Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"شهود يهوه"... طائفة "الرؤية" الحاجبة للبصر

هل هم كنيسة مسيحية تقليدية أم جماعة ذات أبعاد رؤيوية.. ولماذا تكثر من حولهم المرويات السياسية والدينية والتاريخية؟

من احتفال تقليدي لجماعة "شهود يهوى" في أميركا (أ.ب)

ملخص

أكثر الأمور إثارة في معتقدات #شهود_يهوه، هو عدم مشاركتهم #المسيحيين احتفالاتهم الدينية، إذ يعتبرونها مهرجانات ذات علاقة بالأديان الوثنية القديمة... فمن هي هذه الجماعة وما هي معتقداتها؟

مع غروب شمس الخميس التاسع من مارس (آذار) الجاري، كانت مدينة هامبورغ الألمانية تشهد حادثة مقلقة سقط فيها قتلى وجرحى، وذلك بعد أن قام أحد الأشخاص بإطلاق النار داخل مقر لجماعة تابعة لـ"شهود يهوه".

كان الوقت ليلاً، التاسعة مساء تقريباً، أي الوقت التقليدي، الذي تقيم فيه تلك الجماعة شعائرها الدينية.

من قام بهذا العمل الجنائي؟ بحسب الشرطة الألمانية فإن هناك ربما أكثر من منفذ، ولاحقاً كانت الأنباء تتحدث عن مقتل أحد المسلحين الذين قاموا بالاعتداء الدموي.

المفاجأة الكبرى أن هذا المسلح كان أحد أفراد تلك الجماعة، أي إنه واحد من المؤمنين بأفكارها والمتبع لقواعدها الروحية، الأمر الذي زاد من غموض الحادثة، سيما أن تلك الجماعة لها علاقة خاصة جداً مع قضية "الدم"، إذ إنها تحرم نقله من إنسان لإنسان، فما بالنا بإهراق دم إنسان وقتل أكثر من فرد، إذ يعتبرون أن للدم "طابعاً مقدساً".

جاءت الحادثة لتفتح حواراً واسعاً وممتداً، حول تلك الجماعة التي يختلف عليها المسيحيون، وعلى هويتها، وجذور تأسيسها، وما إذا كانت تنتمي للمسيحية التقليدية من الأصل، أم إنها دخيلة عليها، عطفاً على كثير من التساؤلات حول رؤاها لأنظمة الحكم، وعلاقاتها مع عالم السياسة، وما إذا كانت تخدم أهدافاً ورؤى ماورائية، أم لا؟

عن المؤسس والنشأة

تعود جماعة "شهود يهوه" أحدث الجماعات التي تدعي أنها تنتسب إلى المسيحية، إلى مؤسسها "تشارلز رسل" (1852- 1916)، وهو تاجر أميركي ميسور الحال، قادته الصدف وهو بعد حدث إلى الاتصال بجماعة أخرى تدعى "المجيئيين"، الذين ينتظرون مجيء المسيح المخلص، فانضم إليهم، وعنهم أحب دراسة الأسفار التوراتية والتوقف عند النبؤات المدونة فيها.

فسر رسل بنفسه الرؤى والنبؤات، وتوصل من خلالها، بحسب زعمه، إلى الموعد الذي سيعود فيه المسيح إلى الأرض ثانية، وقد حمله حماسه على تكريس وقته للتأليف والنشر، فأصدر عدة كتب، أضخمها كتاب في سبعة مجلدات، ضمنها أبحاثاً مسهبة غامضة، وتأويلات مبهمة في غالبية موادها، مع أنها مسندة بشواهد كثيرة من التوراة والإنجيل.

زيادة على ذلك، أصدر رسل عدداً وفيراً من المنشورات، أطلقها بعد حملة دعائية صاخبة في الصحف، وفي السينما حيث عرض فيلماً بعنوان "مسرح الخليقة"، في محاولة لدعم ونشر دعوته، حيث اعتبر أن مؤلفاته هي أعظم ما عرفته المسيحية في تاريخها.

بدأ رسل نشاطه المكثف والدعوي عام 1872 في مدينة بتسبرغ في ولاية بنسلفانيا الأميركية، حيث وجه الدعوة لأصدقائه، فاجتمعوا هناك لدراسة شاملة لما كتبه، وبهدف سموه "إقامة ملكوت الله على الأرض"، وحدد رسل لهم موعداً بالفعل لمجيء المسيح عام 1874.

وعلى الرغم من أن تنبؤاته لم تصدق، فإنه جمع كثيراً من المريدين، وفي عام 1879، أصدر رسل العدد الأول من المجلة التي ستعرف بها جماعته حول العالم التي حملت اسم "برج المراقبة"، ولا تزال تصدر بأقلام جماعة شهود يهوه، وبلغات مختلفة حول الكرة الأرضية.

ما الذي يؤمن به "شهود يهوه"؟

يلتزم "شهود يهوه"، بحسب كثير من الكتابات بشأنهم، بتفسير فريد للكتاب المقدس، ربما يتسق وحركة الصحوة الدينية التي عرفتها الولايات المتحدة في القرن الـ19 الميلادي.

يرفضون حمل اسم المسيح أو المسيحيين، ويفضلون الانتساب إلى يهوه، وهو اسم الذات الإلهية في التوارة، ما جعل كثيرين يميلون إلى القول إنهم جماعة يهودية وليست مسيحية، سيما أنهم يرفضون أهم أركانها، الثالوث المقدس، ويؤمنون بحكم الله الواحد، الأمر الذي يجعل اعتقادهم في الحكومات الوضعية البشرية ضعيفاً جداً.

وبحسب موقع "شارك أميركا:، فإن تعاليم "شهود يهوه" تقول إن جميع المؤسسات التي صنعها الإنسان، بما في ذلك الحكومات والدين المنظم، هي مؤسسات فاسدة بطبيتعها، ولهذا السبب، فهم يرفضون الأنشطة السياسية مثل التصويت والخدمة العسكرية وأداء القسم، كما أنهم أيضاً لا يؤمنون بنقل الدم.

يلتزم أتباع "شهود يهوه"، بما يمكن أن نسميه "العمل التبشيري"، إذ لا بد لهم من قضاء بضع ساعات شهرياً في نشر دعوتهم وإطلاع الناس على تعاليم دينهم، وذلك من خلال طرق أبواب المنازل أو توزيع المنشورات والكتيبات.

من التعاليم المثيرة لـ"شهود يهوه"، أن الشيطان وأعوانه قد ألقوا على الأرض من السماء بعد الأول من أكتوبر (تشرين الأول) 1914 (عام قيام الحرب العالمية الأولى)، وعند هذه النقطة بدأت أوقات نهاية العالم، ولديهم يقين قاطع بأن الشيطان هو حاكم النظام العالمي الحالي، وأن المجتمع البشري يتأثر ويضلل من قبل الشيطان وأعوانه، وأنهم سبب المعاناة البشرية، كما يعتقدون أن الحكومات البشرية يتحكم فيها الشيطان، لكنه لا يسيطر بشكل مباشر على كل حاكم بشري.

رذرفور وبداية جديدة للجماعة

من الواضح أن جماعة "شهود يهوه" قد مرت بتطورات تاريخية، تغيرت فيها البنية والتركيبة الدعوية للجماعة إن جاز التعبير.

توفي رسل عام 1916، ومن بعده قاد الحركة جوزيف فرانكلين رذرفورد (1869 -1942)، الذي أدخل تعديلات واضحة وجوهرية في بنية الطائفة، وكذلك في عقائدها، الأمر الذي أدى إلى انفصال بعض الأتباع عن الحركة وتشكيل مجموعاتهم الخاصة، ما يعني أنه من الصعب تحديد أي جماعة هي "شهود يهوه" الأصلية، ومن تكون الفرعية، وما الفوارق بين الأمرين؟ سيما أن رذرفورد، قد مسح جماعته بمسحة سياسية، بعد أن قدم عام 1920، ما سماه "الحكومة الثيوقراطية" للمنظمة.

ظهر تأثر هذا التوجه على صعيد الحياة السياسية الأميركية أول الأمر، وقبل أن ينتقل إلى بقية دول العالم حيث تنتشر الجماعة، فقد أدى الأمر إلى التقليل من أهمية الانتخابات الديمقرطية كوسيلة لاختيار كبار الزعماء المحليين، كما أدخل هيكلاً شديد المركزية على الجماعة، وباتت طاعته طاعة لله، ما فتح الطريق واسعاً لتفسيرات رأت أن هذا شأن يتسق والجماعات السرية، تلك التي عرفتها الولايات المتحدة الأميركية منذ نشأتها، وبخاصة الجماعة الأشهر بينها، أي الماسونية.

في يقين أعضاء شهود يهوه، أن حياتهم على الأرض مكرسة ومقدسة لخدمة يهوه، وعلى أفراد الجماعة، العيش بحسب التعاليم الإيمانية التي أقرها رذفورد، ويتميزون بالعيش ضمن أطر اجتماعية متماسكة جداً، تدعم مواجهتهم لأعباء الحياة، وتعينهم على أداء رسالتهم ونشر دعوتهم.

ماذا عن الموت والخلود أو البعث والنشور في معتقداتهم؟

يعتقد "شهود يهوه" أنه عندما يموت الشخص يتوقف وجوده تماماً، لأن تفسيرهم للكتاب المقدس يقول، إنه ليس هناك روح خالدة للبشر تعيش بعد موت الجسد.

ولا يؤمن "شهود يهوه" بأن هناك جحيماً، إذ طالما لا وجود للجسد والروح، فليس هناك عذاب لشيء لم يعد موجوداً.

كما يجادل أتباع هذه الجماعة بأن فكرة الجحيم، ضد طبيعة الله الرحيمة، وأن تعذيب البشر إلى الأبد أمر لا يمكن القبول به، ومع ذلك يؤمنون بأن الموت ليس نهاية كل شيء، وأن الله قادر على إحيائهم من جديد.

ولعل الأكثر إثارة في معتقدات "شهود يهوه"، هو عدم مشاركتهم المسيحيين حول العالم في أهم الاحتفالات الدينية، لا سيما عيدي الميلاد أو الفصح، إذ يعتبرونهما مهرجانات ذات علاقة بالأديان الوثنية القديمة، ويقطعون بأن المسيح نفسه لم يطلب من أتباعه الاحتفال بهذه الطريقة أو تلك كما يفعل المسيحيون المعاصرون.

مسيحيون أم ماذا؟

منذ القرون الأولى للمسيحية لم تكن هناك تفرعات أو طوائف، حتى القرن الخامس الميلادي، الذي شهد مجمع خلقيدونية عام 451 ميلادية، حيث انفصلت فيه بعض الكنائس الشرقية التي تعرف باليعقوبية، عن الكنيسة الرومانية الكاثوليكية ذات الأغلبية حول العالم.

لاحقاً وفي القرن الـ16 الميلادي، خرج مارتن لوثر، بصيحته التي عرفت بالبروتستانتية، وتحمل اليوم نحو 400 طائفة مختلفة في التوجهات.

لكن على الرغم من كل ذلك فإن الكاثوليك والأرثوذكس والبروتستانت، تجمعهم رؤى تكاد تكون واحدة، ولا يختلفون إلا على أمور ثانوية.

في هذا السياق، تجمع هذه الطوائف الثلاث على أن "شهود يهوه" ليسوا مسيحيين بالمرة، ولا علاقة لهم بالمسيحية، بل يعتبرونها أخطر البدع التي واجهتها الكنيسة في تاريخها الطويل، سيما أن دعاتها يتسمون بمحاججة الناس في إيمانهم، والطعن في العقائد المسيحية التي تسلمتها الكنيسة من رسل المسيح أي من حوارييه.

تعتبر الكنائس المسيحية التقليدية، أن ما يقوم به "شهود يهوه" من عمل تبشيري، هو محاولة اختطاف أتباعها، والزج بهم في طريق مضللة، ويحذرون من أن "شهود يهوه" ليسوا إلا أنبياء كذبة، يأتون في ثياب حملان، لكنهم في داخلهم ذئاب خاطفة كما يقول الإنجيل.

يرفض أتباع الكنائس المسيحية التقليدية أي علاقة لهم بـ"شهود يهوه"، سيما أن تعاليمهم تنافي وتجافي الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد، ويعتبرونها تفسيرات ذات منظور سياسي، وبخاصة حين يتناولون شأن نهاية الأيام، ذلك أن المسيحية ترفض طولاً وعرضاً فكرة التنبؤ باليوم الآخر، الذي يعتبرونه في علم الله وحده، وليس من شأن البشر الخوض فيه أو السعي إلى معرفته بطرق ملتوية.

يقول قادة الكنائس المسيحية، إن كرازة هذه الجماعة مضللة، ويعملون بحسب شهواتهم الخاصة، ويجمعون لهم معلمين مستحكة مسامعهم، فيصرفون مسامعهم عن الحق، ومنحرفين إلى الخرافات.

تأخذ الكنائس المسيحية التقليدية على "شهود يهوه" تفاسيرهم التي تخلط بين المذهبين العقلي والإشراقي، مما يجعل تعاليمهم في حالة بلبلة.

المذهب العقلي: مذهب فلسفي يعتمد بشكل أساسي وكلي على العقل من دون الحاجة إلى فلسفات أخرى لأن العقل هو مصدر كل معرفة.

المذهب الإشراقي: مذهب فلسفي مرتكز على فلسفة الإشراق، أي إن العالم يفيض عن الله (الأفلاطونية الحديثة) وحكمة الفلسفة المشرقية شاملة.

وفي المباحثات والمحاججات معهم، يتبين للمدرك أنهم يستولون على طائفة من النصوص الكتابية التي لها صلة بعقائد المسيحيين بعد تجريدها من قرائنها، حتى إذا جابههم المسيحيون الفاهمون بآيات تهدم نظرياتهم، لجأوا إلى تلك الآيات، لإقامة أي جدل يسعفهم من المأزق الحرج، ويطول الحديث عن البراهين التي تقدم من قبل الكنائس المسيحية التاريخية ضد هذه الجماعة.

هل من علاقة بالسياسة والماسونية؟

يرفض أتباع شهود يهوه الاتهامات التي توجه لهم من كثيرين، والتي تربط بينهم وبين عالم السياسة بشقيه الرسمي العلني، أي التعاطي مع الحكومات والقوانين، والسري المتمثل في جماعات وكيانات خاصة لا سيما الماسونية بنوع خاص.

واقع "شهود يهوه" يفتح الباب واسعاً على عديد من التفسيرات المختلفة وربما المتضاربة، فهم يعتبرون أنفسهم ديناً مستقلاً وليسوا طائفة مسيحية، فعلى سبيل المثال في ألمانيا التي وقع فيها الحادث الأخير، يرفض مجتمع "شهود يهوه" أن يعرفوا على أنهم طائفة، ويعتبرون الكلمة ذات مردود سلبي، وقد فرضه النازيون وأرادوا منه الإساءة إلى الأقليات الدينية.

والمعروف أنه إبان الحقبة النازية ألزم شهود يهوه بوضع مثلث بنفسجي لتمييزهم باعتبارهم رافضين لأداء الخدمة العسكرية.

أفضى هذا الوضع إلى اعتبارهم فئة باغية خارجة عن الإرادة النازية حالهم حال اليهود والغجر والمثليين وبائعات الهوى، ومن هنا سرى بين الناس اعتقاد مفاده أن حركة شهود يهوه مرتبطة باليهودية، بل إن البعض لا ينفك يربطهم بالترويج للصهيونية.

في السياق ذاته، ترتبط حركة شهود يهوه عند كثيرين بفكرة الوصل والتواصل مع اليهودية، سيما أنها تخالف الكنائس المسيحية الرسمية، وتميل إلى تغليب الطابع التوراتي للعهد القديم في غالبية رؤاها وطرائقها وشعائرها الإيمانية.

ولا تنفك أصوات مسيحية عديدة تربط بين "شهود يهوه" والحركات الماسونية التي تميل إلى العمل السري والخفي وعبر تراتبية خاصة.

هذه المزاعم، ينفيها المتحدثون الرسميون باسم شهود يهوه، ومنهم "فولفرام سلوبينا"، الممثل الإعلامي لـ"شهود يهوه" في ألمانيا، الذي يرد بالقول إن "شهود يهوه" فرقة مسيحية تؤمن بكتاب مقدس واحد، معتبراً أن تاريخ الاعتقال النازي الذي تعرض له شهود يهوه وإجبارهم على حمل الشارة البنفجسية كما أجبر اليهود على وضع النجمة السداسية الصفراء، ربما كان سبب إلصاق هذه التهم بهم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

العداء الروسي لـ"شهود يهوه"

يكاد أتباع "شهود يهوه" ينتشرون في جميع أرجاء العالم، في وقتنا الحاضر، ويبلغ عددهم نحو ثمانية ملايين في 240 دولة، ومنها في بعض الدول العربية مثل لبنان، وقد كان لهم وجود واضح في مصر حتى منتصف الستينيات، حين ألغيت الاعتمادات الخاصة بهم، وإن بدأت إرهاصات عودتهم في زمن العولمة تطل من جديد.

أما الفصل المثير في قصة "شهود يهوه"، فيتعلق بحضورهم في روسيا الاتحادية، حيث تبدو الشبهات السياسية، تحيط بهم من جديد، وكأن في الأمر تكرار لفصول التاريخ في زمن النازي.

ففي يوليو (تموز) 2018 جرمت السلطات الروسية نشاط طائفة "شهود يهوه" وصفتهم بأنهم "متطرفون"، كما احتجزت عدداً من أعضاء الطائفة وداهمت منازلهم.

لم تكن هذه أول مرة تطارد فيها جماعة شهود يهوه في روسيا، فقد سبق ذلك خلال العهد السوفياتي ملاحقات خطيرة لأتباعهم بصفتهم جواسيس ومصدر خطر، جرى ذلك من خلال تحريات الـ"كي. جي. بي" بنوع خاص.

واليوم يبدو وكأن الصراع السياسي الروسي مع الغرب، والدور الذي تقوم به الكنيسة الروسية لدعم بوتين، يتقاطع مع الأفكار التحررية لـ"شهود يهوه" مما يجعلهم عرضة لمزيد من التضييق عليهم.

وفي كل الأحوال تبقى ألغاز "شهود يهوه"، سيما حادثة ألمانيا الأخيرة، في حاجة لكثير من إلقاء الضوء لفك ملامح ومعالم هذه الجماعة الدوجمائية أو الأيديولوجية.

المزيد من تقارير