Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف يؤثر "غش السلع" في سمعة الاقتصاد المصري؟

التزوير والتقليد طاولا معظم القطاعات وزاد انتشارهما بفعل الأزمة المالية وسؤال الرقابة يلاحق الحكومة ومراقبون يطالبون بإقرار عقوبات رادعة

لم تنج اللحوم في مصر من ظاهرة الغش (رويترز)

أعادت مشاهد ضبط مصنعين غير مرخصين بإحدى محافظات دلتا مصر يقلدان علامة تجارية "شهيرة" لمنتجات الشاي والنسكافيه والـ"بيكنغ بودر"، واستخدام "بودرة بلاط السيراميك" و"الأسمنت الأبيض" في إنتاجها، بحسب ما أشيع، قضية "تزوير وغش" المنتجات في البلاد، فضلاً عن استخدام مواد خام "مجهولة المصدر" في عمليات التصنيع، إلى الواجهة مجدداً.

فأمام مشاهد لحوم الحمير والكلاب والأطعمة الفاسدة في مطاعم كبرى ومناطق شعبية، مروراً بغش المياه المعبأة والأدوية، إضافة لتزوير البضائع والمنتجات، أو تقليدها، والتي طاولت جميع القطاعات، حتى قطع غيار السيارات والأجهزة المنزلية والملابس، وفق توضيح رئيس قطاع التجارة الداخلية بوزارة التموين عبدالمنعم خليل في حديثه لنا، يئن الاقتصاد المصري من انتشار "السلع المزورة" في وقت يعاني فيه أزمة طاحنة وغلاء غير مسبوق في المعيشة وسط انخفاض كبير في سعر صرف العملة المحلية، فقد الجنيه نحو نصف قيمته منذ مارس (آذار) الماضي، وتزايد نسب التضخم.

وفي بلد يتجاوز فيه الاقتصاد الموازي "غير الرسمي" أكثر من نسبة 50 في المئة من الاقتصاد الكلي للبلاد، ويستورد معظم حاجاته من الخارج، فضلاً عن وصول نسب التضخم لأكثر من 24 في المئة، وزيادة أسعار السلع الغذائية بنسبة 37.9 في المئة، وفق الأرقام الرسمية الصادرة عن البنك المركزي المصري، تحاول "اندبندنت عربية" تقصي أضرار "غش وتزوير المنتجات" على سمعة البلاد الاقتصادية وأسباب اتساع انتشار الظاهرة في الفترة الأخيرة، أمام ما يعتبره المسؤولون محاولات مستمرة "لردع ومعاقبة" كل المخالفين عبر حملات ضبط متواصلة في جميع أنحاء الجمهورية.

حوادث قديمة متجددة

لم يكن "حوار النسكافيه" الذي تداوله المغردون بالنقد والسخرية والتهكم على مواقع التواصل الاجتماعي في مصر طوال الأيام الأخيرة، بعد تسريب فيديو كشف عن استخدام أحد المصانع غير المرخصة في محافظة الغربية (بدلتا مصر) بودرة السيراميك والأسمنت في إنتاجه، الأول من نوعه. فلطالما عانت البلاد عمليات غش السلع والمنتجات، وباتت مناطق جغرافية بعينها داخل الخريطة المصرية تشتهر بإنتاج السلع والمنتجات "المقلدة أو الأقل كلفة" عن نظيراتها المطروحة في الأسواق بشكل رسمي والمطابقة للمواصفات القياسية للبلاد.

وقبل أيام، تمكن مسؤولو وزارة التموين المصرية من ضبط مصنعين مخالفين لإنتاج الشاي والنسكافيه، وآخر لإنتاج الـ"بيكنغ بودر"، وإحالة القائمين عليهما إلى النيابة العامة والتحفظ على كميات ضخمة من المنتجات المقلدة التي كانت ستطرح في الأسواق، وتصل إلى ثلاثة أطنان مستلزمات إنتاج، و1900 عبوة شاي منتهية الصلاحية، إضافة إلى عبوات سلع مقلدة من نسكافيه وشاي، و12 ماكينة تعبئة وماكينتي تغليف.

تلك القضية أحيت معها مشاهد الغش المتكررة، لا سيما تلك التي تعلنها السلطات بصفة شبه دورية على صعيد ضبط الأطعمة الفاسدة، أو إغلاق مخازن ومطاعم تقدم لحوم الحمير والكلاب، وأحياناً البغال بديلاً من اللحوم الحمراء (الأبقار والجاموس). ووفق مراقبين ممن تحدثنا إليهم، فإن غش الأغذية يتزايد بشكل كبير، مع احتدام الأزمات الاقتصادية في البلاد وارتفاع أسعار المنتجات، أو تزامناً مع الأعياد والمناسبات الدينية، إذ يزداد استهلاك المصريين، لا سيما للحوم، خلال شهر رمضان أو الأعياد الدينية بالنسبة إلى المسلمين (عيدي الفطر والأضحى)، وبالنسبة إلى المسيحيين (عقب فترات صومهم وامتناعهم عن تناولها).

ومع ارتفاع نسب التضخم في البلاد، شهدت أسعار اللحوم الحمراء الطازجة، والأخرى المجمدة المستوردة من الخارج، قفزات متتالية، إذ بات يتراوح سعر الكيلوغرام الواحد من اللحم الطازج بين 200 جنيه (نحو 6.7 دولار أميركي) و280 جنيهاً (نحو 9.5 دولار أميركي)، وفق جولة لنا في الأسواق، في وقت لم يعد يتجاوز فيه الحد الأدنى للأجور حاجز الـ90 دولاراً شهرياً (2700 جنيه مصري).

ويرجع البعض لجوء التجار أو بعض المطاعم إلى لحوم الحمير والكلاب للرغبة في تحقيق التربح السريع، إذ يبلغ متوسط سعر الحمار الواحد (متوسط الوزن 225 كيلوغراماً) نحو خمسة آلاف جنيه (166.6 دولار).

وعلى رغم خلو القانون المصري من مواد صريحة تعاقب على الاتجار في لحوم الحمير والكلاب، فإنها محظور تداولها، وتقع جميع الوقائع التي يتم ضبطها في هذا الشأن تحت طائلة جريمة "الغش التجاري والشروع في بيع سلع غير صالحة للاستهلاك الآدمي".

ووفق إحصاء شهري للإدارة العامة لشرطة التموين والتجارة في أغسطس (آب) 2022 تم ضبط 266 قضية منتجات مغشوشة وسلع غذائية مجهولة المصدر من خلال حملات مكبرة لضبط جرائم الغش التجاري والصناعي والمصانع غير المرخصة لإنتاج السلع الغذائية غير الصالحة للاستهلاك الآدمي والمنتجات غير الغذائية المغشوشة وذات العلامات التجارية المقلدة.

 

وإضافة إلى قضايا الأطعمة الفاسدة أو المحظورة والمقلدة، كان لافتاً خلال ديسمبر (كانون الأول) الماضي انتشار ظاهرة "الأدوية المغشوشة"، وذلك بعد أيام من إعلان السلطات ضبط نحو 350 ألف عبوة وأقراص مواد مخدرة وأدوية مغشوشة في أحد المخازن، وضبط آخرين يقومون بتصنيع وتعبئة أدوية مخدرة غير مصرح بتداولها.

وفي نهاية العام الماضي، 2022، نوهت هيئة الدواء المصرية إلى مئات الأنواع من الأدوية المغشوشة عبر موقعها الرسمي، في الوقت الذي تم الإعلان فيه عن غلق أكثر من مكان بسبب بيع أدوية مغشوشة أو مهربة، خلال الفترة الأخيرة، وهي أزمة تبقى "قديمة متجددة في المجتمع المصري". كذلك كان من بين القضايا الصادمة التي شهدها المجتمع خلال السنوات الأخيرة، تلك التي تم الإعلان عنها من قبل وزارة التموين في أغسطس عام 2021، عندما ضبطت مصنعاً شهيراً لتعبئة "المياه المعدنية" يقوم بالغش والتدليس عبر تعبئة العبوات من مياه الصنابير العادية. وفي تلك القضية كان لافتاً، وفق ما أعلنه مسؤولو وزارة التموين المصرية حينها، أنه "تم اكتشاف توقف خطوط إنتاج المصنع بالكامل وعليها أتربة ولا تعمل، فيما تتم تعبئة العبوات من الحنفية (الصنبور)"، مشيرين إلى أن "هذه القضية تعد قضية غش تجاري كبرى لأنها تعكس تلاعباً بصحة المواطن المصري".

وفي حديث خاص إلينا أوضح رئيس قطاع التجارة الداخلية بوزارة التموين المصرية عبدالمنعم خليل أنه "لم يعد الغش مقتصراً على الأطعمة الفاسدة أو استخدام لحوم الحمير والكلاب في بعض المطاعم، بل أصبح يطاول معظم المنتجات مع انتشار ظاهرة مصانع (بير السلم) غير الخاضعة للرقابة والمحاسبة بشكل كبير". وتابع، "الغش وصل إلى حد قطع غيار السيارات وزيوتها، فضلاً عن الأدوات الكهربائية والمنزلية والملابس، وحتى مستحضرات التجميل والمنشطات الجنسية التي تشهد رواجاً في الأقاليم والمناطق الشعبية".

ومع تأكيد حرص السلطات والجهات المصرية المعنية لمكافحة غش المنتجات والسلع، فضلاً عن تلك التي لا تتطابق مع المواصفات القياسية المصرية، ذكر خليل أن مجابهة كل تلك المخالفات، أو ما يعرف بمصانع "بير السلم"، تتم عبر مجموعة من الطرق، من بينها حملات الضبط المفاجئة في إطار التنسيق بين مختلف الجهات المعنية، أو التحرك بناءً على تلقي شكاوى، وثالثة من خلال التحريات التي تتم على الأرض في الأسواق المصرية، أو تلك التي يرصدها المرصد الإعلامي التابع لرئاسة مجلس الوزراء، مشيراً إلى حرص الجهات المعنية على مواجهة جميع تلك "الجرائم" لحماية اقتصاد البلاد والاستثمارات المباشرة وغير المباشرة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وإجمالاً، خلال عام 2022، وفق الإحصاء السنوي لوزارة التموين في ديسمبر، فإن جهاز حماية المستهلك (حكومي) تلقى نحو 192 ألفاً و286 شكوى استهلاكية، مشيراً إلى أن الجهود الرقابية أسفرت عن تحرير 326 ألفاً و265 محضر مخالفات متنوعة من بداية عام 2022 من بينها 1747 محضر غش تجاري، و2970 محضر سلع منتهية الصلاحية، و6068 محضر سلع مجهولة المصدر، و5359 محضر عدم ترخيص، إضافة إلى 47 ألفاً و186 محضر مخالفات أخرى بالأسواق، و4299 مخالفة مواد بترولية، و6144 مخالفة تجار تموينيين.

ووفق خليل، "في الآونة الأخيرة تم ضبط كميات كبيرة من السلع الفاسدة أو المزورة وغير المطابقة للمواصفات"، مشيراً إلى تمكن وزارته من إعداد قاعدة بيانات جامعة للمنتجات والسلع في السوق المصرية للتعاطي مع الحالات المخالفة للقانون.

لماذا ينتشر "الغش" في مصر؟

في مقابل تأكيد المسؤولين للجهود المبذولة على المستويين التشريعي والتنفيذي لمواجهة "الغش والتزوير" والحد منه لحماية الصناعة المصرية والمستثمرين، تبدو الظاهرة "أعمق وأكثر تعقيداً"، ولا تزال تحتاج إلى مزيد من الرقابة والردع، وفق البعض، لمجابهتها، ضمن رؤية أوسع لاقتصاد البلاد.

وخلال حديثه لنا أوضح النائب حسن عمار عضو اللجنة الاقتصادية بمجلس النواب المصري أن انتشار الظاهرة يعكس بشكل لا لبس فيه "ضعف الرقابة على الأرض وتقصير الجهات المعنية، وهو أمر لا بد من تداركه"، قائلاً، "لا بد من التحرك الجاد في مواجهة ظاهرة تزايد مصانع (بير السلم) غير المرخصة، والتي تعمل في الخفاء بمنتجات غير مطابقة للمواصفات، وتشكل تهديداً بالغاً على صحة المواطنين والاقتصاد"، موضحاً "زادت خطورة الأمر مع قيام تلك المصانع (غير المرخصة) بتقليد علامات تجارية مسجلة لنكون أمام نوعين من المنتج ذاته بالأسواق، الأول أصلي، والآخر مضروب".

ووفق عمار، "تبيع مصانع (بير السلم) غير المرخصة منتجات مقلدة أو مغشوشة لتحقيق أرباح مضاعفة بكلفة إنتاج أقل ومصادر إنتاج غير معلومة المصدر، وهو ما يتسبب في أضرار كبيرة على المستهلك النهائي الذي يشتري منتجاً قليل الجودة، وكذلك صاحب العلامة الأصلي الذي يتاجر باسمه المتحايلون، ويؤثر بشكل سلبي في الصناعة والمستثمر"، معتبراً أن الحل يكمن في تغليظ العقوبة وتشديد الرقابة لمواجهة هذه الظاهرة.

لكن، وأمام انتشار الظاهرة، يبدو الأمر أكثر تعقيداً مما يتخيله البعض، إذ إنه بحسب رئيس سابق لأحد أجهزة المدن في دلتا مصر، خلال حديثه لنا، فإن "أزمة السلع المغشوشة والمزورة أو مجهولة المصدر هي أزمة مركبة ومتعددة الأوجه، ولا يمكن حلها من منظور واحد"، قائلاً "تمتلك الدولة عديداً من الأجهزة الرقابية المعنية بمواجهة الغش والتزوير في المنتجات والسلع، لكن أمام هذا التعدد الكبير نجد أن الظاهرة شهدت انتشاراً كبيراً، ولم يتم الحد منها بالقدر المطلوب".

ووفق المصدر، الذي فضل عدم ذكر اسمه، "هناك عديد من الأمور التي تقود في النهاية إلى تزايد مثل هذه الظاهرة من بينها ثقافة المواطن نفسه وميله إلى السلع رخيصة الثمن، وبيروقراطية أجهزة الدولة المعقدة أمام صغار المستثمرين، فضلاً عن الفساد المتشعب على المستويات المحلية والإقليمية بين موظفي الجهات الرقابية أنفسهم".

ويضيف، "بعيداً من المدن الكبرى الرئيسة في البلاد، لا تعمل الأجهزة الرقابية بالقدر ذاته من الكفاءة في مراقبة الأسواق والمنتجات، ويقود ضعف قدرات العاملين على مستويات الإدارات المحلية وضعف إمكاناتهم مع انتشار الفساد والمحسوبية فيما بينهم إلى توغل الظاهرة واختراقها الأسواق بصور غير مسبوقة".

ويشير أحدث تقرير أصدرته منظمة الشفافية الدولية المعني بمؤشر الفساد حول العالم، لعام 2022، والذي يصنف 180 دولة ومنطقة حول العالم من خلال المستويات المتصورة لفساد القطاع العام، إلى احتلال مصر المرتبة 130 عالمياً، مسجلة 30 درجة، بتراجع ثلاث درجات عن العام قبل الماضي.

ويتابع المصدر ذاته، "خلال فترة عملي على رأس أجهزة إحدى المدن المصرية، كان من النادر أن تنجح ضبطية في الوصول إلى المنتجات المغشوشة، ففي معظم المرات تصل معلومة التحضير للضبطية إلى صاحب المصنع أو المنفذ الذي توجد فيه السلع المغشوشة، ويقوم في نهاية الأمر بإخفائها لحين انتهاء الضبطية، ثم يعاود بيعها مرة أخرى وكأن شيئاً لم يحدث"، مشيراً إلى أن "من بين كل 100 ضبطية كنا نتمكن فقط من ضبط أقل من 10 حالات". وتابع، "الأوضاع المعيشية المحتدمة على المواطنين في الوقت الراهن تهيئ المناخ المناسب لانتشار مثل هذه السلع والمنتجات المغشوشة أو المزورة وغير الصالحة، فالكل يبحث عن تحقيق الربح أمام ارتفاع أسعار المنتجات المطابقة للمواصفات أو الصالحة للاستخدام".

 

إشكالية "فساد المحليات" أو "المحاباة والمحسوبية" في جانب الرقابة على الأسواق أكدها لنا صاحب منفذ تجاري يوزع السلع والمنتجات الغذائية على تجار التجزئة، قائلاً، "كثير من مسؤولي الضبط والرقابة يتم التعامل معهم عن طريق دفع المال، أو تزويده بشكل شخصي ببعض المنتجات، وعندها تنتهى الإشكالية"، مضيفاً، "بخلاف بعض المنتجات المغشوشة والمزورة يلجأ البعض في بعض الأحيان إلى شراء منتجات وسلع قبل أيام من انتهاء صلاحياتها بأسعار قليلة عن ثمنها الأصلي ونشرها في الأسواق لتحقيق مزيد من الربح بأن يكون ثمنها أقل من نظيرتها ذات الصلاحية الفعالة".

"سمعة" الاقتصاد

يجمع المعنيون بالأمر على مدى خطورة السلع والمنتجات "المغشوشة والمزورة" والمقلدة للماركات التجارية، أو غير الصالحة للاستخدام الآدمي، على المواطن بشكل خاص، والاقتصاد والاستثمار بشكل عام.

ويقول أستاذ الاقتصاد بالأكاديمية العربية للنقل البحري علي الإدريسي، "موضوع التزوير ومصانع (بير السلم) ليس بالجديد في مصر، لكن الأمر زاد مع التضخم وارتفاع كلفة الإنتاج"، مشيراً إلى أنه أمام ارتفاع الكلفة الاستثمارية وكلفة الاقتراض يزداد اعتماد المواطن على الاقتصاد الموازي (اقتصاد بير السلم)، بهدف الوصول إلى منتج رخيص نسبياً للمستهلك النهائي، بالتالي ظهور كثير من المنتجات في سوق غير مراقبة جيداً أو مطابقة للمواصفات القياسية"، مضيفاً في حديثه لنا، "هذا الوضع بالتأكيد يؤثر تأثيرات شديدة الخطورة في الاقتصاد الرسمي، وحتى المستهلك النهائي".

ويتابع الإدريسي، "مصانع (بير السلم) تقدم المنتج نفسه بمستويات أقل من السعر والجودة، وبجانب أهمية الرقابة لا بد من تقديم مزيد من الحوافز لتقنين وجذب المشروعات الصغيرة والمتوسطة إلى مظلة الاقتصاد الرسمي"، مشدداً على أن من بين الأسباب الكبيرة لانتشار الظاهرة ارتفاع نسب التضخم والأسعار وضعف الرقابة وارتفاع كلفة الاستثمار".

ووفق الإدريسي، فإن تجربة السوق المصرية على مدار عصرها الحديث تشير إلى أن "كثيراً من الشركات الصغيرة والناشئة دائماً ما تحاول تجنب تعقيدات البيروقراطية الإدارية، ومن ثم التحايل على القانون في محاولة للبعد عن الاحتكاك بأجهزة الدولة وموظفيها على المستويات المحلية ممن يلجأون إلى الجباية على أصحاب تلك المؤسسات، وذلك هرباً من زيادة الكلفة في النهاية"، موضحاً أن هذه الحالة "تقود في النهاية إلى منتجات وسلع غير مطابقة للمواصفات، وفي أحيان كثيرة مغشوشة أو مقلدة".

من جهته، يوضح أستاذ ورئيس قسم الاقتصاد بمدينة الثقافة والعلوم ماجد عبدالعظيم أن عدم تغليظ العقوبة والردع يساعد على انتشار تلك الظاهرة، قائلاً في حديثه لنا، إن "نشاطاً كهذا يضر بسمعة اقتصاد البلاد، ويثير مخاوف المستثمرين الأجانب في حالة الرغبة بدخول السوق المصرية".

ويتابع، "لم يقتصر التأثير فقط على اقتصاد الدولة وصورته، بل يمتد ليطاول موارد الدولة ذاتها واستنزاف أموال المواطنين في سلع ومنتجات أقل أمناً وأكثر خطورة على الصحة والبيئة"، معتبراً أن "مواصفات الجودة والرقابة والعقوبة مثلث الحل لهؤلاء المضرين بالاقتصاد المصري".

 

ويتفق مع هذا الاتجاه عضو اللجنة الاقتصادية بمجلس النواب المصري حسن عمار، قائلاً،  "يفقد الاقتصاد الرسمي في البلاد موارد كثيرة مع استمرار اتساع نشاط الاقتصاد الموازي، أو غير الرسمي، من حصيلة ضريبية إلى مدخلات إنتاج غير مطابقة للمواصفات تضر بالسوق، فضلاً عن استخدام تلك المنشآت مصادر طاقة مخصصة بأسعار مخفضة بالأساس للمنازل والمواطنين".

ويجرم القانون المصري منذ أربعينيات القرن الماضي التدليس والغش في جميع السلع، بما في ذلك أغذية الإنسان والحيوان والعقاقير والنباتات الطبية والأدوية والحاصلات الزراعية والمنتجات الطبيعية والصناعية. وينص القانون رقم 48 لسنة 1941 المعدل بالقانون رقم 281 لسنة 1994 على القواعد الخاصة بجريمة الغش التجاري والعقوبات المترتبة على ذلك بالقانون، "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة، وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه (نحو 166 دولاراً)، ولا تتجاوز 20 ألف جنيه (نحو 665 دولاراً)، أو ما يعادل قيمة السلعة موضوع الجريمة، أيهما أكبر، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من خدع أو شرع في أن يخدع المتعاقد معه بأية طريقة من الطرق".

المزيد من تقارير