Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تفاقم عمليات التجنيد في دارفور صراع العسكر؟

أقاليم أخرى ستكون على الطريق ذاته مهيأة للنزاع والانفصال

بدأت اتهامات حشد وتجنيد قوات قبيلة في دارفور من قبل الجيش تهز الشروع في دمج الحركات المسلحة (اندبندنت عربية - حسن حامد)

ملخص

نفى #الجيش_السوداني الاتهامات الموجهة له بفتح معسكراته لعمليات التجنيد على أساس #قبلي

في ضوء إعلان قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) أن التوقيع النهائي على التسوية السياسية بين القوى المدنية والقادة العسكريين، وتشكيل الحكومة الانتقالية، سيكون خلال الشهر المقبل، يصبح التخفيف من حدة الخلافات بين الجهات السياسية الفاعلة أمراً حاسماً لغرض التقدم خطوة إلى الأمام. ولحوالى أربع سنوات منذ قيام الحكومة الانتقالية بعد إسقاط الرئيس السابق عمر البشير في 11 أبريل (نيسان) 2019 على إثر ثورة شعبية، وقعت اتفاقيات، وأرسل مبعوثون ووسطاء دوليون، من دون أن تحل الخلافات نهائياً.

 

ولم تخضع العلاقة بين المدنيين والعسكريين، من جهة، وبين العسكريين أنفسهم ممثلين في قائد الجيش رئيس مجلس السيادة الفريق عبد الفتاح البرهان ونائبه القائد العام لقوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، من جهة أخرى، إلى معايير سياسية تتخذ لحل الخلافات، لذلك نفذت الخلافات من ثغرات أخرى كانت في الأصل مهيأة لذلك، وهي الحركات المسلحة التي تم الشروع في دمجها بحسب بند الترتيبات الأمنية في اتفاقية جوبا للسلام التي وقعت في الثالث من أكتوبر (تشرين الأول) 2020.

أما الثغرة الكبرى التي تواجه إعلان الحكومة فهي عمليات التجنيد في إقليم دارفور التي أثارها ناظر قبيلة الرزيقات محمود موسى مادبو، الذي أعلن في وقت سابق دعمه لحميدتي، إذ اتهم جهات استخباراتية بإلحاق أفراد من قبيلته بأجهزة عسكرية من دون علمه، وتبنى هذا الرفض مني أركو مناوي كحاكم إقليم دارفور وقائد حركة مسلحة يرى أن هذا التجنيد وتسليح قوات موازية يخلّ بتنفيذ بند الترتيبات الأمنية لدمج قواته في صفوف الجيش وتجريدها من السلاح، كما أن إلحاق مقاتلين جدد يعني الاستعداد والتجهيز للحرب ما يعني خرقاً لاتفاق السلام.

ومع أن المتحدث باسم الجيش السوداني نبيل عبدالله نفى فتح القوات المسلحة معسكراتها لتجنيد مقاتلين على أساس قبلي بولايات دارفور، إلا أن الواقع في الإقليم، في هذا الخصوص، بات متأثراً بتبعات التنافس بين الجيش والدعم السريع تزامناً مع الخلافات التي اندلعت بين البرهان وحميدتي، ومؤثرة، بالتالي، على مجمل العملية السياسية.

الميليشيات

وعند بداية اندلاع الحرب في دارفور عام 2003، قامت حكومة البشير بتعيين قادة قبليين من "المحاميد"، وهي أحد أفرع قبيلة الرزيقات العربية، وكان على رأسهم الشيخ موسى هلال، إضافة إلى بعض القبائل البدوية التشادية الصغيرة، وانحصر دور هؤلاء في التنسيق لتجنيد شباب القبائل العربية في ميليشيات تابعة للحكومة "الجنجويد"، ثم تحولت إلى قوات "حرس الحدود"، إلا أن هذا الاسم الأخير لم يلق رواجاً كبيراً، أما بقية القبائل العربية فقد رفضت الانضمام إلى الميليشيات على أسس قبلية، واستخدمت الحكومة كل وسائلها لحضّ أفراد هذه القبائل للتجنيد ومن ثم حمل السلاح، فنشبت بينها وبين القبائل الأفريقية في الإقليم الذين ينتمون إلى إثنيات
"الفور" و"الزغاوة" مواجهات دامية. وكانت جذور تلك المواجهات توترات تاريخية تتعلق بحيازة الأراضي والمراعي والموارد المائية، وعمل النظام السابق على شحن نفوسهم باستخدام الأيديولوجيا، والتمييز العنصري، وأضاف إلى ذلك تقديم الإغراءات المالية والسماح لهم بممارسة النهب المسلح ووعود بترتيب أوضاعهم عن طريق تمليكهم أراضي في حيازة القبائل المغايرة.

 

وتعاظم دور موسى هلال فأصبح يتحرك بين الخرطوم لملاقاة الرئيس وقادة الحكومة، وبين قاعدته في منطقة "مستريحة" شمال دارفور حتى اكتسبت قواته حصانة كبيرة في الدولة، إلى أن انشقت منها قوات الدعم السريع بقيادة حميدتي. وفي موازاة القوتين، تفاقم دور الحركات المسلحة من أصول أفريقية والتي كانت تمارس نشاطها من تشاد وليبيا بدعم من الرئيس إدريس ديبي حين كان على خلاف مع البشير، ثم انحسر دعمه لها بعد المصالحة فساندها العقيد معمر القذافي.

وأسس هلال "مجلس الصحوة الثوري" عام 2014، وتم حل قوات "حرس الحدود" عقب رفضه حملة جمع السلاح الذي تزايد في المنطقة على مستوى القبائل والميليشيات، وهدد بحرق المناطق التي يسيطر عليها حميدتي، ثم انتهى الأمر باعتقاله على يد قوات الدعم السريع في بدايات عام 2018، وأطلق سراحه أخيراً في مارس (آذار) 2021.

وفي الوقت الذي أشيع فيه عن قيام الجيش بحملات تجنيد بالتركيز على قوات "حرس الحدود" التي يقودها الزعيم الأهلي موسى هلال، شرعت قوات الدعم السريع أيضاً بتدريب آلاف المقاتلين الذين نقلوا في مركباتهم العسكرية من ولايات دارفور لإلحاقهم بمعسكرات القوات في الخرطوم.

خلاف الكتلتين

ومنذ بداية الفترة الانتقالية، كان الخلاف حصراً على المكونين المدني والعسكري ككتلتين، قبل أن تحدث الانشقاقات بعد ذلك، والخلاف الأول جاء كرد فعل على الإجراءات التي نفذها البرهان في أكتوبر 2021 معلناً دعم حميدتي، ثم توافقهما في كثير من القرارات ضد المدنيين، ولكن قام حميدتي بانتقاد هذه الإجراءات معتبراً أنها السبب في استعادة أنصار النظام السابق والإسلاميين إلى الساحة، بينما نفى البرهان ذلك معتبراً أن خطوته كانت لتوسعة مشاركة القوى السياسية، أما الخلاف الثاني فكان على إثر توقيع الاتفاق الإطاري في ديسمبر (كانون الأول) الماضي مع "قوى إعلان الحرية والتغيير"، وكلا الطرفين استماتا في نفيه، ولكنه ظهر إلى العلن باستخدام الوسائل للاستفادة منه قدر الإمكان، أما الثالث فكان بخصوص تباين الرأي حول الإصلاح الأمني والعسكري ودمج  قوات الدعم السريع في الجيش.

وتجلى تبادل الأدوار بأن تدخلت قوى مدنية للوساطة بين البرهان وحميدتي وإزالة التباينات في الآراء حول الاتفاق الإطاري ما دام هدفه واحداً وهو خروج العسكر من الساحة السياسية، وفي ذلك، قال الناطق الرسمي باسم الأطراف الموقعة على الاتفاق الإطاري خالد سلك "إن الاتفاق شكل اختراقاً رئيساً في الجمود السياسي الذي ساد في المشهد عقب انقلاب 25 أكتوبر"، وإن "الخلافات أثارتها عناصر النظام السابق للوقيعة بين قوات الدعم السريع والقوات المسلحة ودفع البلاد لحرب ضروس ستفتت وحدتها وتماسكها"، وأشار سلك إلى موافقة قيادة قوات الدعم السريع على مبدأ دمجها في القوات المسلحة ضمن حزمة شاملة من الإصلاحات في القطاع الأمني والعسكري.

وفي الوقت ذاته، نجد أن هناك حوالى 2000 من مقاتلي الحركات المسلحة الموقعة على اتفاقية جوبا الذين تم تدريبهم عسكرياً تحت إشراف الجيش السوداني إنفاذاً لبروتوكول الترتيبات الأمنية وصولاً إلى تشكيل 12 ألف جندي نصفهم من الحركات المسلحة والنصف الآخر من القوات النظامية لتتولى مهمة حماية المدنيين بدارفور.  ولكن بدأت اتهامات الحشد والتجنيد من قبل الجيش للقوات القبلية تهزّ هذه الترتيبات، حتى أن مناوي ذكر أن قيادة حركته سلمت الحكومة قوات لتدريبها تنفيذاً للدمج، وإذا كانت الحال كذلك، فإنها ربما تستعيدها مرة أخرى ولن تقوم بتجريد بقية القوات من السلاح.

تدابير ضرورية

وربما يكون الموقعون على اتفاق جوبا للسلام قد تناسوا، عن قصد أو من دون قصد، أن مطالب الحركات المسلحة في دارفور، ومنها قوات الدعم السريع عندما تفاوض الجميع بعد الثورة، تستنبط "وثيقة سلام دارفور" الموقعة في 14 يوليو (تموز) 2011، في الدوحة بين الحكومة وحركة "التحرير والعدالة"، بينما غابت حركة "العدل والمساواة" والتحقت بعض الحركات بالوثيقة بعد ذلك، وركزت الوثيقة على أنه لا يمكن حل النزاع في دارفور عسكرياً، وأنه لا يمكن التوصل إلى حل مستدام إلا عن طريق عملية سياسية شاملة، وأن الأطراف "تدرك أن تهيئة الظروف المؤاتية لإحلال السلام الدائم في دارفور، وتنفيذ هذا الاتفاق وتحقيق المصالحة الوطنية والتلاحم الاجتماعي وإعادة الاعمار، أمر يتطلب تعزيز وحماية حقوق الإنسان واحترام مبدأ المساواة بين جميع المواطنين السودانيين واحترام سيادة القانون".

والوثيقة التي شملت سبعة فصول هي، حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وتقاسم السلطة والوضع الإداري لدارفور، وتقاسم الثروة والموارد القومية، والتعويضات وعودة النازحين واللاجئين، والعدالة والمصالحة، ووقف إطلاق النار الدائم والترتيبات الأمنية النهائية، وآليات الحوار والتشاور الداخلي وطرائق التنفيذ، إلى جانب أحكام نهائية، ألزمت الحركات الموقعة على الاتفاق باتخاذ التدابير الضرورية لتحويل نفسها إلى أحزاب سياسية للمشاركة في الحكم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكان البشير وقتها خارجاً لتوّه من قضية انفصال الجنوب، وتحاصره تيارات غاضبة كانت ترى أنه يمكنه التضحية بأجزاء أخرى من البلاد في سبيل البقاء في السلطة، ولكن الرئيس السابق الذي وصف بعناده، وبأنه لا يصغي لأحد سوى معاونين سيئي التقدير ولهم أجنداتهم الخاصة التي ظهرت في خيانتهم له بعد ذلك، ومحاولتهم الانقلاب عليه، وكانوا يزيّنون له كثيراً من القرارات محدودة الأفق. ووفقاً لذلك، تمخضت الوثيقة عن عمليات تعيين سياسي في الرئاسة ومجلس الوزراء تضمنت مناصب نائب الرئيس ومساعديه ومستشاريه والوزراء، غالبيتهم من إقليم دارفور، وتم تعديل الدستور بحيث يتمكن الرئيس من تعيين عدد من نواب الرئيس على نحو يحقق تمثيل زعماء الحركات المسلحة من دارفور. ولم يمكث قادة الحركات في هذه المناصب إذ سرعان ما أعلنوا تمردهم على الحكومة التي رأوا في احتضانها لهم محاولات وأد قضيتهم، ويفسر ذلك الرفض القاطع لقوى الشمال والشرق السياسية لاتفاق جوبا من واقع تهميشه لهم وأنه يتكئ على "وثيقة سلام دارفور".

حلقات النزاع

وعلى رغم نفي المتحدث باسم الجيش السوداني فتحت القوات المسلحة معسكراتها لتجنيد مقاتلين على أساس قبلي بولايات دارفور، لكن الوضع المتأزم وسياقه الدال على أن هذه الخلافات ربما لن تحسم قبل الاجتماع بغرض إجازة مصفوفة زمنية خاصة بالعملية السياسية، ثم الاتفاق النهائي وصياغة الوثيقة الدستورية وتشكيل الحكومة المدنية، فلا بد من النظر إلى معالجة هذه القضية التي يمكن أن تنسف كل هذه الإنجازات.

والسياق العام الذي يمكن من خلاله معالجة أي خطوة قد تقود إلى التنميط القبلي والعشائري ما يعني تلاشي القومية، هو ضرورة إمعان النظر في أنه مثلما فشلت "اتفاقية سلام دارفور" وتدهورت الأوضاع الإنسانية والأمنية بعدها، واعتمدت الحكومة بشكل أساسي على ميليشيات "الجنجويد" بمواجهة الحركات المسلحة، فقد فشلت أيضاً "اتفاقية جوبا" على رغم التهدئة ومحاولات إنقاذها.

والواقع أن أي حل عسكري مثل الذي صاغته الاتهامات مبني على التجنيد بالتحشيد والتحشيد المضاد، لقضية سياسية كبرى مثل قضية الانتقال الديمقراطي في السودان، مكتوب له الفشل لأنه لا يقارب المسائل الأساسية بالشكل الملائم، ويعكس أن الحكومة الانتقالية الحالية تسير على خطى النظام السابق نفسها بمحاولة إرضاء فئة قليلة من الحركات المسلحة في دارفور على حساب بقية الحركات في الإقليم وغيره من مناطق جبال النوبة والنيل الأزرق، بل على حساب القوى السياسية في أقاليم السودان المختلفة ومجتمعاتها التي لم تحظ بتمثيل كاف في المفاوضات.

فالتوصل إلى حل نهائي ومستدام قد لا يتحقق بإزالة الخلافات بين البرهان وحميدتي وحدها حتى لو تمت التغطية عليها لأن الاستعداد للعسكرة لا تزيله الاتفاقات السياسية المنقحة، أما دارفور التي تشكل مركزاً لحلقات نزاع متداخلة، فضحيتها إنسان هذا الإقليم الذي يعيش في معسكرات النزوح، مثلها أقاليم أخرى ستكون على الطريق ذاته، ومهيأة للنزاع والانفصال في سياق التفكك بين الحكومة المركزية في الخرطوم والأطراف المهمشة.

المزيد من تحلیل