Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل انتهت حرب تيغراي أم لا تزال النار تحت الرماد؟

اتفاق السلام لم يمنع وجود صراعات قانونية وسياسية ومواجهات "محدودة" بين المسلحين

 توقف القتال المباشر بين الجيش الإثيوبي وجبهة تحرير تيغراي بعد التوقيع على اتفاق بريتوريا لكن ثمة حروب صغيرة في الظل (أ ف ب) 

ملخص

مفوضية الانتخابات الإثيوبية رفضت اعتماد أي حزب في القوائم الانتخابية المقبلة تحت مسمى "الجبهة الشعبية لتحرير التيغراي"... فما دلالة ذلك؟

مرت ستة أشهر كاملة، منذ توقيع اتفاق بريتوريا للسلام بين الحكومة الفيدرالية الإثيوبية وجبهة تحرير التيغراي، التي أنهت حرباً ضروس دارت لعامين كاملين، في الجزء الشمالي من البلاد، وخلفت ضحايا يعدون بمئات الآلاف من كلا الطرفين وحلفائهما. 

وفي حين توقفت أعمال القتال المباشر بين الأطراف عقب التوقيع على مسودة الاتفاق، إلا أن ثمة حروب صغيرة ظلت تجري ربما تكون أكثر ضراوة عن ذي قبل، فيما يبدو الجزء الآخر منها مجرد حرب نفسية، لمحاولة تثبيت صورة معينة حول الذات أو الآخر، أو لهدف كسر صورة ما حول هذا الصراع الدامي وتداعياته المختلفة.

فهل انتهت حرب التيغراي فعلاً؟ أم لا تزال قائمة وتمارس بوسائل أخرى؟ 

معركة قانونية 

ثمة من يرى أن الاتفاق الموقع في جنوب أفريقيا سيظل سياسياً يخص أطرافه، فيما هناك قضايا قانونية تتجاوز الواقع الذي كرسته معاهدة بريتوريا، ولعل أحد أهم تجليات هذه الحقيقة ما نشرته مفوضية الإنتخابات الإثيوبية الخميس الماضي بشأن رفض "اعتماد أي حزب في القوائم الانتخابية القبلة تحت مسمى الجبهة الشعبية لتحرير التيغراي".

وجاء قرار المفوضية رداً على  مجموعة من مناضلي الجبهة السابقين، تقدموا بطلب لاعتماد حزبهم بالاسم التاريخي التيغراوي نفسه، وفي حين كان من المتوقع رفض طلبهم باعتبار أن هناك وجوداً فعلياً وقانونياً لحزب ظل يشارك في الحياة السياسية الإثيوبية لأكثر من ثلاثة عقود، إلا أن الحجج القانونية التي صاغتها المفوضية في بيانها جاءت مخالفة لكل التوقعات، إذ نفت "الوجود القانوني للحزب الحاكم سابقاً"، كما أكدت أنها لن تسمح باستخدام هذا الاسم من أي طرف حزبي لجهة ارتباطه بـ"أعمال تمرد تخالف الأسس الدستورية للدولة من جهة، وكذلك للنظم الانتخابية المعتمدة من الجهة الأخرى"، وهما إشارتان إلى "إجراء الجبهة لانتخابات بشكل أحادي من دون العودة للمفوضية أو للبرلمان (2020) وإعلان التمرد على حكومة أبي أحمد ومحاربتها في العام نفسه.

وصرحت المفوضية أن قرارها "قانوني ولا يخضع لأي إملاءات سياسية"، مؤكدة  "لو كنا نستجيب للضغوط السياسية، لما أصدرنا قراراً يخالف توجهات الإدارة الحاكمة الآن".

العصا والجزرة 

بدوره أشار المختص في الشأن الإثيوبي ألمايو بيني إلى أن "اتفاق بريتوريا على رغم أنه أسس لواقع سياسي جديد، إلا أن ثمة تدابير قانونية مطلوبة لإحداث انسجام حقيقي بين ما كرسه الاتفاق وما نسخه من أحكام وتشريعات سابقة له". 

ولا يستبعد بيني "أن تكون إدارة أبي أحمد تتعمد إبقاء بعض التشريعات سارية خدمة لمشاريعها السياسية التي من بينها الاحتفاظ ببعض الكروت الرابحة ضد الجبهة"، لافتاً إلى أنه يعتقد أن "أديس أبابا تستخدم سياسة العصا والجزرة في تعاطيها مع جبهة تحرير تيغراي، بخاصة بعد ظهور أجنحة متصارعة داخلها".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأشار ألمايو إلى أن ما يسمى "جناح الصقور" داخل الجبهة يدفع إلى التخلي عن بعض بنود اتفاق بريتوريا، سواء بشكل أحادي معلن أو عبر إجراءات التأجيل والتسويف، ويتهم الحكومة التيغراوية الموقتة برئاسة جيتاشوا ردا بموالاة أديس أبابا، وبالتالي فإن الأخيرة تتحسب لأي تطور سلبي داخل أجهزة ومؤسسات الجبهة، وتستبق ذلك بالإبقاء على بعض التشريعات والإجراءات الكفيلة لتصعيد المواجهة خارج ميدان القتال.

ولفت بيني إلى "إمكان لجوء الجبهة إلى للقضاء للتظلم من القرار الذي اتخذته المفوضية، أو اعتباره قراراً يخص المجموعة التي تقدمت للحصول على اعترافها، وبالتالي اعتمد على أديس أبابا في ضمان خوض الانتخابات". 

تحدي القوى

لعل إحدى أهم النقاط في تحليل سياقات الصراع في تيغراي أنه لا يقتصر على طرفين حتى وإن بدا الأمر كذلك في التناول اليومي لوسائل الإعلام، فالواقع أن هناك ما يمكن تسميته بـ"الكتل الحرجة" المتمثلة في القوى السياسية والاجتماعية الأخرى خارج الطرفين البارزين.

هناك القوى السياسة المعارضة سواء في إقليم تيغراي أو في أديس أبابا التي تتبنى مواقف مغايرة تجاه مجمل القضايا التي يتبناها طرفا النزاع، بخاصة بعد توقيع اتفاق السلام، بينما المعارضة التيغراوية تتوزع بين التيار القومي المطالب بالاستقلال، والفيدرالي الذي يتبنى موقفاً معارضاً لما كرسه اتفاق بريتوريا، إذ يرى أنه بمثابة "وثيقة استسلام" لا تستحضر تضحيات ونضالات التيغراويين.

على الجانب الآخر تيارات تتبنى مواقف متباينة لكنها تتفق على أن التحالف الجديد بين حكومة أديس أبابا والحكومة الموقتة في تيغراي يأتي في إطار تقاسم المصالح، معتبرة أنها "نتاج الضغوط الدولية التي لا تستوعب ما خلفته الحرب الأخيرة"، فضلاً عن أنها "تخلق مسارات آمنة للمتسببين فيها للإفلات من العقوبة". 

وتطرح القوى المسلحة في الأقاليم الأخرى مثل أورميا وأمهرا والصومال والعفر تحديات أمام الدولة المركزية من جهة وأمام عودة الجبهة للحياة السياسية من الجهة الأخرى، بما يعني أن الحرب مستمرة بأشكال وطرق متعددة سواء من القوى السياسية أو المسلحين.

سؤال التحالفات 

من جهته يرى الصحافي الإثيوبي تامرات نيغرا أنه "بعودة التحالف بين الجبهة وحزب الازدهار الحاكم في أديس أبابا فإن البلاد تعود لسياسات الإقصاء والتهميش التي ظلت قائمة لثلاثة عقود"، إذ إن الوضع الحالي "يطرح سؤال الحرب والسلم من جديد، ويسقط كل السرديات التي صيغت عام 2020".

وأشار نيغرا إلى "أن الحملة العسكرية التي قادها الجيش النظامي في إقليم تيغراي كانت تحت شعار إنفاذ القانون"، متسائلاً عن مدى تنفيذه ضد من اعتبروا خارجين عنه، لافتاً إلى أن الحملة التي دفعت الإثيوبيين للتضحية بمقدراتهم هي ذاتها التي تريد إقناعهم أن الخارجين عن النظام وحدهم القادرون على قيادتهم في المرحلة المقبلة". 

ويتوقف تامرات عند بنود الاتفاق الموقع في جنوب أفريقيا برعاية دولية، ليؤكد أنه ينص على "ضرورة معاقبة المتسببين في الحرب"، مشيراً إلى أنهم يعوضون من خلال تقديم الإقليم "غنيمة حرب"، فيما يعاقب من تحالف مع الجيش النظامي مثل القوات الخاصة الأمهرية.

 ويلخص نيغرا الذي كان من داعمي أبي أحمد المشهد بالقول إن رئيس الوزراء الإثيوبي "استنفد كل حيله ومشاريعه السياسية وانتهى إلى واقع (Dead Man Walking) سياسياً"، مؤكداً أن "التحالفات الجديدة تكشف عن فشل النظام السياسي الإثيوبي برمته، وتكرس نظرية أن من يواجه الحكومة بالقوة العسكرية وحده القادر على انتزاع مطالبه حتى إن لم تكن قانونية"، مشيراً إلى أن هذا السلوك سيدفع الإثنيات الإثيوبية الأخرى "لاتخاذ قرار الكفاح المسلح ضد الدولة".

وحذر الصحافي الإثيوبي من أن يؤدي ذلك التنوجه في النهاية إلى "تفتت إثيوبيا وتحولها إلى دولة فاشلة"، موضحاً أن البلاد تحولت الآن إلى "ساحة حرب مفتوحة".  

المزيد من سياسة