واقعاً مجتمعياً جديداً عمقته الأزمات الاقتصادية والاجتماعية المتتالية وقلة فرص العمل، وانحسار تدرجي للطبقة النشيطة في المجتمع، وفي المقابل تتسع شيئاً فشيئاً شريحة الفئات غير المنتجة وهي فئة المسنين، والتي في المجمل متغيرات قد تحول المجتمع التونسي إلى مجتمع "متهرم" في غضون العشريتين المقبلتين.

كلفة اجتماعية واقتصادية

يعرف المتخصصون "التهرم السكاني" بأنه تحول في الفئات السكانية، واتساع الفئة غير المنتجة (المسنين)، مقابل انحسار الفئة المنتجة (الشباب). هنا يقول المتخصص التونسي في قضايا السكان والتنمية أحمد عبدالناظر، في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، إن "المجتمع التونسي ووفق المؤشرات السكانية الحالية وفي غياب استراتيجيات طويلة المدى لمقاربة هذه التحولات سيكون مجتمعاً متهرماً".

وأضاف عبدالناظر أن "للتهرم السكاني كلفة اجتماعية واقتصادية كبيرة" تجعل الدولة مدعوة إلى "التهيؤ لتلك المرحلة، من خلال وضع الإمكانات الضرورية وتوظيف واستثمار كبار السن في الدورة الاقتصادية حتى لا تبقى هذه الفئة عالة على المجتمع".

ووصف المتخصص في قضايا السكان والتنمية "ظاهرة زيادة عدد المسنين في تونس بأنها تحول ديموغرافي طبيعي، تشهده البلاد وكامل المنطقة العربية، كما شهدته الدول الأوروبية، إلا أن الخصوصية التونسية تتمثل في أن هذا التحول الديموغرافي يسير بشكل أسرع مما حدث في البلدان الأوروبية، وستنتقل الدولة من مجتمع شاب إلى متهرم".

ولفت الانتباه إلى أن "تطور العلم والطب وتحسن مستوى العيش عناصر جديدة محددة في التركيبة السكانية، وسط تراجع الوفيات الرضع، حيث كان في ستينيات القرن الماضي ربع الولادات في تونس يتوفون جراء الأمراض، بينما اليوم ارتفع مؤمل الحياة عند الولادة إلى أكثر من 74 سنة عند الرجال، و78 سنة بالنسبة إلى النساء".

واعتبر أن "الفئة المنتجة قوة افتراضية قادرة على العمل والإنتاج"، داعياً إلى "حسن استغلالها واستثمارها اقتصادياً، من خلال برامج التكوين والتشغيل، لأن هذه الفئة هي التي ستوفر العيش الكريم للمتقاعدين وهي فئة غير منتجة".

أرقام مهمة

يذكر أن نسبة من هم فوق 65 سنة في تونس ترتفع بشكل لافت، إذ أصبحت 10.4 في المئة عام 2021 بعد أن كانت سبعة في المئة عام 2014، بينما تفوق فئة من هم أكثر من 65 سنة نسبة 17 في المئة من مجموع السكان، وهو ما يتطلب برامج وسياسات عمومية خاصة، لأن الكلفة ستتضاعف على الدولة من أجل توفير الأدوية والحاجات الضرورية لهذه الفئات.

في المقابل تراجعت فئة ما بين 15 سنة و39 سنة لتصبح 33.8 في المئة من مجموع السكان عام 2021، بينما كانت في حدود 40.8 في المئة عام 2014. والمفارقة أن الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها تونس جعلت من الفئة النشيطة غير قادرة على الإنتاج والعمل، مما دفع بالشباب إلى الهجرة بحثاً عن موارد الرزق.

ولعل أبرز نتائج "التهرم السكاني" الذي يهدد المجتمع التونسي هو تعميق عجز الصناديق الاجتماعية، وارتفاع كلفة الصحة والرعاية الاجتماعية لفئة المسنين، علاوة على خلل التركيبة السكانية وانخرام التوازنات المالية والاقتصادية.

سياسة موحدة

في المقابل يعمل الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري (مؤسسة عمومية) بتونس، الذي جرى إنشاؤه في سبعينيات القرن الماضي، على تنفيذ السياسة الوطنية في مجال التخطيط السكاني والتنظيم العائلي ليتطور دوره ويشمل تكريس الحق في الصحة الإنجابية، وتجويد الخدمات الطبية والتثقيفية لجميع الفئات العمرية اعتماداً على شبكة من المراكز الصحية الثابتة والمتنقلة.

رئيس دائرة البرامج الفنية بالديوان الوطني للأسرة والعمران البشري في تونس عبدالدايم الخليفي، قال في تصريح خاص، إن "الإرادة السياسية ضرورية لوضع برنامج سكاني واضح المعالم، إلا أنه في غياب المجلس الأعلى للسكان (تم حذفه في 2010) الذي كان يحدد التوجهات الاستراتيجية للبلاد ويضع السياسة الوطنية في هذا الصدد، تضع كل وزارة لها علاقة بالسكان خطتها الخاصة"، مطالباً بتوحيد المجهود الوطني من خلال سياسة وطنية فيها رؤية واضحة واستراتيجيات متكاملة في المجال السكاني.

ونبه إلى "ضرورة قراءة الواقع واستشراف المتغيرات في المجال السكاني مع مراعاة الحاجات الجديدة للسكان في سياقات مجتمعية متطورة"، مشيراً إلى "تراجع كبير للإمكانات البشرية والمادية في الديوان، بينما هو مدعو إلى توفير خدمات جديدة، فما يميز خدمات الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري هي أنها مجانية، وتشمل كل المناطق طوال أيام الأسبوع".

ولم تستفد تونس كما يجب من العائد الديموغرافي عندما كانت نسبة الفئات النشيطة في المجتمع (15 - 59 سنة) 64.5 في المئة عام 2014، والنمو بطيئاً للفئات العمرية المتقدمة (فوق 60 سنة) مقابل تقلص الفئات الصغيرة التي قدرت وقتها بـ23 في المئة، وكان بالإمكان خلق الثروة وتحفيز الاقتصاد على النمو، إلا أن الحاصل هو خلل في توزيع الثروة وغياب الحوكمة، مما أحدث تفاوتاً تنموياً بين الجهات الساحلية والغربية، نتج منه ارتفاع البطالة، وتراجع الخدمات الاجتماعية والصحية، واليوم تواجه البلاد تحدياً جديداً يتمثل في اتساع فئة الأكثر من 65 سنة، وما تتطلبه من كلفة في الرعاية الاجتماعية والصحية، وفقاً للخليفي.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات