ملخص
عاد مهرجان "#أيام_الشارقة_المسرحية" في دورته لهذا العام بـ 14 عرضاَ مسرحياً، وببرنامج ثقافي كثيف تتخلله الندوات التطبيقية عن #العروض.
نادراً ما يحظى المسرحيون العرب بفرصة لحوار مفتوح بينهم كما يحصل هذه الأيام في مهرجان "أيام الشارقة المسرحية"، الذي عاد في دورته لهذا العام بـ 14 عرضاَ مسرحياً، وببرنامج ثقافي كثيف تتخلله الندوات التطبيقية عن العروض. وناقش المهرجان في هذه الدورة عناوين جدلية في الفن الرابع، بمشاركة نخبة من المسرحيين والنقاد العرب، أبرزها: "واقع المحترفات المسرحية العربية"، إضافةً إلى ندوات عن "مباهج المسرح"، و "المسيرة التمثيلية" لأسماء بارزة في المشهد المسرحي العربي منهم: الكاتب والباحث سامح مهران (مصر)، المخرج والكاتب يوسف حمدان (البحرين)، سمير عثمان الباش (سورية)، المخرجة والكاتبة ليلى طوبال (تونس)، المخرج عبد السلام قبيلات (الأردن).
افتتحت "أيام الشارقة" فعالياتها في قصر الثقافة وتم تتويج الفنان البحريني محمد ياسين بجائزة الشارقة للإبداع المسرحي العربي، إلى جانب الاحتفاء بتجربة الفنان والممثل الإماراتي عادل بن سيفان. ويأتي البرنامج الفكري الذي يشرف عليه الباحث السوداني عصام أبو القاسم لافتاً بعنوانه "المسرح والبيئة"، ويشارك فيه نخبة من المسرحيين في البلدان العربية، وهم عبد الله مسعود (الإمارات)، ومحمد شيحة ودينا أمين (مصر)، وفهد كغاط وحسن يوسفي (المغرب)، وعلي محمد سعيد (السودان)، ومحمد المي (تونس)، وجورج مطر (لبنان).
وتحتفي الشارقة هذا العام عبر "ملتقى أوائل المسرح" بالمتميزين من خريجي معاهد وكليات المسرح في العالم العربي، وقد استقدمتهم من بلدانهم لتتيح لهم فرصة التعرف على أجواء أيامها المسرحية، ومشاهدة العروض، والمشاركة في الندوات والمسامرات، إلى جانب مشاركتهم في البرنامج الخاص بفترة إقامتهم، وهو عبارة عن مجموعة من المحاضرات والورش النظرية والعملية القصيرة، حول الفن المسرحي. ويشرف على هذا الملتقى كل من أحمد بو رحيمة مدير "أيام الشارقة المسرحية"، والمخرج أنس العاقل (المغرب) والمخرج مأمون الخطيب (سورية) والباحث مدحت الكاشف (مصر).
"رحل النهار"
رفعت ستارة هذه الدورة بمسرحية "رحل النهار" لفرقة "مسرح الشارقة الوطني"، وتأليف إسماعيل عبد الله، وإخراج محمد العامري، وهو العرض الحائز على جائزة الشيخ سلطان بن محمد القاسمي لأفضل عرض مسرحي لعام 2022 في مهرجان "الهيئة العربية للمسرح" التي عقدت آخر دوراتها في المغرب. يتناول عرض "رحل النهار" بنبرة تراجيدية لافتة واقع الحروب والنزاعات السياسية في المنطقة العربية، مستعيناً بأشعار لكلٍ من بدر شاكر السياب، ومحمود درويش، وسميح القاسم، وأحمد مطر، والمنصف المزغني، والصغير أولاد أحمد، وخلف الخلف. وذلك ضمن توليفة درامية لاهثة، ووسط أجواء سديمية استعان مخرجها ببراعة، بسينوغرافيا محكمة امتزج فيها حضور الشخصيات والجوقة، مع الضوء والدمى والأزياء وقطع الديكور المتحركة التي لعبت دوراً حاسماً في إغناء الحالة الدرامية والمشهدية، والانتقال بالعرض إلى ما يشبه قصيدة بصرية شعرية. تخلى العرض عن الصياغات التقليدية في المسرح العربي، وتفاعل مع معطيات تقنية عالية، وواكب أداء منضبط لكل من ممثلي العرض: أحمد العمري، بدور، عبد الله مسعود، أماني بلعج، رائد الدالاتي، عبد الله الجفالي، محمد بن يعروف.
وتتنافس ثمانية عروض على جوائز "أيام الشارقة" لهذا العام، وتحكم بينها لجنة فنية برئاسة المخرج اللبناني مشهور مصطفى، وعضوية كل من الفنان التشكيلي ومهندس الديكور وليد الزعابي (الإمارات)، والمخرج محمد خير الرفاعي (الأردن)، والمخرج والناقد عادل حسان والكاتبة والناقدة رشا عبد المنعم (مصر). وغلب على مجمل هذه العروض تقديم مقترحات ذات معالجات فنية مغايرة للسائد، كما في عرض "قائمة الخديج" عن نص علي جمال، وإخراج عبد الرحمن الملا (جمعية كلباء للمسرح). يناقش العرض ثنائية الموت والولادة ضمن صيغة مرحة ظاهرياً ومأساوية باطنياً (غروتيسك)، وصولاً إلى مناقشة مصير مولود يدعى "إنسان" منذ وجوده كجنين في بطن أمه، حتى لحظة خروجه إلى الوجود. أثار "قائمة الخديج" جدلاً عن معنى الحياة ومآل الوجود الإنساني، وذلك وفق حلول فنية مبتكرة لم تخلُ من الإطالة في معالجة الموضوع، والتعويل على شخصيات نمطية افتقدت لعالم داخلي، واكتفت بجعل الممثلين يؤدون أدواراً بمشاعر برانية، باستثناء المشهد الأخير الذي قدم مونولوغاً مؤثراً للمولود الذي وصل مرحلة الشيخوخة على سرير مرضه من دون أن يتمكن من إنجاب ولدٍ يرثه، حيث تمتزج أنفاس احتضاره بصرخة ولادة جديدة.
عروض محلية وعربية
ويحضر في مسابقة المهرجان عرض بعنوان "الجلاد"، نص أحمد الماجد وإخراج إلهام محمد. العرض الذي أنتجه "مسرح خورفكان للفنون" يحاول وفق لعبة نصية لافتة، الإطلالة على ثنائية الضحية والجلاد عبر مواجهة بين ابن الجلاد وزوجته. يبدأ الصراع بموت الأب، حاملاً ماضياً من العذابات التي أورثها الأب لابنه، وتاريخاً من التعذيب والقتل لعشرات الضحايا الذين يظهرون في حياة الإبن، فالقتل "يرتكبه المجرمون... أما الإعدام فتنفيذ للأوامر". عبارة تختصر مقولة العرض الذي تميز بأناقة عناصره المشهدية، وإيقاعه المتفاقم، معتمداً على شخصيتين تناوبتا على إدارة الصراع، وجعله متدفقاً بالجسد والفعل الدرامي المدروس.
وكان لافتاً حضور مسرحية "ميادير" نص إسماعيل عبد الله وإخراج حسن رجب. العرض الذي أنتجه "مسرح أم القيوين الوطني" اقترب من أجواء مسرحية "في أعالي البحار" للبولوني سلافومير مروجيك (1930-2013)، حيث يجتمع خمسة من الأصدقاء فرّقتهم الحياة وجمعتهم رحلة على متن قارب دبّرها محام يدعى بدر. تدور أحداث مشوقة بين الشبان الخمسة، تنتهي بالعثور على جثة أحد الجنود طافية على وجه الموج، وتكون سبباً في تصعيد الصراع فيما بينهم. وقد حرص كاتب النص على تقديم دراما نفسية مكثّفة بأسلوب يقترب من مسرح العبث، متكئاً على نص ذي إحالات سياسية واجتماعية عميقة جعلت الشخصيات في صراع دامٍ للفوز بفرصة حياة عبر الهجرة على متن قوارب الموت.
تتسابق إلى جانب العروض السابقة مسرحيات أخرى: "ترنيمة" نص وإخراج محمد صالح، لفرقة "ياس للمسرح" و"الحي الميت" نص عبد الله ملك وإخراج أحمد الأنصاري لفرقة "المسرح الحديث" في الشارقة، ونشاهد عبرهما طرحاً فنياً اعتمد على أسلوب "المسرح المسرحي" وتغليب العناصر البصرية على صيغ درامية تبرم علاقتها مع المتلقي، وتخرج من حالات الإبهار البصري نحو توظيف أداء الممثل في قلب اللعبة المسرحية.
تتنافس أيضاً عروض مثل "أغنية الرجل الطيب" نص وإخراج مهند كريم (جمعية دبا الحصن للثقافة والتراث)، و"تفسير بنت ياقوت" نص وإخراج علي جمال (مسرح دبي الوطني)، و"زغنبوت" نص إسماعيل العبد الله وإخراج محمد العامري (مسرح الشارقة الوطني)، وفيه نتابع قصة أحد المتنفذين الذين أوسعوا العباد ظلماً وقمعاً في مرحلة من مراحل الجوع والقحط التي تلم بالبلاد. لكن المطر يحسم المسألة لصالح الشعوب المقهورة، ويخلصهم من ربقة الاستغلال بعد صراع تخوضه الشخصيات نحو التحرر من الظلم، إذ ينبش النص ببراعة في ذهنية الاستبداد، ويعلي من شأن القيم الفردية عبر لعبة درامية متواترة وشيقة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ووقع اختيار اللجنة العليا للمهرجان على ثلاثة عروض لتقدم على هامش المسابقة لدورة هذا العام وهي: "احتراق شمعة" نص وإخراج أحمد عبد الله راشد (جمعية دبا الفجيرة للثقافة والفنون)، و"سلام يا سلامة" نص ناجي الحاي وإخراج عمر غباش (مسرح دبي الأهلي)، و"مضارب بني كرش" نص وإخراج سالم العيان (مسرح رأس الخيمة). ويحفل برنامج عروض الدورة الـ 32 بعرضين من عروض الدورة التاسعة من مهرجان كلباء للمسرحيات القصيرة، وهما العمل الحائز على جائزة أفضل عرض "الآنسة جوليا" للمخرجة دينا بدر، والعمل الحائز على جائزة أفضل إخراج وجاء بعنوان "فشل عرض مسرحي" للمخرج يوسف المغني. وفي كلا العرضين نشاهد محاولات شبابية مبشرة لكسر القوالب التقليدية للعرض المسرحي، والدخول في ما يشبه مختبراً فنياً لتقديم قراءات جديدة للنص، وعدم تغليب رضا الجمهور على القيم الفنية للعرض.