Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الروس خطفوا شقيقه وقتلوه وتركوا أمه تموت

مواجهة بين قائد أوكراني وجيران يشك في أنهم خانوا عائلته في قريتهم

أليكساندر أوسادشي، إلى اليمين، يستجوب جاريه نتاليا ويوري زدوزوفيتس (كيم سنغوبتا)

ملخص

بعد مرور عام على #الحرب الضروس على #أوكرانيا، يريد الرائد أليكساندر أوسادشي اليوم أن يعرف الحقيقة: كيف #قتل شقيقه؟ كيف ماتت أمه؟ من وشى بعائلته وماذا حصل بالتفاصيل؟

 

"شقيقي أندريه خطف وعذب وقتل هنا، فهل شاركتما في ما حل به؟ هل تعرفان ماذا فعلوا بجثمانه وأين دفنوه؟"، تلك هي الأسئلة التي طرحها الرائد أليكساندر أوسادشي على اثنين في جيرنه في قرية كاميانكا، شرق أوكرانيا.

وقد أخبر بهدوء، إذ كان يسعى إلى الحفاظ على رباطة جأشه، كيف ماتت أمه ماريا، 85 سنة، من الجوع: كانت مريضة وخائفة ووحيدة بعد أن أخذ الجنود الروس شقيقه الذي كان يهتم برعايتها. وقد تم العثور على جثمانها النحيل بعد ستة أشهر. كانت متقوقعة على نفسها تحاول الشعور ببعض الدفء.

نكر الجاران نتاليا ويوري زدوزوفيتس أن يكونا قد أخبرا عن أندريه، الذي كان في السابق جندياً أوكرانيا بالتالي مستهدفاً من الروس. واعترفا بأن سكاناً آخرين في المنطقة اتهموهما بالعمالة، وأنهما خضعا أكثر من مرة لاستجواب "جهاز الأمن الأوكراني" SBU، أو فرع المعلومات الأوكراني، والشرطة. لكنهما كررا أنه لا علاقة لهما بمقتل شقيقه.

وقالت نتاليا زدوزوفيتس مترددة: "لقد سرت إشاعات بأن الروس قتلوه رمياً بالرصاص. لكنني لا أعرف مدى صحة هذه المزاعم". وقاطعها ابنها يوري ليقول للرائد أوسادشي: "يجب أن تفهم أن الروس وجنود جمهورية لوغانسك الشعبية كانوا يملكون منذ الأساس قائمة بالأشخاص الذين خدموا في الجيش الأوكراني، بالتالي، لم يكونوا بحاجة إلى مساعدة أي كان للعثور عليهم".

تمثل هذه المواجهة الخارجة عن المألوف جانباً وحشياً آخر من جوانب هذه الحرب، يتخلله فضح للخداع والخيانة في القرى، وحالات قتل وخطف واختفاء سرية، وبحث العائلات المفجوعة اليائس عن الحقيقة.

أدخل البرلمان الأوكراني المادة 1-111، حول "أنشطة العمالة" إلى القانون الجنائي، بعيد اجتياح بوتين للبلاد، بهدف التصدي لأعمال التخريب المحلية. وبالنتيجة، وجهت التهم بمعظمها، حتى الساعة، إلى مسؤولين أوكرانيين عملوا مع الروس، أكثر منه إلى أفراد ينتمون إلى الطابور الخامس.

 

تقر مكاتب الادعاء في أرجاء البلاد، بالقسم الأكبر منها، بأنها بكل بساطة تفتقر إلى الموارد اللازمة للمباشرة فوراً في ملاحقة ملفات العمالة وعمليات القتل التي نتجت منها. وفي خاركيف، تفيد مباحث الجنايات بأنها تحقق في 490 جثة مجهولة الهوية على نطاق أوسع في محيط كاميانكا، وسط توقعات بالعثور على عدد أكبر حتى من الجثث.  

يقف الجاران زدوزوفيتس أمام منزلهما فيما تنبح الكلاب، ويواصلان نكر أية علاقة لعائلتهما بالمسألة. أما الرائد أوسادشي، 60 سنة، فينتظر، إذ يبدو أن المستجوب والمتهمين بلغا حائطاً مسدوداً، وها أنهم يقفون جميعاً وسط البرد القارس والرياح العاتية على طريق امتزج عليها الجليد والوحل. ويبقى الطرفان غارقين في صمت عميق.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ظل يوري يعصر بيديه، وعيناه شاردتان إلى الجنب، ولا ينفك يلعق شفتيه المشققتين. أما أمه، فكانت نظراتها تتنقل بينه وبين الرائد وبين المسدس في غمد الرائد.

وأخيراً، قرر يوري أن ينطق، فقال: "أعرف فقط ما قاله لي جنود جمهورية لوغانسك الشعبية. لقد قصدوا منزل أمي، وكانت في القبو. عثروا على شقيقك واستجوبوه لأنه كان في الجيش الأوكراني، وبعد ذلك أعدموه. أقسم بأن هذا كل ما أعرفه... قلة من الناس على اطلاع بما حل بأندريه، وسأخبرك بهوياتهم". هز الرائد أوسادشي برأسه وقال: "فلنبدأ، كلني آذان صاغية..". فأعطاه يوري ثلاثة أسماء.

 

إلى جانب المطالبة بالعدالة للذين خسروا أحبتهم، ظهرت الحاجة لدى كثيرين إلى سماع اعتراف. لقد جاء الرائد أوسادشي، من كتيبة "القوساق" رقم 226، للقاء أفراد عائلة اعتقد أنهم مخبرون، وكان يحمل مسدس الخدمة من طراز "ماكاروف"، بعد أن أخرجه من البيت خلسة، وأخفاه عن زوجته التي طالبته مراراً وتكراراً وناشدته بعدم أخذ مسدسه.

وقال: "لقد غلبني الحزن حيال ما حل بأمي المسكينة، وبشقيقي المسكين، وحيال ما اختبراه من عذاب. هذان الشخصان لا يخبران الحقيقة، وأنا أعرف ذلك. أنا أستشيط غضباً، حتى أنني للحظة، كدت أفقد صوابي، لكنني عدت وضبطت أعصابي".

وأضاف: "في النهاية، لا يمكن أن نتشبه بأمثالهما، عند الجانب الآخر، ممن يقتلون لمجرد القتل. سأعرف ما حل بشقيقي بالتفاصيل. وسأبقى أعود إلى هذين الشخصين. من المثير كيف بدآ يتذكران أموراً ما إن رأيا أنني عسكري ومسلح".

بدورها، بدأت نتاليا زدوفوفيتس تتذكر تفاصيل. "أنا من اصطحب فريق الطوارئ إلى منزل أمك. لقد قال الروس إنها تعيش في القبو، فأخذت فريق الإنقاذ إلى المكان بعد رحيل الروس. لم أنزل إلى القبو لأنني كنت مذعورة. وسمعنا كيف عثروا عليها، وما حل بها"، بحسب ما قالت وهي تصنع بيدها إشارة الصليب على وجهها. "من كان ليفكر بأن أمراً بهذه الفظاعة قد حصل في مكان كهذا؟ في قريتنا"؟

في ما مضى، كانت كاميانكا الواقعة في ضواحي (أوبلاست) خاركيف، عند مخرج الخط العام المؤدي إلى دونباس، قرية نموذجية أسسها أرستقراطي روسي كان صديقاً لألكساندر بوشكين، حيث قرر أن يستقر في المكان عقب زيارة قام بها إلى بريطانيا وعاد منها برفقة زوجته الإنكليزية. وكانت القرية معروفة بمناظرها الخلابة المطلة على وديان عميقة، تملؤها المساحات المعشوشبة والبساتين صيفاً، قرية صنعت لنفسها سمعة، على مر العقود، على أنها مكان تحلو فيه الحياة.

لقد أسست سلطات القرية مدرسة مع مرافق خاصة للمتفوقين، وطورت صالة ألعاب رياضية، ومنتزهاً، ومركزاً محلياً للحرف اليدوية، ومصنعاً زراعياً. وقد جرى تفكيك كنيسة حصد جمال قبتها ومذبحها كثير من الدهشة، واستعملت حجارتها لبناء مدرج طيران في الحقبة السوفياتية. والحال أن الكنيسة الخشبية التي حلت مكانها أحرقت هي التالية بنيران الصواريخ خلال الحرب الراهنة.

أما اليوم، فكاميانكا ممسوحة بالأرض تماماً، حتى أنها ما عادت موجودة رسمياً، بحسب ما أفادت السلطات الأوكرانية، بعد أن تحولت إلى مسرح لأكبر معركة دبابات خلال الحرب - كان هدفها السيطرة على موقع إيزيوم الاستراتيجي والاستيلاء على المنطقة الواقعة خلفه.

ولم يبق من سكان القرية، وكان يبلغ عددهم 1,800 قبل الحرب، إلا ما يزيد على 20 بقليل. ولم يبق أكثر من ستة بيوت لا تزال منتصبة، وقد تضرر القسم الأكبر منها، علماً بأن المنزل الوحيد الذي بقي على حاله نسبياً هو منزل عائلة زدوزوفيتس، فكانت من الأسر القليلة التي بقيت في القرية بعد أن استولى الروس عليها، وبعد أن رحل عنها جميع السكان الآخرون تقريباً.

قمت بزيارة كاميانكا في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بعد أن سمعت عن مدى الدمار في القرية وعن كونها الموقع الذي نشبت فيه معركة إيزيوم. في ذلك اليوم، كانت أولغا نايموفا قد عادت إلى المكان مع أفراد من عائلتها، مجتازة بصعوبة السيارات والآليات العسكرية المحترقة، والطرقات المزروعة بالذخائر التي لم تنفجر على الأرصفة، كي تنقذ ما أمكن من منزلها.

كان الجنود الروس متمركزين في منزلها وفي منازل أخرى في محيطه، وقد تعرضوا لنيران الرشاشات والقذائف الصاروخية. وأخبرت السيدة نايموفا أنهم "سرقوا ما أمكن عندما لاذوا بالفرار، بالتالي، لم يبق كثير في المنزل". وتابعت: "نحن طبعاً محظوظون لأننا على قيد الحياة. فقد قتلوا الناس، ومات شابان رمياً بالرصاص. وقد وضعوا بعض الرجال في خندق ورموا رمانة داخله. كما وأن هناك من جاء يصطحب رجلاً مسناً وشاباً، ولم نرهما يوماً منذ ذلك الحين".

"لكن بعض العائلات استفادت من الاحتلال، وتلك العائلة في الخلف كانت أهم المستفيدين"، بحسب ما أكدت، مشيرة بأصبعها إلى خلف الحدائق المليئة بالأنقاض. "اعتاد الروس الذهاب إلى هناك. خلال الاحتلال، كانت الأشجار عارية الأغصان، وكنا نرى بوضوح ما يحصل. لقد قصد الروس ذلك المكان طوال الوقت. يجلبون لهم الطعام، ويذهبون للتحدث معهم ويطلبون إرشادات مرور. ونحن بقينا بعيدين من تلك العائلة".

تلك العائلة ليست سوى عائلة زدوزوفيتس. وعندما التقيت بأفرادها في أكتوبر، اشتكوا من أنهم اتهموا بالعمالة من دون أي إثبات. وقالت نتاليا زدوفوفيتس: "لقد شاهد الناس جنوداً روساً يأتون إلى هنا، لكن ماذا عسانا نفعل؟ كان الجنود مدججين بالأسلحة، وأرادوا الحليب، وأرادوا البطاطا. وفي بعض الأحيان أعطونا بعض الطعام بالمقابل". وأكملت بالقول: "فقط لأننا لم نمت ولم نتأذ، اعتقدوا أننا نقف بطريقة أو بأخرى مع الروس. لكننا لم نقف إلى جانبهم، والله هو الذي حمانا".

تمثل أحد مصادر هذه الحماية الإلهية، على حد تعبير يلينا، زوجة يوري، وعمرها 46 سنة، بأيقونة العذراء المأخوذة من الكنيسة الأرثوذكسية الروسية القريبة. وكانت قد رأت في المنام، قبل أشهر من اندلاع الحرب، بأنه لا بد من وضع أيقونة في الكنيسة، فأوصت العائلة بصنع أيقونة، وقد استلمتها الكنيسة لاحقاً.

وأكملت بالقول: "أحضرنا الأيقونة إلى المنزل عندما تأذت الكنيسة، وجلبنا من الكنيسة أيضاً بعض الأغراض المقدسة لإنقاذها... ولعل وضع الأيقونة في المنزل ساهم في إنقاذ حياتها". لكنها أضافت أن "الناس يقولون هذه الأمور عنا، ويؤكدون أننا مخبرون. وقد خضعنا لاستجواب الشرطة و’جهاز الأمن الأوكراني‘ مرات عديدة، وكانت آخر مرة منذ أشهر قليلة... وهكذا دواليك".

للزوجين يلينا ويوري ابنان هما ياروسلاف، 15 سنة، وفلاديسلاف، 19 سنة. وتقول إنه تم تشكيل فلاديسلاف في الجيش وإنه تعرض لإصابة بالغة. بيد أنها رفضت الكلام عن الكتيبة التي خدم فيها، أو عن زمان أو مكان إصابته، أو عن المستشفى الذي نقل إليه. ويزعم أحد سكان القرية أن فلاديسلاف انضم إلى قوات جمهورية لوغانسك الشعبية الانفصالية، وأصيب في القتال في خاركيف. لكن الجار المذكور لم يعط أي دليل على ذلك.

أخبرني أفراد عائلة زدوفوفيتس بحصول عمليات إعدام أقدم عليها الروس، وشملت جندياً سابقاً قتل على مقربة من مدرسة القرية. إلا أنهم لم ينبسوا ببنت شفة عن الموضوع أمام الرائد أوسادشي.

كنت التقيت بالرائد أوسادشي عندما كان يشارك مع كتيبته في المعركة الضارية دفاعاً عن خاركيف، ثاني أكبر مدينة في أوكرانيا، وغنيمة حرب مرغوبة جداً من الروس. وفي مارس (أذار)، أخبرني بين جولات القصف الصاروخي بأن أمه قتلت في القصف في بيتها في كاميانكا. وقال إن شقيقة أندريه، البالغ من العمر 53 سنة، كان قد دفنها في القرية ثم رحل لينضم إلى كتيبته القديمة في الجيش في مدينة سلوفيانسك، في دونباس.

وقال إن "وضع الاتصالات كان رديئاً للغاية آنذاك، وكانت السطوة على الأماكن تنتقل على جناح السرعة. وعلمت بأمر أمي من بعض الناس وتقبلت الخبر الذي تلقيته". وأضاف: "كنت على تواصل دائم مع شقيقي عبر الهاتف، إلى أن حصل أمر فجأة، وانقطع الاتصال برقمه تماماً. والآن فهمت أن ذلك حصل عندما اعتقلوه وعلى الأرجح قتلوه.

"عاودت المحاولة بعد شهر، وقد عاد الهاتف إلى الخدمة مجدداً. وأجابني صوت باللغة الروسية مع لهجة شيشانية. وبدأ يهددني ويقول إنه سيجدني ويقتلني. فأدركت أن هاتف أندريه بحيازة الروس، لكنني لم أعرف مزيداً. وفكرت في أنه ربما أوقعه على جبهة القتال. أو ربما كنت أتحدث إلى قاتل أخي".

كان على الرائد أوسادشي أن ينتظر حلول الخريف ليكتشف كيف ماتت أمه تحديداً. فقصد كاميانكا ليدفنها في مقبرة محلية ترقد فيها ثلاثة أجيال من عائلة أوسادشي. واكتشف أن المنزل العائلي تعرض للنهب والتخريب، وكانت بزات عسكرية روسية ومعلبات غذائية مستعملة مبعثرة على الأرض.

وتذكر الرائد أوسادشي قائلاً: "عندما قصدت كاميانكا لمراسم الدفن، التقيت بيوري زدوزوفيتس وبشقيقه ميكولا. وأعطيتهما طعاماً وماء أحضرتهما لأهل القرية من خاركيف. وأخبرني أحدهم بأن الشقيقين سيعرفان ما حل بوالدتي وبأندريه، كما طلب مني توخي الحذر منهما، واكتفى بما قاله. وقد اكتشفت لاحقاً أنهما عميلان".

"قالوا آنذاك إنهم لم يعرفوا الكثير. أما اليوم، فباتت لديهم فجأة معلومات أكثر بكثير. ولو أخبروني بالمكان الذي يمكن أن أعثر فيه على جثمان أندريه، فستكون خطوة عملاقة. وسأدفنه إلى جانب أمي"، بحسب ما  أفاد الرائد أوسادشي، الذي تابع قائلاً: "لقد اهتم برعايتها كل يوم، وكنت أراهما في أحيان كثيرة قبل الحرب. ولعلها شعرت بخوف شديد في النهاية، بغيابنا نحن الاثنين. لقد كنا عائلة متقاربة".

"من المضحك اليوم أن أعثر في منزل أمي، ووسط كل هذا الدمار، على وشاح كان تحب أن تضعه. وهي تضعه في إحدى صورها الجميلة. لقد كان الوشاح نظيفاً فعلاً، وشبه جديد، على الرغم من كل القذارة حوله. ولعلها رسالة تخبرنا فيها كم تحبنا، ورسالة توجهها إلي، كي أعثر على أخي الوحيد في مكان ما، وآتي به إلى البيت".

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من دوليات