Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جينوم المصريين والفراعنة أكذوبة أم حقيقة علمية؟

وصف زاهي حواس تحاليل الانتماء الجيني بـ"النصب" وآخرون عدوها رداً علمياً على مزاعم دعاة المركزية الأفريقية

جددت تحاليل الانتماء الجيني قضية نسب المصريين المعاصرين إلى أسلافهم (رويترز)

ملخص

يمكن من خلال الاختبار مقارنة الحمض النووي الخاص بالشخص مع عينات من جميع أنحاء العالم لمعرفة المزيد عن خلفية عائلته والتاريخ العرقي له و"ليس التاريخ القديم"

ضجت مواقع التواصل الاجتماعي والصحف المصرية خلال الأيام الماضية بخبر عن التحليل الجيني لسيدة مصرية تعيش في أستراليا، تزعم أن نتائج تحليل أجرته عبر إحدى الشركات تتطابق بنسبة مئة في المئة مع أصولها المصرية القديمة، تحديداً مع جينات مومياوات العصر الصاوي.

الخبر لقي حفاوة واسعة بين المصريين، إذ اعتبروه وسيلة للدفاع عن الهوية المصرية، ودحض مزاعم دعاة المركزية الأفريقية ممن يزعمون أن المصريين المعاصرين هم أحفاد الغزاة العرب، وأن الحضارة المصرية بناها الأفارقة جنوب الصحراء.

اختبار السلالة

وتقدم الشركات التي توفر اختبار السلالة، مثل Ancestry و23 and Me وFamily treeDNA وHeritage تفصيلاً دقيقاً للحمض النووي لعملائها، وعلى سبيل المثال، يذكرون أن أصل شخص ما هو 25 في المئة أوروبي و74 في المئة من شرق آسيا و0.1 في المئة من شمال أفريقيا.

وتسوق تلك الشركات منتجاتها بطريقة تشير إلى أن الاختبار يكشف شيئاً ذا مغزى عميق عن أصولك، وهو أمر عادة ما يكون جاذباً بالنسبة إلى أي شخص يريد معرفة جذوره العرقية، أو اكتشاف روابط مع أقارب سابقين ومعاصرين.

كما أن سهولة إجراء التحليل عبر البصق في أنبوب أو أخذ مسحة من الفم، التي من خلالها يمكنك فك الألغاز الجينية التي قد تمتد إلى أجيال، تجعل الأمر أكثر جاذبية.

وتستخدم المختبرات استراتيجيات تسويق مركبة في هذا الصدد، فعلى سبيل المثال، تقول شركة "23 آند مي" في إعلانها، "الحمض النووي الخاص بك يروي قصة من أنت، وكيف تتصل بالسكان في جميع أنحاء العالم".

وأقامت الشركة قبل سنوات قليلة شراكة مع "إير بي إن بي" لمساعدة العملاء على التخطيط لقضاء الإجازات "التراثية" في الأماكن التي عاش فيها أسلافهم.

ما الذي يكشفه الاختبار؟

ووسط هذا البريق الذي يثير الفضول والعاطفة، ومن جانب آخر احتفاء المصريين بالشابة المصرية ذات "العرق النقي"، يأتي التساؤل، ما مدى المصداقية العلمية لتلك التحاليل الجينية التي تبحث في الأصول العرقية للشخص؟ وهل بياناتها كافية للتسلسل الجيني للمصريين القدماء أو غيرهم؟ وهل يمكن لتحليل الحمض النووي ربط الشخص بالتاريخ القديم؟

وفق بحث منشور في دورية معهد ماساشوستس للتكنولوجيا، فإنه بين عام 2018 ومطلع 2019، اشترى أكثر من 26 مليون مستهلك اختبارات الحمض النووي، التي تسوقها هذه الشركات للتعرف على أصولهم، حتى إن شركتي Ancestry و23 andMe في ولايتي يوتا وكاليفورنيا الأميركيتين أصبحتا تمتلكان بعضاً من أكبر مجموعات الحمض النووي البشري في العالم، ما يثير مخاوف في شأن الخصوصية.

وتشير تقديرات سابقة إلى أن هذه الصناعة بلغت نحو 7.7 مليار جنيه استرليني بحلول 2022.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويشير موقع "Ancestry" إلى أنه بفضل التقدم في تقنية الحمض النووي يمكن من خلال الاختبار مقارنة الحمض النووي الخاص بالشخص مع عينات من جميع أنحاء العالم، لمعرفة المزيد عن خلفية عائلته والتاريخ العرقي له و"ليس التاريخ القديم"، بل فقط الأشخاص والأماكن التي يمكن أن تهمه.

ويتشابه الحمض النووي لجميع البشر بنسبة 99 في المئة، فيما تجعل الواحد في المئة المتبقية كل مجموعة إثنية من البشر لها صفات مختلفة عن الأخرى.

ووفق موقع "ويب أم دي" الطبي، فإن اختبارات الحمض النووي التجارية تساعد في معرفة المزيد عن نفسك وجذورك العائلية، لكن نتائجها يجب أن تكون دائماً موضع شك، نظراً إلى أن شركات اختبار الحمض النووي التي تقدم هذه الخدمات تستخدم طرقاً لم يتم التحقق من صحتها من قبل علماء مستقلين.

المصريون القدماء

وبالعودة إلى المصريين القدماء وفي ما يتعلق بالدقة العلمية لهذه التحاليل في توثيق نسب المصريين المعاصرين إلى أسلافهم، يجزم عالم المصريات زاهي حواس، بأن هذه التحاليل "نصب". مؤكداً أن العلم "لا يستطيع حسم مثل هذه النتائج".

وأوضح حواس، في حديثه إلى "اندبدندنت عربية"، "تحاليل دراسة الحمض النووي للمومياوات المصرية تهدف لمعرفة أمور تتعلق بالمومياء نفسها من اسم ونسب وتاريخ الحقبة التي عاش فيها صاحبها والأمراض في عصرهم".

ولحواس، الذي تولى حقيبة وزارة الآثار المصرية سابقاً، كتاب بعنوان "مسح الفراعنة"، بالشراكة مع سحر سليم، المتخصصة في علم الأشعة، يتحدث فيه عن فحص المومياوات الملكية، في عملية تخبرنا بأعمارهم عند الوفاة والحالات الطبية التي ربما عانوا منها، فضلاً عن عملية التحنيط والمواد المستخدمة.

وقدم المؤلفان المشاركان باستخدام أحدث التقنيات، بما في ذلك التصوير المقطعي متعدد الكاشفات وتحليل الحمض النووي، نتائج فحص المومياوات الملكية للأسرة الثامنة عشرة حتى الأسرة العشرين، وهو ما كشف عن ثروة من المعلومات حول كل مومياء، وقدم صوراً نابضة بالحياة ومفصلة عنهم، فضلاً عن استخلاص بعض النتائج حول علم الأنساب والعلاقات الأسرية بين هؤلاء الأفراد القدامى.

رد علمي

وعلى النقيض، يعتقد الباحث في تاريخ مصر القديمة، وسيم السيسي، أن هناك "أهمية علمية لمثل هذه الاختبارات"، إذ يمكنها تأكيد نسب المصريين المعاصرين وصلتهم بمصر القديمة، مما يمثل رداً علمياً على مزاعم دعاة المركزية الأفريقية وغيرهم ممن لديهم ادعاءات باطلة في الحضارة المصرية.

ويشير السيسي إلى أن دراسة الحمض النووي الخاص بالأسرة الثامنة عشرة للملك توت عنخ آمون، "أثبت ارتباطها بالمصريين المعاصرين بنسبة 88.6 في المئة". لافتاً إلى أن واحداً من الأبحاث المهمة المتخصصة بعلم الجينوم هو ذلك الصادر عن معهد ماكس بلانك لعلوم التاريخ البشري في ألمانيا عام 2017، وهي الدراسة التي كشفت أن الصلات الوراثية بين المصريين القدماء والأفارقة جنوب الصحراء الكبرى "ضئيلة للغاية".

وقامت الدراسة الألمانية على فحص الخريطة الجينية (الجينوم) لتسعين مومياء من موقع أبو صير (على بعد نحو 115 كيلومتراً جنوب القاهرة)، ويرجع أقدم هذه المومياوات إلى سنة 1388 قبل الميلاد وأحدثها إلى 426 للميلاد، أي بعد قرون عدة من تحول مصر إلى أحد أقاليم الإمبراطورية الرومانية.

وتساءل يوهانس كراوسه، الذي قاد الدراسة المنشورة في دورية نيتشر كوميونيكيشنز، هل ينحدر المصريون المعاصرون مباشرة من نسل المصريين القدماء؟ هل كانت هناك استمرارية وراثية في مصر على مدار الزمن؟ هل غير الغزاة الأجانب التركيبة الوراثية، على سبيل المثال هل أصبح المصريون أكثر أوروبية بعد أن غزا الإسكندر الأكبر مصر؟ مضيفاً "يستطيع الحمض النووي القديم التعامل مع هذه الأسئلة".

وأظهر الجينوم أن الصلة الجينية للمصريين القدماء بشعوب أفريقيا جنوب الصحراء تتراوح بين محدودة ومنعدمة، ومن المعروف أن بعض هذه الشعوب مثل الإثيوبيين القدامى كانت لهم تفاعلات كبيرة مع مصر، أما الصلات الوراثية الأقرب فكانت بشعوب الشرق الأدنى القديم، ويشمل ذلك أجزاءً من العراق وتركيا، إضافة إلى إسرائيل وسوريا ولبنان.

ورصد الباحثون استمرارية وراثية من هذه المومياوات تشمل عصر الدولة الحديثة والعصر الروماني.

المثير أن الباحثين وجدوا زيادة كبيرة في الأصول التي ترجع إلى أفريقيا جنوب الصحراء قبل نحو 700 عام فقط، لأسباب ربما تتعلق بتجارة الرقيق أو التجارة البينية بين الأقاليم، إذ يتشارك المصري الحديث ثمانية في المئة من الجينوم مع شعوب وسط أفريقيا، وهو ما يزيد كثيراً على النسبة في مصر القديمة.

ووفق كراوسة، "لم يكن هناك تغير ملحوظ في تلك الأعوام الألف وثماني مئة من التاريخ المصري، التغير الكبير حدث بين ذلك الحين والآن". لذا يذهب السيسي إلى أنه "ليس مستغرباً أن نجد جينات المصريين الحاليين مرتبطة بالماضي"، لكنه نفى "أن تكون متطابقة بنسبة 100 في المئة".

مركز الجينوم المصري

وفي عام 2021، أطلقت الحكومة المصرية مشروع الجينوم المرجعي للمصريين وقدماء المصريين، وهو المشروع العلمي الأكبر في تاريخ مصر الحديث بتكلفة تصل إلى ملياري جنيه (64 مليوناً و898 ألف دولار)، الذي يقوم على تأسيس قاعدة بيانات لمجموعة الجينات الموجودة في شعب ما أو أفراد جماعة عرقية معينة من خلال جمع تسلسل الحمض النووي بواسطة العلماء.

ويتعلق الهدف الرئيس للمشروع البحثي المصري بالجانب الطبي مثل اكتشاف الأمراض الوراثية وتحديد مدى ملاءمة الأدوية للمصريين من خلال التعرف على ما يميز المصريين عن غيرهم في الاستجابة للأدوية المختلفة وكيفية الإصابة بالأمراض.

وإضافة إلى دراسة جينوم المصري المعاصر، فإن المشروع يشمل دراسة الصفات الجينية للمصريين القدماء لفهم طبيعة الأمراض التي تعرضوا لها وحالتهم الصحية، مما سيكون له أثر مهم في فهم الحضارة المصرية القديمة، وما تتميز به من أهمية في التراث والثقافة العالمية.

وتكمن أهمية المشروع في أنه يوفر خريطة جينية للمصريين، في ظل اعتماد الطب الحديث على ما يعرف بالطب الدقيق أو الطب الشخصي، الذي يعتمد على تقسيم المرضى وفقاً للعوامل الوراثية، ثم تحديد أسلوب علاج يعرف بالعلاج الجيني، الأمر الذي يحتاج إلى بيانات عن التركيب الوراثي للإنسان، بحسب تصريحات سابقة لمحمود صقر رئيس أكاديمية البحث العلمي، إحدى الجهات المنفذة للمشروع.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير