Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أحجبة حول أعناق متحاربي السودان فهل يحسمها السحر؟

ظهرت في حرب دارفور 2003 ومما يعتقده الجنود أنها تسمح بمرور الطلقات عبر أجسادهم من دون أن تؤذيهم

يحيط جنود الحركات المسلحة أذرعهم وخصورهم بالأحجبة لجلب النصر (اندبندنت عربية- حسن حامد)

ملخص

ثقافة بعض أفراد #الحركات_المسلحة في #غرب_السودان ومنطقتي جبال النوبة والنيل الأزرق تعتمد في كثير من نشاطها على #التعاويذ

في ظل الحرب تبدو منظومة السلوك لدى المتقاتلين وإن كانت من قبل ضمن السلوك العادي الذي يميز أية قبيلة أو إثنية عن بعضهم بعضاً كظاهرة بحاجة إلى التحليل، بخاصة لو تجلت في شكل معتقدات شعبية وإذا كانت موغلة في الغيبيات. وعلى رغم تعايش بعض المجتمعات مع كثير من المعتقدات خصوصاً في دارفور وجبال النوبة وغيرها من الأقاليم البعيدة من مركز الدولة الحضري، والاعتقاد في أصول قوى هذه المعتقدات السحرية ومقدرتها على السيطرة على مر الزمان، إلا أن ظهور بعض أدوات هذه المعتقدات المكونة من كمية كبيرة من الأحجبة "التمائم" أخيراً في العاصمة الخرطوم أحدث دهشة كبرى.

ظهر ارتداء الحركات المسلحة في غرب السودان الأحجبة أثناء حرب دارفور منذ 2003، لكنها في ما يبدو راسخة عند المجموعات القبلية المتصارعة، إذ يرتديها المتحاربون لاعتقادهم أنها تقيهم من ويلات الحرب، ثم لفتت الأنظار مرة أخرى أثناء غزو "حركة العدل والمساواة" الخرطوم قادمة من دارفور عام 2008، وشوهد أفراد قواتها وهم يرتدونها حول أذرعهم. وتجددت مشاهدتها في حرب الخرطوم الأخيرة، مما أبرز التساؤل عن سر ارتباطها بالحركات في غرب السودان ومدى إيمان المجتمع هناك بها.

وهذا تحديداً ما لفتت إليه بعض الصور والفيديوهات التي يقال إنها التقطت أثناء دهم أحد مقار قوات الدعم السريع، إذ وجدت إحدى وحدات الجيش التي نفذت العملية كمية كبيرة من الأحجبة (التعاويذ)، وكتب عن السحر الأسود وغيرها. وفي ظل فيضان النشر الإعلامي، فإن صور هذه التمائم جابت فضاء وسائل التواصل الاجتماعي مع تعليقات وأسئلة عن مدى تحكم الأساطير والشعوذة في ظروف مثل هذه.

هناك مشاهدات وإشارات سابقة إلى أن ثقافة بعض أفراد الحركات المسلحة في غرب السودان ومنطقتي جبال النوبة والنيل الأزرق، هي "ثقافة أرواحية" تعتمد في كثير من نشاطها على التعاويذ من صميم الواقع المجتمعي، وشوهد بعض أفراد هذه الوحدات يرتدون هذه الأحجبة إما على أعناقهم أو أذرعهم وهو الشائع، ضمن الإيمان بالمعتقدات الشعبية في الحرب كعامل حسم في النزاع لصالحهم.

ثقافة الميليشيات

 تأثر إقليم غرب السودان وخصوصاً ولايات دارفور الخمس المتاخمة لليبيا من جهة الشمال الغربي وتشاد من جهة الغرب وأفريقيا الوسطى من جهة الجنوب الغربي، بالثقافة الشعبية لغرب أفريقيا أكثر من تأثرها بالثقافة العربية، وذلك في الملبس والثقافة الغذائية واللهجات المحلية وغيرها. وعلى رغم إرث الدين الإسلامي المتمثل في آخر ممالكها وهي "سلطنة الفور" (1603- 1916)، التي نشأت بموازاة "مملكة الفونج" (1504- 1820)، إلا أن الحركة الدينية سواء في الأصول العربية أو الإثنيات الزنجية، لم تستطع التخلص من بعض العادات الوثنية الوافدة، بل إن المنطقة أخرجتها من كونها سحراً واستعانة بالشياطين ومن الموروثات الوثنية الشركية في المنظور الإسلامي إلى مزجها بالعادات والتقاليد والتراث لتفريغها من بعض محتواها الديني.

 ومن تلك الممارسات القادمة من غرب أفريقيا ديانة "فودو" وهي مشتقة من كلمة "فون" الأفريقية التي تعني "روح" أو "إله" ونشأت في مملكة داهومي القديمة (نيجيريا وبنين وتوغو الحالية). وبدأت بشكل منظم من دعم الطبيعة للمجتمع الذي يوفر تجربة في ما يتعلق بالقوى الطبيعية والخارقة للكون. وازدهرت في تلك البيئة منذ 10 آلاف عام، بمزج معتقدات تلك المملكة بدياناتها الخاصة. ومن الممارسة الدينية بقصد التقرب إلى الإله المتجسد في الحيوانات أو البشر سواء أكانوا أحياء أم أمواتاً إلى اعتقاد أتباع هذه الديانة بقدرتهم على التواصل مع الأرواح، كما يستخدمون جماجم تلك الكائنات ومسحوق عظامها لأغراض شتى. وهنالك أماكن معينة يقصدونها بغرض جلب التعاويذ والأدوات ومكونات السحر مثل سوق "أكوديسيوا" في لومي عاصمة توغو لعلاج الأمراض البسيطة والمستعصية، وصولاً إلى اللجوء إليها لجلب النصر في المعارك والحماية من الرصاص والأسلحة، وكل ذلك بالاستعانة بالكهنة لتحضير هذه الجلسات والطقوس.

أما عند المسيحيين، خصوصاً الكاثوليك في المنطقة، فإن الثغرات التي تسرب منها الدمج بين ديانتهم وبين "الفودو" تتمثل في قصص تتضمن نزول الملائكة إلى الأرض وصنع المعجزات، فربطوا بين الملائكة وأرواح فودو.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

والأحجبة المعنية هي عبارة عن لفافات من جلد الحيوانات موصولة بخيط جلدي أيضاً يحيط بها الجنود أذرعهم وخصورهم، لاعتقادهم أنها تلعب دوراً حاسماً في نتيجة القتال، يرتدونها للحماية كما تجلب لهم النصر. والمحتوى المكتوب داخل اللفافة آيات من القرآن مكتوبة بطريقة معينة على حسب الغرض المراد بها، بشكل رأسي أو دائري أو معكوسة، مع إضافة بعض الطلاسم. وتدل الطلاسم على أن هذه التعاويذ كانت سابقة لظهور الإسلام في المنطقة وهي عبارة عن دمج الخرافات البدائية مع الديانات السماوية. ومما يعتقده الجنود أيضاً أنه حتى لو تعرضوا لإطلاق رصاص أو أي نوع من الأسلحة فإن هذه الأحجبة تسمح بمرور الطلقات عبر أجسادهم من دون أن تؤذيهم، ويمكن رؤيتها تمر من الاتجاه الآخر عبر منطقة شفافة. وينطبق الأمر على أنواع الأسلحة الأخرى إن كانت سيوفاً أو حراباً أو غيرها فيقولون إنها تخترق الجسد وتخرج من الجهة الأخرى من دون أن تحدث جرحاً صغيراً، وكذلك بغرض الحماية من الحريق والمخاطر الأخرى.

نظام سلطوي

 تميل "الأحجبة" إلى الثقافة المادية في عالم المعتقدات الشعبية وتحديداً مجال السحر. وعند الحركات والميليشيات المسلحة يمكن إدراك أنها ترتبط بالرغبة العارمة في السلطة والسيطرة وكيفية الحفاظ عليها أو كسب المعارك والنصر فيها. وعليه فيمكن النظر إليها كجزء من نظام سلطوي رغبوي أكثر منها ممارسة تقليدية بسيطة، لأن استخدامها ارتبط بالموقع الذي يتم تداولها فيه. وهذا الإيمان العميق بها ينطلق من كونها متأصلة في السياق الاجتماعي كسلوك ضمن سلسلة متصلة، لتستمد منه فاعليتها.

وبغض النظر عن كيفية عمل الأحجبة فإذا تحقق النصر لمرتديها، فإنه ينسب لها وإن لم يتحقق فإنه يبرر بأشياء أخرى بعيدة منها. والدليل على أن هذه "الأحجبة" تجيء في إطار السياق الاجتماعي، هو أنه باختلاف الديانات بين مجتمع غرب أفريقيا وغرب السودان، فإن الثقافة الاجتماعية هي التي شكلت هذه التقاليد بجوهرها السحري، كما أن هذا البعد طغى من جانب آخر وظهر أيضاً عند بعض شيوخ الطرق الصوفية وأثر في التدين نفسه.

عقيدة قتالية

تخدم هذه المعتقدات العقيدة القتالية لدى الميليشيات والحركات المسلحة الأفريقية. وبتفحص نوعية الأداء العسكري للحركات المسلحة نجده يتسم بشدة الاندفاع القتالي واتساعه ودمويته، وربما تحقيقه لتقدم يقترب من تقدم خصمه من دون خطط واضحة، بل ربما بعشوائية واضحة تتجسد في إشعال الحريق على الكل.

وعن نهج الحركات المسلحة في الأحداث القريبة مثلما هي في حرب دارفور، نجد أن العقيدة القتالية للقوات تتميز بدمجها لمكونات حربية قديمة وتطويرها لتراث الاعتقاد بما يمكن أن تحققه بواسطة تلك "الأحجبة"، لذلك ارتكزت على حرب العصابات التقليدية والمعروفة في تاريخ الحروب بضمانة جلبها للنصر.

ويمكن هنا ربط العقيدة القتالية بظاهرة اجتماعية كانت منتشرة في بوادي غرب السودان خصوصاً عند القبائل العربية وهي ظاهرة "الهمبتة" وتعني نهب وسلب الإبل، وظهرت في أعقاب الحروب التي كانت تنشب بين القبائل في أواخر عهد السلطنة الزرقاء، حيث كان الغائر على إبل غيره لا يتحلى بالشجاعة وامتلاك أدوات الحرب التي تؤهله للقيام بمهمته وإنما يعتمد على التأثير المعنوي المتمثل في نظم الشعر.

وعلى رغم محاولات إضفاء بعض السمات المميزة على "الهمبتة"، مثل أن ممارسيها كرماء وفرسان، إلا أن بعض الباحثين أكدوا ظهورها على إثر ضعف السلطة المركزية في أواخر عهد السلطنة الزرقاء، وتفشت بين المجتمعات التي يغيب فيها الوازع الديني، وتلك التي بينها وبين غيرها مشكلات قبلية، مما يعني أن الظاهرة نمت في ظروف غير صحية، واستأثرت بها الحركات المسلحة بعد أن كانت حكراً على القبائل البدوية، كما استأثرت الحرب بالمعتقدات الشعبية المادية والأرواحية.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير