Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

صربيا وكوسوفو... جرح البلقان الذي لا يندمل

هل تعمد روسيا لإثارة قلاقل تشغل الأوروبيين في ما بينهم وتلقي عليهم أعباء فوق أثقال أوكرانيا؟

العلم الصربي مع متظاهرين في شمال كوسوفو (أ ب)

ملخص

هل تعمد روسيا لإثارة قلاقل تشغل الأوروبيين في ما بينهم وتلقي عليهم أعباء فوق أثقال أوكرانيا؟

ما الذي يجري في منطقة البلقان من جديد هذه الأيام، وهل الخلافات والصراعات التاريخية تعود من جديد لتهدد باندلاع حرب في هذه المنطقة المنكوبة عرقياً وربما عقائدياً منذ وقت طويل؟

مع أواخر مايو (أيار) الماضي تصاعدت حدة التوترات في شمال كوسوفو بين الأقلية الصربية والشرطة، وذلك بعد محاولة قوات الأمن في 26 من الشهر عينه الاستيلاء على مبان رسمية عقب الانتخابات المحلية التي جرت في 23 أبريل (نسيان) الماضي، وأدت إلى فوز ممثلي ألبان كوسوفو، بعد أن قاطع الصرب الانتخابات، تلك التي جرت في ظروف معقدة للغاية، ولم تتعدَ المشاركة فيها 3.5 في المئة.

المؤكد أن مجرد ذكر اسم "كوسوفو" أو ترديد لفظة صربيا، تتداعى إلى الأذهان ذكريات بعضها قديم يعود إلى نحو 100 عام، أي زمن حروب البلقان الأولى، وأخرى حديثة العهد، دموية الذكر والسيرة، وترجع إلى عام 1998.

يتساءل القارئ: ما الذي يجذر الصراعات في تلك المنطقة المقلقة على الدوام في أوروبا، وهل هناك من القوى الدولية، لا سيما روسيا، من يستغلها في محاولة إشعال حرب وسط القارة الأوروبية، لتخفيف الضغط الذي تواجهه موسكو من جانب كييف؟

عديد من الأسئلة تطفو على السطح، وهذه محاولة للاقتراب من المشهد ومحاولة فهم أبعاد الأزمة، ومستقبلياتها، ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً.

عن صربيا وكوسوفو ولعنة الجغرافيا

كانت نصيحة جنرال فرنسا الأشهر ورئيسها التاريخي شارل ديغول، دائماً تدور حول الاستعانة بالخريطة حين يسعى المرء في أي محاولة لفهم أزمة سياسية بعينها، فالخريطة هي مفتاح حل اللغز.

من هنا لا يمكننا فهم أبعاد المشهد الحالي في منطقة البلقان، من غير إلقاء نظرة على جغرافية وربما تاريخية كوسوفو وصربيا.

تقع جمهورية كوسوفو في منطقة البلقان في أوروبا، تحدها جمهورية مقدونيا الشمالية من الجنوب الشرقي وصربيا من الشمال الشرقي والجبل الأسود من الشمال الغربي وألبانيا من الجنوب.

بعد أزمة المواجهات المسلحة في الفترة ما بين عام 1997 و1999، أعلن البرلمان في كوسوفو استقلال "جمهورية كوسوفو" وبناء على اتفاقية بروكسل كان على صربيا أن تقوم بتطبيع علاقتها مع كوسوفو، لكن هذا لم يحدث حتى الآن، وإن تم الاعتراف بها من قبل 97 دولة في الأمم المتحدة، و22 دولة من 27 من دول الاتحاد الأوروبي.

أما صربيا فتقع في مفترق الطرق بين وسط وجنوب شرقي أوروبا، وتغطي الجزء الجنوبي من سهل بانونيا والبلقان المركزي. وهي دولة غير ساحلية أو حبيسة وتحدها المجر من الشمال، رومانيا وبلغاريا من الشرق، مقدونيا من الجنوب، وكرواتيا والبوسنة والهرسك والجبل الأسود من الغرب، كما أن لها حدوداً مع ألبانيا عبر كوسوفو، وهي المنطقة التي جرى من حولها النزاع المسلح في التسعينيات، وها هي مرة أخرى تكاد تندلع المواجهات من جديد، مع احتمالات اتساع رقعة النيران هذه المرة.

كوسوفو- صربيا والصراع المتجدد... لماذا؟

بحسب "نيويورك تايمز" الأميركية، انطلق الصراع بعد الانتخابات الأخيرة، وعقب إرسال قيادة ألبان كوسوفو قوات الأمن مدججة بالسلاح للسيطرة على مباني البلدية في آخر منعطف في نزاع يعود إلى نزاعات البلقان في التسعينيات.

تبدو مركزية الأزمة قائمة وقادمة، لا سيما بعد أن أعلنت كوسوفو عام 2008 استقلالها عن صربيا، مع بقاء مسألة معاملة كوسوفو للأقلية السكانية من الصرب غير واضحة.

أجج من القلاقل بحسب الصحيفة الأميركية، قيام الحكومة المركزية في كوسوفو بإرسال قوات أمن مسلحة إلى المنطقة التي جرت فيها الانتخابات، وذلك لضمان حصول الألبان الذين فازوا في الانتخابات البلدية الأخيرة على مناصبهم، وهي خطوة دانتها الولايات المتحدة الأميركية، على رغم أنها الداعم الدولي الرئيس لكوسوفو، وذلك بعبارات قوية بشكل غير عادي.

كان من الطبيعي أن ترفض الأقلية الصربية ما يحدث وتعتبره إخلالاً بحقوقها ووجودها التاريخي، لهذا تجمع المتظاهرون الصرب خارج المباني البلدية في عدد من البلدات ذات الغالبية الصربية، في مواجهة مع قوات أمن كوسوفو وقوات من بعثة حفظ السلام التي يقودها الناتو وتسمى "كوفور".

هل هذه هي الموجة الصدامية الأولى بين الصرب والألبان في كوسوفو؟

الثابت أنه على مدار العقد الماضي، اشتعلت التوترات بانتظام بين المجموعتين العرقيتين، ما جعل المنطقة مركزاً لأعمال عنف لا يمكن التنبؤ بها، فعلى سبيل المثال في يوليو (تموز) من عام 2022، اندلعت الاشتباكات استجابة لقانون جديد يطالب الصرب الذين يعيشون في كوسوفو بتحويل لوحات السيارات الصربية إلى لوحات كوسوفو.

في الوقت ذاته يبقى الانقسام الدولي حول استقلال كوسوفو منطلقاً لمزيد من الصراعات يوماً تلو الآخر.

ففي حين تم الاعتراف بكوسوفو من قبل أميركا وعديد من الدول الأوروبية، فإن صربيا إضافة إلى حلفائها الرئيسين، وهما روسيا والصين لا تزال ترفض الاعتراف باستقلالها، بل إن موسكو تحديداً وصفت التقسيم بأنه انتهاك لقرار الأمم المتحدة رقم 1244 الذي يعود تاريخه إلى عام 1999 ونهاية حرب كوسوفو.

كوسوفو واحتمالات الحرب مرة جديدة

هل ستقود التوترات الجارية في كوسوفو هذه الأيام إلى اشتعال حرب جديدة بين الصرب والألبان؟

المؤكد أن السياسيين الصربيين يحذرون من أن الوضع الحالي ينذر ببداية مرحلة ساخنة من الصراع، في ما يتوقع البعض من هؤلاء، مثل "إيفان كوستيك" النائب عن حزب "دورز" أن يلجأ الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش إلى روسيا طلباً للمساعدة.

هل هناك رائحة دخان تتصاعد من صربيا، تحمل نذر الحرب والمواجهة مرة جديدة في المنطقة؟

يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، وعلى غير المصدق الرجوع إلى المقارنة التي عقدها الرئيس الصربي بين رئيس كوسوفو ألبين كورتي والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، مرجحاً نشوب صراع بين إقليم كوسوفو وميتوهيا ذات الغالبية الصربية التي تتمتع بالحكم الذاتي.

فوتشيتش يحذر كذلك من أن الأسوأ لم يحدث بعد. ويرى أن نشوب صراع كبير أمر محتمل، لأن الصرب مصرون على وقف الأعمال الاستفزازية لرئيس وزراء كوسوفو، وأن هذا الأخير "لن يتراجع أبداً لأنه يريد ويحلم بأن يكون نسخة من زيلينسكي".

لا يبدو أن الرئيس الصربي يتكلم بصورة فردية، بل هناك في الداخل الصربي من يدعم ويزخم رؤيته، كما الحال مع ألكسندر سيسيلي نائب رئيس الحزب الراديكالي الصربي، الذي صرح بأن جميع أعمال بريشتينا (عاصمة كوسوفو) تهدف إلى زعزعة استقرار المنطقة وإخراج الطائفة الصربية من كوسوفو وميتوهيا.

يبدو المشهد أكثر عمقاً وخلافاً سياسياً، وبما يتجاوز الصرب من جهة والكوسوفيين الألبان من جهة ثانية، إذ يقطع سيسيلي بأن "الدول الغربية الرئيسة التي ترعى ما يسمى استقلال كوسوفو تدعم منذ سنوات تصرفات الألبان هناك وسياسات الفصل العنصري التي يقومون على تنفيذها صباح مساء كل يوم".

أما الكاتب الروسي فالنتين لوجينوف، فيرى أن "استفزازات بريشتينا تضاعفت بعد الانتخابات غير القانونية وغير الشرعية التي أجريت في الشمال وأفرزت فوز الانفصاليين الألبان بمناصب رؤساء للبلدات الصربية".

هل هذا هو الطريق الذي تتبعه كوسوفو لإرغام صربيا على الاعتراف بها؟

هذا ما يقول به الصرب ومناصريهم من الروس مثل "لوجينوف"، الذي يصل إلى نتيجة تصب في دائرة اشتعال الأوضاع عبر حرب جديدة مفادها، أنه لن يكون أمام صربيا خيار سوى حماية الصرب في كوسوفو، وهذا يفسر الاستعدادات التي بدت واضحة على الجيش الصربي في الأيام الأخيرة مع احتدام الأزمة.

هل أضحت مسألة تسوية الوضع في كوسوفو سلمياً موضع شك، سيما مع الدعوات الصربية المتزايدة يوماً تلو الآخر، الداعية لوقف الحوار مع بريشتينا؟

من الواضح جداً أن هناك مساحة كبيرة بين رغبات بلغراد، وتوجهات بريشتينا، فالأولى تطلب من الدول الغربية الضغط على الكوسوفيين لسحب قواتهم من شمال كوسوفو، وتنحية رؤساء البلديات المنتخبين، وهو ما ترفضه بريشتينا جملة وتفصيلاً.

فيما فوتشيتش يقطع محذراً ومنذراً بأنه، "إذا لم يفعلوا ذلك، أخشى أن يكون الوقت قد فات بالنسبة لنا جميعاً"، واصفاً قوات كوسوفو بـ"المحتلين".

تعقيدات قانونية وعرقية تقود للحرب

هل تبدو منطقة البلقان أمام معادلة صفرية، تقود إلى مواجهة عسكرية حتمية؟

الشاهد أن تعقيدات الأزمة البلقانية ليست وليدة اليوم ولا الأمس ولا قبل الأمس، إنها أزمة تعود إلى أكثر من 100 عام، يتداخل فيها العرقي مع القانوني، والقومي مع الديني، وقد مر هذا كله عبر تطاحن عسكري لم ينه الأزمة.

عمق الإشكالية اليوم تتبلور في أن الصرب سواء داخل كوسوفو أو في صربيا ينظرون إليها بوصفها مهدهم القومي والديني، والدليل لاعب التنس الصربي نوفاك ديوكوفيتش الذي أثارت تصريحاته للتلفزيون الفرنسي قلقاً واسعاً قبل أيام بعد فوزه في مباريات رولان غاروس، التي قال فيها "كوسوفو هي قلب صربيا... أقفوا الحرب".

هنا يبدو الصراع قريباً جداً من صراع المطلقات، وليس النسبيات، لا سيما أنه توجد عديد من الأديرة المسيحية الأرثوذكسية الصربية التي تعود للعصور الوسطى في كوسوفو، وينظر القوميون الصرب إلى معركة عام 1389 ضد الأتراك العثمانيين كرمز لنضالهم الوطني.

وعلى الجانب الآخر تنظر الأكثرية الألبانية الموجودة في كوسوفو إلى كوسوفو على أنها بلدهم، ويتهمون صربيا بالاحتلال والقمع.

اليوم ومع وجود نحو 120 ألف صربي في كوسوفو، مقابل 1.7 مليون من أصول ألبانية تبدو المواجهة وكأنها قدرية.

هل فشلت الاتفاقات القانونية في إنهاء الأزمة بين الطرفين؟

 في 2013، توصل الألبان والصرب في كوسوفو إلى اتفاق ينص على إنشاء اتحاد من 10 بلديات من ضمنها البلديات الأربعة التي تقيم فيها الأقلية الصربية.

غير أنه، والعهدة هنا على الراوي البروفيسور أليكسيس ترودي أستاذ الجغرافيا السياسية في جامعة فرساي الفرنسية، المتخصص في شؤون البلقان، فإن "الاتفاق نص على استقلال ذاتي حقيقي لهذه البلديات، لكنه لم يطبق أبداً. في كل مرة بدأ فيها الصرب العمل على إطلاق آليات الحكم الذاتي، استعصى الألبان عن تطبيق الاتفاق".

 لكن الجانب الكوسوفي يتساءل: كيف يمكن أن يقوم حكم ذاتي، على أرض جمهورية مستقلة، معترف بها من قبل 97 دولة من أعضاء الأمم المتحدة؟

يمكن أن يعتبر ذلك في عيون كثيرين من ألبان كوسوفو انتقاصاً من سيادتهم على أراضيهم، ودعماً للفوقية الصربية التقليدية، وهي وجهة نظر لها حيثيتها.

من هنا ظل الاتفاق حبراً على ورق، ما جعل الخلافات تطغى على العلاقة بين بلغراد وبريشتينا، ما جعل المخاوف تسيطر من جديد على عديد من ألبان كوسوفو في شأن إنشاء حكومة موازية تسيطر عليها بلغراد.

هل موسكو بعيدة عن الصراع الصربي الكوسوفي، وحال مضينا في سياق التفسير المؤامراتي للتاريخ، فأي مصلحة لها في نشوب حرب جديدة في البلقان؟

الموقف الروسي الداعم للصرب دوماً

لا جديد هذه المرة في الموقف الروسي الداعم لصربيا، وإن طرح التساؤل: أهو دعم عقائدي، أم سياسي لوجيستي، يسعى لتعظيم مصالح موسكو، ويعضد موقفها في الصراع الدائر مع أوكرانيا؟

نهار الأربعاء 31 مايو (أيار) الماضي، كان المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، يصرح بأن "روسيا تقف بجانب صربيا، وترى من الواجب احترام حقوق ومصالح صرب كوسوفو".

بيسكوف في التصريحات عينها أكد أنه لا يوجد في الوقت الحالي مخطط ما للقاء بين الرئيسين الروسي بوتين والصربي فوتشيتش، لبحث الوضع المتفاقم في كوسوفو، إلا أن الاتصالات جارية باستمرار.

غير أن تلك العبارات الدبلوماسية المنمقة، لم تمنع بيسكوف، وعبر الإفادة الصحافية اليومية من الإشارة الحازمة والجازمة، إلى أن موسكو تدعم صربيا والصرب دعماً غير مشروط.

يكشف البيان الذي صدر عن الخارجية الروسية قبل أيام، عن مكنونات قلب وعقل موسكو، بل وتوجهاتها المستقبلية، إذ انتقد موقف "الخماسية" الغربية في بريشتينا، الذي يخدم بحسب نص البيان الوضع الراهن المعيب مع تفشي التطرف الألباني في كوسوفو والتطهير العرقي ضد الصرب، وهو ما يجعل من المستحيل الحديث عن أي ثقة.

لم يكن الرئيس بوتين بعيداً من الأزمة الصربية الكوسوفية، وحتى قبل أن يشتعل المشهد أخيراً.

في منتصف يناير (كانون الثاني) 2019، شدد الرئيس بوتين على أن التخطيط لتشكيل "جيش كوسوفو" يشكل خرقاً للقرارات الدولية، وقد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار في منطقة البلقان.

جاء ذلك التصريح في سياق مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الصربي فوتشيتش، في بلغراد، حيث أشار بوتين إلى أن "السلطات في كوسوفو، اتخذت في الآونة الأخيرة عدداً من الخطوات الاستفزازية، ما أدى إلى تفاقم التوتر".

هل يفهم من هذا التصريح رفض موسكو لأن تقبض بريشتينا بقوة على قوات مسلحة خاصة بها؟ وماذا حال فعلت ذلك أو سعت في طريق تعزيز حضورها المسلح أو مضي المشهد إلى مرحلة أبعد، بمعنى تعرض الأقلية الصربية في كوسوفو لمواجهات مسلحة؟

المؤكد أن نظرة أقرب على خريطة الدول الأعضاء بالناتو، تكشف عن أن البوسنة وصربيا وكوسوفو، هي دول البلقان الوحيدة المتبقية التي لم تنضم لحلف الناتو حتى الآن. وهذه على وجه التحديد هي الدول التي تملك موسكو فيها مصالح عميقة ووكلاء أقوياء يمكن أن يتصرفوا نيابة عنها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

هل يسعى بوتين لإشعال حرب البلقان؟

وسط الصخب المتصاعد، الأسبوع الماضي في كوسوفو، تحدث السفير الأميركي السابق لدى حلف الناتو كيرت فولكر، بالقول إن روسيا تدفع بالصرب نحو تصعيد الأوضاع في كوسوفو، من أجل الضغط على أوروبا. وحذر من تداعيات عميقة للصراع الذي يوشك على الاندلاع في المنطقة.

فولكر وفي تصريحات لقناة الحرة الأميركية، أضاف أن "مخاطر  الحرب في البلقان حقيقية، فالصرب يتحركون منذ فترة طويلة نحو تعزيز المشاعر القومية في البوسنة والجبل الأسود ومقدونيا وكوسوفو".

هل كوسوفو نقطة مواجهة بين واشنطن وموسكو اليوم؟

تصريحات السفير الأميركي السابق، وإلقاؤه اللوم على من وصفهم بـ"المتفرجين الغربيين على القومية الصربية الصاعدة التي تؤثر في عمل المسؤولين في كوسوفو"، تفتح باباً واسعاً للاعتقاد أن لدى واشنطن هواجس تكاد تصل إلى حد الاتهامات الصريحة لموسكو بالوقوف وراء الصرب، ودفعهم إلى إشعال "حرب إلهاء"، تجعل الدول المناصرة لأوكرانيا مشتتة بين إطفاء سعير نيران حرب أوروبية جديدة على أراضي البلقان التاريخية، والاستمرار في دعم حكومة زيلينسكي ومعاركه التي وصلت اليوم إلى قلب موسكو، مع احتمالات ردود فعل روسية متهورة وغير محسوبة.

هل من جزئية أكثر خوفاً تدركها مراكز الأبحاث الأميركية، والأجهزة الاستخباراتية، حال نشوب صراع جديد في كوسوفو؟

 قطعاً يبقى البعد العقائدي، هو الخوف الأعظم، فالروس والصرب، لا يدارون أو يوارون أرثوذكسيتهم، ولديهم خلفيات عدائية تاريخية ذات ملمح وملمس ديني، من عند الإمبراطورية العثمانية، وصولاً إلى إدارة كوسوفو.

هذا البعد الاستراتيجي، كفيل حال انطلاقه مرة جديدة، بأن يشعل أوروبا بصراعات دينية، تفتح الأبواب للتيارات الجهادية والأصولية، وبصورة لا يمكن إغلاقها بسهولة، بل ربما تستقطب كثيرين من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ما يجعل القارة الأوروبية ضحية لصراعات دينية كارثية.

تبدو الخطة الروسية في أعين وأذهان الأميركيين، طريقاً مضموناً لبوتين، لتخفيف الضغط عليه، لا سيما أن إخماد مثل هذه الحرائق سيتطلب مزيداً من عمل قوات الناتو على الأراضي الأوروبية، للفصل بين الصرب وألبان كوسوفو أول الأمر، والحرائق التي تنطلق تباعاً لاحقاً.

يعتبر الصرب روسيا حليفهم الكبر، حيث يجمع بينهما العرق السلافي والمذهب الأرثوذكسي، حتى إن موسكو أعلنت الحرب على الإمبراطورية النمساوية المجرية عام 1914، بسبب هجومها على صربيا بعد مقتل ولي عهدها على يد متطرف صربي في البوسنة، وأدى القرار الروسي إلى اندلاع الحرب العالمية الأولى التي أدت بدورها إلى الحرب العالمية الثانية.

 والشاهد أنه وقبل وقت طويل من دخول القوات الروسية إلى أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022، استشهد الرئيس الروسي بوتين، بتفكك يوغسلافيا لتبرير تدخله في أوكرانيا، إذ اعتبر أن قصف الناتو لصربيا عام 1999 وقبول الغرب لكوسوفو كدولة خلقا سابقة غير قانونية حطمت القانون والنظام الدوليين.

هل يضحى البلقان مرة أخرى موطناً لقيام حرب عالمية جديدة ما لم يتم احتواء الصراع الوليد من جديد بين الصرب وألبان كوسوفو؟

تساؤل يحتاج إرادة دولية سريعة، مع الخشية من فوات الوقت على تدخل الجيش الصربي بمساعدة روسية، ومن ثم مواجهة قوات الناتو لتحدث القارعة.

المزيد من تقارير