ليس من قبيل المصادفة، أن تتزامن زيارة اثنين من أبرز المسؤولين العراقيين إلى الكويت، هما رئيس البرلمان محمد الحلبوسي ووزير الداخلية ياسين الياسري، مع ذكرى غزو العراق لهذا البلد، في الثاني من أغسطس (آب) 1990، إذ بدا أن آثار هذه الواقعة الكبيرة، ربما باتت من الماضي فعلاً.
لم تعلن بغداد رسمياً نيتها استباق ذكرى الغزو العراقي للكويت بهذا النوع من الزيارات إليها، لكن المراقبين استقبلوا هذه الإشارات، وفسروها على أنها دليل عراقي جديد على طي صفحة الماضي، والبناء على مشتركات عديدة بين البلدين، في لحظة فارقة، تشهد خلالها المنطقة تصعيداً كبيراً بين الولايات المتحدة وإيران.
العراق يتجنب التذكير بالغزو
تجنب رئيس البرلمان ووزير الداخلية، خلال تعليقهما على جدول زيارة كل منهما، الإشارة إلى ملف الغزو، لكنهما اشتركا في تأكيد "أهمية تعزيز العلاقات بين البلدين الجارين". وعقد الحلبوسي والياسري سلسلة اجتماعات منفردة شملت كبار المسؤولين الكويتيين، توّجاها بلقاء أمير البلاد، بينما أظهرت الصور حفاوة كويتية كبيرة بالضيفين.
والتقى الحلبوسي أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، وولي العهد الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، ورئيس مجلس الوزراء جابر مبارك الحمد الصباح، ورئيس مجلس الأمة الكويتي مرزوق الغانم، والنائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الشيخ ناصر صباح الأحمد، ونائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الشيخ صباح خالد الحمد الصباح، ونائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية الشيخ خالد الجراح الصباح.
ووفقاً لمكتب الحلبوسي، فإن المباحثات تناولت "تعزيز العلاقات بين مجلس الأمة الكويتي ومجلس النواب العراقي، والعمل على تنسيق المواقف في المحافل الدولية والإقليمية، وتفعيل الدبلوماسية البرلمانية"، فضلاً عن "توسيع المشاركات الثقافية والفنية والرياضية بما يسهم في إعادة الانسجام المجتمعي بين شعبي العراق والكويت، وتشجيع السياحة الدينية والأثرية".
كما تناولت المباحثات، الوضع الإقليمي، مؤكدةً "ضرورة عمل جميع دول المنطقة على التهدئة وخفض التصعيد والتوتر ونزع فتيل الحرب، للحفاظ على الاستقرار، ودرء الخطر عن شعوبها".
الياسري ينقل تحية عبد المهدي
وخلال لقائه أمير الكويت، نقل وزير الداخلية العراقي ياسين الياسري تحيات رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي إلى "سمو الأمير والشعب الكويتي الشقيق"، مؤكداً "حرص العراق على تعزيز أسس الروابط الأخوية العميقة بين العراق والكويت، بما يحقق صالح الشعبين الشقيقين". من جانبه، رحب أمير الكويت بزيارة الياسري، متمنياً أن "تُستثمر مثل هذه الزيارات بمزيد من التعاون والتفاهم لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة".
خطيئة صدام
لم يعد الغزو العراقي للكويت، يجد من يفكر فيه أو يناقشه، على مستوى الطبقة السياسية، التي تعتقد أن هذا الملف هو الخطيئة الكبرى للرئيس الأسبق صدام حسين، وهو ونظامه من عليهما أن يُحاسبا. وعلى الرغم من مرور زمن طويل على الغزو، إلا أن العراق لم يتوقف حتى الآن عن دفع التعويضات، تنفيذاً لمقررات مجلس الأمن الدولي. وحتى الساعة هناك خمسة في المئة من عائدات بيع النفط العراقي، تذهب سنوياً إلى صندوق تعويضات الكويت.
لكن المتبقي للنقاش بين البلدين من متعلقات الغزو، لا يخص التعويضات، بل الأسرى الكويتيين الذين نُقلوا إلى العراق بعد اجتياح الكويت، ووضعوا في معتقلات خاصة، قبل أن تنقطع أخبارهم.
ملف الأسرى والمفقودين
ويبدو أن المتابعة الكويتية لهذا الملف، وتشجيع الجار العراقي على أهمية التوصل إلى نتائج حاسمة بشأنه، قد أثمرت أخيراً، عندما أعلن محافظ المثنى، جنوب العراق، أحمد منفي جودة، السبت الماضي، العثور على مقبرة جماعية لأسرى كويتيين أعدمهم نظام صدام، في بادية المحافظة.
وقال جودة إن "الأجهزة الأمنية والاستخبارية حصلت على معلومات عن وجود مقبرة جماعية للأسرى الكويتيين في بادية المثنى"، مشيراً إلى أن "الحكومة المحلية أبلغت الجهات المختصة باتخاذ الإجراءات القانونية للتأكد من المقبرة". وأشار إلى أن "نظام صدام ملأ بادية السماوة بعشرات المقابر الجماعية ولم يستثنِ منها أحداً سواء كانوا عراقيين كرداً أم عرباً، سنةً أم شيعة، وقد امتد ظلمه إلى الأشقاء في الجارة العزيزة دولة الكويت، حيث أسر وأعدم العشرات من أبناء الكويت بعد غزو بلادهم في 1990".
ويكاد يكون ملف الأسرى والمفقودين، النقطة الأهم في مباحثات مسؤولي البلدين، في ظل حرص الكويت على معرفة مصير أبنائها، وحرص العراق على المساهمة في تضميد جراح هذه الذكرى.