Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تستأثر الولايات المتحدة بالنفط الليبي تحديا لتركيا وروسيا؟

تعكس الاستثمارات الضخمة التي سعت واشنطن إلى ضخها رغبة جامحة لتحجيم النفوذ الذي تحظى به موسكو وأنقرة في البلاد

الولايات المتحدة أبرمت العديد من الصفقات أخيراً لضخ استثمارات في النفط الليبي الصورة (رويترز)

سجلت الولايات المتحدة الأميركية عودة قوية إلى ليبيا من بوابة الاستثمارات في القطاع النفطي، مما يثير تكهنات واسعة النطاق في شأن مصير النفوذ الذي سعت روسيا وتركيا إلى ترسيخه منذ سنوات في هذا البلد بحضور عسكري قوي، سواء بقوات حكومية أو مرتزقة.

وكانت صحيفة "وول ستريت جورنال" قد ذكرت في وقت سابق، أن "كلاً من شركتي (هاليبرتون) و(هانيويل إنترناشيونال) أبرمتا صفقات يصل إجمالي قيمتها 1.4 مليار دولار لتطوير حقل نفط ومصفاة تكرير مع المؤسسة الوطنية للنفط الليبية، ومن المتوقع أن يتم الإعلان عنهما قريباً".

 

وستقوم شركة "هاليبرتون" الأميركية بتطوير حقل "الظهرة" النفطي في مدينة سرت بصفقة قيمتها مليار دولار، لكن لم يتم الإعلان عنها بعد، بينما ستتولى شركة "هانيويل إنترناشيونال" مصفاة نفط في الجنوب الغربي في صفقة بقيمة 400 مليون دولار وتم الإعلان عنها في مارس (آذار) الماضي.

وتأتي هذه الاستثمارات لتستغل سعي ليبيا إلى الرفع من إنتاجها إلى مليوني برميل نفط يومياً، لا سيما في ظل الاستقرار الحذر الذي تشهده البلاد منذ توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار قبل سنتين ونصف السنة.

تنافس على القوة الاقتصادية

وتعكس الاستثمارات الضخمة التي سعت الولايات المتحدة إلى ضخها في قطاع النفط الليبي رغبة جامحة لتحجيم النفوذ الذي تحظى به روسيا وتركيا في البلاد، خصوصاً أن تقارير غربية أشارت في السابق إلى أن مرتزقة "فاغنر" المقربين من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يسيطرون على بعض حقول النفط في ليبيا.

وفي الواقع، الجهود الأميركية لنيل حصة مهمة من الاستثمارات في النفط الليبي ليست وليدة اللحظة، ففي 15 فبراير (شباط) الماضي، أعلن رئيس المؤسسة الوطنية للنفط في البلاد فرحات بن قدارة عن الاتفاق مع شركة الاستشارات الأميركية "كيرني" لتطوير الخطة الاستراتيجية لقطاع النفط والغاز في ليبيا، وعلق النائب في البرلمان الليبي عبدالمنعم العرفي على الأمر بالقول "هذه الاستثمارات تعكس تنافساً على القوة الاقتصادية بين الولايات المتحدة وروسيا وإيطاليا". وتابع العرفي "هذا التنافس مرحب به بما أنه سيفتح الباب لكل الشركات العملاقة القادرة على التصنيع والإنتاج للاستثمار في النفط الليبي".

وعما إذا كانت هذه الصفقات ستقود إلى الحد من النفوذ الروسي في ليبيا قال العرفي "الروس موجودون، ودفعوا باستثمارات هم الآخرون، وهذا ليس في ليبيا وحسب، بل روسيا اليوم حاضرة بقوة في السودان المجاور لاستخراج الذهب، وفي أفريقيا الوسطى وغيرهما، في اعتقادي أن كل القارة الأفريقية مطمع للشركات الكبرى لتحقيق فوائد وخلق فرص عمل وأرباح، وهذه اقتصادات عالمية من حقها أن تتنافس".

وتسعى الولايات المتحدة، منذ أشهر، لتحريك البرك الراكدة في المشهد السياسي الليبي من خلال دفع الفرقاء لإجراء الانتخابات بشقيها الرئاسي والبرلماني، وهي استحقاقات لا توجد مؤشرات إلى اقتراب تنظيمها في ظل تعثر التوصل إلى حل في شأن القاعدة الدستورية التي ستجرى على أساسها، ومن غير الواضح ما إذا ستنجح الولايات المتحدة في كسر الجمود السياسي بالتوازي مع العودة القوية للاستثمار في القطاع النفطي في ليبيا.

ورأى العرفي أن "هذه الصفقات تدخل في إطار تنافس على القوة الاقتصادية، ولن تغير في المشهد السياسي، سواء بفرض شخصيات بعينها أو غير ذلك، هم مع من يتماشى مع مصالحهم ولا أحد في ليبيا أو الدول العربية أو غيرها قد يقول إنه ضد مصالح الشركات الأميركية".

حسابات سياسية

وعلى رغم الطابع الاقتصادي للصفقات التي أبرمتها الولايات المتحدة أخيراً في المجال النفطي، فإن مراقبين ليبيين يقولون إن تلك الصفقات خاضعة بالضرورة لحسابات سياسية في ظل التنافر بين الفرقاء في البلاد.

وتشرف المؤسسة الوطنية للنفط التي يديرها فرحات قدارة المعين من طرف حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة على القطاع النفطي في ليبيا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقال الباحث السياسي كامل المرعاش إن "الصفقات الأخيرة التي أبرمتها واشنطن في ليبيا مرتبطة بحسابات سياسية لحكومة الدبيبة التي تتشبث بالدعم الأميركي لها في البقاء في السلطة". وأوضح المرعاش أن "هذه الصفقات عقدت من قبل حكومة الدبيبة كرسالة للحصول على دعم الولايات المتحدة، لكن ليس من المضمون ولا المؤكد أن تضمن استمراريتها، لأن استمرار الدبيبة وحكومته يعني استمرار الانقسام في ليبيا بما يمنع تنظيم الانتخابات التشريعية والرئاسية التي يسعى إليها المبعوث الأممي عبدالله باتيلي، وأيضاً لوجود لاعبين إقليميين ودوليين في الملف الليبي لن يسمحوا باستفراد وهيمنة الولايات المتحدة على ليبيا". ورجح الباحث السياسي أن ليبيا مقبلة على "أحداث ساخنة" في حال عدم تنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية في البلاد وتوحيد مؤسسات الدولة.

استئثار أميركي بالنفط الليبي

تاريخياً، كان للولايات المتحدة نصيب الأسد من الاستثمار في النفط الليبي، ففي العهد الملكي (1951-1969) استحوذت الشركات الأميركية على نحو 90 في المئة من القطاع النفطي قبل أن يقوض نظام معمر القذافي تلك الاستثمارات على أثر انقلابه عام 1969 وإعلانه تأميم الثروات الليبية عام 1974، لكن ذلك لم يثن الولايات المتحدة على الاستثمار في النفط الليبي في عهده بحصة أقل قبل سقوطه عام 2011 ما فسح المجال للعودة الأميركية.

وستشكل هذه العودة الآن رسالة مهمة لليبيين مفادها بداية استعادة الاستقرار في البلاد بعد سنتين ونصف السنة على توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في أكتوبر (تشرين الأول) 2020.

وقال الباحث الليبي أحمد المهدوي إن "الولايات المتحدة بدأت فعلياً في الاستئثار بالنفط الليبي منذ إطلاق خارجيتها استراتيجية ومشروعاً خاصاً للوضع في ليبيا". وشدد المهدوي على أن "هذه المتغيرات على الساحة الدولية دفعت الولايات المتحدة للبحث عن بدائل للحفاظ على احتياطاتها من النفط والغاز في ظل تزايد الطلب في أوروبا". ولفت إلى أن "الولايات المتحدة من الأوائل التي عملت في مجال النفط في ليبيا، وبسبب الأوضاع الراهنة التي تعانيها ليبيا، وتكالب كل من فرنسا وإيطاليا على الاستحواذ على قطاع النفط في ليبيا، ودخول الأتراك على خط المواجهة من خلال الاتفاقات المبرمة مع حكومة فايز السراج والدبيبة والرفض الليبي المحلي لها، هذه العوامل مجتمعة جعلت الساحة متاحة للولايات المتحدة للاستثمارات النفطية وتوقيع الشركات الأميركية عقوداً مع المؤسسة الوطنية للنفط".

الحضور التركي والروسي

وتثير العودة الأميركية للاستثمار في النفط الليبي تساؤلات حول مستقبل النفوذ الذي رسخته روسيا وتركيا منذ سنوات في البلد الواقع شمال أفريقيا، خصوصاً أن واشنطن لا تخفي سعيها المحموم إلى تقليص حضور مرتزقة "فاغنر" في البلاد. وقال الباحث المهدوي إن "الوجود الأميركي في الساحة الليبية سيؤثر سلباً في النفوذ الروسي لأن واشنطن لن تسمح بالوجود الروسي على الإطلاق في ليبيا، وهذا ما تعكسه الاستراتيجية الأميركية من خلال برامج عملها في ليبيا". وشدد على أن "الدور التركي كذلك بدأ في التلاشي خصوصاً بعد الدخول الأميركي على الساحة السياسية في ليبيا، علاوة على أن تركيا لديها معارك انتخابية منشغلة بها عن ليبيا، ناهيك بالتقارب السياسي الأخير بين الأتراك ومصر، وهي عوامل كلها ستجعل الوجود التركي في ليبيا مجرد وقت"، لكن العرفي يعتقد أن تركيا لا تزال تحتفظ بحضور قوي في ليبيا قائلاً "أكبر حجم واردات إلى البلاد من تركيا، السوق الليبية تعج بالمنتجات التركية، الأتراك دخلوا في كل المجالات، سواء عبر مواد كهربائية أو غذائية أو غيرها، تركيا لديها استثمارات ضخمة في البناء".

لكن الاستثمار الأميركي سيتحدى الحضور الروسي أساساً على ما يبدو، إذ ستقوم شركة "هانيويل" بتطوير مصفاة الجنوب الواقعة في مدينة أوباري الليبية، وهي منطقة تحدثت تقارير غربية سابقة عن حضور لعناصر "فاغنر" فيها.

وقال المرعاش إن "هذا سيكون على حساب الروس والأتراك أيضاً، لكن هذه العودة الأميركية ستكون على حساب فرنسا وبريطانيا وإيطاليا وهولندا".

ومن غير المستبعد أن تشعل هذه العودة الأميركية التنافس على النفط الليبي بين الشركات العالمية التي تستثمر في هذا المجال، خصوصاً أن شركة "إيني" الإيطالية على سبيل المثال تضخ استثمارات ضخمة في هذا القطاع.

المزيد من تقارير