Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا تنذر المواجهات بين القوات الأميركية والصينية بالأسوأ؟

اختلاف تفسير حدود المياه الإقليمية وغياب وسيلة اتصال أبرز عوامل الخطر

سفينة تابعة لخفر السواحل الصيني مقابل نظيرتها الفلبينية في بحر الصين الجنوبي (أ ف ب)

ملخص

يقول مسؤولون أميركيون إن قادة الصين كانوا بطيئين في إقامة اتصالات عسكرية مع الأميركيين، وسارعوا إلى إغلاقها خلال فترات التوتر الدبلوماسي

منذ اقتربت سفينة حربية صينية، السبت الماضي، إلى مسافة 137 متراً فقط من مدمرة أميركية كانت تمر في مضيق تايوان، التي جاءت بعد نحو أسبوع من مناورة خطرة لمقاتلة صينية قرب طائرة حربية أميركية فوق بحر الصين الجنوبي، تبادلت بكين وواشنطن الاتهامات، لكن الخبراء الدفاعيين وأساتذة القانون الدولي يحذرون من أن هذه المواجهات ستستمر، وبأنها تنذر بزيادة فرص حدوث تصادم يمكن أن يتحول إلى نزاع مسلح خطر، فما السبب وراء تباينات وجهات النظر بين الجانبين، وإصرار كل منهما على عدم التراجع، ولماذا لا توجد وسيلة اتصال فعالة بين الجيشين لتلافي حدوث صدام بين السفن الحربية والطائرات العسكرية كما كانت الحال خلال الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي؟

مياه مضطربة

رغم الحديث الدائم عن المحادثات بين الصين والولايات المتحدة ومصافحة وزيري دفاع البلدين، أخيراً، في سنغافورة واحتمال قيام وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بزيارته المؤجلة منذ حادثة المنطاد إلى بكين، فإن المواجهات بين السفن الحربية الأميركية والصينية في مضيق تايوان، التي أعقبت اقتراب مقاتلة صينية بشكل خطر من طائرة عسكرية أميركية فوق بحر الصين الجنوبي، تشير بوضوح إلى أن المياه الدبلوماسية المضطربة بين البلدين ما زالت مستمرة، بل إن خطر تكرار هذه المواجهات العسكرية قد يؤدي إلى السيناريو الأكثر سوءاً وهو اندلاع حرب بين القوة العسكرية الأولى والقوة العسكرية الثالثة في العالم، وبخاصة في ظل غياب وسيلة اتصال فعالة على المستويات العليا والدنيا بين الجيشين.
ويحذر خبراء دفاع مثل ديريك غروسمان، كبير محللي الدفاع في مؤسسة "راند"، وهي مؤسسة فكرية أميركية، من أن "استمرار هذا النهج من جيش التحرير الشعبي الصيني، يزيد من فرص حدوث تصادم، الذي يمكن أن يتحول إلى نزاع مسلح"، مشيراً إلى أن "هذا هو السيناريو الأول الذي قد يقود الولايات المتحدة والصين إلى الحرب، وبدرجة أقل يمكن لانتزاع بكين ميزة أو مكاسب في بحر الصين الجنوبي المتنازع عليه أو مهاجمة تايوان، أن يؤدي أيضاً إلى الحرب".

من صاحب الحق؟

بالنسبة إلى الولايات المتحدة فإن المدمرة الأميركية التي كانت تجري عبوراً مشتركاً مع فرقاطة كندية في مضيق تايوان وهو ممر مائي يفصل جزيرة تايوان عن البر الرئيس للصين، هو عملية عبور تجري بشكل منتظم منذ عقود، وأن جزءاً كبيراً من مضيق تايوان هو مياه دولية. وعلى رغم عدم توقيع الولايات المتحدة اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، فإنها تلتزم بمعيار 12 ميلاً بحرياً كمياه إقليمية قبالة سواحل الدول، في حين تدعي بكين السيادة على كامل المياه بين تايوان والصين ضمن منطقتها الاقتصادية الخاصة.

غير أن أستاذ الدراسات الآسيوية في جامعة ماريلاند، ميريديث أوين تشير إلى أن اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار تنص على أن المياه الإقليمية لدولة ما تمتد 12 ميلاً بحرياً قبالة سواحلها، وأي شيء فوق أو تحت البحر في تلك المنطقة يعتبر جزءاً من أراضي الدولة، كما أن هناك منطقة متجاورة أخرى يبلغ طولها 12 ميلاً، تتمتع فيها الدولة الساحلية بحقوق لمنع انتهاك قوانين الجمارك والضرائب والهجرة والصرف الصحي في البلاد، وفقاً لمعاهدة الأمم المتحدة، لكن ما يزيد الأمور تعقيداً أنه على عكس الولايات المتحدة، وقعت الصين على اتفاقية قانون البحار، وهي تعلن دائماً أن جزيرة تايوان جزء من الصين، ما يعني وفقاً للاتفاقية أن بكين يمكن أن تطالب بـ12 ميلاً من المياه الإقليمية قبالة ساحل تايوان أيضاً، إضافة إلى منطقة متاخمة يبلغ طولها 12 ميلاً أخرى.

ومع ذلك فإن عرض مضيق تايوان يبلغ 86 ميلاً، ولذلك فإن حتى قبول مطالبة الصين بالسيادة على نحو 48 ميلاً من جانبي مياه المضيق، ستظل هناك قناة مائية تقع خارج أراضيها بموجب قانون الأمم المتحدة، وعلى رغم ذلك تدعي السيادة على كامل المياه بينها وبين تايوان، وترى أن "الولايات المتحدة كانت تتعمد إثارة المخاطر من خلال الإبحار بسفينة حربية عبر المياه الصينية".

مواقف متباينة

على مدى عقود، دأبت الولايات المتحدة على إبحار سفنها الحربية عبر مضيق تايوان، بما في ذلك أثناء أوقات التوتر مثل الحرب الكورية وأزمات مضيق تايوان خلال أعوام 1954 و1955 و1958 و1962، حيث نشرت الولايات المتحدة مدمرات في القناة كعرض متعمد للقوة العسكرية دعماً لتايوان، واستمر هذا بعد تطبيع الولايات المتحدة العلاقات مع الصين منذ عام 1978 وحتى اليوم، مع عدد قليل من الحوادث التي تسببت في تبادل الاتهامات بين الجانبين، لكن احتجاج المسؤولين الصينيين على عبور الولايات المتحدة لمضيق تايوان زاد بشدة، مع زيادة التوتر في شأن الجزيرة، وتدهور العلاقات الأميركية- الصينية بسبب الحرب التجارية المستمرة، والمزاعم المتعلقة بانتشار "كوفيد-19".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في السياق الأوسع تجري الولايات المتحدة بانتظام تدريبات عسكرية وعمليات تطلق عليها اسم "حرية الملاحة" في مضيق تايوان وفي بحر الصين الجنوبي، إذ تستخدم وزارة الدفاع الأميركية هذه الأنشطة لإثبات أن للولايات المتحدة الحق بالإبحار في المياه التي تعتبرها دولية، حتى لو طالبت بها دول أخرى كالصين.

في المقابل، ترى الصين أن هذه التصرفات الأميركية استفزازية، وأن سعي الولايات المتحدة للهيمنة العسكرية هو السبب الحقيقي للأخطار في المنطقة، بحسب ما يقول الأستاذ الزائر في كلية الشؤون العامة والدولية بجامعة برينستون تونغ تشاو الذي يفسر منطق الصين بأن "المسؤولين الصينيين، بشكل عام، لا يرون أن سلوك بكين يسهم في المخاطر، ولهذا فهم يعتقدون أنه لا يمكن تقليل المخاطر إلا من خلال تكثيف إجراءاتهم العسكرية لمواجهة السلوك العدواني للولايات المتحدة، ولجعل واشنطن تشعر بالقلق إزاء هذه الحوادث"، وهو ما تذهب إليه أيضاً خبيرة الدفاع في معهد السياسة الاستراتيجية، جينيفر باركر بأنه "يتم تشجيع القادة العسكريين الصينيين على العمل بحزم أكبر ضد السفن والطائرات العسكرية الأجنبية".
وما يؤكد مواقف بكين الحازمة حديثاً الحوادث الأخيرة التي شهدها بحر الصين الجنوبي، من قيام سفينة تابعة لخفر السواحل الصيني بتوجيه أشعة ليزر من الدرجة العسكرية على سفينة فيليبينية في فبراير (شباط) الماضي، في حين طالبت فيتنام الشهر الماضي الصين بإزالة سفنها من مياهها، بينما اعتبرت الصين أن كلا الحادثتين كانتا قانونيتين وطبيعيتين.

أسباب الخطر

ينبع القلق من أنه مع استمرار التوترات، يمكن أن تتصاعد الأمور وتصبح خارج نطاق السيطرة، مما يؤدي إلى صراع عسكري، والدليل البارز على ذلك أن آخر حادثة في مضيق تايوان بين البحرية الأميركية وبحرية جيش التحرير الشعبي الصيني، لم يسلط الضوء فقط على مدى عزم الجانبين على تعزيز مواقعهما في المضيق، ولكن أيضاً كيف يمكن لمثل هذه المواجهة الوثيقة أن تتصاعد بسرعة إلى مواجهة بحرية ودبلوماسية وسياسية خطرة للغاية، بحسب ما يقول أستاذ القانون الدولي والخبير في قانون البحار دونالد روثويل.

على سبيل المثال، أكد أوستن خلال مشاركته في حوار شانغريلا الأمني بسنغافورة أهمية مضيق تايوان بالنسبة إلى واشنطن وأنه للعالم كله مصلحة في الحفاظ على السلام والاستقرار في ذلك المضيق الذي يعتمد عليه أمن ممرات الشحن التجارية وسلاسل التوريد العالمية، وكذلك حرية الملاحة في جميع أنحاء العالم.
لكن الصين تستخدم قدرتها العسكرية المتنامية ونفوذها الاقتصادي لصد الهيمنة العسكرية الأميركية على آسيا منذ عقود، كما تنظر بكين إلى الولايات المتحدة على اعتبار أنها قوة تدخل خارجي في منطقة ترى فيها بكين نفسها قوة من أجل السلام والاستقرار.

مخاوف عدم وجود اتصال

وما زاد الطين بلة أن هناك أطراً وآليات لتلافي الاصطدام البحري بين الصين والولايات المتحدة خلال التوترات الحتمية التي قد تندلع بعد مثل هذه الحادثة، لكنها غير موجودة ولهذا تقدم رئيس وزراء أستراليا أنتوني ألبانيز باقتراح له جذوره في ممارسات الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، حين أنشئت أنظمة تمنع أن تؤدي المغامرة الخطأ أو سوء التقدير إلى عواقب وخيمة.

لكن القلق الآن بين واشنطن وبكين يتمثل في غياب حواجز حماية مماثلة، لذا فإن عواقب سوء التفسير أو وقوع حادثة، الذي يؤدي إلى رد فعل ثم اتخاذ إجراء آخر هو أمر خطر للغاية، ولهذا حث ألبانيز الصين والولايات المتحدة على إجراء اتصالات مفتوحة حول هذه الأمور والنظر في وضع ترتيبات ثنائية.

وتعد تجربة الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي السابق مفيدة في وضع حواجز حماية بحرية فعالة خلال الحرب الباردة التي امتدت من كونها ترتيبات ثنائية بدأت خلال السبعينيات بهدف منع حصول حوادث في البحر، إلى اتفاقية "جاكسون هول" لعام 1989 في شأن التفسير الموحد لقواعد القانون الدولي التي تحكم ما يسمى المرور البريء الذي خفف من التوترات البحرية خلال الحرب الباردة وضمن عدم وجود اشتباكات بحرية كبيرة.

وفيما يقول مسؤولون أميركيون، إن قادة الصين، كانوا بطيئين في إقامة اتصالات عسكرية مع الأميركيين، وسارعوا إلى إغلاقها خلال فترات التوتر الدبلوماسي، مثل التوتر الذي أعقب زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي السابقة نانسي بيلوسي إلى تايوان الصيف الماضي، يقول باحثون إن الصين قلقة من المحادثات العسكرية التي قد تمنح الولايات المتحدة رؤية أكبر لعمليات جيش التحرير الشعبي الصيني، كما يفضل القادة الصينيون إبقاء تركيز المناقشات بين الولايات المتحدة والصين على القضايا التجارية والاقتصادية.

وفي ظل غياب الاتصالات على المستويات العليا والدنيا بين الجيشين لا تبدو مخاطر تحول المواجهات العسكرية المحدودة أو الفردية إلى صراع عسكري وكأنها عملية افتراضية، ففي عام 2001، هبطت طائرة تجسس أميركية اضطرارياً في جزيرة هاينان الصينية بعد اصطدامها بطائرة مقاتلة صينية، أدت إلى وفاة الطيار الصيني، واحتجاز بكين الطاقم الأميركي المكون من 24 فرداً لمدة 11 يوماً، ولم تطلق سراحهم إلا بعد أن أرسلت واشنطن خطاباً قالت فيه إنها آسفة للغاية، لكن بعد أكثر من 20 عاماً على هذه الحادثة، لا أحد يعلم كيف ستتصرف بكين ولا كيف سيكون رد فعل الولايات المتحدة، بعد أن تغير العالم وأصبح التنافس والصراع سمة متنامية بين أكبر اقتصادين في العالم.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير