Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماذا يعني انسحاب روسيا من معاهدة الأسلحة التقليدية؟

وثائق تاريخية تكشف تفاصيل مثيرة عن مساع سوفياتية للانضمام إلى حلف "الناتو" في بدايات تأسيسه مروراً بإطلاق "حلف وارسو"

ثمة من يقول إن القرار الأخير الذي اتخذه بوتين لم يعد بحاجة إلى تبرير (أ ف ب)

ملخص

تجني روسيا ثمار أخطاء غورباتشوف ويلتسين بما أقدما عليه من تنازلات هائلة خصماً من المصالح الوطنية للدولة، وتلك هي النتيجة

لم تكتف روسيا بإعلان تجميد مشاركتها في معاهدة الحد من الأسلحة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، فبراير (شباط) الماضي، بل خرج الرئيس فلاديمير بوتين ليعلن موقفه من معاهدة الحد من الأسلحة التقليدية التي وقعها الاتحاد السوفياتي في 1990، وكانت تتعلق بالدرجة الأولى ببلدان "حلف وارسو"، ثم جرى تحديثها بعد تسع سنوات (1999)، على ضوء تداعيات هذا الحلف وانهيار الاتحاد السوفياتي السابق، وما أعقبه من انضمام بعض بلدانه إلى حلف "الناتو".

ولموضوع "الناتو" ومحاولات الاتحاد السوفياتي الانضمام إليه، قصة تتسم بكثير من "الإثارة"، منها ما يعود إلى سنوات طويلة تستمد بداياتها منذ 1947، تاريخ بدء مداولات تأسيس هذا الحلف، ومشاركة الاتحاد السوفياتي في ما جرى من مفاوضات إنشائه.

ثلاث خطط

تقول الوثائق، إن الاتحاد السوفياتي شارك بدعوة من اللجنة المنظمة لحلف "الناتو" في مفاوضات باريس، يوليو (تموز) 1947، لكنه لم يستطع تمرير ما قدم من مقترحات كانت تتعلق بـ"مشروع مارشال" الخاص بإعادة بناء الدول الأوروبية المتضررة من الحرب العالمية الثانية، واقتصار هذا البرنامج على بلدان غرب أوروبا من دون شرقها، وما شعر به من سوءات ما تجرى ممارسته ضده من ضغوط غربية.

وفي 1949 تقدم الزعيم السوفياتي جوزيف ستالين بطلب الانضمام إلى حلف "الناتو"، من دون الكشف عما وضعته موسكو من خطط جرى ترقيمها بـ"أ" و"ب" و"ج"، حيث كان يريد الانضمام بموجب الخطة "أ"، بينما كانت الخطة "ب" تستهدف العمل من أجل تغييره "الناتو" من الداخل، لإظهار أن الغرب هو من رفض السوفيات، استعداداً لتنفيذ الخطة "ج" وكانت تتلخص في تأسيس "حلف وارسو".

وحتى بعد قيام حلف وارسو، عاد القائد السوفياتي نيكيتا خروشوف إلى الحديث مع بول هنري سباك الأمين العام لـ"الناتو"، خلال الفترة من 1957 حتى 1961، حول مدى واقعية الانضمام للحلف، وذلك ما عاد الرئيس فلاديمير بوتين وطرحه مع بداية سنوات ولايته الأولى في مناقشاته مع نظيره الأميركي الأسبق بيل كلينتون وكذلك مع جورج بوش الابن، وهو ما كشف عنه في لقاءاته مع المخرج الأميركي أوليفر ستون في عام 2017.

تغيير اضطراري

أما عن معاهدة الحد من الأسلحة التقليدية، فتكشف الوثائق أن المسؤولين في "حلف وارسو" توصلوا إليها قبل الإعلان عن حل الحلف، مع ممثلي "الناتو" عام 1990، وتلخصت أهدافها في "تقليص القوات التقليدية لدول الحلفين العسكريين، وكذلك الحد من نشر القوات على خط التماس بينهما، بهدف منع وقوع هجوم مفاجئ وشن هجمات واسعة النطاق في أوروبا".

بحلول نهاية التسعينيات، والإعلان عن انضمام ثلاث من بلدان شرق أوروبا هي بولندا وتشيكيا والمجر (الأعضاء السابقين في "حلف وارسو") إلى "الناتو"، فقدت أحكام معاهدة الحد من القوات التقليدية في أوروبا كثيراً من معانيها ودلالاتها، ما فرض العمل من أجل تحديثها. وهو ما جرى التفاوض في شأنه، بما أسفر عن تعديلها في 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 1999 في قمة رؤساء بلدان مؤتمر الأمن والتعاون الأوروبي في إسطنبول، من منظور إعادة النظر في حصة كل من بلدانه، وذلك ما اقتصرت معه حصة روسيا على ما لا يزيد على 6400 دبابة و11480 عربة مدرعة و6415 نظاماً مدفعياً و3450 طائرة و890 طائرة هليكوبتر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

غير أن ما جرى التوصل إليه لم يدخل حيز التنفيذ، نظراً إلى عدم تصديق بلدان "الناتو" عليها، ومواصلتها الالتزام بأحكام نسخة 1990 التي تحدد معايير الأسلحة التقليدية على أساس الموازين السابقة بين الحلفين. ولم يلتزم بالتصديق على تلك المعاهدة، سوى أربع من بلدان الاتحاد السوفياتي السابق وهي روسيا وأوكرانيا وكازخستان وبيلاروس (بيلاروس حاليا).

وعزت بلدان "الناتو" عدم التصديق على المعاهدة لأسباب قالت إنها تتعلق بضرورة أن تفي موسكو أولاً بالتزاماتها تجاه جورجيا ومولدوفا. علاوة على ذلك، رفضت بلدان البلطيق (إستونيا ولاتفيا وليتوانيا) التي لم تكن حصلت بعد على عضوية حلف الناتو، الانضمام إلى المعاهدة.

لم يقف الأمر عند هذا الحد، حيث مضى حلف "الناتو" في خطط توسعه شرقاً، ما كان في مقدمة أسباب ما شهدته الساحة الأوروبية لا سيما في الشرق منها، من اختلال في موازين القوى، فضلاً عن تأكيد الولايات المتحدة تمسكها بنشر عناصر نظامها للدفاع الصاروخي في دول أوروبية.

ولعل ذلك ما دفع الجانب الروسي إلى تقديم طلبه حول تعديل المعاهدة في الاجتماع الذي دعت له موسكو للدول الموقعة على المعاهدة في فيينا، يوليو (تموز) 2007. وكانت موسكو اعتبرت رفض الغرب طلب التعديل امتناعاً من جانبه عن مناقشة ما تقدمت به روسيا من مقترحات تستهدف إنقاذ المعاهدة، وهو ما دفع بوتين في نهاية المطاف إلى اتخاذ قراره بتعليق مشاركة بلاده في المعاهدة اعتباراً من 12 ديسمبر (كانون الأول) من العام نفسه.

ورغماً عن ذلك، لم تمتنع موسكو عن مشاركاتها في عمل "فريق التشاور" بهدف إقامة نظام جديد للرقابة على القوات التقليدية، إلا أن الحوار في هذا الشأن توقف عملياً عام 2011. وكانت الولايات المتحدة أعلنت بدورها في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام نفسه "تعليق تنفيذ بعض التزاماتها أمام روسيا" الواردة في معاهدة القوات المسلحة التقليدية بأوروبا، وذلك "بعد أن حاولت واشنطن وحلفاؤها في (الناتو) إيجاد حل دبلوماسي للوضع الذي ترتب بعد إعلان موسكو وقفها تطبيق هذه المعاهدة 2007".

تعليق تام

مرة أخرى وبعد سنوات عدة من المحاولات العقيمة لإنقاذ المعاهدة، عادت روسيا لتعلن عن "التعليق التام" للمشاركة فيها اعتباراً من 11 مارس 2015، وإن بقيت طرفاً فيها من الناحية القانونية من خلال بيلاروس التي فوضتها بتمثيل مصالحها في "فريق التشاور المشترك"، مع الإعراب عن استعدادها لمواصلة المفاوضات سعياً وراء صياغة اتفاقية جديدة للرقابة على الأسلحة التقليدية في أوروبا.

وما إن خلصت القيادة الروسية إلى قناعة بعدم جدوي الانتظار إلى ما هو أكثر، في ظل عدم اتخاذ الغرب لأية خطوات في "الاتجاه الصحيح"، وإصراره على رفض التخلي عن توسع "الناتو"، وانسحاب الولايات المتحدة من عدد من الاتفاقات المهمة في مجال الحد من الأسلحة والرقابة عليها، حتى أعلن بوتين قراره السابق إلى جانب قراره حول "تعيين سيرغي ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسي ممثلاً للرئيس لدى النظر في المبادرة أمام غرفتي الجمعية الفيدرالية الروسية (مجلسي الدوما والاتحاد)".

موسكو اعتبرت ما يحدث حول أزمة أوكرانيا حرباً بالوكالة ضد روسيا، يسهم الغرب فيها بالدور الرئيس، لا سيما في ظل نشر قوات إضافية للحلف في أوروبا على مقربة من الحدود الروسية، إلى جانب ما يضخه من كميات هائلة من الأسلحة العصرية والمعدات الحديثة إلى أوكرانيا، ما يجعل موسكو تتراجع عن تنفيذ ما أبرمته من اتفاقيات ومعاهدات سابقة مع الغرب، لم تعد تتسق مع مصالحها الأمنية.

وثمة من يقول إن القرار الأخير الذي اتخذه بوتين لم يعد في حاجة إلى تفسير أو تبرير، فما يجري ضخه من كميات هائلة من الأسلحة التقليدية القديمة والحديث من مختلف البلدان الكبرى غير محدود باتفاقية أو معاهدة. وها هي المنطقة تعج ليس فقط بالأسلحة والمعدات، بل الخبراء والمتطوعين من كل حدب وصوب، ولم تعد هناك حدود لعلاقات أوكرانيا مع "الناتو" الذي يشارك في المعارك بشكل غير مباشر على قدم المساواة مع المتطوعين الأجانب، بما يقدمه من خدمات لوجيستية واستخباراتية.

غير أن ما يمكن قوله بهذا الصدد، إن روسيا تجني ثمار أخطاء كثيرين من قادتها السابقين، لا سيما الزعيم السوفياتي ميخائيل غورباتشوف والسوفياتي – الروسي بوريس يلتسين بما أقدما عليه من تنازلات هائلة خصماً من المصالح الوطنية للدولة الروسية اعتباراً من نهاية النصف الثاني من ثمانينيات القرن الماضي.

ولعلنا نذكر ما أقدم عليه يلتسين من تفريط في وحدة الدولة بمؤامرته على الاتحاد السوفياتي وزعيمه غورباتشوف، حين أقدم مع رئيسي أوكرانيا الأسبق ليونيد كرافتشوك، والبيلاروسي السابق فياتشيسلاف شوشكيفيتش على توقيع معاهدة انفصال بلديهما عن الاتحاد السوفياتي في الثامن من ديسمبر 1991. وتقول كل المؤشرات، إن هذه الخطوة تحديداً هي التي رسمت مسار الانهيار وحددت أسباب ما تشهده المنطقة حتى اليوم من صراعات بلغت ذروتها في ما يجرى من معارك دامية بين روسيا وأوكرانيا.

صدام بولندي- روسي

ومن المثير في هذا الصدد أن كل هذه التطورات تجيء في وقت مواكب تعلن فيه "اللجنة البولندية لتوحيد الأسماء الجغرافية الخارجية عن تغيير اسم مقاطعة ومدينة كالينينغراد"، القاعدة الرئيسة للأسطول الروسي في بحر البلطيق والمجاورة للأراضي البولندية إلى "كرولوفيتتس"، في إشارة واضحة إلى طموحاتها التوسعية تجاه هذا الإقليم المعزول عن الوطن الأم.

وكان الاتحاد السوفياتي السابق قد ضم هذه المقاطعة الألمانية الأصل، وكان اسمها كنيجسبيرج، بموجب نتائج الحرب العالمية الثانية. وتعليقاً على القرار البولندي انتفضت روسيا الرسمية لتعلن عن شجبها لمثل هذه المحاولات البولندية التي علق عليها دميتري بيسكوف الناطق الرسمي باسم الكرملين بقوله إن "بولندا تنزلق تدريجاً صوب جنون الكراهية للروس"، فيما وصف ذلك بأنه "أسلوب عدائي"، في إشارة إلى خطورة الرد من جانب روسيا. وهو ما جاء أكثر وضوحاً في تعليق دميتري ميدفيديف نائب رئيس مجلس الأمن القومي الذي قال إن "مثل هذا الأسلوب سينقلب عليها".

ميدفيديف مضى ليسخر من كثير من أسماء المدن "البولندية" حالياً، مثل كراكوف التي أعادها إلى اسمها القديم "كراكاو"، ودانسك واسمها السابق دانزيغ، وكلك بوزنان واسمها السابق بوسين. حتى بولندا، قال ميدفيديف بإعادتها إلى اسمها السابق "دوقية وارسو" أو "مملكة بولندا" التي قال إنها كانت جزءاً من روسيا، وريثة الإمبراطورية السابقة.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل