منحت مشاركة المنتخب الجزائري، في نهائي كأس أفريقيا في العاصمة المصرية القاهرة، وفوزه بـ "النجمة الثانية" في تاريخ مشاركاته، فرصة غير مسبوقة لرئيس الدولة المؤقت عبد القادر بن صالح، الذي يستمر في قيادة الجزائر لـ "ولاية ثانية" إثر فتوى دستورية. وأغاظت مشاركة بن صالح، نهائي العرس الأفريقي، خصوم تمديد ولايته، لا سيما بعد توالي "اتصالات" هاتفية تهنئه، آخرها من العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز.
وفي اليوم العاشر من ثاني ولاية لرئيس الدولة الجزائري، كان عبد القادر بن صالح الرجل يقف بين لاعبي المنتخب الجزائري، خلال تتويجهم بالكأس الأفريقية الثانية، في مشهد كان كالحلم، خصوصاً أن مشاركة منتخب بلاده، منحته فرصة أول زيارة رسمية باسم رئاسة الجمهورية، للقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ثم أنه توسط عدداً كبيراً من مسؤولي الكرة العالمية في مراسم التتويج، وصولاً إلى استقبال بعثة المنتخب الجزائري بقصر الشعب مساء السبت 20 يوليو (تموز) 2019.
وأثارت مشاركة عبد القادر بن صالح، في مراسم نهائي كأس الأمم الأفريقية، جدلاً بين خصوم ولايته الثانية، وأصحاب الجدل كانوا على علم أن هذه المشاركة وإن كانت "كروية"، فإنها بطعم سياسي بحت، إذ جاءت في مرحلة يشكك فيها أنصار "الشغور الدستوري" في صحة ولاية بن صالح الثانية (بعد 90 يوماً الأولى).
لقاء السيسي... وتهاني العاهل السعودي والملك المغربي
فور وصوله إلى القاهرة مساء الخميس 18 يوليو 2019، استُقبل عبد القادر بن صالح، من قبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وكانت أول زيارة لبن صالح، خارج الجزائر في "ثوب" الرئيس، ما شكل "اعترافاً" بولايته في نظر أنصار الحل الدستوري والداعمين لمشروع الذهاب صوب الانتخابات الرئاسية.
وفور عودته إلى الجزائر، تلقى بن صالح، التهاني من قبل العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز، الذي اتصل به هاتفياً ليؤكد لبن صالح أن "هذا الانتصار الذي حققه المنتخب الجزائري فخر لكل الأمة العربية."
كما وردت إلى رئاسة الجمهورية رسالة "غير مسبوقة" من الملك المغربي محمد السادس، هنأ فيها الجزائريين وأعرب فيها عن "الفخر والاعتزاز بهذا التتويج المستحق"، واعتبر أن "الأمر يتعلق بفوز بلد مغاربي جار وشقيق، وكأن هذا التتويج هو بمثابة فوز للمغرب أيضاً".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الرئاسة تسوق لصورة الرئيس
كان واضحاً حرص الرئاسة الجزائرية على تسويق صورة رئيس الدولة، في محطات بارزة من مشوار "الخضر" قبل نهائي الكأس، فكانت الصور تتابع لبن صالح، في معسكر الفريق ساعات قبل المباراة، وما قاله في خطابه لهم "أحمل إليكم رسالة من 44 مليون جزائري"، وهي الفقرة التي أثارت ردوداً على مواقع التواصل الاجتماعي من ناشطين يخاصمون السلطة القائمة، عبر سؤال تداوله كثيرون "من كلف بن صالح بنقل رسالة باسمنا؟".
وسوقت الرئاسة أيضاً صورة بن صالح متوسطاً رئيس الاتحادية الدولية لكرة القدم، ورئيس الوزراء المصري، في المنصة الشرفية، ثم أبرز اللحظات مع قائد الفريق الجزائري، رياض محرز. أما في الجزائر، فمنح بن صالح الطاقم الفني واللاعبين "وسام الاستحقاق الوطني".
ويُمنح وسام الاستحقاق الوطني، من طرف رئيس الجمهورية، مقابل الخدمات الجليلة التي تؤدى للبلاد في وظيفة مدنية أو عسكرية أو الخدمات الاستثنائية المقدمة للثورة التحريرية، كما يُمنح للمواطنين الذين تمكنوا بمواهبهم الخلاقة من إعلاء سمعة البلاد، ويتكون وسام الاستحقاق الوطني من ثلاث درجات، هي عشير وجدير وعهيد، وثلاث رتب هي أثير وعميد وصدر.
ونظم بن صالح حفل استقبال على شرف أعضاء المنتخب الجزائري، وقال في كلمته "قررنا أن نسدي للاعبي المنتخب أوسمة الاستحقاق الوطني". وأضاف "ويعد هذا التكريم استثنائياً بحق، إذ يهدف إلى مكافأة إنجازاتكم المتميزة لكي يكون مصدر إلهام وقدوة حسنة للأجيال المقبلة".
وتابع "منذ أن بدأتم مشواركم الرياضي المظفر في منافسة قارية صعبة، تعلقت بكم آمال الجزائريات والجزائريين في الوطن وفي الخارج".
الملحق العسكري في ملعب "القاهرة"
من الصور العالقة في أذهان سياسيين، أكثر من أنصار كرة القدم، دخول الملحق العسكري لسفارة الجزائر في القاهرة، أرضية الملعب الذي حضن النهائي، مرتدياً الزي العسكري المخصص للتشريفات. وبقدر ما أثارت تلك الصورة ردود فعل، "لم تُفهم" دواعي وجود الرجل بين المهنئين، إلا أن كثيرين صوروها ضمن جهود المؤسسة العسكرية في نقل وإعادة مشجعين جزائريين (وزارة الدفاع خصصت تسع طائرات عسكرية).
نور الدين بدوي الخاسر الأكبر
وعلى الرغم من المكاسب السياسية المتعددة التي دخلت "خزينة" بن صالح ووزير الشباب والرياضة في "الحكومة المرفوضة شعبياً" عبد الرؤوف برناوي، إلا أن الوزير الأول نور الدين بدوي، كان أبرز "الخاسرين" على الصعيد السياسي، لا سيما بعد أن علق مئات المشجعين في مطار القاهرة فور نهاية المباراة.
وخصصت حكومة بدوي 21 طائرة من دون احتساب التسع العسكرية، لنقل المشجعين، إلا أن عودة المئات تأخرت وظل المئات عالقين من دون حل يذكر لغاية مساء الأحد 21 يوليو، وتحولت فرحة النصر إلى غضب ضد الحكومة التي "لم تف بوعدها"، في الوقت الذي كان نور الدين بدوي في استقبال بعثة "الخضر" في مطار هواري بومدين الدولي.
"البديل الديمقراطي" يلمح لصورة بن صالح
في سياق متصل، سارعت أحزاب "البديل الديمقراطي" التي تضم عدداً من السياسيين الرافضين للذهاب إلى رئاسيات بشكل مباشر، إلى توجيه بعض الانتقادات غير المباشرة لرئاسة الدولة، ولو في "ثوب" اجتماع تنسيقي.
وقال محسن بلعباس، رئيس التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، الأحد 21 يوليو إن "استمرار عبد القادر بن صالح على رأس الدولة، من شأنه تقويض الحوار الوطني"، يأتي هذا في سياق مبادرة أعلنها تكتل مدني يسمى "منتدى التغيير المدني"، مطالباً بـ "حوار مع شخصيات تملك الشرعية" في إشارة لرئيس الدولة، كما طالب بلعباس بـ "إطلاق سراح المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي وذهاب كل رموز النظام".