Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قمة الأديان لمجموعة الـ20... حل دبلوماسي مبتكر لإرساء السلام العالمي

400 رجل دين يناقشون القضايا الأكثر إلحاحاً وإطلاق مبادرة الجسور بين الشرق والغرب من أجل عالم أكثر تفاهماً

المشاركون في قمة الأديان لمجموعة العشرين اتفقوا على منع التسليح والعنف القائم على الهوية والحد من انتشار الكراهية الطائفية (أ ف ب)

انطلقت اليوم الأربعاء، الثاني من نوفمبر (تشرين الثاني)، قمة الأديان لمجموعة الـ20 التاريخية الأولى من نوعها في جزيرة بالي بإندونيسيا برئاسة مشتركة بين رابطة العالم الإسلامي وهيئة نهضة العلماء الإندونيسية التي يتبعها 120 مليون إندونيسي. وأعلنت رئاسة القمة إطلاق منتدى "بناء الجسور بين الشرق والغرب من أجل عالم أكثر تفاهماً وسلاماً ومجتمعات أكثر تعايشاً ووئاماً".

ويسعى المؤتمر إلى جعل الأديان مصدراً لحل المشكلات العالمية، بدلاً من ارتباطها خلال الفترات الأخيرة بالنزاعات والحروب. كما يشارك في المنتدى العالمي ما يزيد على 400 شخصية دينية من مختلف القارات ويتناقشون خلال سبع جلسات رئيسة في قضايا مرتبطة بالهوية الدينية والقيم المشتركة بين الأديان، وعلاقة الأديان بمختلف جوانب التطور في المجتمع.

قمة دينية تاريخية

اتفق أمين رابطة العالم الإسلامي الدكتور محمد العيسى ورئيس منظمة نهضة العلماء الإندونيسية الشيخ يحيى ثقوف مطلع العام على خلق مبادرة مجموعة تواصل الأديان لدول الـ20، والدعوة إلى إقامة مؤتمر الأديان خلال رئاسة إندونيسيا لمجموعة الـ20. وانطلقت المبادرة لتحقيق التعاون بين القيادات الدينية في الوقوف على أرضية من القيم المشتركة، وإحياء دور الدين في إقامة بنية اقتصادية وسياسية عالمية تتماشى مع القيم السامية للأديان، وإبراز دور الدين كحل للمشكلات العالمية التي تواجه مختلف البلدان.

ومن بين الأهداف الرئيسة للقمة منع التسليح والعنف القائم على الهوية، والحد من انتشار الكراهية الطائفية وحماية البشر من العنف والمعاناة القائمة على النزاع، إلى جانب دعم الحوارات الصادقة والواقعية بين أتباع الأديان المختلفة وغرس القيم الأخلاقية والروحية في صلب الأنظمة الاقتصادية والجيوسياسية.

وتعرف منظمة نهضة العلماء بكونها أكبر الجماعات الإسلامية في إندونيسيا، إذ يصل عدد أتباعها إلى نحو 120 مليون شخص أو ما يعادل 40 في المئة من سكان إندونيسيا، وتأسست في عام 1926، وتسهم في الترويج لمفهوم الإسلام الوسطي والمعتدل وسماحة الدين الإسلامي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتعد قمة أديان مجموعة الـ20 الأولى من نوعها، إذ شكلت للمرة الأولى مجموعة عمل للأديان ضمن مسارات مجموعة الـ20 واجتماعاتها هذا العام. ويحرص المنتدى المقام في بالي على تقديم رؤية حضارية عظيمة عن دور الأديان في تقديم الحلول للمشكلات العالمية. وتحمل القمة الدينية في عامها الأول شعار "إبراز الدين مصدراً للحلول العالمية: حركة دولية تقودها القيم الأخلاقية المشتركة"، ومن المقرر أن ينعقد منتدى الأديان في العام المقبل 2023 برئاسة الهند لمجموعة الـ20، والعام بعد المقبل 2024 في البرازيل.

ضمت القمة زعماء دينيين بارزين من جميع أنحاء العالم، من الديانة الإسلامية والبوذية والهندوسية والسيخية والمسيحية (بطوائفها الثلاث الكاثوليك والبروتستانت والأرثوذوكس) ويصل عدد القادة الدينيين المشاركين في المنتدى إلى أكثر من 400 شخصية من مختلف دول العالم. ويعقد في منتدى الأديان سبع جلسات عامة، من بينها الجلسة الافتتاحية.

الجسور بين الشرق والغرب

تأتي قمة أديان الـ20 للمرة الأولى مع رئاسة إندونيسيا لمجموعة الـ20، وهي البلد الذي لديه أكبر عدد من السكان المسلمين في العالم، إذ يصل عددهم إلى 231 مليون شخص تقريباً. كما تتسم إندونيسيا باحترام مختلف الأديان على أرضها، والابتعاد عن فرض التعاليم الدينية بفضل مبدأ "بانكاسيلا" الموجود في الدستور الإندونيسي منذ الاستقلال، ويقضي بمراعاة الوحدة الوطنية وحفظ التعايش السلمي بين أتباع الديانات المختلفة في البلاد.

وقدمت القمة مبادرة يعتقد القائمون عليها بأنها ستكون ذات تأثير في الحوار بين الأديان والحضارات الشرقية والغربية خلال الفترة المقبلة، إذ أعلنت رئاسة قمة الأديان إطلاق مبادرة "الجسور بين الشرق والغرب: من أجل عالم أكثر تفاهماً وسلاماً، ومجتمعات أكثر تعايشاً ووئاماً"، ليتجاوز "شتات" و"معاد" الحوارات من عقود إلى مبادرات ذات برامج فعالة ومستدامة يمكن قياسها وتقويمها. كما ناقشت القمة القضايا الأكثر إلحاحاً في المجتمع الدولي حالياً، مثل اندماج الأقليات الدينية واللاجئين، وغيرها من القضايا المختلفة ذات الجدليات الدينية والفكرية والثقافية، بل وحتى القضايا السياسية ذات العلاقة. وينظر مراقبون لأهمية تلك القمة الدينية لارتباطها بقمة الـ20 وباعتمادها الدين كحل دبلوماسي مبتكر يكون مصدراً للسلام العالمي وحل الأزمات، مما قد يجعل إندونيسيا عاصمة لهذا النوع الفريد من الدبلوماسية.

الوحدة والتعايش العالمي

طالب الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو في كلمته الافتتاحية رجال الدين بتكثيف مساهمة الأديان في حل المشكلات العالمية والتصدي للحروب، مؤكداً أن الوحدة الإندونيسية تقوم على مبدأ التنوع ودور رجال الدين في نهضة المجتمع الإندونيسي. 

بدوره أوضح الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى رئيس القمة المشارك، أن المنتدى جزء من مجموعة تواصل الأديان لدول الـ20، التي اعتمدتها أخيراً رئاسة الـ29 لتكون ضمن فعاليات المجموعة، مضيفاً أن المنتدى سيشكل منصة التواصل الأكبر والأهم والأكثر رحابة ومهنية بين الشرق والغرب، وشهد مشاركة كبار المتخصصين في المجال الديني والفكري والثقافي والمجتمعي والسياسي، ولا سيما الأحزاب السياسية واللجان البرلمانية المرتبطة أعمالها بالشؤون الإنسانية والاجتماعية، مؤكداً أن مبادرة الجسور بين الشرق والغرب منصة تهدف لمزيد من الفهم والسلام العالمي والتعايش المتناغم في المجتمعات، مشيراً إلى أن الأديان ليست مشكلة في أصلها لكن ما يجعلها مشكلة كيفية فهمها وتفسيرها، وضرورة اضطلاع رجال الدين بمهمة إظهار القيم السلمية والوجه الحقيقي لكل دين. وأوضح الشيخ عبدالكريم أن الإسلام يرفض الصراعات والصدامات الحضارية، مثمناً قيم الوحدة والسلام التي يدعو إليها الدين الإسلامي.

وتؤكد ماري آن جليندون، الأستاذة في جامعة هارفارد التي ترأست لجنة وزارة الخارجية الأميركية للحقوق غير القابلة للاستبدال، في كلمتها بمنتدى الأديان، ارتباط الدين بالتطور الاقتصادي للدول بوصفه واحداً من المكونات الثقافية الرئيسة للمجتمعات، كما أكدت أن العالم يواجه حالياً أزمة في البيئة الاجتماعية وأن أية سياسة مهما اتسمت بحكمتها لن تتحقق إلا إذا ساندتها المعتقدات والعادات الخاصة بالمجتمع. وأشارت إلى أن التساؤل عن القيم المشتركة بين الشعوب والحضارات حضر مع التحضير لإعلان الأمم المتحدة لحقوق الإنسان عام 1948، وحثت على البحث في أعماق الثقافات والأديان المختلفة للعثور على القيم الحقيقية والأصيلة لكل دين، وتوعية رجال الدين لاتباع العقائد بالأفكار التي تتلاعب بالدين لأغراض سياسية أو في تصرفات تتسم بالعنف.

أما بعد؟

فيرى مراقبون أن الحاجة إلى إقامة حوار بين الأديان في العصر الحالي أصبحت ملحة نظراً إلى وجود عدد من الصراعات التي يعتمد أصحابها على الدين مرجعاً لما يقدم عليه من ممارسات ضد خصومه أو المغايرين له، إذ يمثل الحوار بين الأديان طريقاً لإبراز حقيقة الأديان الأخرى والمشتركات التي تجمع بينها. وفي هذا الصدد يذكر يوسف الكلام أستاذ العقائد ومقارنة الأديان في جامعة محمد الخامس المغربية لـ"اندبندنت عربية"، أن المنظمات العالمية لها دور كبير في الحد من صراع الحضارات والرفع من قيم التسامح وقبول المخالفين بين أعضائها عن طريق الحوارات واللقاءات التي تجريها، مبيناً أن إدراج مجموعة الـ20 لتواصل الأديان يأتي في إطار سعي المنظمة الدولية للحد من الصراع بين الحضارات والتعريف بحقيقة الأديان والإسهام في إظهار دور الدين للتغلب على الأزمات الاقتصادية العالمية.

فيما يشير هاني البلوي الأكاديمي والمتخصص في الحوار ومقارنة الأديان إلى أن رجال الدين في الآونة الأخيرة يحرصون على إجراء الحوار بين الأديان، ويبذلون خطوات أكثر جدية في حسن النوايا مثل تبادل الهدايا والتكريمات والشهادات الفخرية لأولئك الذين اجتهدوا في تكريس مفاهيم التقارب والتسامح والعيش تحت مظلة واحدة تحوي كثيراً من الديانات، لافتاً إلى ظهور دور عبادة تمازجت تحت غطاء واحد يحتوي على معابد لديانات متعددة، مما يدلل على أهمية استيعاب المرحلة المقبلة في ضرورة الحوار بين الأديان التي يعتقنها أكثر من 85 في المئة من سكان هذا الكوكب.

المزيد من متابعات