ملخص
موسم هطول الأمطار يبدأ منتصف مايو بولاية القضارف السودانية القريبة من الحدود مع إثيوبيا، التي تنتج 40 في المئة من محصول البلاد من الحبوب، ومع الأمطار يبدأ الموسم الزراعي الصيفي لكن كل ذلك تعطل بسبب الحرب الدائرة في البلاد.
أرض سمراء مخضبة بدموع الحرب يفترشها مئات العمال المياومين (العاملين بأجر يومي) مع أدواتهم طلباً لمهمة معتادة في منطقة بولاية القضارف جنوب شرقي السودان، لكن لحظات انتظار مزارعين يستعينون بهم تطول إلى ساعات على رغم من بدء موسم المحاصيل الصيفية، والسر يكمن في تأثير النزاع المسلح على القطاع.
ويبدأ موسم هطول الأمطار منتصف مايو (أيار) في ولاية القضارف القريبة من الحدود مع إثيوبيا، التي تنتج نحو 40 في المئة من محصول السودان من الحبوب. ومع الأمطار، يبدأ الموسم الزراعي الصيفي.
المياوم محمد هارون تحدث لوكالة الصحافة الفرنسية قائلاً "وصلت إلى هنا من كردفان منذ خمسة أيام ولم يعرض أحد عملاً علي". ويضيف العامل الذي كان مستلقياً على الأرض بجانب أدواته "في السابق كنت لا أنتظر أكثر من يوم واحد. الآن نفدت كل نقودي ولا أدري كيف أدبر طعامي".
وتختلف بداية موسم الزراعة الصيفي، وهو الأهم في البلاد، جذرياً هذا العام عما سبقها، في ظل النزاع الذي اندلع اعتباراً من 15 أبريل (نيسان) الماضي بين الجيش السوداني بقيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بزعامة محمد حمدان دقلو (حميدتي).
تشوهات كبيرة
وبحسب المنظمة العربية للتنمية الزراعية، تسببت الحرب بـ"تشوهات كبيرة في البنية الإنتاجية لقطاع الزراعة بشقيه النباتي والحيواني، خصوصاً في مناطق احتدام الصراع بولاية الخرطوم، غير أن القطاع الإنتاجي في جميع البلاد أصابه الشلل".
المنظمة التي تتخذ من الخرطوم مقراً، أشارت إلى أن "انقطاع سلاسل الإمداد (أدى) إلى تحطيم كامل لمنظومات إنتاج الدواجن التي تتركز حول العاصمة وكذلك إنتاج الخضر والفاكهة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبدأ هطول الأمطار على أراض تبقى مساحات شاسعة منها بلا أي زرع، ما ينذر بصعوبات إضافية في بلاد كان ثلث سكانها يعانون الجوع حتى قبل بدء القتال.
ولا تقتصر الأزمة على المياومين، بل تطال قطاعات أخرى متعلقة بالزراعة التي تمثل 40 في المئة من الناتج المحلي للبلاد وتوظف 80 في المئة من اليد العاملة.
ويقول ميرغني علي الذي يعمل في تجارة البذور والأسمدة والمبيدات الزراعية "في الظروف العادية خلال السنوات الماضية، كنا نعاني من اكتظاظ المزارعين لطلب البذور في هذا الوقت من العام"، إلا أن "الطلب ضعيف للغاية" في 2023.
ويرجع محمد عبدالكريم الذي يمتلك أرضاً زراعية مساحتها 10 آلاف فدان (42 مليون متر مربع) يزرع فيها الذرة والقطن وعباد الشمس، أسباب تعطل موسم الزراعة إلى "تأخر البنوك في التمويل".
ويوضح أن "القرارات (بالتمويل) تصدر من رئاسات البنوك في العاصمة وهذه البنوك لا تعمل منذ منتصف أبريل الماضي جراء الحرب"، مضيفاً "حتى لو جاء التمويل المتأخر، نحتاج إلى وقت للحصول على البذور، كما أن الرؤية غير واضحة في شأن توفير السماد والوقود لتشغيل المعدات".
تهديد بمجاعة
على رغم الوعود بتوفير الأموال، ومنها ما نقلته وكالة الأنباء السودانية (سونا) عن رئيس تجمع القطاع المطري ياسر علي صعب لجهة التزام وزارة المالية والمصرف المركزي بتمويل المزارعين، إلا أن ذلك لا يبدد القلق في شأن مصير الموسم.
في مثل هذه الفترة من عام 2022، عانى السودان من تكدس المحاصيل لدى المزارعين جراء نقص الأموال الحكومية المخصصة لشرائها في ظل أزمة اقتصادية.
وبحسب بيانات منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، شهد موسم زراعة الحبوب في السودان لعام 2022، الذي تم حصده في مارس (آذار) الماضي، كميات من الذرة الرفيعة والقمح والدخن وصلت إلى 7.4 مليون طن.
وعلى رغم أن هذا الإنتاج مثل زيادة 45 في المئة عن الموسم السابق، فإن المنظمة رأت أن ذلك لا يزال غير كاف لتلبية حاجات البلاد.
ومنذ بدء الحرب الروسية -الأوكرانية في فبراير (شباط) 2022 وتداعياته على أسعار الحبوب والوقود عالمياً، تلوح أزمات غذائية خصوصاً في بلدان تعتمد في وارداتها بشكل أساسي على هاتين الدولتين، ومنها السودان. وتؤكد الأمم المتحدة أن 25 مليون شخص، أي أكثر من نصف عدد سكان السودان، باتوا الآن بحاجة إلى لمساعدة والحماية.
وتحضير الأراضي قبل هطول الأمطار شرط أساسي لموسم مثمر، وفق ما يؤكد المزارع حسين إبراهيم من القضارف، موضحاً "هناك مناطق هطلت فيها الأمطار وأصبح الوصول إليها صعباً جداً. لن يستطيع كثير من المزارعين إيصال العمال أو البذور أو الوقود إلى مشروعاتهم (الزراعية)".
ويقطع إطلاق النار الطرق، وتوقفت حركة الاستيراد والتصدير في البلاد إلى حد كبير، وسرقت مستودعات كثيرة. ويهدد كل ذلك، وفق خبراء، بتسريع المجاعة في البلاد.
وبدأت الظروف التي تمر بها البلاد تنعكس بشكل مباشر على الاستثمار، إذ أعلنت مجموعة "الحجار" الاستثمارية الكبرى في البلاد، التي تعمل مع آلاف المزارعين"، تعليق كل الأعمال الاستثمارية في السودان اعتباراً من أول مايو الماضي"، وذلك إلى أن "تسمح الظروف بعودة الأمور والأعمال إلى وضعها الطبيعي".
وأضافت المجموعة التي يعود تأسيسها إلى زهاء 120 عاماً، في بيان "قررنا إعفاء كل العاملين من أي أعباء أو التزامات وظيفية بعد 30 يونيو (حزيران) الجاري".
أرقام مخيفة
وفي محادثات وقف إطلاق النار بالسعودية، مايو الماضي، اتفق الطرفان المتحاربان على تمكين الجهات الفاعلة الإغاثية، مثل الهلال الأحمر السوداني واللجنة الدولية للصليب الأحمر، من "جمع الموتى وتسجيلهم ودفنهم بالتنسيق مع السلطات المتخصصة"، ولكن بفعل الانتهاكات المتكررة من كلا الجانبين انهارت اتفاقية الهدنة التي توسطت فيها الولايات المتحدة والسعودية.
وتعهد كل من قائد الجيش عبدالفتاح البرهان ونائبه الذي يخوض الحرب ضده، محمد حمدان دقلو، مراراً بحماية المدنيين وتأمين الممرات الإنسانية.
وقال الهلال الأحمر السوداني الذي يتلقى الدعم من اللجنة الدولية للصليب الأحمر، إن متطوعيه وجدوا صعوبة في التنقل في الشوارع لانتشال الجثث "بسبب القيود الأمنية".
وقطعت المياه عن أحياء بأكملها في العاصمة، ولا تتوفر الكهرباء سوى لبضع ساعات في الأسبوع فيما توقفت ثلاثة أرباع المستشفيات في مناطق القتال عن تقديم خدماتها.
والوضع مروع بشكل خاص في إقليم غرب دارفور الذي يقطنه نحو ربع سكان السودان، ولم يتعاف من حرب مدمرة استمرت عقدين وخلفت مئات الآلاف من القتلى وأكثر من مليوني نازح. وقتل المئات من المدنيين، وأضرمت النيران في القرى والأسواق ونهبت منشآت الإغاثة، مما دفع عشرات الآلاف إلى البحث عن ملاذ في تشاد المجاورة.
وقتل أكثر من 1800 شخص منذ اندلاع القتال، وفق مشروع بيانات مواقع النزاع المسلح وأحداثها. وقال مسعفون ووكالات إغاثة مراراً وتكراراً، إن عدد القتلى الحقيقي من المرجح أن يكون أعلى من ذلك بكثير، لوجود جثث في مناطق لا يمكن الوصول إليها.
هدنة جديدة
قالت وزارة الخارجية السعودية في بيان اليوم الأحد إن الرياض والولايات المتحدة تدعوان طرفي الصراع في السودان إلى الاتفاق على وقف جديد لإطلاق النار وتنفيذه بفاعلية بهدف التوصل إلى وقف دائم للعمليات العسكرية.
وأضاف البيان أن الرياض وواشنطن حريصتان على استمرار المحادثات مع وفدي التفاوض السودانيين، وأنهما متمسكان بالتزامهما تجاه الشعب السواني.