Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماذا يجري في دوائر الكونغرس مع الأزمة السودانية؟

ستواصل سيناريو الوجود بشكل أو بآخر ولن تسمح بحضور روسي يتحفز للتدخل أي لحظة

لاجئون سودانيون عبروا الحدود إلى تشاد  (أ ف ب)

ملخص

الولايات المتحدة لن تسمح بأي تمثيل روسي في جهود الوساطة بأزمة السودان

على رغم اندفاع عديد من الدول العربية والأفريقية وبعض الرؤساء العرب والأفارقة إلى طرح وساطات أولية خلال الأيام الأولى من المواجهات بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، فإن هذه الوساطات ظلت مطروحة في بعدها النظري، وخلت من مبادئ محددة أو عناصر يمكن العمل عليها في الدعوة لوقف إطلاق النار، وظلت المفوضية الأفريقية تراقب ما يجري، وتعلل البعض بصعوبة العمل والتواصل في ظل ما يجري من عمليات عسكرية شملت الخرطوم ودارفور ومناطق تماس مشتركة وهو ما دفع الجانب الأميركي إلى النفاذ لما يجري والعمل من بعد.

دبلوماسية محددة

في ظل ما يجري من مواجهات مستمرة حتى الآن بين طرفي المعادلة السودانية، فإن السؤال ليس في طرح الوساطات التي تقدمت بها الولايات المتحدة وجنوب السودان، و"إيغاد" ومصر وإسرائيل وتركيا وغيرها، إنما في ما يطرح سياسياً وعسكرياً في التوقيت نفسه، وهل الأولوية للعمل السياسي أم العسكري وفي ظل رهانات بأن العمل العسكري قد يستمر بعض الوقت، وأنه لا توجد علاقة بين الهدن التي طرحت أميركياً وعربياً وبين ما سيدفع إلى العودة للمسار السياسي مجدداً وفق اتفاقية الإطار التي جرى الانقلاب عليها في ظل تخوفات من كل طرف لنفي الآخر، الأمر الذي يشير إلى أن التوصل لأية وساطات سيرتبط بعوامل محددة منها استمرار العمل العسكري لبعض الوقت بهدف تحسين شروط التفاوض في الفترة المقبلة طالت أو قصرت لاعتبارات تتعلق بمركز كل طرف سياسي واستراتيجي والظهير الذي يعمل من ورائه.

وفي ظل مصالح كبرى لبعض الدول الكبرى ودول الجوار ووجود قوى تعمل على تزكية حدة الصراع، بل واستمراره وسط مخاوف مطروحة من تمدد الصراع الداخلي إلى مناطق عدة بدأت خلال الساعات الأخيرة بدارفور في إطار حرب الإثنيات التي ستعلن عن نفسها، وقد تؤدي إلى تبعات كبرى حال استمرار الصراع والدخول في رسم المصالح لكل طرف من خلال استخدام القوة العسكرية، وتطويعها لحسابات محددة، وهو ما سيجري في نطاقات عدة ومهمة في الفترة المقبلة حال استمرار الصراع الراهن، وتمدد أطرافه إلى مناطق أخرى.

وعلى رغم تأكيد الجانب السوداني بمكونيه المدني والعسكري رفض التدخل الخارجي فإن الأمر للوهلة الأولى، تم التدخل بخاصة مع وجود ملف الرعايا الأجانب في الأراضي السودانية، وسعي كل طرف لإجلاء عناصره عبر عمليات منفردة أو بالتنسيق مع دول الجوار، وهو ما تم للولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا وفرنسا وسهل الوجود متعدد الجنسيات في القرن الأفريقي، بخاصة في جيبوتي أثناء عمليات التنقل المباشر عبر عمليات نوعية ومستخدمة القواعد القريبة في التنقل، إضافة إلى المطارات السودانية، وبعضها عسكري في إشارة إلى أن الدول الكبرى تنقل رسالة إلى الداخل السوداني بأن عدم الاستقرار سيؤدي إلى مزيد من الأعمال المنفردة والمباشرة، ومن دون استئذان من أي طرف، وهو ما جرى بالنسبة إلى القوات البريطانية أولاً ثم الألمانية ثانياً، وتتالي عمليات الإجلاء تباعاً.

في مثل هذه الأجواء اتجهت واشنطن للتنسيق المباشر مع الأمم المتحدة من جانب والسعودية من آخر لطرح مقاربة للوساطة المباشرة عبر دبلوماسية الهاتف، وقاد ذلك التحرك وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن نفسه بالتنسيق مع مستشار الأمن القومي جاك ساليفان وبورد (مكتب) المجال الأفريقي في وزارة الخارجية، وبالتنسيق مع الاستخبارات المركزية، التي تتابع تفاصيل ما يجري في ظل صمت لافت مع تذكر ما جرى في الخروج من أفغانستان، وما دار في الكونغرس من تطورات واتهامات للإدارة الأميركية بالإخفاق والفشل في التعامل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولهذا كان تحرك الإدارة الأميركية حيث طرحت مقاربتها اعتماداً على ثقل سياسي واستراتيجي، وتحسباً لانفجار الموقف الأمني في أي لحظة، حيث تمضي التقييمات الأمنية والاستخباراتية بأن التوصل لتهدئة شاملة لن يكون سهلاً أو مطروحاً في المدى القصير، وأن حدود الوساطة الراهنة ستعتمد على أمور عدة:

الأول، تصدر المشهد السياسي والدبلوماسي في إقرار سلسلة هدن متتالية بهدف الضغط على الجانبين أولاً، وتوسيع نطاق التعامل مع التوقع بحدوث خروقات أمنية كاملة، وانفتاح المشهد الحالي على عديد من السيناريوهات في مسرح العمليات بالخرطوم، الساحة الرئيسة للمواجهة والصراع على مواقع السيادة العسكرية، بما لها من أولويات ومهمات ورسائل سياسية واستراتيجية كبيرة، ولتحسين شروط التفاوض عندما يتم وقف إطلاق النار لاحقاً.

الثاني، بلورة خطة سياسية ودبلوماسية ترتكز على اتفاقية الإطار، التي لعبت فيها الولايات المتحدة دوراً بارزاً، ومن الصعب التخلي عنها أو إسقاط بنودها، وأن المطروح أميركياً لاحقاً وبعد أن يتم وقف إطلاق النار، إما إعادة تصويب مسارها أو إعادة ترتيب بنودها في ظل الواقع العسكري الذي سيتم العمل به في الفترة المقبلة، خصوصاً أن الهدف الأميركي المقترح في مسارات التحرك الراهن هو استمرار طرح الوساطة عبر خط تدريجي يقوم على التهدئة أولاً، والعمل وفق هدن متتالية قبل التوصل لوقف تدريجي ومرحلي لإطلاق النار، بخاصة أن التوقع باستمرار العمل العسكري والمواجهات الثنائية ما زال قائماً، ويمكن أن يكون مطروحاً في المدى القصير لحين التوصل إلى نقطة توازن.

الثالث: العمل مع الشركاء الأقوياء، بخاصة السعودية، بما لها من ثقل كبير في ما يجري ومصداقية في التحرك أفريقياً وعربياً، وهو ما يستكمل باستمرار دعم الشركاء الأفارقة بخاصة وسطاء "إيغاد"، التي يمكن أن تحدث اختراقاً في المشهد إذا تمت الاتصالات المباشرة، بصرف النظر عن إجراء اتصالات مباشرة تشمل طرفي المعادلة عبد الفتاح البرهان، أو محمد حمدان دقلو، فمثل هذا اللقاء قد يكون لاحقاً، وفي ظل ترتيبات أمنية وسياسية محددة.

ومن ثم فإن الولايات المتحدة ستعمل على تمرير المقترحات عبر دول "إيغاد"، إضافة إلى إثيوبيا وكينيا والصومال القريبة مما يجري بخاصة أن جيبوتي أيضاً لها ارتباطات كبري بالجانب الأميركي، وقد تدخل على الخط فرنسا بما لها من ثقل في القرن الأفريقي يتجاوز بكثير قواعدها الاستراتيجية المتاخمة، لما يجري داخل منطقة القرن وخارجه.

سيمضي التقييم الأميركي دبلوماسياً وسياسياً في إطار من الحسابات الحذرة التي ستعمل بها الإدارة الأميركية، ومن المبكر أن نشير إلى أن الإدارة قد تعمد إلى الانتقال إلى المخطط "ب"، أو المسار الثاني في حال فشل ما يجري من تحركات دبلوماسية أو تعثر المجهودات الأميركية السعودية لرفض الطرفين أو أحد طرفي المعادلة الصعبة في السودان ما يجري، بخاصة أن العودة للعملية السياسية مجدداً لن يتم في ظل ما كان موجوداً، وفي ظل مخاوف حقيقية من العودة للمربع  "صفر" مجدداً، وينتهي المسار السياسي الحالي إلى آخر جديد بناء على حسابات القوة لكل طرف وقدرته على الحسم، إذ تقدر التقييمات الاستخباراتية بأن تحقيق الدمج لقوات الدعم السريع في الجيش النظامي سيأخذ مزيداً من الوقت في ظل تباين رؤية كل طرف واختلاف العقائد العسكرية والأيديولوجية، والإعداد القتالي سواء في المهمات والأولويات والتدريب في مسارح العمليات المختلفة بصرف النظر عن قدرة كل طرف على حسم هذا الصراع، أو نفي الآخر كما هو متوقع.

ومن ثم فإن الكونغرس سيظل في كل الأحوال، وإزاء ما يجري، يدعو إلى ضرورة فرض العقوبات على الجانبين أو على الجانب الرافض للتجاوب مع الطرح الأميركي الدولي، وإن كانت هناك مخاوف حقيقية من اعتماد هذه المقاربة على الأقل في الوقت الراهن تخوفاً من الصدام المبكر وتدخل منافسين على الخط، بخاصة فرنسا وروسيا لكي تكون بديلاً عن الوسيط الأميركي الراهن، الذي ما زال متمسكاً بوجوده في المشهد السوداني والأفريقي، واعتماداً على نفوذه ومسارات تحركه في أفريكوم، حيث تركز الاستراتيجية الأميركية التي أعلنها الرئيس الأميركي جو بايدن في أغسطس (آب) الماضي، وبالنسبة إلى مناطق النفوذ والتحرك الأميركي على أفريقيا، وعلى منطقتي القرن الأفريقي من جانب، والجنوب أفريقي ومناطق تماسه من جانب آخر، وهو ما يفسر تغيير المهمات الاستراتيجية بصورة دورية، ووفق حسابات وتقييمات دورية .

الخلاصات الأخيرة

ستعمل الإدارة الأميركية، وأياً كان سيناريو ما سيجري، على الاستمرار في الوجود بالملف السوداني، ولن تسمح بحضور روسي يتحفز للتدخل في أي لحظة بخاصة مع ترقب شركة "فاغنر" تحديداً بحضورها في عديد من مسارح العمليات، وهو ما سيفتح الباب الموصود أمام صراع جديد ومختلف في دولة تعد ترمومتراً للاستقرار في الجنوب بأكمله.

لن يكون من السهل استمراره لمدى طويل، ومن ثم فإن الوساطة الأميركية ستعمل من أجل هدف محدد هو التوصل إلى وقف إطلاق النار تكتيكياً مع تأكيد استئناف الخيار المدني لنظام الحكم وبناء التوافقات في شأن ما قد يجري من تطورات ميدانية قد تمس الاستقرار في القرن الأفريقي ودول حوض النيل، وقد يؤدي إلى مزيد من المواجهات التي قد تعصف، حال استمرارها، بالمصالح الكبرى للولايات المتحدة، ولحلفائها ولشركائها في المنطقة بأكملها.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل