ملخص
من المنتظر أن يوقع الرئيس الأميركي على أمر تنفيذي خلال الأسابيع المقبلة للحد من قدرة الشركات الأميركية على تمويل التقنيات الرئيسة في الصين
في عام 2016 جمع الـ"بنتاغون" بهدوء مجموعة من خبراء علوم الكمبيوتر والتقنيين في "ويست بوينت"، الأكاديمية العسكرية الأميركية الشهيرة، لعقد سلسلة من الاجتماعات، في حين كشف الرئيس السابق لشركة الأمن السيبراني "برايميير إيه آي" شون جورلي، والذي كان حاضراً الاجتماع، عن أن الموضوع كان "الذكاء الاصطناعي، والرسالة التي أرسلها الخبراء كانت صارخة"، إذ أشاروا إلى مسؤولي الـ "بنتاغون" بأن الذكاء الاصطناعي يمثل "أكبر تغيير في الحرب منذ محرك الاحتراق الداخلي الذي يستخدم في معظم المحركات الصاروخية، وسيمس كل شيء".
وبعد سبع سنوات من تحذير "ويست بوينت" أعطى الوصول الكبير لأدوات الذكاء الاصطناعي التي تهدد بقلب الصناعات والمجتمع رأساً على عقب، عمقاً جديداً للرسالة.
غادر عالم الكمبيوتر البريطاني جيف هينتون، والذي ينظر إليه على أنه "الأب الروحي للذكاء الاصطناعي" شركة "غوغل" حتى يتمكن من التحدث بحرية أكبر عن أخطار التكنولوجيا التي ساعد في ابتكارها، في موقف يشابه ما قام به الفيزيائي الأميركي ومدرس الفيزياء النظرية بجامعة كاليفورنيا روبرت أوبنهايمر الذي أصبح بعد قيادة تطوير القنبلة الذرية صوتاً بارزاً لنزع السلاح.
هذا الإحساس المتزايد بضرورة الحذر يسهم في إلقاء الضوء على سبب تعرض إحدى شركات رأس المال الاستثماري الأكثر شهرة في "وادي السيليكون" إلى ضغوط متزايدة من المشرعين في شأن أنشطتها في الصين، وشركة "سيكويا كابيتال"، وهي شركة استثمار أميركية مقرها كاليفورنيا، دعمت "غوغل" و "إير بي أن بي"، وهي الأكثر شراسة في المشهد التكنولوجي الصيني، فخلال العام الماضي جمع فرع الشركة في الصين "سيكويا تشاينا" 8.5 مليار دولار من رأس المال الجديد لتوجيهه إلى الشركات التكنولوجية الناشئة في الدولة التي يسيطر عليها الشيوعيون.
حذر في واشنطن
ونقلت صحيفة "تايمز" عن مصدر كبير في مجال الأمن السيبراني أن الشهور الستة الماضية شهدت صحوة في واشنطن مع انتباه إلى سباق التسلح في مجال الذكاء الاصطناعي مع الصين ومحادثات حول كيفية معاقبة شركة "سيكويا".
وفي المقابل رفضت شركة "سيكويا" التعليق على ما أوردته الصحيفة، وبحسب ما ورد فقد استأجرت شركة "بيكون غلوبال ستراتيجيز"، وهي شركة استشارية للأمن القومي يديرها كبار المسؤولين السابقين في الحكومة الأميركية، لمساعدتها في فحص الصفقات بحثاً عن أخطار الأمن القومي، إضافة إلى مساعدة "سيكويا" في التعامل مع نهج متشدد بشكل متزايد من حكومة الرئيس الأميركي جو بايدن.
تقويض قدرات الشركات
ومن المنتظر أن يوقع الرئيس الأميركي على أمر تنفيذي خلال الأسابيع المقبلة للحد من قدرة الشركات الأميركية على تمويل التقنيات الرئيسة في الصين، بما في ذلك أشباه الموصلات والذكاء الاصطناعي، لتتحول بذلك أميركا عن مسارها السابق طوال ربع قرن من التجارة الحرة مع الصين عبر تقييد تصدير الرقائق بهدف "تخفيف حدة تبني الصين العسكري لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي"، كما كتب خبير الذكاء الاصطناعي في "مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية" في واشنطن غريغوري ألين.
وجدت "سيكويا تشاينا"، الذراع الصينية التي أسستها الشركة الأم، في عام 2005 نفسها في قلب هذا الصراع المتصاعد، في وقت يدير عملياتها نيل شين، وهو رجل أعمال تلقى تعليمه في جامعة ييل في كنتيكت وتحول إلى أحد أبرز الشخصيات في صناعة التكنولوجيا الصينية.
وفي المقابل وعبر مسعى إلى تخفيف الضغوط الأميركية على الشركة الأم في كاليفورنيا، ادعت الأخيرة أنها تتشارك الأرباح فقط مع فرع الشركة في الصين وأن الأمر يجري بشكل مستقل وبتأثير ضئيل في قراراتها الاستثمارية.
تطبيق "تيك توك"
ومن بين استثمارات "سيكويا تشاينا" شركة "بايت دانس"، عملاق بكين لتكنولوجيا الإنترنت، ومنصة الفيديو "تيك توك" التي تواجه حالياً احتمال فرض حظر أميركي عليها بسبب مخاوف تتعلق بالأمن القومي، بما في ذلك احتمال استخدامها للتلاعب بالرأي العام بمهارة، ولدى المنصة أكثر من مليار مستخدم على مستوى العالم، كما ويحظى رئيس "سيكويا تشاينا" بعضوية مجلس الإدارة.
وكانت "بايت دانس" عضواً مؤسساً في أكاديمية بكين للذكاء الاصطناعي، وهي هيئة أنشأتها وزارة العلوم والتكنولوجيا الصينية عام 2018 وحظيت بإعجاب رئيس شركة "مايكروسوفت" براد سميث الذي قال الشهر الماضي إنها تقدمت بفارق كبير على جميع المنافسين في مجال الذكاء الاصطناعي باستثناء "غوغل" و "أوبن أيه آي"، وهي منظمة غير ربحية لأبحاث الذكاء الاصطناعي.
هواجس الهجمات الإلكترونية
لكن سميث لم يخف مخاوفه حيال هذا التقدم، وقال إن "الفجوة تقاس دائماً بالأشهر وليس بالسنوات، ويجب أن نفترض تماماً ونتوقع أن بعض الدول القومية ستستخدم الذكاء الاصطناعي لشن هجمات إلكترونية وعمليات تأثير إلكتروني أقوى مما هي عليه حالياً".
وفي حين ينظر إلى "سيكويا تشاينا" في الصين على أنها ليست مستثمراً نشطاً في شركات الدفاع، لكن الخطوط الفاصلة بين الشركات الاستهلاكية ومقاولي الدفاع في الصين أكثر ضبابية بكثير مما هي عليه في الغرب.
ويعود المصدر الأمني في تصريحاته للصحيفة مرة أخرى ليشير إلى أن الصين تجيد إخفاء تقنيتها العسكرية داخل الشركات الاستهلاكية بشكل جيد للغاية، حتى إن أعضاء في الحزب الشيوعي الصيني يحظون بمقاعد في مجالس إدارات هذه الشركات.
وتمتلك إدارة الفضاء الإلكتروني في الصين (CAC)، وهي جهة تنظيمية قوية، حصة واحد في المئة في "دوين"، الشركة الشقيقة لـ "تيك توك"، من خلال صندوق مملوك للدولة، كما أنها عضو في مجلس إدارتها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتعد "إدارة الفضاء الإلكتروني في الصين"، وفقاً لدراسة أجرتها مؤسسة "هوأوفر إنستيتيوت" في جامعة ستانفورد، الأداة الأساس التي يستخدمها الرئيس الصيني شي جينبينغ لتقديم إستراتيجيته المتمثلة في "التحكم في الكيانات التي تشارك في النظام البيئي الرقمي للصين، وما هي المعلومات التي تمتلكها وكيفية نشر هذه المعلومات في جميع أنحاء الصين وخارجها".
ادعاءات غير مقنعة
وبذلت "بايت دانس" جهوداً كبيرة لإظهار أن بيانات المستهلك الأميركية الخاصة بها لا يمكن الوصول إليها في الصين، بما في ذلك معلومات الإسكان في مراكز البيانات الأميركية، لكن إدارة "بايدن" لا تزال غير مقتنعة.
استثمار آخر لشركة"سيكويا" هو"دي جي آي"، أكبر صانع للطائرات من دون طيار في العالم، والذي عرض في أميركا الاستخدام المجاني لمركباته لوكالات إنفاذ القانون المحلية في مقابل الاستخدام المجاني للبيانات التي تنتجها "دي جي آي" التي تسيطر على نصف سوق الطائرات من دون طيار العالمية، والتي تم تمويلها أيضاً من قبل الدولة الصينية.
وكان مدير المخابرات الوطنية الأميركية أفريل هينز قال في منتدى دفاعي خلال ديسمبر (كانون الأول) 2022 "إنه لمن غير العادي الدرجة التي تُطور بها الصين أطراً لجمع البيانات الأجنبية وقدرتها على تغيير ذلك واستخدامها لاستهداف الجماهير للحملات الإعلامية أو لأشياء أخرى، والحصول عليها للمستقبل حتى يتمكنوا من استخدامها لمجموعة متنوعة من الوسائل التي يهتمون بها".
وكانت "سيكويا" أيضاً من أوائل الداعمين لمعهد بكين لعلم الجينوم (BGI) الذي يستخدم الذكاء الاصطناعي لاختبار الأجنة التي تم الحصول عليها من خلال التلقيح الاصطناعي للتأكد من أن لديها أفضل فرصة لإنجاب أطفال أصحاء، كما يمكن أيضاً استخدام التقنية لتحديد لون العين ولون البشرة وحتى الذكاء، وسط مخاوف من إمكان استخدام التكنولوجيا لتربية البشر الخارقين.
ما بعد الحرب الباردة
وفي خطاب ألقاه بعد أيام فقط من الكشف عن حظر تصدير الرقائق العام الماضي، قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن "نحن في نقطة انعطاف ولقد انتهى عالم ما بعد الحرب الباردة، وهناك منافسة شديدة جارية لتشكيل ما سيأتي بعد ذلك، وفي قلب تلك المنافسة تكمن التكنولوجيا".
واليوم يكمن الخوف بين الخبراء في تجاوز وتيرة التكنولوجيا بكثير اللوائح والمعايير الدولية، وبالتالي يمكن استخدامها في أي عدد من المهمات الشائنة بدءاً من المعلومات المضللة إلى الهجمات الإلكترونية والسيطرة على الأسلحة.
من جهته قدم الأستاذ في جامعة كاليفورنيا والشخصية البارزة في تطوير الذكاء الاصطناعي ستيوارت راسل مثالاً على أسراب الطائرات من دون طيار يتحكم فيها الذكاء الاصطناعي، قائلاً "ماذا يحدث عندما يتم استخدام هذه الأسلحة الصغيرة الرخيصة في سرب من مليون سلاح؟ أنت الآن تتحدث عن شيء لديه القوة التدميرية لقنبلة هيدروجينية ولكنه أرخص كثيراً، ومن المحتمل أن يكون معروضاً للبيع في المتاجر الكبرى المسلحة في العالم، وسيصاب شخص ما بالجنون ويستخدم هذه الأسلحة لشن هجمات بمئات الآلاف أو ملايين الأسلحة والقضاء على مدن بأكملها".