Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مصر ترفع أسعار السلع "المدعمة" وتتجنب المساس بـ"رغيف الخبز "

محللون يكشفون علاقة القرارات الجديدة بشروط صندوق النقد ووزارة التموين تسعى تدريجيا لخفض التكاليف

توفر الحكومة الخبز مدعوماً بشكل كبير لأكثر من 70 مليون من أصل 104 ملايين مواطن (أ ف ب)

ملخص

يرجع بعض الاقتصاديين الزيادة الطارئة في أسعار السلع التموينية إلى "التضخم الرهيب" و"ضغوط الجنيه"

رفعت مصر، يدها شيئاً فشيئاً عن دعم السلع التموينية التي تزود أكثر من نصف المصريين بما يلزمهم من المنتجات الغذائية، وذلك عبر تحرك جديد في الأسعار، اعتباراً من اليوم الإثنين، وفق وثيقة اطلعت عليها وكالة "رويترز"، مستثنيةً في ذلك رغيف الخبز الذي كان شعاراً حاضراً .

وبينما تراوحت الزيادة بين "2.10 وخمسة جنيهات" بحسب الوثيقة التي كشفت عن تحرك سعر زيت الطعام النباتي من 25 إلى 30 جنيهاً (0.97 دولار) للزجاجة، مع ارتفاع سعر عبوتي "السكر والأرز" بوزن كيلوغرام واحد إلى 12.60 جنيه من 10.50 جنيه، يصر اقتصاديون وتجار، في تصريحات لـ"اندبندنت عربية" أن الزيادة المقررة لا تشير إلى تغير جوهري في أسعار السلع المدعمة، في وقت اختارت القيادة السياسية في مصر أن تبطئ معدلات تنفيذ بعض المشروعات الكبرى ذات المكون الأجنبي لصالح زيادة مخصصات الدعم بأشكاله كافة.

معالجات مطلوبة لمنظومة الدعم

على رغم ذلك، يرى البعض أن ثمة بعض المعالجات التي ينبغي للدولة المصرية تبنيها مستقبلاً، من قبيل التحول نحو الدعم النقدي بدلاً من الدعم العيني، درءاً لشبهات الفساد في سلاسل التوريد، وخفض الهدر في المنظومة التي تكلف موازنة الدولة المليارات كل عام.

ويستفيد أكثر من 60 مليون نسمة من منظومة الدعم التي تحصل بموجبها كل أسرة لديها بطاقة تموين على 50 جنيهاً مصرياً (1.62 دولار) للفرد شهرياً لشراء حوالى 32 سلعة تشمل المعكرونة والدقيق والفول بأسعار مدعومة.

وتوفر الحكومة الخبز مدعوماً بشكل كبير لأكثر من 70 مليون من أصل 104 ملايين مواطن، وأجلت الحكومة خطط رفع سعر الخبز المدعم، الذي لم يتغير منذ عقود، بعد تداعيات الحرب في أوكرانيا.

أسعار مدارة لا أكثر

يرى الوزير المفوض الاقتصادي منجي بدر، أن التحرك في أسعار السلع التموينية المدعمة الذي اتخذته الحكومة المصرية ، يعد "طفيفاً للغاية" ولا يشي بتحرك مماثل بالضرورة في أسعار هذه السلع في السوق الحرة خارج منظومة الدعم، في ظل الفارق الكبير بين السعرين.

ويشير "منجي بدر" إلى أن مصر لا تزال تدعم حصول الطبقات الفقيرة الأولى بالرعاية على المنتجات بأسعار مخفضة عن مثيلاتها، وأن الزيادة المقررة لا تعدو كونها تطبيقاً لمبدأ "السعر المدار"، بما يعني أن الدولة لا تزال تقدم هذه السلع بأسعار أقل كثيراً من مثيلاتها خارج المنظومة. وبرهن "منجي بدر" على رأيه، بإعلان وزير المالية المصري د. محمد معيط زيادة مخصصات الدعم والحماية الاجتماعية في موازنة العام المالي المقبل، تنفيذاً لتوجيهات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بنسبة 48.8 في المئة بغية التخفيف عن المواطنين في ظل ظروف عالمية بالغة الصعوبة.

 ضغوط العملة وارتفاع التضخم

 وتعاني مصر، وهي مستورد رئيس لسلع أساسية مثل القمح والزيوت النباتية، من أزمة في العملة الأجنبية أدت إلى انخفاض قيمة الجنيه بنسبة تقترب من 50 في المئة مقابل الدولار، وتقليص حجم الواردات وارتفاع التضخم في المدن إلى 32.7 في المئة في مارس (آذار) الماضي، ليقترب كثيراً من أعلى معدل له على الإطلاق.

بدت التحركات السعرية المفاجئة كترجمة لتعهد قدمه وزير المالية المصري د. محمد معيط، بأن بلاده ماضية في تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي المدعوم من صندوق النقد الدولي، عبر حزمة من الإجراءات المالية والنقدية والهيكلية، وذلك في معرض رده على قرار وكالة "ستاندارد أند بورز"، تعديل النظرة المستقبلية من مستقرة إلى سلبية مع الإبقاء على التصنيف الائتماني لمصر بالعملتين المحلية والأجنبية كما هو عند مستوى ( (B.

وأبرمت مصر اتفاقاً مع صندوق النقد الدولي، نهاية العام الماضي،  تعهدت فيه للصندوق بتقليص مشاركة الدولة في الاقتصاد والسماح بدور أكبر للقطاع الخاص، مقابل حزمة مالية بقيمة ثلاثة مليارات دولار على مدى 46 شهراً.

ليس مطلبا لصندوق النقد

وأشار المتخصصون إلى رفض الربط بين الزيادة المقررة على السلع التموينية في مصر، ومطالب صندوق النقد الدولي للأخيرة، باعتبار الخطوة "إصلاحاً اقتصادياً جديداً"، مشيراً في هذا الصدد إلى أنه في حال خفض الدعم، فيمكن حينئذ اعتبار الأمر تنفيذاً لمطلب من مطالب الصندوق، إلا أن العكس هو الصحيح، كما يقول.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويعتقد الوزير المفوض، أن القرار يأتي ربما لضغوط التضخم وتراجع قيمة الجنيه أمام الدولار الأميركي، وأن آثاره تكاد تكون منعدمة في الطبقات الفقيرة، وإن دفع نحو الترشيد في الاستهلاك ومعالجة الهدر، وفق تعبيره.

وقال وزير التموين المصري علي المصيلحي، في مؤتمر صحافي الأسبوع الماضي، إن معظم زيادات التمويل ستخصص لدعم الخبز، وإن بلاده تدرس جدياً الموافقة على استخدام العملات المحلية لشركائها في تجارة السلع الأولية مثل الصين والهند وروسيا في محاولة لتقليل الحاجة إلى الدولار.

السلع التموينية لا تزال مدعمة

تصريحات حازم المنوفي، عضو الشعبة العامة للمواد الغذائية بالاتحاد العام للغرف التجارية المصرية، جاءت لتوافق ما سبقه إليه، منجي بدر، معتبراً أن الدولة لا تزال تتحمل تكلفة الدعم على رغم الظروف الاقتصادية التي تمر بها، وأن السلع التموينية لا تزال هي الأخرى تقدم بأسعار أقل للمستحقين، من مثيلاتها في السوق الحرة.

ويضيف حازم المنوفي، أن سعر زجاجة زيت الطعام تتجاوز في مصر 48 جنيه (1.25 دولار) في حين تقدم لمستحقي الدعم بسعر 30 جنيهاً  (0.97 دولار) بعد الزيادة الجديدة، وأن سعر كيلو السكر يباع في السوق الحرة بما يتراوح بين 20 (0.64 دولار) دولار لـ22 جنيهاً ( 0.71 دولار)، مقارنة بـ12.60 جنيه (0.40 دولار)، على البطاقات التموينية، ما يؤكد أن الحكومة لم ترفع يدها عن دعم محدودي الدخل.

وكشفت أحدث بيانات رسمية صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، ارتفاع الرقم القياسي العام لأسعار المستهلكين لإجمالي الجمهورية بنسبة 3.2 في المئة خلال مارس الماضي على أساس شهري مقارنة بفبراير (شباط) السابق، كما صعد معدل التضخم السنوي خلال مارس إلى 33.9 في المئة مقابل 12.1 في المئة للشهر نفسه من العام السابق 2022.

وعزا "جهاز الإحصاء" ارتفاع التضخم إلى الزيادة في قسم الطعام والمشروبات بنسبة 5.3 في المئة، بسبب زيادة أسعار مجموعات الحبوب والخبز بنسبة 6.5 في المئة، إضافة إلى مجموعة اللحوم والدواجن التي ارتفعت بنسبة 5.0 في المئة، ومجموعة الأسماك والمأكولات البحرية التي شهدت هي الأخرى نمواً بنسبة 4.9 في المئة، ومجموعة السكر والأغذية السكرية بنسبة 1.1 في المئة، ومجموعة البن والشاي والكاكاو بنسبة 4.4 في المئة، ومجموعة الألبان والجبن والبيض بنسبة 2.5 في المئة، والزيوت والدهون بنسبة 0.9 في المئة، والفاكهة بنسبة 6.2 في المئة، فيما ارتفعت أسعار الخضروات بنسبة 14.0 في المئة.

  تشوهات منظومة الدعم الحالية

 في المقابل، يفسر الاقتصادي محمد أنيس، الزيادة الطارئة في أسعار بعض السلع التموينية إلى "التضخم الرهيب" و"ضغوط الجنيه"، داعياً إلى التحول إلى نظام الدعم النقدي بدلاً من الدعم العيني الحالي.

الدعم النقدي الذي اقترحه أنيس يأتي مربوطاً بمعدل التضخم، كما يرى، فيقول "إن الدعم النقدي يحقق مكاسب عدة أبرزها أنه يوفر للدولة 15 في المئة من المخصصات الحالية، ويدفع بشبهات سلاسل التوريد، وفيه يتاح لمستحقي الدعم الحاليين، شراء احتياجاتهم دون التقيد بمنافذ بعينها، ومنها السلع الخاصة ذات الأسعار الحرة، عبر بطاقات خاصة، ودون تسلمهم للمبالغ نقداً".

ويتفق المحلل الاقتصادي، مع ما ذهب إليه الوزير المفوض منجي بدر، من أن قرارات اليوم لا يمكن اعتبارها استجابة لمطلب ما من صندوق النقد الدولي، فيقول إن مطالب "الصندوق" تتمثل في التحول نحو سعر صرف مرن، والمضي قدماً في تنفيذ برنامج الطروحات الحكومية، وليس المساس بمخصصات الحماية الاجتماعية.

 بطء حكومي في تنفيذ اتفاق "الصندوق"

 ويلفت المتخصص الاقتصادي، إلى أن قرار وكالة "ستاندارد أند بورز"، تعديل النظرة المستقبلية من مستقرة إلى سلبية قبل أيام، يأتي لأسباب تتعلق بعدم إنجاز الحكومة لمطالب "الصندوق" خلال الفترة من "يناير (كانون الثاني) - مارس الماضي، وهي فترة قصيرة كما يرى، متوقعاً عدول وكالة التصنيف الائتمانية العالمية عن نظرتها قبل يوليو (تموز) المقبل، بمجرد قيام الحكومة المصرية بتنفيذ ما تعهد به رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، قبل يومين.