Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الاتفاق الإطاري السوداني... ثمة من في فمه ماء

لن تنجو القوى الثورية التي ما زالت منقسمة على نفسها من مصير كارثي نتيجة لتحالف مكونات الثورة المضادة

متظاهرون سودانيون ينظمون مسيرة في مدينة أم درمان (أ ف ب)

ملخص

على مجموعات #لجان_المقاومة أن لا تنسى أبداً أن هناك تحالفاً ثورياً موضوعياً يجمعها في الرؤية والمصير مع #الحرية_والتغيير (المركزي) وقوى الانتقال

في ظل الانقسام العمودي لقوى الثورة السودانية، وعدم قدرة أطراف منها على استبصار رؤية صحيحة لخريطة الصراع السياسي ضد قوى الثورة المضادة (وهو انقسام يعتبر عرضاً لمرض بنيوي ناشئ من إشكالات تتصل بعجز القوى السياسية عن رؤية المصلحة الوطنية كسقف مشترك لموقف سياسي موحد يمنع ذلك الانقسام)، نتصور أن هناك ردود فعل محتملة وقد تكون خطرة على مستقبل الوضع السياسي الذي يتوجه إليه الاتفاق النهائي، بعد أن اقترب وقت التوقيع عليه مطلع أبريل (نيسان) المقبل، في ما لم توقع حتى الآن تلك القوى التي نحذر من ردود فعلها (تحالف الكتلة الديمقراطية) ضمن مؤشرات قد لا تكون أبداً مطمئنة إذا ما استصحبنا تصريحات رسمية مقلقة لقائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان، مررها في ختام كلمته بورشة الإصلاح الأمني والعسكري التي انعقدت يوم السبت الماضي.

ونتصور أن تصريحات قائد الجيش التي انطوت على عبارات مقلقة وغير مطمئنة حيال مستقبل تنفيذ الاتفاق النهائي، قد تكون، من ناحية ثانية، إشارة واضحة لقادة تحالف "الكتلة الديمقراطية" في المضي قدماً بالاستمرار على رفض التوقيع على الاتفاق النهائي، الأمر الذي سيضعنا أمام احتمال لتنفيذ وعود خطرة من طرف تحالف "الكتلة الديمقراطية" كردود فعل على تنفيذ الاتفاق الإطاري، وهي ردود وعد بها بعض قادة الكتلة الديمقراطية كمنى مناوي، قائد حركة جيش تحرير السودان وحاكم إقليم دارفور، الذي صرح للإعلام أكثر من مرة بأن تنفيذ هذا الاتفاق (يقصد الاتفاق الإطاري) سيكون "على جثثنا"، وهو تصريح أكثر من واضح حيال طبيعة الرفض والعنف الذي يمكن أن يصل إليه تحالف "الكتلة الديمقراطية" في ردود فعله على تنفيذ بنود الاتفاق السياسي النهائي.

لقد قال البرهان بوضوح خلال كلمته في ورشة الإصلاح الأمني والعسكري (وكانت آخر الورش الخمسة التي أقرتها أطراف القوى السياسية الموقعة على الاتفاق الإطاري قبل التوقيع النهائي عليه في أبريل، "نريد أن نؤكد لأية سلطة مدنية قادمة أن القوات المسلحة ستكون تحت إمرتها، لكن هذه السلطة المدنية يجب أن تكون منتخبة بأمر الشعب حتى لا نزج مرة أخرى بالقوات المسلحة في أتون التنافس والصراع السياسي".

فإذا عرف الجميع أن الحكومة المدنية التي تم الاتفاق على تشكيلها يوم 11 أبريل المقبل، هي بطبيعة الحال حكومة غير منتخبة (لكن يمكن أن يطلق عليها حكومة أمر واقع وتفويض من جميع القوى السياسية والعسكرية الموقعة على الاتفاق الإطاري، ما عدا "الكتلة الديمقراطية" التي رفضت التوقيع لأسباب واهية)، فماذا سيعني هذا وفق تصريح البرهان الواضح بأن الجيش سيخضع فقط لإمرة حكومة مدنية منتخبة من طرف الشعب؟ وكيف سنفهم أي تعاون ممكن لقائد الجيش والقوات المسلحة مع الحكومة المدنية المقبلة، وهي حكومة غير منتخبة بطبيعة الحال؟ وهل سيعني هذا أن الجيش ستكون له استقلاليته، من ناحية، واستحقاقاً للتدخل في إدارة السياسة مع الحكومة المقبلة، طالما أنها حكومة غير منتخبة؟

إشارات البرهان

نتصور أن هذا التصريح المقلق للبرهان سيكون له ما بعده، وأنه تصريح لا يخلو أبداً من إشارات يمكن أن نفهم في ضوئها كثيراً من تصريحات ومواقف حلفاء البرهان السابقين من "الكتلة الديمقراطية" التي لا تزال خارج الاتفاق الإطاري، والتي ردد بعض قادتها تصريحات خطرة عبرت عما يمكن أن تكون عليه ردود فعلهم على تنفيذ الاتفاق، لا سيما أن من ضمن تحالف "الكتلة الديمقراطية" الكيان المسمى بـ"المجلس الأعلى لنظارات البجا"، الذي يرأسه الناظر ترك، نائب رئيس الكتلة الديمقراطية، وهو المجلس الذي كان له الدور الأكبر في إطاحة حكومة الثورة والتمهيد لانقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021 عبر إغلاق موانئ وطرق ومرافق قومية في شرق السودان بإيعاز من العسكر.

وغير بعيد من هذا ما طالعناه في صفحة على "فيسبوك" لفضائية إخبارية من تصريحات لبعض أتباع "الكتلة الديمقراطية" في شرق السودان لإعلان حكومة إقليمية خاصة بأهل الشرق في سياق التسخين الذي تلوح به "الكتلة الديمقراطية" حيال ما يمكن فعله حال المضي قدماً في تنفيذ بنود الاتفاق النهائي، فهذه المرة سيكون شرق السودان كالعادة هو الساحة المثالية لاستعراض ردود فعل "الكتلة الديمقراطية" التي نجح تحالفها هذه المرة في الجمع بين كل من الناظر ترك، رئيس المجلس الأعلى لنظارات البجا، والأمين داؤود، رئيس الجبهة الشعبية المتحدة للتحرير والعدالة (وكلا الرجلين من اثنية البجا في شرق السودان) على رغم ما كان بينهما من خلاف سالت بسببه دماء بريئة خلال أحداث الفتنة التي دبرتها اللجنة الأمنية في المركز، وجرت وقائعها في شرق السودان وغربه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كل هذه المؤشرات في تقديرنا تعكس اقتراناً شرطياً يدل على تحالف خفي ما بين بعض مكونات العسكر وبين قادة "الكتلة الديمقراطية"، وقد يتم التحضير له لمواجهة اتفاق العملية السياسية في سياق نخشى القول إنه سياق خطر تسعى الثورة المضادة بقيادة عناصر نظام الإخوان المسلمين إلى التحكم في توجيهه والسيطرة عليه.

لا نظن، في ظل تصريحات البرهان المقلقة، إمكانية لالتحاق "الكتلة الديمقراطية" بالتوقيع على الاتفاق النهائي (على رغم أننا نتمنى ذلك حتى في اللحظات الأخيرة).

وفي ظل هذا الرفض، الذي لا يبدو أنه سيكون رفضاً سلمياً وديمقراطياً، لردود فعل "الكتلة الديمقراطية" على تنفيذ بنود الاتفاق السياسي، فإن ما يخشاه بعض المراقبين للوضع السياسي ينطوي على سيناريوات خطرة في أساليب الاعتراض على تنفيذ الاتفاق السياسي، الأمر الذي سيمنح كوادر الثورة المضادة إمكانية لتحالف موضوعي مع "الكتلة الديمقراطية" وعناصر فاعلة داخل الجيش (وهو ما ألمحنا إليه في أكثر من مقال)، مما سيضع البلاد أمام توترات خطيرة قد تفضي إلى انقلاب جديد بحجة عدم إجماع القوى السياسية على حل جامع، ومن ثم التلويح بسيناريو الانتخابات المبكرة، وهذا السيناريو الخطر لن يمضي بالضرورة بحسب ما تخطط له هذه المكونات، وإنما قد تتفاعل تداعياته على نحو قد يفجر الوضع السياسي برمته، خصوصاً في ظل الخلاف بين الجيش والدعم السريع في الموقف من الاتفاق السياسي.

إنتاج الخراب

هذا السيناريو المحتمل يدل تماماً على أن البنية السياسية التي طاولها الخراب على مدى 30 عاماً من سياسات الإفساد في ظل حكم نظام الإخوان المسلمين، لا تزال حتى اليوم تشتغل بكفاءة في إنتاج الخراب وتستجيب للاستثمار في تناقضاتها، خصوصاً من طرف النظام الإخواني الذي كرسها على ذلك النحو المفخخ والخطير، لكن ما يغفل عنه كثيرون هو أن المضي في تجريب المجرب والسير قدماً في طريق الخراب سيكون بمثابة انتحار سياسي أخير لنظام الإخوان المسلمين الذين يحلمون، هم والعسكر، بعودة مستحيلة إلى السلطة.

ما سيقطع الطريق على مثل هذا السيناريو المحتمل للفوضى هو فقط وحدة قوى الثورة السودانية التي لا تزال للأسف تعاني انقساماً عمودياً نتيجة لرؤى أيديولوجية مانعة من استبصار خريطة صحيحة لعمل ثوري يملك القدرة على قلب الطاولة على كل سيناريوهات الفوضى المحتملة من قبل عناصر نظام الإخوان المسلمين ومن يتحالف معهم موضوعياً في "الكتلة الديمقراطية".

على مجموعات لجان المقاومة جميعاً أن لا تنسى أبداً أن هناك تحالفاً ثورياً موضوعياً يجمعها في الرؤية والمصير مع الحرية والتغيير (المركزي) وقوى الانتقال، وأنه مهما اختلفت الاجتهادات السياسية فإن خندقها الحقيقي من بين خنادق الانقسام التي ستفرزها اليوم سيناريوهات الصراع السياسي المرشح باتجاه فوضى محتملة، حال الردة عنه من قبل العسكر، هو خندق قوى الحرية والتغيير (المركزي)، وقوى الانتقال الموقعة على الاتفاق النهائي.

كما أن على لجان المقاومة، صاحبة الدور الأعظم في استعادة الزخم الثوري إلى الواجهة، أن تستبصر حقيقة أفق الصراع الذي يجمعها مع قوى الحرية والتغيير في خندق واحد ضد قوى الردة الممثلة في محاولات عودة العسكر والإخوان المسلمين للحكم، لأن أية عودة لقوى الردة إلى الحكم مرة أخرى ستكون نتائجها كارثية ووخيمة على مصائر القوى الثورية.

هوية الصراع

كما أن على قوى اليسار، مثل الحزب الشيوعي وحزب البعث، والحركات المسلحة مثل حركة عبد العزيز الحلو وعبد الواحد محمد نور، أن تدرك اليوم أن هوية الصراع الذي يتم التحضير له حال إجهاض مشروع الاتفاق السياسي من قبل قوى الثورة المضادة هو صراع نخشى القول إنه يضع "الكتلة الديمقراطية" وقوى الثورة المضادة موضوعياً في خندق واحد في سبيل محاولات مستميتة لعودة قوى الردة المتمثلة في العسكر ونظام الإخوان المسلمين ومن يتحالف معهم إلى السلطة مرة أخرى.

إن الفرز الضروري الذي ينطوي عليه الانقسام على هذا الصراع الخطير يعكس هوية لمعسكرين اثنين لا ثالث لهما، معسكر قوى الردة ممثلاً في نظام الإخوان المسلمين ومن يقبل التحالف معه من بعض القوى السياسية وبعض العسكر، ومعسكر قوى الثورة السودانية الذي يعاني انقساماً أيديولوجياً لا نرى هناك فائضاً من الوقت يسمح به في ظل السباق المارثواني الذي تسعى فيه قوى الثورة المضادة والمتحالفون معها إما لاستعادة سلطة دينية أو عسكرية لن تعد إلا بالخراب، أو إسقاط الهيكل بما فيه على رؤوس الجميع.

لن تنجو القوى الثورية التي ما زالت اليوم منقسمة على نفسها من مصير كارثي قد يحدق بها نتيجة لتحالف قوى الثورة المضادة وحلفائها، فما لم تملك القوى الثورية الديسمبرية جميعاً اليوم قدرة على رؤية استراتيجية وتخطيطاً محكماً تستعيد به قوتها وزخمها الثوري الهائل عبر استعادة تحالفها المبدئي والموضوعي والمصيري مع قوى الحرية والتغيير (المركزي) وقوى الانتقال، بوصفه التحالف الأساس لتماسكها جميعاً إلى جانب دعم المجتمع الدولي (على رغم اختلافات الاجتهاد السياسي) في وجه قوى الردة والثورة المضادة، فإن ما قد تعد به ردود الفعل المحتملة لــ"الكتلة الديمقراطية" وبقايا نظام الإخوان المسلمين نتيجة لتنفيذ بنود الاتفاق السياسي قد يهلك الأخضر واليابس.

المزيد من تحلیل