Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السودان... تدهور اقتصادي مستمر وثروات ضائعة

تسببت حالة عدم الاستقرار السياسي تارة ونشوب الحروب الأهلية تارة أخرى في ضياع كثير من الفرص على البلاد

تدهور الوضع عاماً بعد آخر ومعه تآكلت مدخرات المواطنين (أ ف ب)

ملخص

تلك الثروات الهائلة شرقاً وغرباً لم تشفع للسودان كي ينمو وينطلق فلا يزال مثقلاً بالديون وغير مستقر

رغم ما يمتلكه السودان من ثروات هائلة وموارد طبيعية ضخمة، فإن التدهور الاقتصادي لازمه بعد سنوات قليلة من تأسيس الدولة الحديثة، بعد أن تسببت حالة عدم الاستقرار السياسي تارة ونشوب الحروب الأهلية تارة أخرى في ضياع كثير من الفرص على السودان، أدت إلى تأخره وعدم تطوره رغم أنه يعد ثالث الدول الأفريقية من حيث المساحة وعدد السكان، إذ يصل عدد سكانه نحو 43 مليون نسمة (بحسب تقديرات عام 2019).

ولم تقتصر ثروات السودان على الموارد الطبيعية فحسب، بل إنه بلد شاب بما يمتلكه من طاقة شبابية هائلة، إذ إن شريحة الشباب تسيطر على أكثر من 62 في المئة من نسيج السكان على مدار العقود الست الماضية، وعلى رغم ما يمتلكه هذا البلد العفي، فإنه فشل في التحول إلى دولة نامية وناهضة رغم أنه يملك أكثر من 200 مليون فدان صالحة للزراعة لم يستغل منها سوى 20 في المئة فحسب، هذا إلى جانب 108 ملايين من رؤوس الماشية.

وتسقط على السودان أمطار تقدر بـ440 مليار متر مكعب سنوياً، إضافة إلى المسطحات المائية تجري في وديانه سبعة أحواض مائية رئيسة، إلى جانب ثروات معدنية هائلة.

وتحتل السودان المرتبة الثالثة من بين الدول الأفريقية إنتاجاً للذهب، إضافة إلى نصيبه من المعادن الأخرى مثل: الكروم والمنجنيز والفلسبار والجبس والكلنكر والملح والتك والحديد والنحاس والكاولين بحسب "الشركة السودانية للموارد المعدنية"، السودان أيضاً يمسك بحزام الصمغ العربي ويستحوذ على 85 في المئة من إنتاج العالم من الصمغ.

تلك الثروات الهائلة شرقاً وغرباً لم تشفع للسودان كي ينمو وينطلق، فلا يزال مثقلاً بالديون وغير مستقر، بعد أن أنهكته الحروب الأهلية والانقلابات وعدم الاستقرار السياسي والفساد والتخريب.

اختلالات هيكلية وتشوه مستمر للاقتصاد

منذ بداية تأسيس الدولة في السودان لم يكن التأسيس مصحوباً بمشروع اقتصادي تنموي، بل حدث توسع كبير في المالية العامة للدولة من دون تدرج في ضبط الميزان الداخلي والخارجي، وحدث توسع كبير في الإنفاق الإداري مع تغيير أنماط الحكم المختلفة، حتى ظهرت أزمة عجز الموازنة في عام 1968، لتخرج عن السيطرة، ثم توسعت الدولة إلى تغطية أكثر من 82 في المئة من العجز عن طريق القروض وكانت الاستدانة من الجهاز المصرفي تمثل أقل من 10 في المئة من العجز فحسب.

إلى ذلك طل التضخم برأسه وارتفع إلى تسعة في المئة وبلغت الزيادة في الكتلة النقدية أكثر من سبعة في المئة، لتكون تلك الشرارة إيذاناً بانطلاق الأسعار وارتفاع كلفة المعيشة في السودان، واستمرت الحكومة في تمويل العجز الكبير في الميزانية بطباعة النقود، وهو ما نتج عنه ارتفاع التضخم للمرة الأولى إلى رقمين في عام 1974، بعد أن سجل 25.42 في المئة، ونمت الكتلة النقدية 30 في المئة وفقاً (لخطاب وزير المالية السوداني إبراهيم منعم منصور عام 1974).

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي عام 1980 تراجع سعر صرف الجنيه السوداني ليبلغ مستوى التعادل مع الدولار الأميركي لأول مرة، وارتفع معدل التضخم إلى 33 في المئة، ليتدهور الأمر عاماً بعد آخر ومعه تآكلت مدخرات المواطنين، وسقط الاقتصاد السوداني تحت قبضة عجزي الموازنة والحساب الجاري، مما يعني أن الدولة تنفق أكثر من الإيرادات التي تتحصل عليها، وأن الواردات أكبر من الصادرات وهذا الخلل الهيكلي لازم الاقتصاد السوداني على مدار خمسة عقود متتالية.

 وفي عام 1985 بلغ الدين الخارجي للسودان سبعة مليارات دولار، وفي العام نفسه نمت الكتلة النقدية بمقدار 70 في المئة، كما ارتفع التضخم إلى 43 في المئة، وتدهور سعر الصرف حتى سجل 12 جنيهاً مقابل كل دولار في عام 1989، وبشكل عام يكمن القول، إن الفشل في إدارة المالية العامة وغياب التخطيط الاقتصادي التنموي متوسط وطويل المدى فاقم من وضع الاقتصاد السوداني خلال العقود الخمسة الماضية، حتى أصبح السودان من بين أعلى ثلاث دول العالم في ارتفاع معدلات التضخم، مع استمرار تدهور سعر الصرف الذي بلغ 600 جنيه كل دولار أميركي في 2023.

برنامج الإصلاح الاقتصادي

وبدأت الحكومة السودانية في إطار المساعي الرامية إلى إحداث تغيير شامل في بنية الاقتصاد السوداني، الفترة الانتقالية 2019- 2021، ببذل جهود كبيرة لتحقيق التحول الهيكلي في الاقتصاد وإزالة التشوهات، عن طريق معالجة منظومة دعم السلع الاستراتيجية هذا النظام غير العادل في تخفيف الضائقة المعيشية، إذ يتم تخفيض الأسعار من دون وصول السلع لجميع المستحقين ودائماً ما يستفيد منها الأغنياء وقليلاً من الفقراء مع هدر كبير في موارد الدولة.

وتعاونت الحكومة الانتقالية مع منظمات التمويل الدولية في تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي حتى تستفيد من الخبرات المتراكمة لخبراء صندوق النقد الدولي، لتدشن برنامج إصلاحي محكم بإشراف موظفي الصندوق، وفي إطار مبادرة الـ"هيبيك" المخصصة للدول الفقيرة المثقلة بالديون وصل السودان إلى نقطة اتخاذ القرار في يونيو (حزيران) 2021 ليستحق بالفعل إعفاء من الديون.

وتتشكل الديون السودانية التي سجلت نحو 60 مليار دولار البالغة في 2021 من 11 في المئة كديون مملوكة لمؤسسات التمويل الدولية (صندوق النقد والبنك الدوليين إضافة إلى بنك التنمية الأفريقي)، في حين تصل نسبة الديون لصالح مجموعة "نادي باريس" إلى نحو 36 في المئة من إجمالي الديون و39 في المئة من الدين مملوك لدول دائنة خارج مجموعة "نادي باريس" وباقي الـ14 في المئة مملوكة لدائنين تجاريين في نهاية يونيو (حزيران) 2021.

وكللت الجهود في 14 يوليو (تموز) 2021، بعد أن وافقت دول مجموعة النادي الباريسي على شطب نحو 14.1 مليار دولار من إجمالي ديون السودان للنادي التي تصل إلى 23.4 مليار دولار، وبذلك تمكن السودان من الحصول على الإعفاء الكامل من الديون في المرحلة الثانية من برنامج الإصلاح الاقتصادي التي تقضي بعدم العودة للتشوهات الاقتصادية والقيام بالإصلاحات الهيكلية اللازمة لتعزيز الحكومة ومعالجة وضع الشركات المملوكة للدولة والشركات الأمنية والعسكرية ولتنفيذ هذه الإصلاحات الهيكلية وقعت الحكومة السودانية في يونيو 2021 برنامج تسهيل ائتماني مدته 39 شهراً، إلا أن تلك الإصلاحات توقفت على أثر انقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021، ليدخل السودان مرحلة جديدة من العزلة والأزمات انتهت باندلاع الحرب في 15 أبريل (نيسان) 2023.

اقرأ المزيد