ملخص
بدأت الأزمة بسلسلة من الإخفاقات في #بنوك_أميركية وأوروبية عدة دفعت الحكومات والبنوك المركزية للتدخل لحماية المودعين
حذر محللون ومتخصصون اقتصاديون من تصاعد مخاوف من دخول الاقتصاد العالمي في ركود طويل يسبق أزمة مالية محتملة بسبب الأزمات المتجددة منذ جائحة كورونا في 2020، مروراً بالتداعيات المصاحبة للحرب الروسية - الأوكرانية التي دخلت عامها الثاني، ووصولاً إلى انهيارات بعض البنوك في أميركا وأوروبا.
وبدأت الأزمة بسلسلة من الإخفاقات ببنوك أميركية وأوروبية عدة دفعت الحكومات والبنوك المركزية للتدخل لحماية المودعين وتفادي حدوث أزمة مالية جديدة، ولكن هل يمكن القول إن تلك أزمة مصرفية عابرة أم إنها عميقة وتنذر بأزمة مالية عالمية مثيلة لأزمة 2008؟
يرى المحللون في تصريحات لـ"اندبندنت عربية" أن البنوك المركزية الكبرى في مهمة صعبة للسيطرة على ارتفاع معدلات التضخم عبر سياسات التشديد النقدي ورفع الفائدة، في الوقت نفسه أدت هذه السياسات إلى تزايد الأعباء على الاقتصاد العالمية وارتفاع كلفة الديون، وانهيار عدد من البنوك.
ووفق تقرير حديث للبنك الدولي، فإن هناك اتجاهاً مثيراً للقلق يتمثل في أن نحو جميع القوى الاقتصادية التي كانت تشكل القوة الدافعة للتقدم والرخاء على مدى العقود الثلاثة الماضية آخذة في التلاشى. ونتيجة لذلك، من المتوقع أن ينخفض متوسط النمو العالمي المحتمل لإجمالي الناتج المحلي بين عامي 2022 و2030 نحو الثلث مقابل المعدل الذي كان سائداً في العقد الأول من هذا القرن ليصل إلى 2.2 في المئة سنوياً.
وبالنسبة إلى الاقتصادات النامية، أوضح البنك الدولي أن الانخفاض سيكون حاداً بنفس القدر من 6 في المئة سنوياً بين عامي 2000 و2010 إلى 4 في المئة سنوياً خلال الفترة المتبقية من هذا العقد. وسيكون هذا التراجع أشد حدة في حالة حدوث أزمة مالية عالمية أو ركود اقتصادي.
أزمة في بدايتها
من جهته قال المحلل الاقتصادي على حمودي إن العالم يعيش بالفعل أزمة في بداياتها نتيجة رفع الفائدة، الذي لجأت إليه البنوك المركزية الكبرى، من أجل كبح جماح التضخم المستمر، الناتج من ارتفاع أسعار الطاقة، لكن قدرة البنوك المركزية على كبح التضخم تبدو محدودة حتى الآن.
وأضاف حمودي أن الاقتصادات الرئيسة في العالم تكافح تضخماً مرتفعاً للغاية وأزمة كلفة المعيشة، مضيفاً أن كبح جماح التضخم عملية مؤلمة، وفي معظم الحالات يؤدي إلى تباطؤ اقتصادي. ومع ذلك فهي مهمة حيوية للبنوك المركزية لأن الأسعار المرتفعة تؤثر في الفقراء أكثر من غيرهم.
وأضاف حمودي أن "الأخبار السارة إلى حد ما قد تظهر في أوروبا التي واجهت الحرب الروسية - الأوكرانية وما نتج منها من نقص في الطاقة، واستطاعت أن تتجاوز الأزمة"، مشيراً إلى أن معظم البنوك المركزية في البلدان المتقدمة تستهدف تضخم أسعار المستهلكين بالقرب من اثنين في المئة، فيما تهدف إلى إبقاء الأسعار تحت السيطرة عبر إدارة مقدار المال والائتمان المتاح في الاقتصاد".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وذكر حمودي أن معدل الفائدة الذي يقرضونه للبنوك الأخرى هو الأداة الأكثر أهمية، وتسمح المعدلات المنخفضة للشركات والأفراد باقتراض مزيد من البنوك، وهذا بدوره يقود الأنشطة الاقتصادية.
وتابع "الركود المعتدل والقصير هو أكثر ما يمكن أن نأمله في الوقت الحالي، ولكن حتى لو تمكن العالم من تجنب الركود في عام 2023، فإن التباطؤ الاقتصادي الحاد سيضر بملايين العاملين على مستوى العالم، وفقاً لخبراء اقتصاديين، كما أن الإجراءات التي اتخذتها الدول الأوروبية لن تؤدي إلا إلى تخفيف الضربة على مواطنيها، ولن تحميهم بالكامل".
تدهور الاقتصاد العالمي
وفي هذا الصدد، قال رئيس الباحثين بمؤسسة "سنشري فاينانشال" أرون ليزلي جون إن النمو الاقتصادي الإجمالي العالمي ظل قوياً في الربع الثالث والربع الرابع من العام الماضي، لافتاً إلى أن هناك توقعات متزايدة بتدهور في المناخ الاقتصادي خلال العام الحالي.
وأوضح ليزلي أن الاقتصادات الأميركية والأوروبية تشهد بالفعل تسريحاً هائلاً للعمال في القطاعين التكنولوجي والمالي. وأكد أن الأزمة المصرفية الأخيرة في الولايات المتحدة وأوروبا أدت إلى خلق شعور هائل بالذعر بين المشاركين في السوق.
وكشفت دراسة جديدة للبنك الدولي، أخيراً، عن أن العالم قد يتجه نحو ركود اقتصادي في هذا العام. ويأتي ذلك وسط ارتفاع حاد في أسعار الفائدة من قبل كبار محافظي البنوك المركزية، بما في ذلك بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي والبنك المركزي الأوروبي وبنك إنجلترا.
ووفقاً لتوقعات صندوق النقد الدولي الحالية، من المتوقع أن ينخفض النمو العالمي إلى أقل من ثلاثة في المئة هذا العام، أي أقل من رقم النمو البالغ 3.4 في المئة لعام 2022.
في حين من المتوقع أن تسجل الاقتصادات الناشئة الرئيسة مثل الصين والهند أرقاماً جيدة للنمو. ويرى "ليزلي"، أن عامل العولمة يشير إلى تسرب أوسع لضعف السوق المتقدمة إلى الدول الأخرى ذات النمو المرتفع، لذا سيولي المشاركون في السوق والاقتصاديون اهتماماً كاملاً إذا كنا سندخل في سيناريو الركود.
ولفت جون إلى أنه على رغم تباطؤ التضخم في الولايات المتحدة، فإن التضخم الإجمالي في الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة لا يزال مرتفعاً ويرجع ذلك في المقام الأول إلى ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة.
وفي الولايات المتحدة، لا يزال تضخم قطاع الخدمات بالقرب من 5 في المئة، وهو رقم ربما لن يكون بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي مرتاحاً له، مرجحاً أن تشير مستويات التضخم المرتفعة إلى مسار ونبرة أكثر تشدداً من قبل محافظي البنوك المركزية، بالتالي إلى حدوث أزمة وشيكة وركود عالمي.
ووفقاً للتقارير الأخيرة الصادرة عن المنتدى الاقتصادي العالمي، شهد ثلثا اقتصادات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية انخفاضاً في أسعار المساكن في الربع الأخير.
مهمة مزدوجة
بدوره أكد المحلل الاقتصادي محمد مهدي أن البنوك المركزية العالمية تواجه حالياً مهمة مزدوجة تتمثل في استعادة استقرار الأسعار مع منع حدوث أزمة مالية كاملة في الصناعة المصرفية، موضحاً أن الزيادة المطردة في أسعار الفائدة والبيئة المالية الضيقة وظروف الائتمان المحفوفة بالمخاطر تشير إلى ركود وشيك.
ولفت مهدي إلى أن الاضطرابات في الصناعة المصرفية أدت إلى زيادة مخاطر الانكماش العالمي، مشيراً إلى أن ضغط الإقراض في الولايات المتحدة قد يمتد إلى بقية العالم.
وأضاف أن احتمالية حدوث أزمة مالية يتوقف إلى حد ما على كيفية استجابة صناع السياسات، ويجب أن تكون البنوك المركزية الآن أفضل في التعامل مع خطر العدوى.
مقدمة ركود
ويؤكد المحلل الاقتصادي محمود عطا أن إجهاد القطاع المصرفي وظهور أزمة فيه بهذا الحجم ينظر إلى بطبيعته على أنه مقدمة لركود عالمي. وأشار إلى أن البنوك تخلق الأموال عندما تقدم قروضاً، وهي ضرورية لضمان تدفق مستدام للائتمان إلى الاقتصاد الحقيقي. وأشار إلى أنه خلال فترات التوتر، تشدد البنوك معايير الإقراض الخاصة بها وتركز على توزيع الموارد ورأس المال من أجل تعزيز ميزانيتها العمومية، ومع جفاف تدفق الائتمان ينخفض النمو الاقتصادي، ويتبع ذلك ركود.