Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أين تقف مصر من الصراع في السودان؟

القاهرة أبقت على علاقاتها مع الفصائل المختلفة لكن سياساتها تتبنى دعم الجيش بقيادة البرهان

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وقائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان  (أ ف ب)

ملخص

اشتباكات السودان تطرح تساؤلاً عن موقع مصر من الخريطة السياسية المضطربة في الخرطوم

على رغم مرور نحو أسبوع على إجلاء الجنود المصريين المحتجزين في السودان من قبل قوات الدعم السريع، بعد أن سيطرت على مطار مروي العسكري، حيث كان المصريون موجودين للمشاركة في تدريبات عسكرية مع القوات المسلحة السودانية، لكن الحديث لم ينقطع عن دور القاهرة "المقيد" في الخرطوم ونفوذها "المحدود"، بحسب وصف مراقبين.

يتعلق العنف المشتعل في السودان، منذ 15 أبريل (نيسان) الماضي، بالصراع على السلطة بين الجيش السوداني بقيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان وقوات الدعم السريع التي شرعن نظام عمر البشير وجودها من ميليشيات الجنجويد للقتال في دارفور عام 2013، بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي).

حتى وقت قريب كان البرهان وحميدتي حليفين وعملا معاً لإطاحة البشير عام 2019، ولعبا دوراً محورياً في الانقلاب العسكري عام 2021، لكن سرعان ما نشأت التوترات بين الطرفين أثناء المفاوضات الخاصة بدمج قوات الدعم السريع في الجيش السوداني.

فبموجب شروط اتفاق الإطار السياسي الذي كان سيشهد تسليم السلطة إلى القادة المدنيين كانت القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع تتفاوضان في شأن الشروط التي بموجبها سيتم دمج هذه القوات في جيش وطني واحد. وقد أدى ذلك إلى تصاعد التوترات وسط قلق قادة قوات الدعم السريع من احتمال خضوعهم لضباط الجيش وتجريدهم من رتبهم.

وعقب وقوع الصدامات المسلحة في السودان أبدت مصر موقفاً متسقاً مع الموقف الأممي، ولم تعلن دعمها أحد طرفي الصراع، بل دعت إلى الوقف الفوري لإطلاق النار. وأكد وزير الخارجية المصري سامح شكري في اتصال هاتفي مع نظيره السوداني في 16 أبريل (نيسان) الماضي أن موقف بلاده "سيظل دائماً يدافع عن وحدة وسلامة السودان".

تحيز مزعوم

المشهد الحالي في السودان يطرح تساؤلاً عن موقع مصر من الخريطة السياسية في السودان، إذ لطالما مرت العلاقات بين البلدين بمحطات مشحونة بالحساسيات والمخاوف المتبادلة، فغياب القاهرة عن جهود الوساطة الدولية في الخرطوم، سواء الرباعية الدولية المكونة من الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات أو الآلية الثلاثية المكونة من بعثة الأمم المتحدة المتكاملة للمساعدة الانتقالية في السودان (يونيتامس) والاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيغاد)، يعكس محدودية الدور المصري في الجارة الجنوبية على رغم الآمال التي أثارها سقوط البشير نحو تقارب البلدين، لا سيما في ظل الدعم المصري للجيش السوداني في الفشقة التي سيطرت عليها إثيوبيا طيلة نحو خمسة وعشرين عاماً وتعزيز التعاون الأمني والاستخباراتي بين البلدين.

يقول مراقبون إن محدودية الدور المصري في السودان تعود إلى اتخاذ القاهرة موقفاً متحيزاً، وإن لم يكن واضحاً خلال السنوات القليلة الماضية في الأزمة السياسية بالداخل، فعندما أعلن البرهان عن حل الحكومة المدنية في أكتوبر (تشرين الأول) 2021 واعتقل رئيس الوزراء عبدالله حمدوك وغيره من كبار الشخصيات المدنية التي كان الجيش قد وافق على اقتسام السلطة معها إلى حين إجراء الانتخابات في 2022، اتهمت وزيرة الخارجية السودانية، آنذاك، مريم المهدي، مصر بدعم ما وصفته "الانقلاب العسكري".

تصريح المهدي سارع نظيرها المصري بالرد عليه خلال مؤتمر صحافي في واشنطن، قائلاً "لا ندعم فريقاً على حساب آخر في السودان، ولا نتدخل في شؤون الآخرين".

خلال تلك الفترة احتفظت القاهرة بعلاقات جيدة مع البرهان كرئيس لمجلس السيادة في السودان، لكنها في الوقت نفسه أبقت على علاقات قائمة مع الفصائل الأخرى والقوى المدنية. وفي زيارته للخرطوم مطلع العام الجاري، عقد رئيس الاستخبارات العامة المصرية عباس كامل مباحثات مع البرهان، والتقى أيضاً قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) وقوى الحرية والتغيير (الكتلة الديمقراطية) واقترح استضافة القاهرة ورشة عمل خلال الفترة من الأول حتى الثامن من فبراير (شباط) الماضي بعنوان "آفاق التحول الديمقراطي نحو سودان يسع الجميع"، وذلك بهدف إيجاد منبر لحوار يؤدي إلى توافق سوداني - سوداني.

لكن بنهاية المطاف رفضت قوى "الحرية والتغيير" المشاركة في الورشة قائلة في بيان "إن الورشة تشكل منبراً لقوى الانتفاضة المضادة التي تأمل أن تحتشد في المبادرة المصرية لتقويض الجهود الشعبية السودانية لاستعادة المسار المدني الديمقراطي"، مؤكدة أن هذه القوى مرتبطة بالنظام السابق الذي أضرت سياساته بالبلدين وشعبيهما.

سبق المبادرة المصرية نجاح الرباعية الدولية في الوساطة بين الفرقاء في السودان، مما أسفر عن توقيع "الاتفاق الإطاري" في ديسمبر (كانون الأول) 2022، من دون أي دور مصري يذكر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

حساسيات تاريخية

في حديثه لـ"اندبندنت عربية" أكد البرلماني المصري السابق وأستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة عماد جاد الحساسيات التاريخية المتراكمة والتي جعلت العلاقة بين مصر والسودان موضع قلق متبادل، بداية منذ عهد محمد علي وصولاً إلى تأييد مصر الانقلاب الذي قاده البشير ضد رئيس الوزراء المدني الصادق المهدي عام 1989.

وعلى رغم العلاقات المتوترة التي جمعت القاهرة والخرطوم خلال حقبة البشير، يشير جاد إلى أنه في خضم الاحتجاجات الشعبية ضده عام 2019 استقبلته القاهرة استقبالاً رسمياً، وبعد سقوطه تم الرهان بشكل كبير على قائد الجيش عبدالفتاح البرهان "على رغم أنه كان يتلاعب بالقوى المدنية وكانت تبدو نواياه في شأن رفضه تسليم السلطة".

وقال إن تلك الحساسيات التاريخية جنباً إلى جنب مع الموقف المصري من البشير ثم البرهان خلفت موقفاً سودانياً ذاتياً بين القوى المدنية متحفظاً من القاهرة وينظر إليها باعتبارها غير محايدة، موضحاً أن السودانيين نظروا إلى المبادرة المصرية على أنها متحيزة لطرف من دون الآخر، بالتالي فقدت تأثيرها في الداخل "لذا عندما وقع العنف وتم احتجاز عدد من جنودنا كان علينا أن نستعين بوسيط".

وعلى صعيد الاقتتال الداخلي الناشب، أشار البرلماني المصري السابق إلى أنه بالتنسيق مع السعودية طرحت الولايات المتحدة مبادرتها لوقف إطلاق النار بين القوى السودانية من دون أي دور مصري.

والإثنين أعلنت الولايات المتحدة عن التوصل إلى هدنة جديدة في السودان لمدة 72 ساعة اعتباراً من الثلاثاء، فيما قال الجيش السوداني إن السعودية والولايات المتحدة توسطتا في الهدنة لكن على غرار اتفاقات سابقة للهدنة الموقتة، لم يلتزم الجانبان وعادا للعنف.

ودافع نائب رئيس المجلس المصري للشؤون الأفريقية، مساعد وزير الخارجية الأسبق صلاح حليمة، عن موقف بلاده، مؤكداً أن توجهات القاهرة قائمة في السودان منذ ثورة 2019 على دعم خيارات الشعب، وعدم التدخل في الشأن الداخلي ودعم العملية السياسية.

ومع ذلك أوضح حليمة لـ"اندبندنت عربية" أن رواسب ممتدة منذ نظام البشير، وترتبط بإشاعات يرددها البعض تزعم تدخل مصر في الشأن السوداني لمصالحها الخاصة وتستغلها مائياً وهو أمر عار من الصحة، لافتاً إلى أن البلدين تجمعهما شراكة استراتيجية منذ عام 2016، كما تجمعهما اتفاقية تنص على حرية التنقل والإقامة والعمل والتملك تعرف باتفاقية "الحريات الأربع" منذ عام 2004.

وسرد جهود مصر لرأب الصدع السياسي في السودان، مشيراً إلى دعم جهود الوساطة والعملية السياسية في إطار الآلية الثلاثية والرباعية، وفي الوقت نفسه بادرت مصر بعقد اجتماع لجامعة الدول العربية بالتنسيق مع السعودية لتهدئة الوضع.

كما تتواصل القاهرة مع الأمم المتحدة لتعزيز جهود الوساطة، ففور اندلاع الاشتباكات العسكرية في السودان منتصف أبريل الماضي، أجرى أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، اتصالًا بالرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، مؤكداً "الدور الفاعل والمحوري لبلاده في صون الأمن والاستقرار في المنطقة، خصوصاً ما يتعلق بدعم المسار الانتقالي في السودان".

السفير المصري أشار كذلك إلى دور القاهرة على صعيد تقديم المساعدات الإنسانية والحديث عن إعادة تحديث البنية الطبية في السودان وإرسال قوافل طبية وتقديم الدعم لمستشفيات دارفور.

رؤية متوازنة

وبالعودة إلى البرلماني المصري السابق عماد جاد، فقد أكد أن الخارجية المصرية بدأت بالفعل في تعديل المسار عندما أعلنت وقوفها على مسافة واحدة من جميع الأطراف بالداخل، وإعلان أن ما يحدث شأن داخلي متروك للسودانيين مع الدعوة إلى التهدئة.

وأضاف "كان هذا تحركاً صحيحاً ولكن الأهم أن نبني عليه. نحن في منطقة تكتظ بالنظم العسكرية بالتالي يتهمنا السودانيون بأننا لا نريد لهم حكماً ديمقراطياً خشية من أن يؤثر ذلك في الداخل المصري، فلا بد أن نصيغ رؤية متوازنة تجاه الخرطوم ونحاول معالجة الحساسيات الداخلية".

بينما يعتقد نائب رئيس المجلس المصري للشؤون الأفريقية صلاح حليمة أنه من الأنسب توحيد مبادرات الوساطة لتكون مبادرة واحدة تحت مظلة الأمم المتحدة التي بدأت من خلالها العملية السياسية بموجب قرار أممي لتيسير التحول الديمقراطي.

ويشير إلى أن انفجار الوضع في السودان جاء نتيجة لعيوب شابت الاتفاق الإطاري الذي اقتصر على مجموعة من القوى والأحزاب السياسية لا تمثل جميع أطياف الشعب، كما أن تلك المجموعة احتكرت سلطة تشكيل الهياكل الانتقالية مما لقي معارضة شديدة بالداخل، في حين كانت المبادرة المصرية تعالج تلك النقاط الخلافية.

لا ثقة في زعيم ميليشيات

وفي حين لم تقطع القاهرة صلتها بقائد قوات الدعم السريع، لكن السياسة المصرية تجاه السودان تقوم على الاعتراف بمجلس السيادة السوداني وقيادة الجيش السوداني. فبشكل عام، يعتقد المراقبون الغربيون أن المؤسسة العسكرية المصرية لا تثق بحميدتي، باعتباره نشأ من زعامة ميليشيات مسلحة بينما يفضلون أن يحكم السودان عسكريون مدربون رسمياً.

ووفق صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية فإن كلاً من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي والفريق أول عبدالفتاح البرهان درسا في الكلية العسكرية نفسها، مشيرة إلى أنه عندما أطلقت القاهرة مبادرتها السياسية للجمع بين الفرقاء السودانيين، رأى الدبلوماسيون الأجانب في الخرطوم، الذين كانوا يحاولون التوصل إلى حل وسط بين البرهان وحميدتي، أن القاهرة تتصرف لصالح الجيش السوداني وضد زعيم قوات الدعم السريع.

ويقول متخصص شؤون أفريقيا لدى مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن كاميرون هدسون، وهو موظف سابق لدى وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، إن "مصر أوضحت أنها لن تتسامح مع زعيم ميليشيات على حدودها الجنوبية".

وربما هذا ما دفع حميدتي إلى احتجاز 27 جندياً مصرياً في قاعدة مروي، مما حرك المسؤولين الغربيين لبذل جهود مكثفة لنزع فتيل الأزمة وتجنب احتمال اتساع الصراع الإقليمي، ليتم تسليم الجنود إلى القاهرة بعد ذلك بأيام قليلة.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير