Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تغذي موارد السودان شرايين الحرب؟

لن يستطيع اقتصاد البلاد تحقيق معدلات نمو موجبة إلا باستغلال الثروات الطبيعية الضخمة بعد تحقيق الاستقرار السياسي والأمني

يمكن أن ينفق من موارد السودان لإحلال السلام إذا تم استغلالها بصورة مثلى (اندبندنت عربية - حسن حامد)

ملخص

لو لم يمتلك السودان كل هذه الموارد واكتفى بموقعه الاستراتيجي الرابط بين المنطقتين العربية والأفريقية وساحل البحر الأحمر لكان ذلك كافياً بأن يصبح ضمن دول العالم المتقدم

شبه كثيرون السودان بأنه أفريقيا مصغرة، في حجمه وتنوع جغرافيته بأراضيه الواسعة الخصبة التي تمتد إلى الصحراء أقصى الشمال، وتتخللها مناطق جبلية في مناطق النوبة جنوباً وسلسلة جبال البحر الأحمر شرقاً، وجبال بركانية مثل جبل مرة غرباً، كما تتعدد قبائله وإثنياته، ويعد السودان من أغنى الدول الأفريقية بالموارد الطبيعية والثروة الحيوانية والمعدنية وغيرها، ويميزه أنه يمثل قطاعاً مهماً في إقليمين أفريقيين هما حوض النيل والإقليم السوداني الطبيعي.

ويدور جدل الموارد في حالة السلم كما في الحرب، ففي الحالة الأولى يعد السودان النموذج الأبرز لعدم الاستفادة من الموارد الطبيعية، حتى في عهوده المستقرة، إذ لم يفلح في إدارتها بالوجه المطلوب وتحولت في كثير من المناطق من نعمة إلى نقمة، وقد قيل "على رغم أن كل الصراعات لها خصائصها الخاصة، فإنها غالباً ما تكون لها سمة مشتركة وهي السيطرة على الموارد الطبيعية"، أما في الحالة الثانية فتكون الموارد وقوداً للحروب ودافعاً لها، ومثال لذلك الحرب الأهلية في جنوب السودان، فبعد أن انتهت كان أكثر ما ركزت عليه اتفاقية السلام "نيفاشا" 2005 اقتسام السلطة والثروة المتمثلة في النفط بين كل من حزب المؤتمر الوطني الحاكم وقتها والحركة الشعبية لتحرير السودان في الجنوب، ووعدت الاتفاقية بمعالجة نصيب الأقاليم التي تعاني التهميش، وبذلك دخل مورد النفط وعائداته ضمن قضايا ما بعد الاستفتاء التي شملت المكونات الحاسمة للمفاوضات وهي الجنسية والديون الخارجية وترسيم الحدود ووضع منطقة أبيي الغنية بالنفط.

 

وتمثل الموارد الطبيعية أحد عناصر الإنتاج الأساسية التي تعتمد عليها مشروعات التنمية في السودان، ولذلك طورت من حدود قدرتها الاستيعابية بأن اكتسبت مقدرة على امتصاص التغيرات التي تطرأ عليها نتيجة الأنشطة البشرية، ولكن في حالة الحرب خصوصاً التي تدور حالياً بين الجيش وقوات الدعم السريع يمكن أن تتجاوز التغيرات الناتجة منها حدود القدرة الاستيعابية لمنظومة الموارد، مما يؤدي إلى استنزافها أو تدهورها وانخفاض قدرتها، وكل هذه المؤشرات تدل على أن الاقتصاد السوداني مقبل على فترات عصيبة في ظل استمرار هذه الحرب، مما يؤدي إلى تفاقم الضرر الواقع منذ سنوات على الاقتصاد السوداني وتوقف الاستثمار والتجارة والتعاملات المالية.

موارد كامنة

وقال الأستاذ المشارك في كلية الدراسات التجارية بجامعة "السودان للعلوم والتكنولوجيا" محمد الناير "كان بإمكان الموارد الضخمة التي يتمتع بها السودان في باطن وظاهر الأرض أن تسهم في تحقيق معدلات نمو عالية ويصبح ضمن الدول الأكثر نمواً على مستوى العالم، ولكنها ظلت كامنة ولم تستغل منذ الاستقلال عام 1956، وكان بإمكانها أن تضعه في مقدم الدول الرائدة إقليمياً في مجال الأمن الغذائي، ولكن بدلاً من ذلك يجد نفسه واقعاً في فخ سد حاجته من الغذاء". أضاف الناير "من الموارد، الأراضي الصالحة للزراعة التي تبلغ مساحتها 850 ألف كيلومتر مربع المستغل منها 25 في المئة فقط، إضافة إلى تنوع مصادر المياه ومنها الأنهار، والمياه الجوفية المتجددة، والكميات الكبيرة من مياه الأمطار، لا يستفاد منها أيضاً بل تنتج عنها فيضانات ودمار لأنه لا يقابلها إنشاء سدود مناسبة". وتابع "ساعد تنوع المناخ على تنوع المحاصيل وأهمها القطن والفول السوداني والسمسم والكركديه والقمح والذرة والدخن والحبوب الزيتية وقصب السكر وغيرها من المنتجات، كما أن السودان يتميز بإنتاج أجود أنواع الصمغ العربي في العالم وحينما فرضت الولايات المتحدة الحظر الاقتصادي على السودان عام 1997 استثنت الصمغ العربي لدخوله في عديد من الصناعات المهمة".

وأوضح الأستاذ المشارك في كلية الدراسات التجارية أن "السودان يمتلك ثروة حيوانية تقدر بأكثر من 110 ملايين رأس من الماشية، مما يجعله من أكبر الدول امتلاكاً للثروة الحيوانية، أما الثروات المعدنية فتتمثل في أكثر من 30 معدناً أهمها الذهب، مع وجود عديد من مربعات البترول الواعدة التي لم يتم استغلالها بعد". وقال أيضاً "يمتلك السودان موارد أخرى تتمثل في المقومات السياحية في مناطق الحضارات القديمة مثل الأهرامات ومنطقة النقعة والمصورات ومحمية الدندر وجبل مرة وغيرها، ولو لم يمتلك السودان كل هذه الموارد واكتفى فقط بموقعه الاستراتيجي الرابط بين المنطقتين العربية والأفريقية وساحل طوله 750 كيلومتراً على البحر الأحمر كأهم ممر ملاحي دولي، لكان ذلك كافياً بأن يصبح ضمن دول العالم المتقدم".

تراجع الاستثمار

ورأى الناير أن "السودان أصبح محور اهتمام العالم بخاصة في ظل النظام الاقتصادي العالمي الجديد الذي بدأ يتشكل وتتضح معالمه بعد اندلاع الحرب الروسية - الأوكرانية، مما وضع موارده الطبيعية وموقعه الجغرافي المتميز وساحل البحر الأحمر ضمن مسببات الصراع الإقليمي والدولي حول هذه الموارد". وتابع "لقد ظل السودان مثل معظم الدول الأفريقية في حالة حرب منذ الاستقلال، وكلما تضع الحرب أوزارها تبدأ من جديد بسبب عدم الوفاق السياسي داخلياً والتدخلات الإقليمية والدولية، وتجارب السودان المريرة منها أن أزمة جنوب السودان لم تنته إلا بانفصاله، وأزمة دارفور لا تزال قائمة حتى اندلعت الحرب هذه المرة من العاصمة القومية الخرطوم". ولفت إلى أنه "قبل الحرب كانت التجارة عبر الموانئ البحرية السودانية شرق السودان تعمل بكفاءة عالية، وبلغ حجم التجارة الخارجية مع دول العالم عام 2022 بحسب التقارير الرسمية نحو 15.4 مليار دولار منها 4.3 مليار دولار صادرات و11.1 مليار دولار واردات، وأن 80 في المئة من هذه التجارة تتم عبر الموانئ، ونحو 10 في المئة عبر الطرق البرية مع مصر، ونحو 10 في المئة عبر مطار الخرطوم الذي تعطلت فيه حركة الملاحة الجوية، وتحديداً صادرات الذهب التي تتم عبر النقل الجوي وعائدها بحسب إحصاءات العام الماضي مليارا دولار، لذلك ربما يتم استغلال مطار بورتسودان كمطار بديل خلال المرحلة المقبلة إلى حين عودة مطار الخرطوم للعمل مرة أخرى".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأكد الناير أن "الحرب ستؤثر في مناخ الاستثمار في السودان، فبعد توقيع اتفاق نيفاشا حصل السودان على المركز الأول أفريقياً والثاني عربياً من حيث جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة بواقع أربعة مليارات دولار سنوياً، وكان ذلك بسبب الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي المدعوم بإنتاج وتصدير النفط، ولكن بعد انفصال الجنوب وفقدان نحو 75 في المئة من إنتاج النفط الذي كان يشكل في تلك الفترة 90 في المئة من العائدات وأكثر من 50 في المئة من الإيرادات العامة للدولة، تراجع حجم الاستثمار إلى أقل من مليار دولار سنوياً".

استعادة التوازن

وأوضح الأستاذ في كلية الدراسات التجارية أنه "بسبب عدم الاستقرار الاقتصادي وفي ظل الحرب الدائرة حالياً لن تأتي استثمارات جديدة إلى السودان إلا بعد توقف الحرب وتحقيق التوافق السياسي التام والاستقرار الأمني والاقتصادي، لأن عمليات النهب التي تمت للبنوك والمحلات التجارية والشركات والمصانع غير مسبوقة في تاريخ البلاد وتعد من العمليات الدخيلة عليه". وقال "لن يستطيع الاقتصاد السوداني استعادة توازنه في المدى القصير خصوصاً أنه كان يعاني إشكالات كثيرة قبل الحرب بسبب تطبيق نسبة تفوق 90 في المئة من (روشتة) صندوق النقد الدولي من دون وجود قروض ومنح خارجية، مما شكل ضغطاً كبيراً على مستوى المعيشة من خلال الارتفاع الكبير في المستوى العام للأسعار، وارتفاع معدل الفقر إلى أكثر من 60 في المئة، وزيادة نسبة البطالة إلى 40 في المئة لتأتي تداعيات الحرب وتعقد المشهد بصورة كبيرة". أضاف "للخروج من هذه الأزمة لا بد من القضاء على ظاهرة تعدد الجيوش لأنها مهدد حقيقي لمناخ الاستثمار في البلاد".

وختم الناير "من الصعب تحديد حجم خسائر الحرب بالأرقام في الوقت الراهن لكنها ستكون بمليارات الدولارات ليس بسبب الحرب نفسها ولكن بسبب الفوضى وعمليات النهب والسلب التي تمت بولاية الخرطوم، كما أن الاقتصاد السوداني لا يزال ضعيفاً ولا يتوافق مع الموارد الطبيعية الضخمة المملوكة للسودان، إذ إن الناتج المحلي الإجمالي لعام 2022 بلغ نحو 51 مليار دولار، وقد كان قبل ست سنوات 120 مليار دولار". وقال إن سبب هذا التراجع "نتيجة لقرار تخفيض قيمة العملة الوطنية مطلع عام 2021 من 55 جنيهاً سودانياً مقابل الدولار الواحد إلى 375 جنيهاً، ثم تواصل التدهور في سعر الصرف حتى بلغت قيمة الدولار 600 جنيه كما أن الإيرادات العامة للدولة بلغت العام الماضي نحو 4.9 مليار دولار، والإنفاق العام نحو 5.7 مليار دولار، وبلغ عجز الموازنة نحو 800 مليون دولار، ولن يستطيع الاقتصاد السوداني تحقيق معدلات نمو موجبة بعد الحرب إلا باستغلال الموارد الطبيعية الضخمة، بعد تحقيق الاستقرار السياسي والأمني مما يسهل تحقيق الاستقرار الاقتصادي".

سلاح ذو حدين

وأدت ظروف الحرب إلى نشوء قلق دولي من أن تؤول قاعدة الموارد السودانية الضخمة إلى قائمة المحاصصات السياسية، وتقسم كمكافآت لقبول طرف بتقديم تنازلات أو للموافقة على وقف الحرب، وبالنظر إلى أن السودان يعد ثالث أكبر منتج للذهب في أفريقيا، ولديه رواسب غنية من الكروميت والمغنيسيوم واليورانيوم، وقد تم تقييد كثير من احتمالات استغلاله هذه المعادن بسبب سوء الإدارة والعقوبات الدولية.

من جهته قال أستاذ علم الاجتماع والأنثروبولوجيا في جامعة الخرطوم منزول عسل "الموارد الطبيعية سلاح ذو حدين يمكن الاستفادة منها لكن في الوقت ذاته يمكن أن تكون سبباً للنزاعات. والذهب والنفط مثالان واضحان على ذلك، وحدث الأمر في دول أفريقية أبرزها الكونغو الديمقراطية التي تكاد تكون أغنى دولة أفريقية بالموارد الطبيعية لكنها الأكثر دموية في القارة". أضاف "السودان غني جداً بالموارد لكن معظمها غير مستغل باستثناء الذهب الذي يفتقر إلى وسائل التعدين الحديثة التي تعظم الاستفادة منه"، وتوقع عسل أنه "في حال استمرار الحرب ستتفاقم الصراعات حول الموارد وستكون هناك تدخلات خارجية لنهبها خصوصاً الموارد المعدنية، كما يحدث في الكونغو، وإذا توقفت الحرب قد يتغير المشهد السياسي كلياً وربما نشهد تغيرات جذرية في التعامل مع الموارد".

وعن احتمال نشوء حرب أخرى مكملة للحرب الحالية، قال عسل "الأطراف اكتفت من الحروب، والدليل على ذلك أن المجتمع في دارفور، ما عدا الجنينة، نجح في الفصل بين الجيش وقوات الدعم السريع، في الأقل لن تنشأ حرب في المدى القريب".

وعن كلفة السلام في حال توقف الحرب أضاف "السودان موارده تكفي لبناء السلام، ولكن الآن يحتاج إلى إعانات إنسانية عاجلة، وعلى المديين المتوسط والبعيد يمكن أن ينفق من موارد السودان لإحلال السلام إذا تم استغلالها بصورة مثلى".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير