Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل إعادة إعمار سوريا ممكنة في ظل عقوبات "قانون قيصر"؟

فكت "قمة جدة" عزلة دمشق لكن ما "القضايا التي على النظام أن ينجزها"؟

"العقوبات ستبقى راسخة كعامل مقيد للاقتصاد السوري" (يونيسف)

ملخص

الحرب السورية كلفت 442 مليار دولار بحسب "الإسكوا" فهل الاستثمارات لإعادة إعمار سوريا ممكنة، ومن سيكون المستفيد الأكبر الشعب أم النظام؟

فرضت "قمة جدة" 19 مايو (أيار) الحالي، تحولات واسعة وواقعاً جديداً، جاذبة ردود الأفعال والتحليلات والتقارير والتوقعات، عما يمكن أن ينتج عن هذه القمة التي أتت في خضم تقلبات عالمية وتوازنات تفرض نفسها بين الأقطاب الدوليين. يأتي ذلك في ظل ما تتحدث عنه مراكز الأبحاث عن انتهاء زمن الأحادية القطبية، وبعد الحرب الروسية- الأوكرانية، وصعود التنين الصيني والتململ الأوروبي من النفوذ والتبعية للولايات المتحدة و"اتفاق بكين" بين السعودية وإيران. وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد لخص ما يجري بقوله، إن "العالم لم يعد كما كان"، وإن "زمن الهيمنة الأميركية وأحادية القطبية قد ولى"، خلال مشاركته في أعمال الدورة 25 لمنتدى سان بطرسبورغ الاقتصادي، في يونيو (حزيران) 2022.

عودة سوريا و"العراقيل" الأميركية

عربياً، شكلت عودة سوريا إلى الجامعة العربية، بعد 12 سنة من تعليق عضويتها، الحدث الأبرز. ففكت "قمة جدة" عزلة دمشق، مؤسسة لخريطة استراتيجية إقليمية عربية، لكن كيف ستؤثر مفاعيل هذه القمة اقتصادياً وفي إعادة إعمار سوريا؟ في ظل استعجال لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب الأميركي إقرار مشروع قانون "مكافحة التطبيع مع الأسد لعام 2023"، وبأغلبية ساحقة، الذي يمنع الإدارات الأميركية من الاعتراف بأي حكومة يترأسها بشار الأسد، مما يعني توسيع العقوبات المفروضة على النظام بموجب قانون "قيصر". أتى ذلك قبل أيام قليلة من انعقاد "قمة جدة"، مما اعتبر رسالة من الإدارة الأميركية مفادها أن واشنطن لن تدعم "التطبيع العربي" مع النظام السوري، وستعرقل تقديم الأموال العربية من خلال قانون "قيصر". وفي حديث صحافي لمحمود برازي رئيس "التحالف الأميركي لأجل سوريا"، وهي المنظمة التي طرحت المشروع وشاركت في صياغته، قال إن "المشرعين الأميركيين تقصدوا إقرار مشروع القانون قبل انعقاد القمة، لأن العادة درجت على ألا تجري مداولة أي مشروع قانون في مجلس النواب إلا بعد أشهر من طرحه، لكن في الحالة التي أمامنا نوقش المشروع بعد يومين من طرحه فقط، وسط دهشة الجميع". علماً أنه وفي التاسع من فبراير (شباط) الماضي، أي بعد أيام من الزلزال المدمر في سوريا وتركيا، أعلنت الإدارة الأميركية تجميد العقوبات على دمشق لمدة ستة أشهر فقط، أي على المعاملات المتعلقة بتقديم المساعدات المتعلقة بالزلزال، على أن تنتهي هذه المهلة نهار الثامن من أغسطس (أب) 2023. في السياق يرى مراقبون أن العقوبات الأميركية على سوريا قد تستمر إلى عقود، كما هو واقع الحال مع العقوبات المفروضة على كوبا وإيران وفنزويلا، وحديثاً على روسيا. ويشبه سياسي سوري في حديث سابق مع "اندبندنت عربية" الحصار الغربي والأميركي "بعصر الرقبة للمجتمع السوري، ما يؤثر في إمكانات الدولة السورية، وحتى المواطن السوري الذي يعيش في الخارج".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 

هل إعادة الإعمار في سوريا ممكنة؟

وفي اتصال مع الأستاذ المحاضر في جامعة "جورج واشنطن" وكبير الباحثين في معهد "الشرق الأوسط" بواشنطن فراس مقصد، للحديث حول فرص وإمكانية إعادة الإعمار في سوريا في ظل مروحة العقوبات المفروضة عليها، يقول، "بظل وجود (قانون قيصر) لن يكون هناك أي استثمارات أو مساعدات مالية أو اقتصادية ممكنة بظل العقوبات، على الأقل لن يكون هناك استثمارات وازنة. ويرى أنه من الممكن أن يكون هناك غض نظر أميركي إذا كانت المبالغ المستثمرة صغيرة، وهذا يسير بخط مواز مع التقدم في بعض الملفات التي تريدها الإدارة الأميركية من نظام بشار الأسد، كموضوع الصحافي المخطوف أوستن تايس، وهذا أمر أساسي ويوجد مفاوضات في شأنه. ويتابع مقصد "قد يكون هناك بعض المرونة، لكن ضمن عقوبات (قانون قيصر)، والدور الذي يلعبه الكونغرس الأميركي، والرأي العام والإعلام، كل ذلك سيحد من دور وقدرة الإدارة الأميركية عن غض النظر عن المساعدات والاستثمارات الخليجية.

من جهة أخرى يرى الكاتب والباحث الاقتصادي السوري شادي أحمد من دمشق، في حديث مع "اندبندنت عربية"، أن العقوبات الاقتصادية الغربية ستكون مؤثرة بالطبع على تدفق الاستثمارات، حيث إنها بالأصل كانت تمنع المساعدات الإنسانية وقت الزلزال، فكيف والأمر يتعلق بالتعاون الاستثماري؟". ويرى أن "هناك تحولاً عالمياً وعربياً نحو إعادة تشكيل القوى الاقتصادية والسياسية العالمية والإقليمية، وعدم الالتزام المطلق بقواعد الهيمنة الأميركية، وهذا ما تمثل جلياً في الاتفاق الإيراني- السعودي، وبعدم امتثال السعودية لطلب الولايات المتحدة برفع مستويات إنتاج النفط"، لافتاً إلى "أن العقوبات ستبقى راسخة كعامل مقيد للاقتصاد السوري، ولكن هناك بوادر بعد القمة العربية قد تكون مشجعة".

استثناءات مشروطة

وعلى ضوء ما أشارت إليه صحف غربية وعالمية، وما ذكرته "فايننشال تايمز"، "أن عزلة الأسد الإقليمية التي استمرت 12 عاماً قد تقترب من نهايتها مقابل تنازلات قليلة من قبله، لا تعوض عن الانتهاكات الوحشية لقواته أثناء سحق الاحتجاجات وتدمير المناطق التي كانت خارج سيطرته"، وما نقل عن دبلوماسي عربي قوله "إن عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية  ستحتاج إلى جهود... وأن لجنة من مسؤولين رفيعي المستوى من السعودية والأردن ومصر والعراق قد اجتمعوا على للاتفاق على الخطوات القادمة"، لافتاً "لقد توصلنا إلى إجماع في شأن القضايا التي يجب التركيز عليها بما في ذلك المخدرات والقضايا الإنسانية واللاجئين"، مضيفاً أن "هذه قضايا نريد من النظام السوري أن ينجزها".

يشير الأكاديمي فراس مقصد إلى اعتقاده "أنه وفي أكثر من مناسبة عبر المسؤولون العرب عن طموحهم، في ما إذا كان هناك تقدم في الملفات الرئيسة كملف إعادة اللاجئين، وملف تهريب المخدرات والكبتاغون. وإذا ما أبدى النظام السوري حسن نية وتقدماً في هذه الملفات، فمن الممكن عندها أن يحصل تفاهم مع الحكومات الغربية، وبخاصة الولايات المتحدة، لرفع بعض من هذه العقوبات أو تليينها، بخاصة التقدم في الملفات التي تعتبر ذات أهمية بالنسبة إلى الإدارة الأميركية. "لكن هذا يبقى مشروطاً ولن يكون في المستقبل القريب". ويضيف مقصد "أنه باستطاعة البيت الأبيض رفع بعض العقوبات أي وضع استثناءات على (قانون قيصر)، لكن تبرز هنا موانع سياسية، خصوصاً من قبل جماعة الضغط واللوبيات التي تعمل في الكونغرس الأميركي".

هل تعود الاستثمارات العربية؟

كان وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية محمد سامر الخليل، وخلال اجتماع المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للجامعة العربية على المستوى الوزاري، وعلى هامش "قمة جدة"، قد دعا الدول العربية إلى "المشاركة في الاستثمار في سوريا، بظل وجود فرص واعدة وقوانين جديدة جاذبة للاستثمار"، مشدداً على أن "سوريا جاهزة للتباحث في سبل التنمية المشتركة الثنائية ومتعددة الجهات، بما يحقق الفائدة لشعوبنا العربية".

ما هذه القوانين، وهل هناك أرضية للبدء بالاستثمار؟ يقول الباحث الاقتصادي شادي أحمد، إنه "توجد في سوريا منظومة قوانين تساعد في خلق البيئة القانونية اللازمة للتهيئة العامة لجذب الاستثمارات وهي، قانون الاستثمار رقم 18 الذي اعتمد المعايير الأفضل في حماية المستثمرين واستثماراتهم. قانون التشاركية الذي ينظم العلاقة بين القطاع الخاص والقطاع العام بالنسبة إلى المشاريع الكبرى. والقانون رقم 10 لعام 2018، الذي يعتبر من أهم القوانين التي تعمل على الاستثمار في التنظيم العقاري والسكني". ويتابع أنه "على رغم الأهمية الكبيرة للقوانين التي تعتبر ضرورية، لكن القوانين لا تكفي، بل هناك ضرورة لرفع الحظر والعقوبات المالية على تحويل الأموال التي فرضتها الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، مضيفاً أنه "كذلك لا بد من حملة إصلاح إداري واقتصادي في سوريا لتكون الفائدة أكبر".

من جهة أخرى يرى الأستاذ الجامعي فراس مقصد أن سوريا ليست بلداً جاذباً للاستثمارات، وأي مال عربي أو خليجي سيأتي باتجاه سوريا، سيكون لدعم السياسة، ورسالة سياسية. لأن المال الذي سيدخل سيكون على شكل مساعدات إنسانية، ولمساعدة الدولة السورية في إعادة بناء مؤسساتها، وبسط سلطتها، وليس استثماراً في مشاريع أو قطاعات معينة، من الممكن أن تتوخى مردوداً وربحاً، لافتاً أنه ومن هذه الناحية لا يرى استثمارات، لأن الاقتصاد السوري اقتصاد غير مجدٍ، مشدداً على أنه "لا أعتقد أن هناك أحداً يفكر بالقيام بالاستثمار في الداخل السوري لربح المال".

الخسائر الاقتصادية السورية

وجد تقرير مشترك أعدته لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) ومركز الدراسات السورية في جامعة سانت آندروز، بعنوان "سوريا: بعد ثماني سنوات من الحرب"، وذلك في سبتمبر (أيلول) 2020، أن سوريا تكبدت خسائر اقتصادية تقدر بنحو 442 مليار دولار خلال ثماني سنوات بسبب حرب أتت على الأخضر واليابس، وكلفت البلاد مكاسبها الاجتماعية والاقتصادية التي تحققت بشق الأنفس. ووجد التقرير أن مؤشر التنمية البشرية في الجمهورية العربية السورية شهد انخفاضاً حاداً من 0.64 عام 2010 إلى 0.549 عام 2018، مما قلل من مكانته من مظلة البلدان ذات التنمية البشرية المتوسطة إلى البلدان ذات التنمية البشرية المنخفضة. وكشف التقرير الذي غطى الفترة الواقعة بين 2011 و2019، أن 82 في المئة من الأضرار الناجمة عن الصراع تراكمت في سبعة من أكثر القطاعات كثافة في رأس المال: الإسكان والتعدين والنقل والأمن والتصنيع والكهرباء والصحة. وتقدر قيمة الدمار المادي لرأس المال بنحو 117.7 مليار دولار، والخسارة في الناتج المحلي الإجمالي بـ324.5 مليار دولار، مما يضع كلفة الاقتصاد الكلي للصراع عند نحو 442 مليار دولار. ويعرض التقرير في مقدمته أنه "أسفر النزاع الذي نشب منذ ما يناهز عقداً من الزمن عن تحول جذري في جميع نواحي حياة المجتمع السوري"، وأن النزاع يفرض تحديات مستقبلية رهيبة سواء كانت في الإنتاج أو الاستثمار أو التنمية البشرية، مستشهداً ببيانات رسمية تفيد بأنه بحلول نهاية عام 2018، فقد الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي 54 في المئة من مستواه عام 2010. وفي ما يتعلق بالتبادل التجاري، يشير التقرير إلى أن الصادرات السورية شهدت انهياراً، من 8.7 مليار دولار عام 2010 إلى 0.7 مليار دولار عام 2018، مما تسبب في اضطرابات في الإنتاج وسلاسل التجارة.

هل عودة الاستثمارات العربية إلى سوريا وهم أم ممكنة؟

يشير الباحث الاقتصادي شادي أحمد إلى أن عودة الاستثمارات إلى سوريا ليست وهماً بل أصبحت ممكنة، ويعتبر العودة "ضرورة سواء للاقتصاد السوري أو لاقتصادات الدول المرسلة للاستثمارات، لأن عديداً من الدول العربية التي لديها فوائض مالية ستجد في اقتصاد يحتاج إلى إعادة الإعمار فرصة استثمارية، كونه كما هو معروف بأن البلدان التي تخرج من الحروب، وتعيد الإعمار تحقق أعلى معدلات نمو اقتصادي وأعلى معدلات توظيف".

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات