Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

اختطاف الرهائن... دراما حربية في مساحة ضيقة

أهدافها إما خاصة أو وطنية أو ثورية أو شريرة كالسرقة أو لطلب فدية أو للمبادلة بأسرى آخرين

ممارسة خطف الرهائن قديمة جداً حيث استخدمت في حالات الغزو والاستسلام والهدنة (أ ف ب)

ملخص

قد تنشب حروب أو عداوات مستمرة بسبب هؤلاء كما هي الحال في عملية رهائن السفارة الأميركية بعيد وصول الثوريين في إيران إلى الحكم.

اختطاف الرهائن جزء من معارك الدول أو الميليشيات أو العصابات، فهؤلاء سلاح من أسلحة الحرب مهما كانت أهدافها ومهما تكن الأطراف التي تخوضها، سواء من أجل مصالح خاصة أو وطنية أو ثورية أو شريرة كالسرقة أو لطلب فدية أو لمبادلتهم برهائن آخرين لدى الجهات الثانية، وقد تنشب حروب أو عداوات بسببهم، كما هي الحال في عملية رهائن السفارة الأميركية بعيد وصول الثوريين في إيران إلى الحكم.

ففي الرابع من نوفمبر (تشرين الثاني) 1979 اقتحمت مجموعة من الطلاب الإيرانيين السفارة الأميركية في طهران واحتجزت أكثر من 60 رهينة أميركية وكانت طريقة الطلاب الثوريين لإعلان القطيعة مع ماضي إيران ونهاية التدخل الأميركي في شؤونها دراماتيكية، إذ أطلق الطلاب سراح الرهائن في الـ21 من يناير (كانون الثاني) 1981 بعد 444 يوماً من بداية الأزمة وبعد ساعات فقط من إلقاء الرئيس رونالد ريغان خطاب تنصيبه.

يعتقد كثيرون من المؤرخين بأن أزمة الرهائن كلفت جيمي كارتر فترة ولاية ثانية كرئيس، وقد كتبت آلاف التقارير عن هذه العملية وتم تصوير مجموعة من الأفلام حولها، بخاصة أن تحرير بعض الرهائن نفذ بعملية شبيهة بفيلم سينمائي، عندما تخفى فريق من الاستخبارات الأميركية تحت ستار فريق تصوير. لكن هذه العملية كانت سبباً لبدء العداوة الأبدية والمستمرة بين الولايات المتحدة والنظام الحاكم في إيران منذ ذلك الحين وما زالت العلاقة بين البلدين متأثرة بذيول عملية الخطف تلك على رغم مرور نصف قرن تقريباً على وقوعها.

الرهينة التاريخية

ممارسة خطف الرهائن قديمة جداً واستخدمت في حالات الغزو والاستسلام والهدنة، وفي الموسوعة الإنجليزية "بريتانيكا" غالباً ما أخذ الرومان أبناء أمراء الولايات والأطراف ليعلموهم في روما الولاء لهم ولغرس أفكار الحضارة الرومانية في هؤلاء الأتباع والتحضير لحاكم مقبل محتمل متشرب بالثقافة الرومانية وإن لم يكن رومانياً، خصوصاً بعد امتداد الإمبراطورية على مساحة العالم القديم كله تقريباً.

تبنى البريطانيون هذه الممارسة في الفترة المبكرة من احتلال الهند، كما فعل الفرنسيون في دول عربية كثيرة خضعت للاستعمار أو الانتداب الفرنسي، تحديداً بلدان شمال أفريقيا، حيث احتجز الرهائن كأسرى حرب من أجل الفدية الكبيرة، أو من أجل فرض تطبيق بنود معاهدة حربية معينة، أو ممارسة الضغط من أجل تحقيق مطالب محددة، وبالطبع فإن طبقة الرهينة أو مركزها أو منصبها وأهميته تحدد حجم المطالب الممكنة من أجل إخلاء سبيلها.

وفي الحروب الحديثة تم أخذ الرهائن أو أسرى الحرب من أجل مبادلتهم مع آخرين لدى الطرف المقابل. كما اتخذ الرهائن كتدبير انتقامي لضمان مسائل تتعلق بمعاملة الأسرى والمرضى والجرحى، ويحظر اتفاق جنيف عام 1949 الأعمال الانتقامية ضد أسرى الحرب ويحق للأشخاص الذين يؤخذون رهائن المعاملة كأسرى حرب، خصوصاً في حال أخذ الرهائن لتقييد أو إخضاع السكان المدنيين لأنظمة مفروضة من قبل المحتل، ولجأت دول المحور إلى هذه الممارسة على نطاق واسع خلال الحرب العالمية الثانية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في كتاب بعنوان "الرهائن: الدوافع والقرار والتكيف والآثار" نشرته مطبعة جامعة "كامبريدج"، كتب الباحثان ديفيد ألكسندر وسوزان كلاين أن "أخذ الرهائن له تاريخ طويل كطريقة ذات فاعلية متفاوتة لتأمين تنازلات من الأفراد والمنظمات والحكومات. وفي الآونة الأخيرة أصبح تكتيكاً شائعاً بين المنظمات الإرهابية".

و"أخذ الرهائن" مصطلح يشير إلى احتجاز فرد أو مجموعة أفراد ضد إرادتهم ومن دون سلطة قانونية لدافع معين، وكلمة "اختطاف" kidnapping مشتقة من جذرين "طفل" (kid) و"قيلولة" (nap) وارتبطت للمرة الأولى بسرقة الأطفال لترحيلهم إلى مستعمرات أميركا الشمالية لأغراض العمل.

في التاريخ المعاصر يأخذ المجرمون رهينة في محاولة لتأمين هروبهم أو لحث أحد أفراد أسرته أو أصدقائه أو زملائه على فعل معين مثل سحب أموال للفدية، وفي أميركا الجنوبية على وجه الخصوص يعد "الاختطاف السريع" ظاهرة شائعة وينطوي على طلب فدية صغيرة يمكن للأسير دفعها بسهولة.

وفي الآونة الأخيرة انتشر أخذ الرهائن تحت دوافع سياسية من قبل المنظمات الإرهابية لتحقيق بعض الأهداف مثل المطالبة بخروج المحتل كما كانت الحال في العراق بعد الغزو الأميركي وفي لبنان قبل الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 وبعده، وشهدت الحرب اللبنانية عمليات خطف رهائن كثيرة، وبعض هؤلاء شخصيات سياسية وإعلاميون معروفون عالمياً، وأدت إحدى هذه العمليات إلى مقتل الباحث السوسيولوجي الفرنسي المنحاز إلى القضية الفلسطينية ميشال سورا.

واحتجاز الرهائن وقع في كل الحروب التي يقوم بها جيش على أرض ليست أرضه، كما جرى في حرب فيتنام، أو في الحرب الكوبية بعد انتصار ثورة كاسترو فيها، أو في حروب البلقان خلال تسعينيات القرن الـ20، وانتشرت في الفترة التي ظهر خلالها تنظيم "داعش" مقاطع فيديو تصور عملية قطع رأس الرهينة أو إحراقه.

ويشير اختصاصيون في عمليات التفاوض على إطلاق الرهائن أن المفاوضات وعمليات الإنقاذ تصبح أكثر صعوبة وتعقيداً في حال تم احتجاز الرهائن بينما السكان المحليون معادون للبلد الذي يحمل الرهينة جنسيته.

وبينت جهود الإنقاذ الفاشلة مدى خطورة التدخل المسلح على حياة الرهائن، إذ أسفرت محاولة السلطات الألمانية إنقاذ فريق المصارعة الإسرائيلي الذي احتجزته مجموعة "أيلول الأسود" كرهينة في أولمبياد ميونيخ عام 1972 عن مقتل جميع الرهائن، وأدى التدخل المسلح رداً على خطف الرهائن في مسرح دوبروفكا في موسكو عام 2002 وبعدها في مدرسة بيسلان عام 2004 إلى مقتل 130 و334 رهينة على التوالي، لذا بات التفاوض من أجل إنقاذ أرواح الرهائن معتمداً على نطاق واسع ويستهلك وقتاً ومن ثم يساعد على الحد من مستويات الإثارة لدى الجناة والرهائن على السواء، بينما تجمع السلطات المعلومات الاستخباراتية.

متلازمة ستوكهولم

يمكن تقسيم دوافع أخذ الرهائن إلى "تعبيرية" كمحاولة لإبراز شكوى أو مطالب معينة أو التعبير عن إحباط ما، ودوافع "مفيدة" كالحصول على فدية وقد يتم إخفاء الدوافع المادية (مثل الفدية) من خلال تغليفها بمناحٍ دينية وسياسية وأخلاقية مزعومة، وربما تبيع بعض الجماعات الرهائن إلى أطراف أخرى لأغراضها الخاصة.

كما أن وتيرة اختطاف الأفراد الأجانب زادت بشكل ملحوظ في أفغانستان منذ الغزو الأميركي عام 2001 ومما يؤسف له أن عدد القتلى بين الرهائن مرتفع في أفغانستان والعراق. ومن السمات المقيتة بشكل خاص لأخذ الرهائن في هذين البلدين عمليات إعدام الرهائن المسجلة بالفيديو مثل إعدام نيكولاس بيرغ (رجل أعمال أميركي) ورونالد شولتز (مستشار أمني أميركي) وبثهما.

ومن المناطق الأخرى التي أصبحت شديدة الخطورة في مسألة أخذ الرهائن نيجيريا وكولومبيا، حيث تنفذ معظم الحوادث من قبل العصابات الإجرامية للحصول على فدية، مثل حركة تحرير دلتا النيجر، وغالباً ما تكون الفدية في كلا البلدين على نطاق متواضع لضمان إمكان دفعها ويشار إلى هذه الإستراتيجية أحياناً باسم "الاختطاف السريع". وزادت وتيرة حوادث احتجاز الرهائن في كولومبيا بنسبة 1600 في المئة بين عامي 1987 و2005 وكانت الدوافع إجرامية إلى حد كبير لتحقيق مكاسب مالية وليست سياسية.

على رغم أنه ينظر إليها عادة على أنها من بين التأثيرات الناتجة من أخذ الرهائن، فإن "متلازمة ستوكهولم" يمكن أن تكون وسيلة للتأقلم والبقاء على قيد الحياة لأنها تمكن الرهائن من التعامل مع الظروف القاسية.

صاغ هذا المصطلح للمرة الأولى عالم الجريمة نيلز بيجيروت لوصف ردود الفعل غير المتوقعة للرهائن أثناء غارة مسلحة على بنك في السويد عام 1973 وبعدها، ولوحظ أنه على رغم تعرض الرهائن، وكانوا ثلاث نساء ورجل واحد، لحال تهدد حياتهم، فقد أقاموا علاقات إيجابية مع خاطفيهم إلى حد المساعدة في تمويل دفاعهم بعد إلقاء القبض عليهم.

ليس من الواضح لماذا يتفاعل بعض الأفراد بهذه الطريقة بينما لا يتفاعل آخرون، ومع ذلك فإن بعض الظروف تزيد من احتمال تفاعل أو نشاط "متلازمة ستوكهولم". ففي الغارة المسلحة على بنك Sveriges Kredit في ستوكهولم عام 1973 لوحظ أن الرهائن الأربعة بدأوا في تطوير مشاعر إيجابية تجاه خاطفيهم الذكور والعكس صحيح.

وفي نموذج آخر مختلف يمكن استعادة مثال باتي هيرست، وهي ابنة أحد الأقطاب الأثرياء في الولايات المتحدة التي أظهرت رد فعل مماثلاً، فبعد أن اختطفت وتم الاعتداء عليها جنسياً من قبل أعضاء جيش التحرير السوداني، اختارت البقاء كعضو في هذا الجيش على رغم عرض إطلاق سراحها. وفي وقت لاحق ألقي القبض عليها خلال عملية سطو على بنك مع أعضاء جيش تحرير السودان وقضت سنتين في السجن قبل أن يخفف الرئيس كارتر عقوبتها. وقد استبعدت هي نفسها "متلازمة ستوكهولم" وجادلت بأنها اختارت بوعي البقاء والعمل مع خاطفيها السابقين لضمان بقائها على قيد الحياة خوفاً من قتلها لأنها كانت تعرف كثيراً عن جيش تحرير السودان.

تم تصوير "متلازمة ستوكهولم" بطرق مختلفة، بما في ذلك "التماهي مع المعتدي"، وربما ينظر إلى هذا النوع من التعاطف على أنه شكل من أشكال الإنكار، بحيث يخدع الأسرى أنفسهم حين يقتنعون بأنهم لم يعودوا معرضين لخطر الأذى وأنهم يتحكمون في مصيرهم أثناء خطفهم.

المزيد من تحقيقات ومطولات