Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المطالعة خلف القضبان... نافذة إلى عالم الحرية

ماذا يقرأ السجناء والمعتقلون في روسيا

وما يثير العجب أن مكتبات السجن تحوي ليس فقط على كتب للأطفال بل أيضاً على كتب معارضين وحقوقيين منهم من قضى فترة عقوبة أيضاً (رويترز)

ملخص

لطالما سمعنا مقولة "خير جليس في الأنام كتاب". ما تعنيه #الكتب والمطالعة للسجناء في #المعتقلات الروسية. #روسيا

لطالما سمعنا مقولة "خير جليس في الأنام كتاب" والحقيقة الأهم أن الكتاب أيضاً هو أغلى رفيق للمرء في سجنه. على الأقل هذا ما تبرهن عليه شهادات المعتقلين في روسيا الذين تضاعف عددهم في السنوات والأشهر الأخيرة.

اليوم مع انحدار مستويات المطالعة في العالم خصوصاً بين فئة الشباب، يصبح السجن – للأسف – إحدى الأماكن التي تمنح الكتاب سحراً وقوة قد لا يمتلكها بنفس المقدار خارج جدران السجن. هذه القوة التي تجعل من الكتاب رفيقاً ثميناً وباباً يدخل منه العقل إلى عالم مليء بالخيال والأفكار.

كيف يمضي المعتقلون وقتهم في السجن، سؤال ليس ببعيد عن الصحافة الليبرالية والمعارضة في روسيا. الجزء الأبرز من حياة المساجين هي الكتب التي يقرأونها. العناوين التي يطالعونها تكشف لنا عن الأفكار التي تراودهم والحال التي يعيشون فيها. وهي عناوين شاركها هؤلاء المعتقلون من خلال رسائل تبادلتها صحيفة "نوفايا غازيتا" معهم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أدب المنشقين من الحقبة السابقة

فلاديمير كارا مورزا، السياسي المقرب من ميخائيل خودوركوفسكي، معتقل منذ سنة تقريباً ويواجه تهماً بالخيانة العظمى لدوره في فرض عقوبات غربية على مسؤولين روس، يقول عن قراءة الكتب في السجن "خلال هذا العام، قرأت أو أعدت قراءة كثير مما كنت أخطط له لفترة طويلة، ولكن لم يكن هناك وقت كاف لذلك. يجب أن أقول إنه في السجن تقرأ الكتب بطريقة مختلفة تماماً، بخاصة المذكرات وأدب المنشقين - كما لو كنت تعيش في هذه الكتب".

ويقول إن أهم الكتب في حياته هو "وعادت الرياح إلى الهبوب" للكاتب الروسي المنشق فلاديمير بوكوفسكي. "أعدت قراءته بنفسي بعد اعتقالي، وقرأه سجناء آخرون بناء على اقتراحي - ونال إعجاب الجميع".

ومن العناوين الأخرى "منتصف اليوم" للناشطة الحقوقية الروسية الشهيرة ناتاليا غوربانيفسكايا (حول محاكمة المتظاهرين في الساحة الحمراء في أغسطس / آب 1968). "حاشية" بقلم إيلينا بونر (عن نفيها مع زوجها أندريه ساخاروف). "خليفة" لـلصحافي الروسي ميخائيل فيشمان (عن بوريس نيمتسوف وتاريخ روسيا المعاصر له). "مذكرات" للجنرال بيوتر فرانغل (حول الحرب الأهلية والمحاولة الفاشلة لإنشاء "تايوان روسية" في شبه جزيرة القرم).

في السجن تقرأ الكتب بطريقة مختلفة تماماً

يقول كارا مورزا إنه تمكن أخيراً من إعادة قراءة "أرخبيل غولاغ" (عن معسكرات الاعتقال الستالينية) لألكسندر سولجينيتسن "بعناية وبهدوء... ولا يسعني إلا أن أضيف - في المكان المناسب [الكتاب يحكي عن حياة السجناء في معسكرات الستالينية]". ويدعو الجميع إلى قراءة هذا الكتاب الآن، لافتاً إلى أنه "من المهم جداً تعلم الدرس الذي فاتنا في التسعينيات أي إدراك الشر والاعتراف به ومعاقبته، حتى لا يتكرر هذا الخطأ مرة بعد أخرى ولمنع عودة شبح الماضي". كما أعاد قراءة "عجل ناطح شجرة بلوط" وهي سيرة ذاتية لسولجينيتسن.

ويختم بالقول إن الكتب في السجن مفيدة جداً، "ومثل أجيال عديدة من السجناء. إضافة إلى الأدب العلماني، أقرأ الكتاب المقدس في المساء".

معتقلي قضية "الشبكة"

بطلنا التالي هو فيكتور فيلينكوف، مبرمج ومناهض للفاشية من سانت بطرسبرغ. فيكتور يبلغ من العمر 28 سنة، لكنه يقبع في المعتقلات 5 سنوات الآن من أصل 7 سنوات هي مجمل محكوميته.

ويقضي فيلينكوف عقوبته مع آخرين في قضية يعتبر كثير من المنظمات الحقوقية أنها ملفقة من وكالة الأمن الفدرالي الروسي التي تزعم أن 11 شاباً من الفوضويين ومناهضي الفاشية نظموا جماعة إرهابية في بينزا وموسكو وسانت بطرسبرغ وأومسك، وأطلقوا عليها اسم "الشبكة" وكانوا يخططون لزعزعة الاستقرار البلاد والإطاحة بالحكم خلال الانتخابات الرئاسية وكأس العالم 2018.

ينصح فيلينكوف لمن عانى صعوبات نقل حياتهم من مكان لآخر، برواية إريك ماريا ريمارك "ليلة في لشبونة". وحول عقم الأنظمة البيروقراطية ينصح بكتاب "يوتوبيا القواعد" لديفيد غرايبر. ولأولئك الذين يعتقدون أن كل المشكلات ناتجة من الافتقار إلى الروحانية، ينصحهم بقراءة "وهم الله" لريتشارد دوكينز.

القراءة في السجن هي من أقوى الأدوية المنقذة للحياة والروح والعقل

ويعتبر مقالات نعوم تشومسكي عن الحروب في فيتنام وبخاصة في العراق جيدة، وكذلك الروايات الثلاث الأولى من روايات ريمارك - المناهضة للحرب لكنها ليست معادية للفاشية بعد.

ولمن يتساءل كيف حصل ما حصل؟ ("لأننا [أي الروس] هزمنا الفاشية")، فالجواب من وجهة نظر علم النفس موجود في كتب إريك فروم "الهرب من الحرية"، و"تشريح التدميرية البشرية" (يتضمن تحليل لمذهب ستالين السادو - مازوشي ونيكروفيلية هتلر).

عضو آخر محكوم بـ16 سنة سجن في القضية نفسها هو إيليا شاكورسكي (27 سنة)، يقول "القراءة هي من أقوى الأدوية المنقذة لحياة وروح وعقل أي شخص في السجن. أولاً، يساعد الكتاب في صرف الانتباه عن الأحداث التي تسبب التوتر والغضب والأفكار السلبية. ثانياً، تحصل على فائدة، أفكار للخيال".

ويضيف "كان أول كتاب وقع في يدي هو مختارات من أعمال ليف تولستوي، الذي كان لعمله وفلسفته تأثير كبير في. خلال تلك الفترة، غالباً ما أقتبس منه في مذكراتي ورسائلي، وكانت بعض أفعالي وقراراتي مستوحاة من سطور ليف نيكولايفيتش [تولستوي] على وجه التحديد. ولاحقاً صادفت مجموعة من مقالاته ’لا أستطيع أن أصمت‘، التي أصبحت واحدة من أهم الكتب بالنسبة إلي".

لا تقتصر قراءات شاكورسكي على الأدب الجدي، إذ يطالع القصص البوليسية لكن الكلاسيكيات أمثال آرثر كونان دويل وأغاثا كريستي، إضافة إلى الروايات التاريخية لبوريس أكونين (التي تحظى بشعبية كبيرة في السجون) على رغم أن الكاتب يعتبر خصماً للسلطات حالياً.

أما كلاسيكيات الأدب الروسي فهي الأكثر طلباً، ولذلك فإن "الكتب في حال يرثى لها" على حد قوله. ويعرب شاكورسكي عن افتتانه بأدباء روس بالقرن الـ19، بمثلهم العليا عن الحرية والحب والرغبة في التغيير، أمثال سيرغي بوشكين، ميخائيل ليرمونتوف، كوندراتي ريلييف، لافتاً إلى أن "هم مصدر إلهامي اليوم".

ويقول إن أعمال أورويل أصبحت مطلوبة بشكل متزايد - سواء داخل السجن أو في خارجه، لافتاً إلى أنه "كنت جالساً في الزنزانة أقرأ رواية ’1984‘ وتحت هذه السطور كانوا يتلون الحكم علينا".

أثناء عملية النقل إلى السجن، وهي تجربة مريرة، تتميز بها روسيا ونظام السجون فيها، إذ يتم نقل المحكوم عليه من مكان الاحتجاز حيث المحكمة إلى مكان الاعتقال في الأراضي الروسية الشاسعة. وقد تمتد العملية من أيام إلى فترة أسابيع ويتخللها تجارب مريرة دفعت عديداً من المعارضين الذين تعرضوا للاعتقال وخصوصاً في العهد السوفياتي إلى الكتابة عنها.

القراءة عن تجربة السجناء السياسيين السوفيات تمنح القوة من نواح كثيرة

أثناء عملية نقله قرأ شاكورسكي "الطريق الوعر" بقلم الكاتبة يفغينيا غينزبورغ، ويقول "أعطتني تجربة السجناء السياسيين السوفيات القوة من نواح كثيرة. إن صعوبات ذاك الوقت أكبر بكثير من الآن، لكن النظام نفسه قد خضع لتغييرات قليلة جداً لدرجة أن المصطلحات والمواقف وسلوك الموظفين الموضحة في مذكرات سولجينيتسين وفارلام شالاموف وغينزبورغ مألوفة لنا بشكل مؤلم اليوم. بالمناسبة، عمل شلاموف أقرب إلي من عمل الآخرين. هو من ألهمني للكتابة في السجن".

ويشير أن وصوله إلى معتقل دوبرافلاغ في جمهورية موردوفيا الروسية شكل علامة رمزية، "ففي هذه الأماكن قمعت السلطات السوفياتية ودمرت أشخاصاً مثل [يولي] دانيال و[أندريه] سينيافسكي و[يوري] غالانسكوف وغيرهم كثير". في إشارة إلى المحاكمة الشهيرة السيئة السمعة للكاتبين دانيال وسينيافسكي عام 1965 بسبب نشرهما أعمالها في الغرب.

في السجن قرأ شاكورسكي، "العمل الأكثر شهرة في السجن" - الرواية المثيرة "شانتارام" للكاتب غريغوري دافيد روبرتس، وينافسها في الشهرة "بابيون" للكاتب الفرنسي هنري تشاريير. وفي هذا الصدد يقول "أعتقد أن هذين الكتابين يثيران الاهتمام نفسه لدى السجناء المعاصرين كالذي كان يثيره كتاب ’كونت مونتي كريستو‘ لألكسندر دوما لدى السجناء السوفيات".

وما يثير العجب أن مكتبات السجن تحوي ليس فقط على كتب للأطفال، بل أيضاً على كتب معارضين وحقوقيين وغيرهم من المغضوب عليهم في البلاد، مثل كتب سفيتلانا ألكسييفيتش، وإدوارد ليمونوف، وميخائيل خودوركوفسكي الذي أمضى بنفسه عقداً تقريباً في السجون الروسية. وبحسب شاكورسكي "كقاعدة عامة، يصعب العثور على هذه الكتب، لأنها دائماً في أيدي شخص ما".

في الختام، يبدو لي مفارقة صارخة أن الإنسان في روسيا المعاصرة يواجه احتمالات هائلة بالقمع والسجن لأبسط وأتفه الأمور (طالبة مدرسة ترسم رسمة ضد الحرب فيوضع والدها في إقامة جبرية وتسحب رعاية ابنته منه) أو حين يضع إشارة "لايك" تحت منشور معاد للحرب فينتهي به الأمر في أحسن الأحوال مغرماً بمئات الدولارات. ولكن في السجن كما لو أن المرء يكتسب بعض الهدوء ويكتشف مع الوقت أن مكتبة السجن لا تقتصر على ماركس وأنجلز وكتب تتهم الغرب بتفتيت روسيا، بل تحوي على جواهر تزيد قيمتها حين قرأتها في السجن.

يبقى أن نأمل ألا تصل أنياب السلطة لمكتبات السجن وحق السجناء بتلقي الكتب من الخارج، بالتالي تخوي أماكن الاعتقال من نسمة الحرية هذه.

المزيد من ثقافة