Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إسلاميو السودان يشهرون سلاح التهديدات لإثبات الوجود

ينطلقون في حركتهم السياسية من التأمين على مخاطبة الجيش والاستخفاف بالقوى السياسية الأخرى

ينشط الإسلاميون في عقد اللقاءات الجماهيرية التي تشهد حشداً لأنصار النظام السابق (اندبندنت عربية - حسن حامد)

ملخص

ينبغي على العسكريين تبرئة ساحتهم من موالاة #الإسلاميين ، إذ يُتهم #الجيش بالتواطؤ لإعادة هؤلاء إلى السلطة في #السودان

اهتمت الأوساط السودانية بالخلاف الشديد بين التيار الإسلامي والقوى السياسية على خلفية مطالبات بإطلاق سراح الرئيس السابق عمر البشير وأعضاء النظام السابق، بل وصل الأمر إلى تهديدات وجهها بعضهم للقوى السياسية الحالية، وجدل حول الأحقية في قيادة الفترة الانتقالية، منددين بأن جميع الأحزاب السياسية والحركات المسلحة شاركت النظام السابق في حكومة الوفاق الوطني، بالتالي هي مسؤولة مثله عن أخطاء 30 عاماً خلال حكم النظام السابق.

والخلافات بين الإسلاميين أنفسهم قديمة، وأحدثها والأكثر استمراراً بينها هي الخلافات بين حزب "المؤتمر الوطني"، و"المؤتمر الشعبي" الذي تحول إلى المعارضة بعد سجن زعيمه حسن الترابي وانفراد البشير بالحكم بالتعاون مع تلاميذ الترابي السابقين، ثم تطور الخلاف بعد المفاصلة الشهيرة في عام 1999 وتأسيس حزب "المؤتمر الشعبي" ليمارس المعارضة العلنية للنظام.

وبعد ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2018، حاول "المؤتمر الشعبي" الاندماج ضمن "قوى الحرية والتغيير"، وكانت مشاركاته وأنشطته السياسية متأرجحة بين محاولات تكوين تحالف إسلامي يحتوي كل التيارات الإسلامية بما فيها حزب "المؤتمر الوطني"، مستفيداً من ضعفه وتشتت قادته في السجون، وما بين التبرؤ من الحزب الحاكم السابق حتى يتسنى له الانفراد بالواجهة الإسلامية الحديثة. ويكفل له هذا الخيار الأخير المواءمة مع بقية القوى السياسية. وكعربون يقدمه إليها، اتهم "المؤتمر الشعبي" أخيراً "المؤتمر الوطني" بقيادة عمل مضاد لتعطيل العملية السياسية بالبلاد. وقال "هناك عمل مضاد يسير لتعطيل العملية السياسية من جهات عدة بقيادة المؤتمر الوطني".

تعميق الاستبداد

وعلى رغم أن "الاتفاق الإطاري" يحاول إنهاء الوقيعة بين المدنيين والعسكر، إلا أن ظهور إسلاميين شغلوا مواقع تنفيذية في النظام السابق فسر بأنه قد يعني استمرار مضاعفة مشروع تعميق الاستبداد العسكري الذي يمكن أن يستعيد المشروع الأيديولوجي للإسلاميين.

ويمكن النظر إلى أن أهداف رئيس مجلس السيادة، الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان ونائبه الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي) هي أهداف وجودية، ومع توصلهما إلى نوع من التسوية مع المدنيين، فإنهما يخدمان ذلك أكثر ولكن يظل هدف إبعاد الإسلاميين هو التوجه الثابت لدى المدنيين، مع التردد فيه عند العسكر.

وعودة الإسلاميين تحفها تهديدات مباشرة وغير مباشرة، وجهوها إلى جميع القوى السياسية وفي مقدمهم "قوى إعلان الحرية والتغيير". وقال "تجمع المهنيين السودانيين"، إن حزب المؤتمر الوطني ينشط في عقد اجتماعات سرية لإعادة تنظيم صفوفه.

استمالة الجيش

ثمة مسألة مثارة هنا وهي أن تحركات الإسلاميين بينما تجاهر بعدائها لـ"قوى الحرية والتغيير"، فإنها تحاول استعطاف الجيش واستمالته إلى صفها حتى يتيح لها حرية التحرك وعقد اللقاءات الجماهيرية التي يركزون عليها، مستغلين فرصة الاستياء الشعبي من سوء الأوضاع الاقتصادية والخلافات بين السياسيين.

بيد أن لدى حركة الأخوان دائماً خطة بديلة، وهي ترك تنفيذ الاتفاق الإطاري يتم بالكامل، لتجد فرصة الدخول في المنافسة الانتخابية عبر أية واجهة سياسية، وإذا كان الجيش ينوي مساءلة أي جانب، فستدخل الأجهزة العسكرية في صراع دام قد ينسف عملية التحول الديمقراطي، أو أن تستنسخ التجربة المصرية أوان حكم مرسي.


رمزية دينية

تعتبر حال ظهور التيار الإسلامي مؤشراً على إحساس عناصره بالأمان، بحيث لا يمكن وضعه رهينة الخلاف السياسي الدائم، ولمواجهة هذا التحدي ينبغي على العسكر تبرئة ساحته من موالاة الإسلاميين، إذ إنه من ضمن الاتهامات الموجهة لهم، أن هناك جهات متواطئة مع المكون العسكري هدفها إعادة الإسلاميين إلى السلطة. وربما كانت مناسبة إفطار رمضان السنوي كاشفة، إذ سلطت الضوء على التوتر الشديد في علاقات القوى السياسية مع العسكر.

من ناحية أخرى يرى بعضهم أن الحفاظ على حال الوفاق المحدودة، يتطلب اتخاذ إجراءات منسقة للتحالف ضد الإسلاميين، لأن مجرد ظهورهم أحدث انقساماً متصاعداً، جعل التنسيق للفترة المقبلة أكثر صعوبة من ذي قبل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وهذا التوتر ليس غير مسبوق تماماً، ففي مثل هذا الوقت في رمضان من كل عام، في مرحلة بعد سقوط نظام البشير، تقيم حركة الأخوان في السودان، إفطارات جماعية منذ بداية الشهر وتبلغ ذروتها لتعم بعض مدن البلاد في ليلة الـ17 من رمضان متوافقة مع ذكرى معركة بدر الكبرى. ويأتي ذلك في مقام الحرص على رمزية دينية ارتبطت بها أدبيات الحركة، وحاولت محاكاتها في معاركها في جنوب السودان وهو ما رجح فرضية أنها حرب دينية أكثر منها حرباً سياسية عسكرية.

وأقام الإسلاميون إفطار رمضان السنوي الذي درجوا على إقامته كل عام في منزل زعيم الحركة الإسلامية حسن الترابي، وهو عبارة عن منتدى سياسي تمت فيه مناقشة الوضع الراهن. وبالتزامن معه، عقدت لقاءات إسلاميين في إفطارات أخرى في أقاليم مختلفة، نادت بإطلاق سراح قيادات النظام السابق، وانتقدت حكومة الثورة ونعتتها بالفشل وحملتها مسؤولية تردي الأحوال السياسية والاقتصادية والأمنية.

وينطلق الإسلاميون في هذه التحركات وإعادة الروح إلى نشاطهم السياسي من التأمين على مخاطبة الجيش، واستخفافاً بالقوى السياسية الأخرى، وهو تكتيك نجح في فترة "الديمقراطية الثانية" التي تسلم بعدها الإسلاميون الحكم بواسطة انقلاب البشير، ولكن هل سينجح هذه المرة أيضاً؟ أم أن مجرد إثبات الوجود هو رضاً من الغنيمة بالإياب؟

مرجعية أساسية

في أبريل (نيسان) من العام الماضي وقعت جماعات وأحزاب إسلامية سودانية على تأسيس "التيار الإسلامي العريض"، أبرزها "الحركة الإسلامية السودانية" وهي المرجعية والحاضنة الأساسية لحزب "المؤتمر الوطني" والضامنة لإثبات وجود الحزب بالتوقيع عنه في ظل حظره، وحزب "الإصلاح الآن"، وحزب "دولة القانون والتنمية"، وحركة "المستقبل للإصلاح والتنمية"، بينما تخلف عن التوقيع حزب "المؤتمر الشعبي". واتفقت هذه الجماعات على الاندماج الكامل لكل التيارات الإسلامية تحت قيادة واحدة، لتحقيق هدف "الحاكمية لله".

وينطلق هدف "الحاكمية لله" في وجه التوجه نحو حكومة مدنية، كما عبر عنها بيان تأسيس التيار وتصريح قادته هو "إقامة مراجعات لتقديم تجربة إسلامية مستقبلية تصحح الأخطاء وتخطط للمستقبل وتساعد في التوحد، وترسيخ فقه الاختلاف من دون أن يؤدي إلى انشقاق أو شرخ في التنظيم". ثم "يتم الاتفاق بعد كتابة ميثاق ودستور متفق عليه وتكوين أجهزة متفق عليها تتولى مهمة بناء القاعدة، وتشرف على البناء الهيكلي الجديد، وتنصب القيادات العليا وفق خطة مرسومة وموسومة ومتفق عليها".

نجد أنه مرة أخرى ينحو الإسلاميون إلى تبني مشروع فكري واستغلاله بكثير من الغلو والتطرف لتحقيق أهدافهم السياسية. فالزج بمفهوم "الحاكمية" الذي رفعه الخوارج كشعار، ثم مروره بتيارات إسلامية عدة، وصولاً إلى نظرة أبو الأعلى المودودي ومن بعده سيد قطب إلى هذا المفهوم واتخاذه من قبل التيار الإسلامي في السودان منهجاً لمشروعهم القريب المقبل بتكفير من ارتضى التحكيم البشري في قضية سياسية، وتجاهل الوسطية الإسلامية منهج غالب أهل السودان، ينذر بإعادة الجدل الأيديولوجي مرادفاً للجدل السياسي، وصاباً الزيت على نار الخلافات القائمة والاضطراب السياسي منذ قيام الثورة مروراً بتعثر الفترة الانتقالية، وحتى قيام الانتخابات.

أما المنهج السائد لدى الإسلاميين في ظل التنافس السياسي المحتدم، فهو بالتأثير في الانحيازات الإدراكية لدى المجتمع السوداني لتأسيس نمط استقطاب يعتمد على المعتقدات. وفي هذه الفترة الحرجة وغير المستقرة لا يبدو أن المجتمع مهيأ لتقييم موضوعي ينتهي باختيار توجه حقيقي في ظل تجاذبات سياسية وأيديولوجية بين نمطين متضادين يميني أصولي يتمثل في الإسلام السياسي، ويساري راديكالي ثوري يتمثل في الحزب الشيوعي، وما بينهما أحزاب طائفية أو وليدة إسقاطات سياسية من اليمين أو اليسار.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل