Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الصواريخ الإيرانية وجسور الحوار مع واشنطن (2)

الاتفاق النووي جرى استثماره من قبل طهران لتعزيز الميدان وعرقلة كل جهود الرئيس حسن روحاني

وزيرا خارجية الولايات المتحدة جون كيري (يسار) وإيران محمد جواد ظريف (رويترز)

ملخص

استخدام الميدان للدبلوماسية تزايد بعد أن استطاع "داعش" السيطرة على ثلث الأراضي العراقية، وأعلن قيام "الخلافة الإسلامية"، في التوقيت الذي كانت المفاوضات الإيرانية - الأميركية حول النووي تشهد تصاعداً في وتيرة التقارب ضمن مجموعة دول "5+1".

لا شك أن الفرصة التي أتاحها الحوار المباشر حول الاتفاق النووي بين وزيري خارجية الولايات المتحدة جون كيري وإيران محمد جواد ظريف تشكل نقطة عطف في الصراع بينهما، وتفتح الطريق لإخراج العلاقة بينهما من دائرة الخصومة والعداء المعلن إلى مرحلة من التعاون الحذر، والبناء الإيجابي على ما تحقق لإعادة ترميم الثقة المتبادلة بينهما، تؤسس لمرحلة جديدة من العلاقات والتعاون البناء، إلا أن الفعالية الدبلوماسية الإيرانية بقيت رهينة القرار الداخلي وصراعاته على السلطة.

من أهم وأبرز المهام التي تقع على عاتق أي إدارة دبلوماسية لأي دولة، أن تعمل على ترجمة مواقف وسياسات البلد التي تمثلها في أي مفاوضات أو حوارات على الصعيد الخارجي، ولا يمكن أن يخرج دور الدبلوماسية الإيرانية عن هذا الإطار المتعارف عليه دولياً، ويشكل أساس العمل الدبلوماسي لأي وزارة خارجية.

وقد تلجأ الإدارة الدبلوماسية للاستعانة بأجهزة الدولة الأخرى لتعزيز موقفها التفاوضي حول أي من المواضيع أو الملفات التي تتولى التفاوض حولها، إلا أنه في الحالة الإيرانية، وبدلاً من أن تتمتع الدبلوماسية الإيرانية بهامش يسمح لها الاستعانة بهذه الأجهزة، بخاصة المؤسسة العسكرية لتعزيز موقفها التفاوضي، كان عليها، وعلى خلاف هذه القاعدة، أن تعمل بما يمليه الميدان العسكري وما يتطلبه لتعزيز موقفه وأوراقه في الإقليم، وهو ما عبر عنه ظريف، بكل وضوح، بأن الدبلوماسية كانت في خدمة الميدان، في حين كان من المفترض أن يكون الميدان في خدمة الدبلوماسية لتعزيز وتصليب موقفها التفاوضي.

هذه العلاقة المتوترة بين الدبلوماسية والميدان، تركت ظريف وحيداً في مواجهة الانتقادات والاتهامات بالتهاون في الدفاع عن المصالح الاستراتيجية للنظام وحقوق إيران النووية وتقديم تنازلات موجعة. وقد تطورت هذه الانتقادات لتصل إلى المرشد الأعلى نفسه الذي "وبخ" ظريف على خلفية "الثنائية" التي كشف عنها بين الميدان والدبلوماسية، وتفوق مصالح الميدان على المصالح الدبلوماسية ودورها، معلناً، بصورة واضحة، وقوفه إلى جانب الميدان وما يقوم به من خدمة ودفاع عن مصالح النظام الاستراتيجية إقليمياً ودولياً.

وعلى رغم التباين في الروايات بين الوزير ظريف وقيادات المحور الإيراني حول دوافع التدخل الروسي على الساحة السورية، إذ وضعه ظريف، حينها، في خانة المساعي الروسية لتخريب الاتفاق النووي ومنع إيران من قطف كامل ثماره، في مقابل رواية المحور التي تحدثت عن قدرة هذه القيادة على إقناع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بضرورة الدخول المباشر في الحرب السورية في الزيارة التي قام بها قائد "فيلق القدس" قاسم سليماني إلى موسكو، والتي اعتبرها ظريف أنها "استدعاء" روسي لسليماني لإبلاغه بقرار القيادة الروسية وليس للتشاور معه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إلا أن المسلمة الأساسية في كل هذه الأحداث والتطورات، تبقى أن الاتفاق النووي الذي تم التوقيع عليه في يوليو (تموز) 2015، جرى استثماره من قبل القيادة الإيرانية لتعزيز الميدان، وعرقلة كل جهود الرئيس حسن روحاني وفريقه السياسي والاقتصادي من استثماره لإحداث عملية تنمية حقيقية اقتصادية واجتماعية في الداخل، وإعادة بناء الثقة وترميم العلاقات الخارجية مع المجتمع الدولي عامة ودول الجوار بخاصة.

استخدام الميدان للدبلوماسية تزايد وأصبح أكثر إلحاحاً، بعد أن استطاع تنظيم "داعش" السيطرة على ثلث الأراضي العراقية، وأعلن قيام "الخلافة الإسلامية"، أو دولته الإسلامية في العراق وسوريا في يونيو (حزيران) 2014، أي في التوقيت الذي كانت المفاوضات الإيرانية - الأميركية حول النووي تشهد تصاعداً في وتيرة التقارب ضمن مجموعة دول "5+1". إلا أن التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب الذي أنشأته الولايات المتحدة بمشاركة نحو 60 دولة، لم يلحظ مكاناً أو دوراً لطهران فيه بصورة علنية، الأمر الذي فرض على طهران نوعاً من توزيع الأدوار بين الدبلوماسية والميدان لإبعاد خطر إخراجها من الساحة العراقية التي تشكل الجسر الرابط بين العمق الإيراني والصفة السورية لهذا الجسر، وما يعنيه ذلك من تداعيات سلبية على المشروع الإقليمي وأبعاده الاستراتيجية للدور الإيراني في المنطقة.

وفي هذا السياق، قد يكون من الصعب العبور على حادثة إنزال الطائرة المدنية "تشارتر" التي كانت متجهة من مطار "باغرام" الأفغاني إلى مطار دبي في الإمارات في مطار القاعدة العسكرية لحرس الثورة في مدينة بندر عباس الإيرانية، وتوقيفها لنحو ست ساعات، وعلى متنها نحو 100 ضابط أميركي برتب مختلفة، باعتبارها - هذه الحادثة - قد سهلت للميدان أن ينتزع من الجانب الأميركي دوراً وشراكة في أعمال التحالف الدولي بعد أن حصل من الحكومة العراقية على الغطاء الرسمي لهذا الوجود والدور، بعد أن اتهم الميدان الدبلوماسية بالفشل في تأمين هذه الشراكة على هامش الحوار الذي كانت تقوده حول الملف النووي.

هذا التحول، وضع إيران والنظام في دائرة الصراع المباشر مع القوى الإقليمية والدولية حول مستقبل المنطقة ودور ونفوذ ومصالح كل طرف من هذه الأطراف، وفتح الطريق أمام المؤسسة العسكرية التي جعلت من قوة القدس الذراع المنفذة لهذه الاستراتيجية، للتمدد وفرض سيطرتها وهيمنتها على قرار عدد من العواصم العربية، والتأسيس لمشروع توسيع هذا الوجود واستكمال ما بدأ في لبنان، "حزب الله"، وسوريا، "قوات الدفاع الوطني"، من خلال توظيف فتوى الجهاد الكفائي التي أصدرها المرجع الديني في النجف السيد علي السيستاني لبناء تشكيل عسكري موال لها تحت مسمى "الحشد الشعبي" وتحويله إلى ذراع أو قوة رديفة لها في العراق، ليكون آخر حلقة في سياق مشروع إقامة "هلال النفوذ" في الإقليم.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل