Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماذا جنت أوروبا بعد 30 عاما من السوق المشتركة؟

تباطؤ التبادل الاستثماري يجعل التكتل أقل مرونة من أميركا في مواجهة الأزمات

الاستثمارات الأميركية في الأسهم الأوروبية حققت زيادة معقولة خلال الأعوام الـ10 الأخيرة (أ ف ب)

ملخص

اقتصادات صغيرة الحجم مثل إيرلندا ولوكسمبورغ أصبحت الأعلى في انسياب رؤوس الأموال بين دول السوق الأوروبية

مع مرور 30 عاماً على إنشاء السوق الأوروبية المشتركة، لا يبدو أن حركة رؤوس الأموال عبر حدود الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي تطورت بالقدر الذي تطور فيه انتقال الأفراد والبضائع عبر تلك الحدود.

هذا ما خلصت إليه دراسة موسعة لمؤسسة "ستاندرد أند بورز" للتصنيف الائتماني صدرت هذا الأسبوع واعتمدت على انسياب رأس المال الخاص وليس الحكومي، وذلك استناداً إلى معيار "تشارك الأخطار" وليس الاستثمار الأجنبي المباشر.

وبينما حقق انتقال العاملين والمواطنين وحركة البضائع نمواً خلال العقود الثلاثة من عمر السوق الموحدة، إلا أن انتقال رؤوس الأموال عبر حدود دول الاتحاد الأوروبي لم يحقق نمواً، كما أن النطاق الجغرافي لانسياب رؤوس الأموال ضاق أكثر مع ملاحظة حركة رؤوس الأموال من الشرق والجنوب نحو الوسط والشمال وليس العكس.

من مفارقات الدراسة أن إيرلندا ولوكسمبورغ أصبحتا المصدر الأكبر لانسياب رأس المال لبقية دول أوروبا على رغم صغر حجم الناتج المحلي الإجمالي لكل منهما مقارنة بالاقتصادات الأوروبية الكبيرة، أما بالنسبة إلى انسياب رؤوس الأموال من خارج الاتحاد الأوروبي إلى منطقة السوق الموحدة، فإن الاستثمارات الأميركية في الأسهم الأوروبية حققت زيادة معقولة خلال الأعوام العشرة الأخيرة.

بالنسبة إلى بريطانيا، فإن خروجها من الاتحاد الأوروبي (بريكست) لم يكن له أثر كبير، إذ يرجع تباطؤ انسياب رؤوس الأموال بينها وبين أوروبا إلى أن برنامج التيسير الكمي للبنك المركزي الأوروبي يعمد إلى شراء سندات الدين من السوق الثانوية (من المستثمرين الأجانب).

أهداف السوق الموحدة

تمثلت الأهداف الرئيسة للسوق الموحدة عند إطلاقها قبل ثلاثة عقود في إزالة الحواجز القطرية بين دول السوق من أجل تحرير انتقال الناس والبضائع ورأس المال، وزاد حجم التبادل التجاري بين دول السوق، بخاصة في الأعوام الـ15 الأولى من عمر السوق الموحدة بشكل كبير. وحققت التجارة البينية لدول السوق نمواً بنسبة 21 في المئة في الفترة من بداية تسعينيات القرن الماضي إلى ما قبل أزمة وباء كورونا مباشرة.

زادت التجارة البينية بين دول السوق الأوروبية الموحدة في العامين الماضيين بقوة، نتيجة إعادة الاعتماد على سلاسل التوريد الأوروبية على رغم الانتعاش الاقتصادي غير القوي والنمو المتواضع للطلب المحلي، بالتالي فإن قدراً من ذلك النمو في التجارة البينية ربما لا يعود لدور السوق الموحدة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتضاعف انتقال المواطنين، بخاصة القوى العاملة، بين دول السوق الموحدة أيضاً، إذ زادت على مدى 30 عاماً نسبة السكان ممن هم في عمر العمل الذين ولدوا في أحد بلدان السوق البالغ عددها 27 دولة ويقيمون الآن في دول أخرى، وارتفعت نسبة هؤلاء من 1.3 في المئة مطلع تسعينيات القرن الماضي إلى نسبة أربعة في المئة حالياً.

في الوقت نفسه، لم يكن توحيد أسواق المال والبنوك بين دول السوق الموحدة بالكفاءة ذاتها، بالتالي لم يكن فتح الحدود لانسياب رؤوس الأموال أقوى فعلاً كما هو بالنسبة إلى انتقال البشر والبضائع، لذا بدأ الاتحاد الأوروبي العمل على إنشاء اتحاد للمصارف واتحاد للبورصات، ولم يتم الانتهاء من ذلك العمل بعد، والمأمول الآن أن يؤدي الاتحادين، حين يتم الانتهاء منهما، إلى تحسين انسياب رؤوس الأموال بين دول السوق الموحدة ونمو ذلك التوجه بما يقارب النمو في حرية حركة الأشخاص والبضائع.

مشاركة الأخطار

من أهم أسباب الاختلاف بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة من حيث القوة الاقتصادية أن القطاع الخاص لا يتشارك الأخطار في ما يتعلق باستثمارات رأس المال بين دول السوق الأوروبية كما تفعل الولايات الأميركية في ما بين ولاياتها، ولطالما كان إحجام البنوك الأوروبية في كل بلد عن الإقراض في البلدان المجاورة، وكذلك أسواق المال في عدم استثمارها في دول الجوار، عائقاً أمام اكتمال الاتحاد الاقتصادي لدول أوروبا، ذلك أن معدلات مشاركة الأخطار في دول الاتحاد الأوروبي منخفضة جداً، مما يقلل من مرونتها المالية وقدرتها على تجاوز أي صدمات، وعلى العكس تستخدم الولايات الأميركية أموال الادخار والأسواق فيها للاستثمار في الولايات الأخرى بشكل واسع وتلك ميزة أساسية للاقتصاد الأميركي في مواجهة الأزمات.

يختلف ذلك عن انسياب رؤوس الأموال الحكومية، فالبنك المركزي الأوروبي ضمن برامج التيسير الكمي سواء بعد الأزمة المالية العالمية عام 2008 أو في أزمة الديون الأوروبية عام 2014 أو في أزمة وباء كورونا الأخيرة، يشتري سندات الدين الحكومي لكل دول السوق، لكن ما تركز عليه دراسة مؤسسة "ستاندرد أند بورز" هو انسياب رؤوس الأموال من القطاع الخاص، أي البنوك وأسواق المال.

مع أن التبادل المالي في القطاع الخاص لدول الاتحاد الأوروبي الآن عند نسبة 100 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي مقابل نسبة 60 في المئة عام 2001، إلا أن ذلك الارتفاع يعود في معظمه إلى صعود تسعير الأسهم والسندات وليس إلى زيادة حجم التبادل.

باستخدام أرقام بنك التسويات الدولية (يوصف بأنه البنك المركزي للبنوك المركزية حول العالم) يتضح أن وصول تلك المبادلات الرأسمالية إلى ذروتها في 2020 و2021 إنما يعود لارتفاع أسعار السهم بقوة نتيجة ضخ البنوك المركزية السيولة في السوق وخفض معدلات الفائدة إلى الصفر بسبب أزمة وباء كورونا، أما الآن، ومع انخفاض أسعار السهم، فيظهر التباطؤ في حركة انسياب رؤوس الأموال بين دول السوق الموحدة.

ومع أن حركة انسياب الأموال تقابل تقليدياً حجم الناتج الإجمالي، إلا أن الدراسة تلاحظ أن اقتصادات صغيرة الحجم مثل إيرلندا ولوكسمبورغ أصبحت الأعلى في انسياب رؤوس الأموال بين دول السوق. كما أن هناك نمطاً آخر يتعارض مع الحكمة الاقتصادية التقليدية وهو أن انسياب رؤوس الأموال يتجه أكثر من الشرق والجنوب إلى قلب أوروبا وشمالها مع أن المنطقي هو العكس، إذ يمكن لاستثمارات الشمال الغني أن تحقق عائدات أكبر من فرص النمو الواعدة في الجنوب والشرق.

اقرأ المزيد