Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التجارة الحرة تواجه تحولات الاقتصاد العالمي وسط صعود التوترات

مع المد الاقتصادي والسياسي ضد الصفقات التجارية الكاسحة تلجأ الحكومات إلى اتفاقيات أضيق وأقل إثارة للجدل

مع ظهور الخدمات والتجارة عبر الإنترنت تلعب السلع المادية اليوم دوراً أصغر نسبياً في التجارة العالمية (أ ف ب)

ملخص

كانت اتفاقيات التجارة الحرة انطلقت في التسعينيات عندما بدا أن اقتصادات السوق الحرة قد انتصرت في أعقاب انهيار الاتحاد السوفياتي، فهل ما زالت قادرة على البقاء؟

فتحت إدارة بايدن في العام الماضي، محادثات مع اليابان والاتحاد الأوروبي وأكثر من 20 دولة من الهند إلى بيرو حول الروابط الاقتصادية عبر الحدود، لكن مصطلحات "التجارة الحرة" و"التعريفات" لم تشكل جزءاً من هذه المناقشات، إذ غالباً ما يتم التوسط في مجموعة من المشكلات الأخرى -من حقوق الطبع والنشر الرقمية إلى جودة الهواء ومعايير التكنولوجيا والمنتجات- في اتفاقيات على مستوى الحكومة بدلاً من المعاهدات الكاملة. 

وكانت إعادة تشكيل اتفاقيات التجارة الحرة مدفوعة بالمد والجزر الاقتصادي والرياح السياسية، ولكن مع ظهور الخدمات والتجارة عبر الإنترنت تلعب السلع المادية اليوم دوراً أصغر نسبياً في التجارة العالمية، في حين أدى اتساع الفجوة بين الأجور وكلفة الإنتاج بين البلدان الغنية والفقيرة، إلى تحويل الانتباه إلى الكلفة غير المباشرة مثل اللوائح البيئية. 

حدود تحديد التجارة

وكانت اتفاقيات التجارة الحرة انطلقت في التسعينيات عندما بدا أن اقتصادات السوق الحرة قد انتصرت في أعقاب انهيار الاتحاد السوفياتي، وفي عام 1992 عندما حذر المرشح الرئاسي الأميركي المستقل هنري روس بيرو ‏ مما سماه "صوت الامتصاص العملاق" للوظائف الأميركية، وهو مصطلح قصد به الآثار السلبية لاتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية (نافتا) التي عارضها، وبذل موظفو الجمارك جهوداً كبيرة لضمان دفع الرسوم المناسبة على المنتجات عبر الحدود. 

 وكانت قد أطلقت اتفاقية "نافتا" التي دخلت حيز التنفيذ عام 1994، موجة من الصفقات المقلدة التي خفضت التعريفات الجمركية بين عشرات الدول، وقد عزز هذا الاتجاه إنشاء منظمة التجارة العالمية عام 1995، وتحول المجموعة الأوروبية من كونفيدرالية فضفاضة إلى الاتحاد الأوروبي، وهي منطقة تجارة حرة تضم اليوم 27 عضواً وعديداً من الدول المرتبطة، كما انخفض متوسط معدل الرسوم الجمركية المرجح للتجارة في الولايات المتحدة بنسبة 46 في المئة خلال التسعينيات، وفقاً للبنك الدولي. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

واستمر التوجه خلال أوائل العقد الأول من القرن الـ21، وبلغ ذروته بجهود إدارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما عبر الشراكة عبر المحيط الهادئ التي تهدف إلى ربط 12 دولة في آسيا والأميركتين، وشراكة التجارة والاستثمار عبر المحيط الأطلسي (TTIP) بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. 

وكانت اتفاقية التجارة والاستثمار عبر المحيط الأطلسي واجهت معارضة قوية في أوروبا نحو عام 2014، كما تم استهدافها من قبل كلا الحزبين الأميركيين في انتخابات عام 2016، وكان أحد الإجراءات الأولى التي اتخذها الرئيس السابق دونالد ترمب عند توليه منصبه هو سحب الولايات المتحدة من "اتفاقية الشراكة العابرة عبر المحيط الهادئ" التجارية قبل التصديق عليها ودخولها حيز التنفيذ. وعلى رغم أن انهيار المعاهدات أدى إلى إعادة تقويم كبيرة للأهداف، لكنها لم تنذر بوضع حد لتحرير التجارة. 

خارج الولايات المتحدة، واصلت الدول إبرام اتفاقيات التجارة الحرة، على رغم أن القليل منها له تأثير الصفقات التي تشمل الاقتصاد الأميركي الهائل، لتولد "اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ" من جديد باسم آخر لربط 11 دولة من دون الولايات المتحدة. ومع ذلك، فإن هذه الصفقات تؤكد بشكل متزايد قضايا أخرى غير التعريفات الجمركية، كما ينطبق الشيء نفسه على الدبلوماسية الاقتصادية الدولية للولايات المتحدة. وكان مستشار الأمن القومي للرئيس بايدن جيك سوليفان، قال أخيراً، إن "مشروع العشرينيات والثلاثينيات يختلف عن مشروع التسعينيات، فلدى واشنطن مجموعة مختلفة من الأولويات الأساسية عن مجرد خفض التعريفات". 

واليوم تعمل إدارة بايدن على تزويد اليابان والاتحاد الأوروبي بإمكانية الوصول إلى دعم الطاقة النظيفة في قانون الحد من التضخم، في حين تسعى الاتفاقيات الإقليمية مع منطقة المحيطين الهندي والهادئ الأميركيتين إلى تعميق الروابط الاقتصادية وربط سلاسل التوريد ومستوى المعايير من دون المساس بالرسوم الجمركية، مع الإشارة إلى أنه لا شيء يتطلب موافقة الكونغرس. 

وفي الواقع، كان التحول عن الرسوم الجمركية مستمراً منذ فترة طويلة، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن التعريفات أصبحت منخفضة للغاية اليوم، حيث كانت معظم عناصر "شراكة التجارة والاستثمار عبر المحيط الأطلسي" المشؤومة تتعلق بالحواجز غير الجمركية (NTBs)، مثل اللوائح والمعايير الصناعية. 

التأثير الأكبر المحتمل على التجارة 

قال الزميل الأول في معهد السياسة الخارجية بكلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة "جونز هوبكنز" دان هاميلتون، لصحيفة "وول ستريت جورنال"، "لدينا تجارة حرة بشكل أساسي" عبر المحيط الأطلسي، ويبلغ متوسط الرسوم الجمركية على سلع الاتحاد الأوروبي التي تدخل الولايات المتحدة نحو 2.5 في المئة، مقارنة بنحو 10 في المئة مع عديد من الأسواق الأخرى، وهي منخفضة وفقاً للمعايير العالمية. 

بالتالي، فإن التأثير الأكبر المحتمل على التجارة يأتي من تقليل الحواجز غير التعريفية الصغيرة مثل قواعد تصميم ممتص الصدمات للسيارات وتنظيف مصانع الأدوية. 

وكانت الجهود المبذولة لخفض الحواجز غير التعريفية جارية منذ وقت طويل، حيث قامت اتفاقية التجارة الحرة بين الاتحاد الأوروبي وكوريا الجنوبية في عام 2011 بتفكيك الحواجز في السيارات والمواد الكيماوية والمستحضرات الصيدلانية، تبعتها سيول من خلال تبني لوائح كيماوية على غرار تشريعات الاتحاد الأوروبي، وفتح الاقتصاد العملاق أمام الشركات الكورية. 

وقال المسؤول الكبير في المفوضية الأوروبية، الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي، الذي شارك في التفاوض على الاتفاقية سيني راتسو "حتى إذا قمت بإلغاء التعريفات الجمركية، فقد لا تتمكن من الوصول إلى السوق إذا كان لا يزال لديك حواجز غير جمركية". 

وبحسب الباحثين، فإن أحد أسباب التحول إلى اتفاقيات أضيق تركز على قطاعات محددة هو أن اتفاقيات التجارة الحرة أصبحت مترامية الأطراف للغاية بحيث لا يمكن تنفيذها سياسياً، على رغم أن بعض هذه الاتفاقيات الجديدة بين المنظمين لا تتطلب موافقة من الكونغرس أو البرلمانات الأخرى كما تفعل عادة اتفاقيات التجارة الحرة، فعلى سبيل المثال أبرمت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عام 2008 اتفاقية ثنائية للسلامة الجوية قالت في جوهرها، إن "لدينا لوائح مختلفة ولكنها فعالة بالقدر نفسه وقابلة للتبادل"، ومع ذلك فإن الجدل في الكونغرس حول النهج الجذري يعني بقاء الصفقة قرابة ثلاث سنوات قبل أن تصبح سارية المفعول. 

وحتى في عهد ترمب، المعارض الصريح للتجارة الحرة، عملت الولايات المتحدة على إزالة الحواجز غير الجمركية، كما وقعت هيئات تنظيم الأغذية والأدوية في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عام 2017 اتفاقية الاعتراف المتبادل في شأن ممارسات التصنيع الجيدة للمكونات الصيدلانية النشطة. وكذلك اتفاقية الطيران، حيث سمح للهيئات التنظيمية بنقل المفتشين من مرافق بعضها البعض إلى الأسواق التي ينظر إليها على أنها تنطوي على مخاطر أكبر، مثل الصين والهند. 

كما وقعت واشنطن وبروكسل اتفاقية مماثلة في شأن تنظيم قطاعي التأمين وإعادة التأمين، وكان أحد أكبر التحركات التجارية لإدارة ترمب، هو إعادة صياغة اتفاقية "نافتا" لتصبح الاتفاقية بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا عام 2020، التي تركزت في جزء كبير منها على القضايا غير الجمركية بما في ذلك التجارة الرقمية والملكية الفكرية والمعايير التي تغطي ظروف العمل والبيئة في المصانع المكسيكية. 

وقالت نائبة الرئيس الأولى للشؤون الأوروبية في غرفة التجارة الأميركية مارجوري كورلينز "مع تزايد العبء التنظيمي بمرور الوقت، يحاول مجتمع الأعمال تشجيع مزيد من الحوار والجهود لإيجاد أرضية مشتركة".