Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الطماطم... "المجنونة" التي تفرض نفسها على الموائد

بدأ استخدامها كوصفات طبية وأصبحت سيدة المطبخ الإيطالي التي تزين الأطباق المتنوعة على رغم الخلاف بين كونها فاكهة أو خضراوات

الطماطم هي الثمرة الأكثر انتشاراً واستهلاكاً اليوم (أ ف ب)

ملخص

هل كان يمكن أن يستمر المطبخ الإيطالي كواحد من أشهر وأعرق وأكثر مطابخ العالم شعبية من دون "البندورة" أو التفاحة الذهبية مثلما أطلقوا عليها في بداية معرفتهم بها، نظراً إلى أن لونها كان برتقالياً فاتحاً ومشعاً وكأنها مضيئة؟

إذا كان المصريون يتندرون على الطماطم بأنها مجنونة نظراً إلى تقلبات ثمنها وفقاً لمواسم زراعتها وكم المعروض منها في مقابل الطلب، فإن الأوروبيين بمن فيهم الفرنسيون والإيطاليون اعتبروها طعاماً ساماً وشريراً وكانوا لا يقربونها، وعلى رغم شيوع استعمالها في بعض الوصفات الطبية في وقت من الأوقات إلا أنها لم تدخل إلى وجباتهم إلا بعد قرابة قرنين من معرفتهم بها.

فهل كان يمكن أن يستمر المطبخ الإيطالي كواحد من أشهر وأعرق وأكثر مطابخ العالم شعبية من دون "البندورة" أو التفاحة الذهبية مثلما أطلقوا عليها في بداية معرفتهم بها، نظراً إلى أن لونها كان برتقالياً فاتحاً ومشعاً وكأنها مضيئة، وعلى الأرجح كان المطبخ الإيطالي كثيراً سيفقد من شعبيته إذا غابت عنه الطماطم، باعتبارها مكوناً لا يمكن الاستغناء عنه في أطباقه المحبوبة واللذيذة.

وبلد "الباستا" و"البيتزا" و"اللازنيا" كانت تعد الطماطم نباتاً مكروهاً بل وشريراً، لكنها حالياً وفقاً لإحصاءات منظمة الأغذية والزراعة بالأمم المتحدة "فاو" لعام 2021 سادس دولة منتجة لهذا المحصول بما يزيد على 6.5 مليون طن سنوياً، وتتميز بإنتاج أنواع شتى تستخدمها في وصفاتها ذائعة الصيت عالمياً، إذ يعتبر كثير من الذواقة أن المطبخ الإيطالي رقم واحد بالنسبة إليهم في أوروبا، وهو مفضل لدى شعوب شتى بأطباقه الغنية والمنوعة التي تعد الطماطم نجمتها.

 

 

مراحل كثيرة مرت بها تلك الثمرة التي يعتبرها الطهاة نوعاً من الخضراوات، بينما هي في علم النبات فاكهة على رغم أن طعمها ليس حلواً، ولكن نكهتها التي تتدرج حموضتها وفقاً لأنواعها التي تتجاوز 8 آلاف، تجعلها ملكة متوجة على عرش كثير من المطابخ العالمية، فهي تصلح للأكل طازجة من دون إضافات أو كمكون أساس للسلطات، وكذلك أنواع الحساء وحتى بعض المربيات وأنواع شتى من الصلصات، وتمثل الكاتشب الذي لا يفارق الموائد ويضعه عدد من الناس إلى جوار معظم مأكولاتهم، فكيف صالحها العالم بعدما كان يخشاها ولا يقربها؟

إسبانيا نقطة الوصل

التعقيدات السياسية كانت لها كلمتها في كل ما يتعلق بانتقال المعرفة "المطبخية" وما يتعلق بأنواع البذور والمحاصيل، واتفقت المراجع على أن الطماطم انتقلت إلى عموم أوروبا من طريق أميركا الجنوبية حينما احتلتها إسبانيا مع بعض مناطق أميركا الشمالية، والذي بدأ من نهاية القرن الـ15 واستمر إلى نهاية القرن الـ19، ومن إسبانيا إلى إيطاليا في القرن الـ16.

 وعلى ما يبدو فإن الطماطم لا تزال مؤثراً قوياً جداً في الثقافة الإسبانية اقتصادياً، إذ تنتج نحو 4 ملايين طن سنوياً، ومجتمعياً وعلى مستوى العادات الغذائية وحتى الترفيه، فإلى اليوم يقيم الإسبان نهاية كل صيف مهرجان الطماطم "لا توماتينا" في شرق البلاد، وتحديداً في مدينة بونيول حيث يتراشق المشاركون بأكثر من 100 طن من الطماطم الناضجة وسط احتفال مبهج يجذب نحو 20 ألفاً من السياح من مختلف الدول، وهي العادة التي ترجع إلى نحو 79 عاماً مضت حينما تراشق اثنان كان يتشاجران بكميات هائلة من البندورة أخذوها من متجر مجاور لهما، وأصبحت المعركة حامية الوطيس وتحولت الساحة إلى مزيج من السوائل الحمراء المختلطة بأرض الشارع، حيث يعاد إحياء هذه الذكرى سنوياً.

 وعلى رغم الانتقادات التي تطاول المحتفلين بهذا الطقس واتهامهم بعدم الاكتراث لأزمة الغذاء العالمية المتفاقمة، إذ يهدرون أطناناً من الثمار بهدف المزاح فقط، إلا أن هذا التقليد لا يزال له جمهوره ومحبوه.

 صديقة الموائد

وبالعودة لبدء انتشارها فإنها راقت لسكان الجنوب الإيطالي المطل على البحر المتوسط، حيث يتشابه نظامهم الغذائي مع سكان إسبانيا من ناحية الاعتماد على الخضراوات وزيت الزيتون والمكونات زهيدة الثمن، مما عرف في ما بعد بحمية البحر المتوسط، حيث كان أهل الجنوب الإيطالي أكثر فقراً من نظرائهم في الشمال، ومن ثم اعتمدوا على أنواع بسيطة من الزراعات.

 

 

البداية كانت عند بسطاء القوم الذين وجدوا ضالتهم في هذا النبات طيب الطعم الذي ينمو بأنواع مختلفة وألوان عدة، أصفر وبرتقالي وأحمر غامق وأحمر داكن وحتى الأرجواني والبرتقالي، ويمكن تناوله كيفما اتفق، ولكن وفقاً للمعلومات أيضاً فإنه لم يكن يسبب لديهم أية مشكلات في الهضم أو آلام المعدة أو عوارض تتعلق بضربات القلب، مثلما اتهمه علية القوم.

وعلى ما يبدو أن التفسير المرجح هنا الذي اتفق عليه كثير من المؤرخين أن الأغنياء كانوا يستعملون أواني من القصدير ومعادن أخرى من شأنها التفاعل مع الأحماض الموجودة في ثمرة الطماطم مما كان له تأثير في الصحة، بينما كان الفقراء يكتفون بأطباق مصنوعة من الأخشاب لم تكن تتفاعل مع مكونات البندورة، لذا فالعالم مدين لذوي الدخل المحدود الذين عرفوا الطماطم أولاً ولم ينعتوها بالشر والسمية، بل كانت صديقة موائدهم البسيطة، إذ كانوا أيضاً يخزنونها بطرق يسيرة تعينهم على الأيام الصعبة، وتوفر لهم ملاذاً غذائياً وقت شح الموارد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

فيما لدى إيفا دل سولداتو المهتمة بتاريخ الفلسفة الغربية وتعمل أكاديمية في "جامعة بنسلفانيا" بالولايات المتحدة الأميركية وجهة نظر، إذ توضح بشكل تفصيلي طريقة تعامل الأوروبيين مع تلك الثمرة، وهي أن الطماطم اعتبرت شبيهة بالباذنجان في طريقة نموها وزراعتها والذي كان طعاماً مكروهاً ويسبب مشكلات في المعدة وفقاً لطريقة طهوه وقتها، كما أنها كانت نباتاً بارداً ولم يكن كذلك شيئاً مستحباً أبداً استناداً إلى آراء غالنيوس في الطب اليوناني القديم، ومن ثم اُستبعدت من الولائم.

ووفقاً لما جاء في "سي إن إن" أيضاً فإن اختصاصي لغات العصور الوسطى واللغات الحديثة في "جامعة أكسفورد" وصاحب كتاب "كيف وقعنا في حب الطعام الإيطالي" دييغو زانكاني، يرى أن الاكتشافات الطبية قادت تدريجياً إلى التقرب من هذه النبتة، وبخاصة أن ثمارها غير الناضجة كلية كانت تستخدم في علاج الأمراض الجلدية بفضل ما تحويه من فيتامين "C"، مشيراً إلى أنها ظلت فاكهة مربكة ومثيرة للاهتمام، ولكن حينما توضع في الأطباق ينظر إليها على أنها خطرة، وتدريجياً باتت أليفة بفضل فوائدها الواضحة وميزاتها الكثيرة.

فاكهة أم خضراوات؟

الفرنسيون كذلك رفعوا معدل الثقة في الطماطم باستخدامها في المطاعم الفاخرة نهاية القرن الـ18، وبهذا قطعت شوطاً مهما ناحية اعتمادها بثقة لدى الجماهير العريضة والنخبة على السواء، فوفقاً لكتاب "الطعام الذي غير التاريخ: كيف شكل الطعام الحضارات من العالم القديم إلى الحاضر" للكاتب ومقدم البرامج والمراسل الأميركي الشهير كريستوفر كومو، فإن الطماطم واجهتها عقبات كثيرة بينها صعوبة نقلها من بلد إلى آخر، إذ كانت تفسد سريعاً، وبخاصة حينما كان يعتمد على طرق التخزين والنقل البدائية، كما واجه مزارعوها في الولايات المتحدة مطلع القرن الـ19 أزمة كبيرة نظراً إلى ارتفاع قيمة الضرائب عليها باعتبارها مصنفة على أنها فاكهة، ولكن رضخ علماء النبات وقتها ودونوا ملاحظاتهم على أنها خضراوات نزولاً على رغبة المزارعين فقط من أجل هذا الغرض، ولكن تدريجياً تلاشت كل تلك العقبات، إضافة إلى أنها وفقاً لكريستوفر كومو أصبحت تزرع في جميع المواسم متحدية عقبات الطقس منذ أربعينيات القرن الماضي، حيث انتشرت منذ ذلك الوقت الصوبات الزجاجية من أجل الاستمرار في إنتاجها على مدار العام.

والطماطم اليوم هي الثمرة الأكثر انتشاراً واستهلاكاً، وينتج منها العالم بقاراته السبع بحسب "منظمة الفاو" نحو 190 مليون طن سنوياً، وتتمتع بشعبية وقبول كبير في الطعم، ولا تضاهيها في الانتشار سوى البطاطس بكل أنواع وأطياف وصفاتها، ولكن قد تتفوق الأولى نظراً إلى أنها يمكن أن تؤكل طازجة ونيئة من دون طهو.

 

 

 وبحسب الموقع التابع لكلية الطب في "جامعة هارفارد" فإنها تحوي مادة ملونة أساسية وهي الـ "ليكوبين"، إحدى أشهر المواد المضادة للأكسدة والمرتبطة بشكل وثيق بالتقليل من خطر السكتات الدماغية.

 ووفقاً لأبحاث عدة أجراها اختصاصي التغذية في كلية الصحة العامة في "جامعة هارفارد" إدوارد جيوفانوتشي، فإن اتباع نظام غني بتلك المادة من شأنه أن يقلل أخطار بعض أنواع السرطان، مثنياً على من يفضلون تناول الطماطم طازجة ونضرة.

الاستعمار الغذائي

عربياً تأخذ الطماطم أسماء عدة، فهي "بندورة" في بلاد الشام و"قوطة" أو طماطم في مصر كما كانت تسمى "البرتقال الإنجليزي" في العراق، ولكن من كان يصدق أن المطبخ العربي بكل تنويعاته يتضمن مئات الوصفات المعتمدة على تلك الثمرة بشكل أساس، لدرجة أن هناك طبقاً شهيراً يسمى "قلاية بندورة"، إذ لم نكن نعلم شيئاً عنها حتى قبل نحو 100 عام، أو على أكثر التقديرات تفاؤلاً قبل قرن ونصف القرن، فلم تذكر المراجع التاريخية المهتمة بالزراعة والطهو شيئاً عنها قبل تلك الفترة، ففي العراق مثلاً لم تعرف الطماطم إلا بعد أعوام من وقوعها تحت الاحتلال الإنجليزي، أي بعد نحو عقدين من القرن الـ20، وتدريجياً أصبحت أساسية في المطبع العراقي، والحال نفسه في مصر حيث تأرجحت المعلومات بين معرفة السكان بها نهاية القرن الـ19 ومطلع الـ20، أي بالتزامن كذلك مع وقوع البلاد تحت الانتداب البريطاني، إذ جلبت مع المحتل بعد انتشارها في عموم أوروبا، ولكن اليوم تعتبر مصر الدولة العربية الأكبر في ما يتعلق بإنتاج هذا المحصول بواقع 6.2 مليون طن سنوياً وفقاً لمنظمة "فاو".

والسياسة حاضرة دوماً في قصة انتشار الطماطم في العالم، وتوازياً مع الاستعمار العسكري والسلطوي كان هناك أيضاً استعمار غذائي، إذ ترافق انتقال زراعة الطماطم مع كثير من الحوادث السياسية الكبيرة، كما أن هيمنة الولايات المتحدة الأميركية على كثير من الدول سياسياً وعسكرياً خلال عقود سابقة كانت سبباً مباشراً في انتقال هذا النبات إلى تربتهم أو إلى موائدهم، نظراً إلى التوسع زراعتها لديهم، إذ نقلها إليهم المهاجرون الإيطاليون تدريجياً، لتكتسح الأسواق في مختلف القارات في ما بعد، نظراً إلى مذاقها الشهي وتعدد نكهاتها ووصفاتها التي لا تعد، لتحدث ما يشبه الثورة في مجال الغذاء العالمي.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات