Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بولندا واحتمالات العودة لطموحاتها السابقة في أوكرانيا

اتفاق "غير معلن" على ترحيل خلافاتهما التاريخية إلى ما بعد "تحقيق النصر" على روسيا عدوهما المشترك

ساحة القلعة الملكية في وارسو حيث تقف دبابتان روسيتان محترقتان تحيط بهما لافتات (أ ف ب)

ملخص

ثمة من يتناقل عن الرئيس #فولوديمير_زيلينسكي ما قاله حول أن "موسكو دمرت من دون قصد ما كانت تتسم به العلاقات بين #كييف ووارسو من تناقضات"

عادت الصحافة الروسية للتفتيش في نوايا بولندا وطموحاتها التوسعية تجاه أوكرانيا المجاورة. فبعد فترة من التوتر الذي نجم عن سقوط الصاروخ الأوكراني داخل الأراضي البولندية وما أعقبه من رفض وارسو اتهام القيادة الأوكرانية لموسكو بالمسؤولية عن الحادثة، عادت علاقات البلدين بولندا وأوكرانيا للتأرجح بين التوتر المكتوم تارة، والشكوك الصريحة تارة أخرى.

وما إن كادت هذه العلاقات تجنح نسبياً إلى التهدئة وسابق تعاون البلدين، لا سيما في المجالات العسكرية في مواجهتهما لما يسميانه "غزو" روسيا للأراضي الأوكرانية، حتى عادت للسقوط في شرك ما يتناثر من مشكلات إعاشة اللاجئين الأوكرانيين ممن كانت بولندا استقبلتهم في أعقاب فرارهم من الأراضي الأوكرانية مع بدايات الهجوم الروسي على أوكرانيا في فبراير (شباط) من العام الماضي.

وننقل عن صحيفة "ديلي إكسبريس" البريطانية ما نشرته حول قرار السلطات البولندية الخاص بإلزام اللاجئين من أوكرانيا دفع نصف كلف السكن بعدما كانت سارعت آنذاك إلى استقبالهم بكرم والإعلان عن استضافتهم بالمجان، فضلاً عما كانت اتخذته من قرارات منحهم ليس فقط الإعاشة المجانية، بل أيضاً مجانية استخدام المواصلات العامة وما يقترب من الإعانة المالية.

وأضافت الصحيفة البريطانية أن القواعد الجديدة التي بدأ تطبيقها بالنسبة إلى الأوكرانيين اعتباراً من أول مارس (آذار) الجاري وتنص ضمناً على رفع النسبة التي سيتوجب عليهم دفعها في حال مدهم فترة الإقامة من 120 إلى 180 يوماً، من 50 إلى 75 في المئة من كلفة المعيشة اعتباراً من مايو (أيار) المقبل، تمثل "ضربة موجعة" للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.

وفي تفسيرها لهذه القرارات عزت السلطات البولندية ذلك إلى عدم قدرتها على الاضطلاع بكلف إعاشة ملايين الأوكرانيين ممن تدفقوا على أراضيها، في وقت لم يزد ما تتلقاه من صندوق الهجرة الخاص بالاتحاد الأوروبي منذ بداية تدفق الهجرة الأوكرانية على بولندا على 123 مليون يورو (132 مليون دولار)، إلى جانب الإعلان عن أن الاستمرار في الاضطلاع بهذه المهمة يجب ألا يتواصل لأكثر من عام واحد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتقول الإحصاءات الرسمية الصادرة عن "دائرة الحدود" البولندية إن عدد الأوكرانيين الذين عبروا الحدود منذ 24 فبراير 2022 بلغ ما يزيد على 9 ملايين مواطن أوكراني، استقر منهم ما يقرب من مليون ونصف المليون بصفة "لاجئ أوكراني" داخل الأراضي البولندية. وننقل عن وزيرة الأسرة والسياسة الاجتماعية مارلينا مالاغ ما قالته حول أن 900 ألف أوكراني حصلوا على فرص العمل بموجب إجراءات شديدة التيسير، فضلاً عن توفير أماكن لما يقرب من 185 ألف طفل أوكراني في المؤسسات التعليمية، بكل ما يرتبط ذلك من سبل التأمينات والرعاية الصحية والاجتماعية المجانية. وعلى رغم ما يبدو من الترحيب وكرم الضيافة من منظور ما قاله الرئيس البولندي أندريه دودا ترحيباً باللاجئين الأوكرانيين "لستم لاجئين. أنتم ضيوفنا. وسنفعل كل شيء لكي تصبح أوكرانيا عضواً في الاتحاد الأوروبي"، أظهرت استطلاعات الرأي الأخيرة أن "موقف البولنديين تجاه اللاجئين الأوكرانيين يميل نحو التغير"، وهو ما أشرنا إلى بعض من مشاهده.

غير أن كل ذلك لا يمكن أن يكون حجاباً يحول دون ما تصبو إليه السلطات البولندية من آمال وأحلام سبق وتناولتها "اندبندنت عربية" في أكثر من تقرير لها من موسكو، ومنها حلم استعادة الأراضي البولندية التاريخية. وها هي صحيفة "فزغلياد" الروسية تتوقف ثانية عند قرار السلطات البولندية حول تغيير مقاسات قضبان السكك الحديدية الأوكرانية بما يتيسر معه سير القاطرات بما تحمله من أسلحة إلى الداخل الأوكراني، وذلك من منظور ما تراه من "طموحات غير معلنة" نحو ما وصفته "بربط الأراضي البولندية ومناطق غرب أوكرانيا وكييف بسبل المواصلات السريعة التي تتيح تدفق الحركة إلى هذه المناطق مع حلول نهاية العام الحالي".

وفي هذا الصدد لا بد من العودة لما سبق أن اتخذته الدولتان من قرارات في العام الماضي تتيح للبولندين حرية الحركة ودخول الأراضي الأوكرانية والعمل من دون الحاجة إلى تأشيرات أو تشريعات قانونية، مما اعتبره المراقبون آنذاك خطوة شديدة الأهمية نحو احتمالات عودة بولندا لسابق طموحاتها باستعادة أراضيها في غرب أوكرانيا التي كان الاتحاد السوفياتي اقتطعها من بولندا بموجب نتائج الحرب العالمية الثانية، وذلك بما قد يسمح لاحقاً بتحقيق طموحات العودة لحلمها التاريخي حول ربط بحر البلطيق في الشمال مع البحر الأسود وميناء أوديسا على ضفافه في الجنوب.

وعلى رغم الكلفة العالية لإتمام مشروع بناء السكك الحديدية الجديدة بالمقاييس الأوروبية، وما يتبع ذلك من بناء خطوط جديدة للقضبان واستبدال قاطرات الجر وعربات القطارات، فإن هذا المشروع يظل يراود الملايين بوصفه السبيل الأمثل على طريق تنفيذ "الحلم المؤجل" عبر تيسير الخدمات اللوجستية ورفع وتيرة الحركة والاتصالات في هذه المناطق الشاسعة من الأراضي الأوكرانية.

ثمة من يقول في هذا الشأن إن أوكرانيا وبولندا، وعلى رغم وضوح ما تدركانه بالنسبة إلى مواقف ومشاعر كل منهما تجاه الأخرى، فإنهما تظلان عند تمسكهما بضرورة تنحية كل ما يمكن أن يحول دون استمرار تعاونهما في مواجهة جارتهما روسيا التي تتفقان حول تسميتها "العدو التاريخي المشترك"، في وقت أعلنتهما روسيا ضمن قائمة من تسميهم "البلدان غير الصديقة"، بكل ما يتبع ذلك من مواقف وقرارات مضادة.

واستناداً إلى ما جرى بين البلدين من تعاون هائل منذ بداية الحرب، شهد أقصى أشكال الدعم، لا سيما العسكري من جانب بولندا، كشفت مجلة "فوربس" عن أن بولندا تحتل المركز الأول في "تصنيف أصدقاء أوكرانيا". وانطلقت المجلة في ذلك من "الدعم الأساسي وطرد الدبلوماسيين الروس وتقديم المساعدة لأوكرانيا واللاجئين، أكثر من 5 مليارات يورو (5.37 مليار دولار) أو 0.88 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي اعتباراً من أغسطس (آب) 2022 وزيارات كبار المسؤولين في الدولة".

ويشير مراقبون كثر إلى أن "التقارب والمساعدة والدعم على جبهات عدة، دفع ما يشوب علاقات البلدين من خلافات تاريخية إلى خلفية المشهد العام لهذه العلاقات". وثمة من يتناقل عن الرئيس فولوديمير زيلينسكي ما قاله حول أن "موسكو دمرت من دون قصد ما كانت تتسم به العلاقات بين كييف ووارسو من تناقضات".

وفي هذا الصدد ينقلون عنه أيضاً ما صدر من تصريحات في مايو (أيار) حول أنه "أصبح من الواضح أن جميع التناقضات تفقد فاعليتها عندما تكون هناك قوة بمثل ما نواجهه من أخطار تهدد بقاء شعوب أوكرانيا وبولندا وغيرهما من البلدان الأوروبية".

وكان زيلينسكي أعرب أيضاً عن أمله في أن تبدأ الأطراف "بكتابة سفر جديد من التاريخ المشترك"، وقال إنه "على رغم حقيقة أن العلاقة الحالية تمليها الحرب، فإن بولندا تتفاعل بحدة مع القضايا المتعلقة بمأساة فولين وجيش التمرد الأوكراني وستيبان بانديرا"، في إشارة إلى رموز التناقضات التاريخية بين البلدين.

وكانت المصادر البولندية توقفت عند كثير مما قدمته وارسو إلى أوكرانيا من مساعدات عسكرية بلغت اعتباراً من نهاية عام 2022 ما لا يقل عن ملياري دولار، فضلاً عما جرى إمدادها به من معدات سوفياتية قديمة وأسلحة حديثة تتفق مع معايير "الناتو"، إلى جانب ما استهلت به بولندا مساعداتها العسكرية إلى أوكرانيا منذ اليوم الثاني لبداية العملية العسكرية الروسية وتضمنت نحو 100 وحدة من قذائف "الهاون" عيار 60 ملم وما يلزم من ذخيرة ومجموعات من الطائرات من دون طيار وغيرها من المقذوفات، كما أعلنت وارسو عن خططها لإمداد كييف بمقاتلات  MIG-29وطائرات SU-25 الهجومية.

بصرف النظر عما يجري نشره من تفاصيل حول مفردات الدعم العسكري الذي تواصل بولندا تقديمه إلى أوكرانيا في إطار خطة مشتركة "كاملة الأركان" مع بلدان "الناتو" وغيرها من دول التحالف المضاد لروسيا، فإن بولندا تظل من حيث وضعيتها الجيوسياسية أهم عناصر الدعم لأوكرانيا، وهو ما تدركه القيادة الأوكرانية حتى في أحلك لحظات الخلافات.

هناك أيضاً من يصف بولندا بمحامي أوكرانيا لدى المنظمات الدولية، وفي الصدارة منها الاتحاد الأوروبي الذي تقف فيه وارسو وعلى مدى أعوام طويلة في موقع "المدافع الأول" المؤيد لسرعة انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، بما يمكن أن يسمح ببدء المفاوضات الكاملة في شأن قبول أوكرانيا عضواً بالاتحاد قبل نهاية 2023. وفي هذا الصدد ينقلون عن وزارة الخارجية البولندية ما أصدرته من بيانات تدعو فيها إلى "ضرورة أن تحقق أوكرانيا النصر العسكري على روسيا قبل انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي".

يبقى الانضمام إلى حلف "الناتو"، وهو الذي تقف منه أيضاً بولندا في صدارة من ينادي بتسريع إجراءاته، وكشف عنه الرئيس دودا في غير مناسبة، مؤكداً ضرورة اضطلاع الحلف بتلبية كل ما يلزم أوكرانيا من دعم عسكري وضمانات أمنية، وذلك ما راح مراقبون كثر يسوقونه لإثبات أن بولندا صارت بالنسبة إلى أوكرانيا مثالاً للجار النموذجي الصدوق الذي لو حذت بقية الدول الأوروبية حذوه لكانت هذه الحرب انتهت بالفعل، وهو ما لا يغيب عن أنظار القيادة الروسية وحلفائها، وفي المقدمة منهم الصين التي أعلنت وكالة "رويترز" عن أن زعيمها شي جينبينغ سيقوم بزيارة موسكو خلال الأيام المقبلة، بما يشي بين طياته باحتمالات أن تكون هذه الزيارة بداية لمرحلة مغايرة في تعاون البلدين في مواجهة ما يضمره خصومهما من مخططات سبق أن جرى الكشف عنها في أكثر من مناسبة.

المزيد من تحلیل