Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التصفيق متلازمة تاريخية متعددة "الأكف"

استخدمه نواب البرلمان البريطاني تعبيراً عن الرفض وارتبط بثقافة الاستهزاء

البحوث التاريخية في الملاحم القديمة تقول إنه يمكن العثور على أدلة التصفيق كتلك في محاورات أفلاطون (الحقوق محفوظة - مواقع التواصل)

ملخص

 من أشهر أمثلة التصفيق للإعجاب ما حدث مع عازف الجاز الشهير مايلز دايفيس الذي استعيد إلى خشبة المسرح 36 مرة بتصفيق كان يزداد حدة كل مرة، خلال حفل قدمه في المسرح الوطني اللندني عام 1971

لطالما كان فعل التصفيق باليدين محملاً بالدلالات في كل المجالات من الفنون إلى السياسة والرياضة وتشجيع الأطفال، ويمكن أن يكون وسيلة لتشجيع ودعم أشخاص يواجهون تحديات أو يقومون بمجهودات استثنائية، وبشكل معاكس قد يستخدم للتنبيه وإثارة الضجيج والاعتراض في مناسبات معينة.

ومن المحتمل أن ضرب الكفين بعضهما ببعض للتعبير كان مستخدماً في طقوس دينية أو اجتماعية احتفاء بشخص ما أو إظهاراً للتأييد، ومع مرور الزمن أصبح التصفيق جزءاً من العادات والتقاليد الاجتماعية في معظم الثقافات.

خلال العصور الحديثة بات التصفيق وسيلة تعبير شائعة في العروض الفنية والرياضية والمؤتمرات والمناسبات العامة، وبحسب الدور الذي يؤديه التصفيق في العصور الماضية والحديثة يمكن القول إنه يدل على التقدير والاحترام لأفراد أو فرق يقدمون جهوداً مميزة أو يحققون إنجازات ملحوظة، وقد يدل على الإعجاب بمقطوعة موسيقية أو عمل فني أو التأثر بخطابات ملهمة لدرجة تستحق التصفيق، وربما العكس، فإن عدم التصفيق هو إشارة سلبية إلى عدم الإعجاب أو الرضا.

ومن الأمثلة الشهيرة التي يمكن ذكرها عن التصفيق الكبير دلالة على الإعجاب ما حدث مع عازف الجاز الشهير مايلز دايفيس الذي استعيد إلى خشبة المسرح 36 مرة، بتصفيق كان يزداد حدة في كل مرة خلال حفل قدمه في المسرح الوطني اللندني عام 1971.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي بعض الأحيان قد يكون التصفيق محل تعبير عن امتعاض أو عدم رضا، فيأتي كمقاطعة للمسرحي أو للخطيب أو يتم ضرب الكفين ببعضهما بطريقة سريعة ومتواترة تدل على غضب أو عدم رغبة بإكمال ما يتابعه الجمهور أو الحاضرون، أو يتم الأمر بطريقة سلبية، أي بعد التصفيق بتاتاً، كدليل على عد الإعجاب.

وعلى سبيل المثال في البرلمان البريطاني عندما لا تعجب النواب أقوال أو إجراءات الحزب المنافس يقومون بالتصفيق كدليل على الاعتراض أو عدم الترحيب، وهذا التقليد القديم يسمى "التصفيق الساركاستيكي" أو "التصفيق الاستهزائي"، ويكون عادة مصحوباً بإيحاءات ساخرة من الحزب الآخر.

ولا يكون التصفيق على وتيرة واحدة طوال الوقت، فالتفاوت في مستوى تحريك اليدين خلال التصفيق لا يقل أهمية في دلالاته عن طول الفترة التي يجري التصفيق خلالها، وكذلك في عدد المرات التي يصفق فيها الجمهور عند نهاية عرض فني معين، فالتصفيق المتسارع قد يدل على إعجاب شديد، وفي كثير من الأحيان يكون بمثابة مطالبة للفنان بأن يعيد المقطع الفني الآنف الذي لقي استحسان الجمهور.

وقد يبدي الفتور في التصفيق عكس ذلك، ويعني التصفيق بضربات متواترة معان مختلفة بين الاعتراض الشديد أو الإعجاب الشديد بين المصفقين.

أم كلثوم

الكاتب المسرحي الإيمائي اللبناني فائق حميصي علق في إحدى دراساته قائلاً إن التصفيق كان له دور بارز في حفلات أم كلثوم، تعبيراً عن الإعجاب بالمقطع الغنائي المنتهي وطلباً لإعادته بأسلوب التصفيق الجماهيري الذي يقاطع المقدمة الموسيقية للمقطع الغنائي الجديد، استعادة للمقطع السابق.

وكان نقاد الحفلات الموسيقية، وفق حميصي، يتحاملون على جمهور أم كلثوم بسبب طمعه وجشعه في تلبية رغبته الدائمة بالإعادة، حتى إن التصفيق قد يأخذ وجهاً مغايراً في حفلاتها عندما تبدي كوكب الشرق رغبتها في عدم الإعادة، إما دلالاً فنياً أو إرهاقاً أو رغبة في الانتقال إلى المقطع التالي.

ولكن لا بد من الإشارة إلى أن الثقافات المختلفة قد تحتفل بالتعبير عن التقدير بطرق أخرى غير التصفيق، فعلى سبيل المثال في الثقافات الآسيوية لم يكن التصفيق متعارفاً عليه كوسيلة تعبير عن الرضا أو التقدير، بل كان الأمر يتم بالصفق بأطراف الأصابع بدلاً من اليدين، كما في اليابان وكوريا والصين، إذ يعتبر التصفيق طريقة غير مألوفة للتعبير عن التقدير.

بينما في بعض المجتمعات الأفريقية يمكن أن يتم التعبير عن التقدير والاحترام بطرق أخرى مثل الغناء والرقص والتصفيق بشكل هادئ أو الترحيب بأصوات اللسان، وكذلك الأمر في الثقافات الأميركية الأصلية، إذ يعتبر التصفيق تدخلاً في السير الطبيعي للأداء ويفضل الهدوء والإنصات الاحترامي كوسيلة للتعبير عن التقدير.

الأسلوب المبرمج

يعود تاريخ التصفيق في المسرح للعروض المسرحية الإغريقية، إلا أن هدفه لم يكن إبداء الاستحسان نظراً إلى أن حضور المسرحيات كان واجباً اجتماعياً، بل كان يتم في نهاية العرض وبطلب من أحد الممثلين لتحية الممثلين في بعض الأحيان، أما جمهور المسرح الروماني فعرف نوعاً من التحية في نهاية العرض أطلق عليها بعض الباحثين تسمية التصفيق الصامت، وهي عبارة عن وقوف المشاهدين والقيام بحركة باليدين تشبه إرسال القبل للمؤيدين، بحسب دراسة حميصي.

إلا أن التصفيق كوسيلة تعبير خارج المسرح تعود لتاريخ أقدم بكثير من الإغريق، إذ يعتبر برنامج الذكاء الاصطناعي في رده على سؤال عن تاريخ التصفيق بقوله إنه وسيلة تعود لتاريخ قديم سابق على استقرار البشر في المدن، إذ كان يستخدم في العبادات والصلوات وبعض الشعائر الدينية أو الشعوذة السحرية، فيكون تصفيق اليدين لإصدار أصوات تستحضر أو تستبعد الأرواح، ولم يكن في حينه تعبيراً عن الإعجاب قبل أن يحوله الإغريق إلى وسيلة محددة للتعبير الجماعي عن رأي في مشاهد أو مواقف أو خطابات معينة.

وتقول البحوث التاريخية في الملاحم القديمة من جلجامش إلى المهابهاراتا مروراً بالأوديسة والإلياذة وغيرهما، إنه "يمكننا العثور على أدلة التصفيق كتلك في محاورات أفلاطون، لا سيما حين يختتم سقراط بطل تلك المحاورات عبارة ما، فيعبر الحاضرون عن موافقتهم بواسطة التصفيق".

جوقة المصفقين

وبما أن التصفيق بات مؤشراً إلى رأي الجمهور فقد أضحى من المستحسن التأثير في رأي الجمهور ولو بالقوة، فالجمهور يمكنه أن يرفع مكانة خطاب أو مسرحية وقد يؤدي إلى فشلهما، لذا صار التصفيق في أوروبا مرتبطاً بمزاج الحاكم الذي كانت العروض تقدم برعايته حتى القرن الـ 17، فلا تضحك الرعية أو تصفق أو تستحسن إلا إذا بدأ الحاكم بذلك، وهكذا صار تصفيق الجمهور سلاحاً جديداً يستخدمه الحاكم أو صاحب السلطة أو المال.

ومن هنا انطلقت فكرة جوقة المصفقين، وهؤلاء عبارة عن جمهور يستأجره أحدهم في مقابل الاتفاق سلفاً على أنواع التصفيق ومدته والوقت الذي يقع فيه بمقابل أجر أو بمقابل الحضور المجاني، وهذا العمل الجديد ذو منفعة قوية على أصحابه، فقد كان متحاوران سياسيان على منبر ما يستدعيان تصفيق الجمهور لمصلحة أحدهما، وكانت حدة التصفيق تدل على نصر معنوي لأحدهما على الآخر، لذا بات شراء الجمهور المصفق أحد الحيل التي تؤمن الفوز لشخص على آخر بغير عدل.

ومنذ القرون الوسطى الأوروبية باتت جوقة المصفقين مؤسسة مؤلفة من مشاهدين مرتزقة يعملون بقيادة قائد الجوقة الذي كان يلتزم بدعم عرض مسرحي لقاء مبلغ من المال، وفي القرن الـ 17 باتت هذه الجوقات منظمات محترفة، واستمدت أهميتها في فرنسا وبخاصة من التنافس بين المسارح والمخرجين والممثلين وتحديداً النساء منهم.

وكان قائد الجوقة يحضر تمارين الفرقة ويقرر مع مدير المسرح أو المؤلف المواقف المراد دعمها، كما كان يقوم بتوزيع المهمات على أعضاء الجوقة، فمنهم من مهمته التحريض على الضحك ومنهم من يستثير الجمهور للبكاء ومنهم من يضبط عملية التصفيق، إلى أن ألغاه مسرح "لا كوميدي فرانساز" أي المسرح الوطني، ثم ألغي بقانون فرنسي عام 1902.

في العالم العربي انتقل التصفيق إلينا مع الفرنسيين إثر حملة نابليون واحتلاله مصر، وفي بداية القرن الـ 20 ومع انتشار العروض المسرحية في شارع عماد الدين بالقاهرة كان بعض المسارح يلجأ إلى استخدام مجموعات من المتفرجين لإثارة التصفيق في القاعات، وغالباً ما كان هؤلاء من العمال القادمين من الريف، ثم انتقل هذا التقليد إلى معظم مسارح وحفلات العواصم العربية وعلى رأسها مسارح العاصمة اللبنانية بيروت، بل وباتت المسارح تتبارى في مدى تقديرها للفنان، فإذا لقي الموسيقار محمد عبدالوهاب تقديراً وتصفيقاً أكبر في بيروت يكون الأمر كما لو أنه تحد ورد على التقدير الذي لقيه في رحلته إلى دمشق وبغداد وقبلهما القاهرة مثلاً.

ثم حين وصل عصر انتشار التسجيلات للحفلات المباشرة في كاسيتات بات يتم اختيار الحفلات التي لقيت تصفيقاً أطول من الجمهور لتثير الحماسة في قلوب المستمعين في منازلهم، ثم وصلت شاشة التلفزيون والبرامج التلفزيونية وقبلها السينما وقاعاتها، فتم اختراع أصوات تحاكي التصفيق لترافق مشاهد لمسلسلات كوميدية أو لبرامج تثقيفية، وتم اختراع آلات تحاكي صوت التصفيق في الأداء، وهذه الآلات تعمل على إنتاج صوت التصفيق بشكل ميكانيكي أو إلكتروني، والذي بدا واضحاً أنه يفيد العروض الحية، إذ يكون من الصعب على الجمهور إنتاج صوت التصفيق بمفردهم.

واستخدم صوت التصفيق المحاكي أيضاً في البث التلفزيوني والأحداث الكبيرة التي تتطلب صوت التصفيق الجماعي، وفي مسلسلات الكوميديا حيث يدخل المخرج بين اللقطات ضحكات الجمهور الافتراضي وتصفيقه ليؤثر في المشاهدين داخل منازلهم، وهو تكرار تقريبي لتسجيلات الراديو السابقة على ظهور التلفزيون.

هل توجد أضرار

ما بين هذا وذاك يرى علم النفس الجماعي أن للتصفيق الجماعي تأثيرات سلبية أولها ما اتفق على تسميته "ضغط العاطفة الجماعية"، حين يؤدي تصفيق الحاضرين وسط حشد إلى ضغط العاطفة الجماعية والضغط الاجتماعي، وعندها يشعر الأفراد بالضغط لمواكبة التصفيق أو تحقيق التوقعات المفروضة عليهم من قبل المجموعة.

وهذا نفسه يمكن تسميته في علم الاجتماع "تأثير الحشود" في سلوك أفراد المجموعة.

وعلى سبيل المثال في حال انحياز الحشود للسلوك السلبي أو الضار، فقد يؤدي التصفيق المشجع لهذا السلوك إلى تعزيزه وتقويته، أما النتيجة الأكثر سلبية للتصفيق الجماعي وتأثيره في الأفراد فقد أشارت إليه بعض الدراسات بتأثر التصفيق بالتركيب الهرمي للمجتمع حين يكون للأشخاص ذوي السلطة أو النفوذ دور أكبر في تشجيع التصفيق وتوجيهه، مما يعكس ديناميكات القوة في المجتمع، وقد يسهم في تكريسها في كثير من الأحيان لما للتصفيق الجماعي ولو المفروض فرضاً من تأثير عام على إشعار الآخرين بأن ما يحدث هو أمر يستحق بالفعل كل هذا التصفيق.

ويقال إن الجنود والمراهقين النازيين أخذوا بمثل هذا التهويل الاحتفالي ذو التأثير الكبير في نفسياتهم خلال المهرجانات النازية التي كان يتم تحضيرها بطريقة مسرحية تحاكي بالفعل المسارح الفعلية، فكان يدفع الجميع إلى التصفيق بإشارة محددة وبإلقاء التحية بإشارة أخرى، وكان تأثر المد العام للأجواء الاحتفالية يدخل في نفس كل مشارك في الاحتفال مثل السحر، حتى يبدو الشخص مأخوذاً بما يراه من دون أن يفهم معانيه ومغازيه.

المزيد من تحقيقات ومطولات