Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما سبب تراجع الإيمان ودور الدين في حياة الأميركيين؟

خلال الوباء انخفضت نسبة الذين ينتمون إلى كنيسة أو كنيس أو مسجد إلى أقل من النصف

يقول الأستاذ في علم اللاهوت والتعليم الديني في كلية "بوسطن" توماس غروم إن كثيرين من الناس في أميركا لا يرددون صلاة الليل أو صلاة الصباح (أ ف ب/ غيتي)

ملخص

تقلص دور المؤسسات الدينية وتشويه سمعة الدين وحرية الاختيار الشخصي

كشف مركز الأبحاث الوطني للرأي العام في جامعة "شيكاغو" "نورك" أن نسبة الأميركيين الذين لا يساورهم شك في وجود الله تراجعت من 60 في المئة عام 2008 إلى 50 في المئة فقط، العام الماضي 2022، ووجد المركز أن 34 في المئة من الأميركيين لا يذهبون إلى الكنيسة أبداً، وهو أعلى رقم مسجل في خمسة عقود من الاستطلاعات، في حين قال تقرير آخر، صادر عن المعهد العام لأبحاث الدين، إن 27 في المئة من الأميركيين ادعوا أنهم لا دين لهم في عام 2022، ارتفاعاً من 19 في المئة في عام 2012 و16 في المئة في عام 2006، ومع ذلك، فإن ثلاثة أرباع الناس يؤمنون بالحياة بعد الموت، وهو رقم ظل ثابتاً على مدى عقود، في حين أن سبعة في المئة فقط ملحدون، فما العوامل التي أدت إلى تراجع الإيمان في الولايات المتحدة خلال السنوات والعقود الأخيرة؟ وهل من علاقة تربط السياسة والتكنولوجيا بالأمر؟

انخفاض تاريخي

تشير هذه النتيجة من المسح الاجتماعي العام حول الدين في الولايات المتحدة الذي تمت متابعته عبر السنين، إلى استمرار تراجع الإيمان الذي أصبح عنيداً في أميركا اليوم بحسب وصف أستاذ العلوم السياسية في جامعة "إيسترن إلينوي" رايان بورغ على رغم أن ذلك لا يعني أن الأميركيين ليسوا روحانيين بالنظر إلى أن ثلاثة أرباع الناس يؤمنون بالحياة بعد الموت، وأن سبعة في المئة فقط من مجمل السكان ملحدون وسبعة في المئة آخرين "لا أدريون" وهم الذين يقولون إن وجود الله غير معروف.

لكن ما رصده المعهد العام لأبحاث الدين، يثير قلق المتدينين في الولايات المتحدة، حيث رصد المعهد انخفاضاً تاريخياً في عدد السكان المسيحيين في البلاد، بخاصة بين البيض، إذ تضاءلت نسبة الأميركيين الذين يعرفون أنفسهم على أنهم بروتستانت إنجيليون بيض من 23 في المئة عام 2006 إلى 14 في المئة العام الماضي، كما انخفضت نسبة الكاثوليك البيض من 16 في المئة من السكان إلى 13 في المئة.

وعلى رغم أن الاتجاه بعيداً من العبادة المنظمة يعود إلى أجيال، فإن إقبال الناس على العضوية في الكنيسة وحضورهم الأنشطة الدينية بها والإيمان بالله بشكل عام، انخفض في سنوات وباء "كوفيد-19"، الأمر الذي يكشف عن معدل تسارع أكبر وفقاً لما يقوله أستاذ علم الاجتماع في جامعة "ديوك" مارك تشافيز الذي يشير إلى البيانات الصادرة منذ خمسينيات القرن الـ 20 التي كشفت أن ثلاثة في المئة فقط من الناس لم يكن لديهم انتماء ديني، ثم ارتفعت هذه النسبة إلى نحو تسعة في المئة في التسعينات.

ارتفاع نسبة اللا دينيين

ومع ذلك، فإن نتائج المسح التي يصدرها مركز الأبحاث الوطني للرأي العام في جامعة "شيكاغو" المعروف باسم "نورك"، يعتبرها العلماء المتخصصون في دراسة الأديان المعيار الذهبي للاستطلاعات حول الإيمان، ووجد المسح الاجتماعي الأخير عن المركز أن 29 في المئة من الأميركيين ادعوا عدم انتمائهم لأي دين في عام 2021 ارتفاعاً من 23 في المئة في عام 2018 وخمسة في المئة فقط عام 1972.

وخلال الوباء الذي ضرب الولايات المتحدة عام 2020، انخفضت نسبة الأميركيين الذين ينتمون إلى كنيسة مسيحية أو كنيس يهودي أو مسجد إسلامي إلى أقل من النصف للمرة الأولى في التاريخ الأميركي، حيث كانت استطلاعات الرأي التي يجريها معهد "غالوب" حول عضوية الكنيسة ودور العبادة بشكل عام منذ الكساد الاقتصادي، تشير إلى أن أكثر من 70 في المئة من الأميركيين ينتمون إلى دور عبادة ما.

البروتستانتية تتراجع

قبل أسابيع قليلة، كتب أستاذ العلوم السياسية في جامعة "إيسترن إلينوي" رايان بورغ في مقال حول تراجع نسبة المعمدانيين والميثوديين وغيرهم من الطوائف، أن البروتستانتية الرئيسة التي تعد العمود الفقري للإيمان في العديد من المجتمعات الأميركية تنهار، وانخفضت نسبة الأميركيين الذين ينتمون إلى الطوائف البروتستانتية من واحد بين كل ثلاثة أميركيين خلال سبعينيات القرن الماضي، إلى حوالى واحد من كل 10 أميركيين في الوقت الحالي، وهو ما يعود في جزء منه إلى أنه قبل عقود، نشأ كل طفل أميركي تقريباً وهو ينتمي إلى دين ما، في حين أن ما يقرب من 15 في المئة من السكان الآن، لا يذكرون أي تنشئة دينية لهم.

ويقول الأستاذ في علم اللاهوت والتعليم الديني في كلية "بوسطن" توماس غروم إن كثيرين من الناس الآن في أميركا لا يرددون صلاة الليل، أو صلاة الصباح، أو يصطحبون أطفالهم إلى دور العبادة، وأياً كان دين الأميركيين في المستقبل، فسوف يكون عن طريق الإقناع والاختيار وليس بالهوية الموروثة.

وفي حين أن العديد من خطوط الاتجاه الديني آخذة في التراجع، فإن مجموعة رئيسة واحدة آخذة في الارتفاع، وهم البروتستانت غير الطائفيين الذين يتعبدون خارج الخط الرئيس للبروتستانتية والذين ارتفع عددهم من لا شيء تقريباً في السبعينيات إلى ما يقرب من 15 في المئة من الأميركيين، وأصبحوا الآن ثاني أكبر مجموعة دينية في أميركا، بعد الكاثوليك، ويشارك هؤلاء في الكنائس الكبرى والتجمعات الكبيرة التي نشأت خارج التقاليد الرئيسة، ويعتبرهم المصلون مستقلين عن المؤسسة الدينية للأمة، وهو ما يعتبره بورغ أنه يعكس رفض الأميركيين للمؤسسات سواء كانت بنوكاً أو نقابات أو شركات كبيرة أو مؤسسات دينية.

نزعة للأجيال

غير أن ما يثير التساؤل بين الباحثين، هو تراجع الإيمان عبر الأجيال الأحدث، إذ ترتفع نسبة الأميركيين الذين يدعون عدم انتمائهم لأي دين مع الفئات العمرية الأصغر سناً، وعلى سبيل المثال فإن تسعة في المئة من "الجيل الصامت" الذين ولدوا بين (1928 - 1945) لا ينتمون لأي دين، في حين تتضاعف النسبة إلى 18 في المئة بين جيل "طفرة المواليد" الذين ولدوا بين (1946 - 1964)، ثم تتزايد إلى 25 في المئة بين أبناء الجيل "إكس" الذين ولدوا بين (1965 - 1980)، وترتفع أكثر إلى 29 في المئة بين جيل "الألفية" الذي يعرف أيضاً باسم الجيل "واي" الذين ولدوا بين (1981 - 1996)، وتصل إلى 34 في المئة بين الجيل "زد" الذين ولدوا بين (1997 - 2010)، وفقاً لبيانات المركز على الحياة الأميركية.

ومع ذلك، فإن أستاذ الديمقراطية الأميركية في جامعة "نوتردام" ديفيد كامبل، يرى أن ارتفاع عدد الأميركيين غير المتدينين حاد للغاية بحيث لا يمكن تفسيره بالكامل استناداً إلى نظرية استبدال الأجيال، أي أن كبار السن المتدينين يموتون والشباب العلمانيون يحلون مكانهم، إذ يشك كامبل وغيره من الباحثين في أن العديد من الأميركيين أصبحوا ببساطة أكثر انفتاحاً بشأن رفض الدين، وأنهم تخلصوا من "وصمة العار" التي كانت تخيم على اعتراف من هذا النوع في الماضي، ولهذا قد يفسر تغيير الأعراف المجتمعية لماذا يمكن لنصف الأميركيين الآن القول إنهم غير متأكدين من وجود إله.

أسباب عدم التدين

غير أن مدير البحوث والتقييم في كلية الآداب والفنون والعلوم بجامعة "جنوب كاليفورنيا" ريتشارد فلوري يرجع هذه الزيادة في عدم التدين إلى خمسة أسباب، وفقاً لبحوث أشرف عليها في الجامعة وهي كالتالي:

أولاً: تراجع دور هياكل السلطة التقليدية، بما في ذلك الهياكل الدينية، من خلال سهولة الوصول إلى المعرفة، إذ أصبح كل شخص يمثل سلطة في حد ذاته، ما يقلل من الحاجة إلى السلطات التقليدية من أي نوع، وعلى سبيل المثال، قال أحد القساوسة في الدراسة إنه خلال قداس الأحد، قام أبناء أبرشيته بانتظام بإعادة فحص خطبه على هواتفهم الذكية، بدلاً من مجرد قبول ما قاله كما كان الناس يفعلون في الماضي.

ثانياً: يرى عدد أقل من الأميركيين أن المؤسسات الاجتماعية المهمة، مثل المنظمات الدينية والشركات والحكومة، لها تأثير إيجابي في المجتمع، وفي حين قال 68 في المئة من الأميركيين في منتصف السبعينيات إن لديهم قدراً كبيراً أو الكثير من الثقة في الكنائس والمنظمات الدينية الأخرى، إلا أنه بحلول عام 2016 انخفض هذا الرقم إلى 41 في المئة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ثالثاً: تم تشويه سمعة الدين من خلال الفضائح الجنسية التي تكشفت خلال السنوات الأخيرة في عدد من الكنائس والمؤسسات الدينية على اختلاف انتمائها في أميركا وحول العالم، بما يناقض التقاليد الدينية، كما ركز الإعلام اهتمامه على الارتباط بين المسيحية الإنجيلية واليمين السياسي، ما عرض الدين بحد ذاته للهجوم.

رابعاً: مثلت الحياة الحديثة من زيادة التنافس واستهلاك وقت واهتمام الناس بالعمل والمسؤوليات الأسرية ووسائل التواصل الاجتماعي والأنشطة الأخرى، خسارة للدين أمام الالتزامات الأكثر إلحاحاً، حيث يشير العديد من الأشخاص في الدراسات التي أجرتها جامعة "جنوب كاليفورنيا"، إلى أن الدين ليس بهذه الأهمية بالنسبة لهم، إذ يصبح الانخراط مع مجموعة دينية، بمثابة التزام اجتماعي آخر وليس وقتاً للتفكير والمحادثة والتجديد.

خامساً: يعد الاختيار الشخصي سمة أساسية للثقافة الأميركية، ويختار الأفراد الانتماءات المهنية والوجبات الغذائية وعضوية الأندية والجمعيات الأخرى التي لا تعد ولا تحصى، ومع كون الدين أحد الانتماءات التي يتم اختيارها من قبل أتباعها، وتنشئة العديد من الشباب من قبل آباء شجعوهم على اتخاذ قرار الدين بأنفسهم، فقد ساعد ذلك إلى اختيارهم "عدم الانتماء" لدين محدد عندما يفكرون في ما إذا كانوا يريدون الانتماء إلى أي تقليد ديني أو الارتباط به.

وعلى رغم أن فئة غير المنتمين دينياً هي فئة غامضة حيث يحتفظ الكثير منهم بنوع من المعتقدات والممارسات الدينية أو الروحية، إلا أن المحصلة النهائية تظهر باستمرار وبشكل واضح أنه بمرور الوقت تفقد المؤسسات الدينية الرسمية مكانتها في الثقافة الأميركية، وهو أمر قد يكون له تأثير كبير على المجتمع الأميركي في المستقبل، إذ إن هناك علاقة إيجابية طويلة الأمد بين الدين والعمل التطوعي في المجتمع الأميركي بسبب الدوافع الدينية الشخصية، وعندما تفقد المنظمات الدينية أعضاءها، فسوف تكون أقل قدرة على توفير المتطوعين اللازمين لإتاحة الخدمات للمحتاجين التي قدمتها منذ فترة طويلة.

استمرار الإيمان بالخالق

ومع ذلك، لا تزال الغالبية العظمى من الأميركيين يقولون إنهم يؤمنون بالله من دون تحفظ، مع بعض الشكوك، أو على الأقل لبعض الوقت، وإذا كان البعض لا يؤمن بالله في حد ذاته، فإنهم يؤمنون بقوة أعلى، ولهذا يعتبر رايان بورغ من جامعة "إيسترن إلينوي" أن الإيمان بالله لا يزال قائماً حتى بين الأميركيين الذين يدعون أنهم لا ينتمون لدين ما، لأن نصفهم تقريباً يؤمن بنوع من الخالق، في حين يرى توماس غروم من كلية "بوسطن" أن افتراض الحضور إلى الكنيسة كمقياس للإيمان، تعد فكرة عفا عليها الزمن، لأن استخدام حضور الكنيسة كعلامة مميزة دائماً للإيمان في الشعب الأميركي ليس صحيحاً بالمطلق، على رغم أن العلاقة بين الإيمان والكنيسة لا تزال قوية بشكل خاص بين الجمهوريين.

وتظهر بيانات مركز "بيو" للأبحاث أن 44 في المئة من الجمهوريين يحضرون الكنيسة مرة واحدة على الأقل في الأسبوع، مقارنة بنحو 29 في المئة من الديمقراطيين، كما تشير البيانات إلى أن معظم الملحدين هم من الديمقراطيين، لكن هذا لا يعني أن الديمقراطيين أقل إيماناً بالنظر إلى أن الدين لا يزال قوياً نسبياً بين الأميركيين السود واللاتينيين، وغالبية هاتين الفئتين من الديمقراطيين، وكلاهما أكثر احتمالاً من البيض لحضور الكنيسة بانتظام.

أميركا شديدة التدين

على رغم الانخفاض المستمر في نسبة التدين بالولايات المتحدة، إلا أن مارك تشافيز من جامعة "ديوك"، يشير إلى أن أميركا تظل دولة شديدة التدين وفقاً للمعايير العالمية، ففي مقارنة واحدة، وجد مركز "بيو" للأبحاث أن 19 في المئة من الأميركيين يدعون أنهم لا دين لهم، لكن هذه الأرقام تبدو أعلى في ألمانيا (26 في المئة) وبريطانيا (31 في المئة) وفرنسا (32 في المئة) والصين (52 في المئة) واليابان (60 في المئة)، ولكن أقل في روسيا (15 في المئة) وإيطاليا (13 في المئة) والهند (أقل من واحد في المئة).

المزيد من تقارير