Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بحر اليونان... مقبرة أحلام أهالي غزة

حلم "عروس غزة" يتبخر وما زالت الحناء على يديها وفستانها الأبيض داخل حقيبتها

والدة صابرين تبكي وهي تحمل صورتها على هاتفها المحمول (اندبندنت عربية - مريم أبو دقة)

ملخص

أكثر من 360 فلسطينياً من #غزة لقوا مصرعهم أو فقدوا في #البحر خلال العام الماضي أثناء محاولات #الهجرة_غير_الشرعية إلى #أوروبا

 

نقشت على يدها الحناء استعداداً للقاء عريسها، الذي طال انتظاره، ارتدت أجمل الملابس، وتزينت أمام مرآة غرفتها التي قررت أن تغادرها للأبد، فقد دقت ساعة السفر بالنسبة إلى الفلسطينية صابرين أبو جزر، في رحلة على متن قوارب الهجرة غير الشرعية لتكن بجوار زوجها الذي يسكن في بلجيكا.

غادرت الفتاة بيت والدها، وسط الزغاريد التي أحاطت بها، وهي تمسك بيدها باقة الزهور كأية عروس في غزة، لكن وجهتها مختلفة، إذ شقت طريقها صوب معبر رفح الذي يربط القطاع بالعالم ثم ركبت قوارب الموت التي أودت بحياتها فعلاً.

قبالة سواحل اليونان، كانت نهاية حلم صابرين في بيت تعاهدت مع زوجها بناءه على السعادة، جراء غرق سفينة في الأول من مارس (آذار) الجاري كانت تقل نحو 26 مهاجراً من غزة بطريقة غير شرعية، من بينهم ثلاث عرائس توجهن لأزواجهن، وفق ما أعلنته وزارة الخارجية الفلسطينية.

بعيداً من سياج شائك حاصر غزة ذات المساحة الصغيرة وبداخلها مئات الآلاف من الفقراء والعاطلين عن العمل، كانت تحلم صابرين في تأسيس بيتها، لكن أمواج البحر لم تشفع لحلمها ولا لنقش الحناء على يدها ولا لفستانها الأبيض الذي حملته معها، وابتلعت روحها ولفظت جسدها على شاطئ اليونان.

في الثالث من فبراير (شباط) الماضي، رتبت صابرين فستان زفافها الأبيض بعناية فائقة داخل حقيبة سفرها وبمساندة عائلتها حملتها إلى معبر رفح، وهناك كانت قبلات الوداع الأخيرة التي طبعتها على وجه والديها، من دون أن تدري أنها غادرت للأبد، قبل أن يروي بحر اليونان قصة "عروس غزة" الحزينة.

"كانت وجهة صابرين الأولى نحو تركيا للقاء عريسها، وعاشا معاً ثلاثة أسابيع، قبل أن يغادر إلى اليونان، على أن تلحق به عروسه في رحلة غير شرعية"،  وفق ما يروي شقيقها محمد أبو جزر.

ويضيف "لم يكن أمام صابرين إلا خوض البحر لتستكمل زفافها على من أحبت وتعاهدت معه، لكن قبل وصولها إلى الشاطئ انشق المركب إلى شطرين وغرقت الفتاة التي كانت تبحث عن حياة كريمة، كنا نستعد لزفاف صابرين، لم يكن في الحسبان أن تواجه مصير الغرق والموت، كانت الزغاريد ستعلو في ديارنا لكن الفرحة لم تكتمل وتحول المكان إلى بيت عزاء".

يوضح محمد أن الظروف المعيشية في غزة هي التي بددت أحلام صابرين وبقية الشباب، وباتت الهجرة ملاذهم الوحيد للحياة الكريمة، مشيراً إلى أنه لم يرغب شباب غزة يوماً في الهجرة، لكن الأسباب دفعتهم إلى ذلك.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كثيرة هي الأسباب، فغزة لا يوجد بها فرص عمل، وهذا جعل نحو 71 في المئة من السكان عاطلين، الأمر الذي رفع نسبة الفقر إلى 64 في المئة، وتسبب ذلك في انعدام الأمن الغذائي وباتت نحو 81 في المئة بلا طعام.

لم تكن صابرين وحدها التي لقيت مصرعها على سواحل اليونان، أيضاً محمود بكر الآخر التقط أنفاسه الأخيرة وسط مياه البحر، وخلف وراءه قصة حزينة، كان يتوقع الشاب أن مصيره غير الشرعية الغرق، حيث استبق الرحلة بكتابة منشور على صفحته عبر منصة التواصل الاجتماعي "فيسبوك" جاء فيه أنه "غادرت غزة جائعاً، لكن البحر لم يشعر بمعاناتي وفهمني بشكل خاطئ فأنا لم أكن أشعر بالعطش بل كنت جائعاً فقط".

وقال محمود "أخبروا البحر بعد إعلان خبر موتي بأنني لم أكن أشعر بالعطش ليروينني بمائه حتى الموت، أنا فقط رجل أهلكه التعب ورسم خرائطه بوجهي على هيئة تجاعيد، عانيت طوال حياتي من الفقر".

كان محمود يعمل طوال اليوم في غزة في مقابل خمسة دولارات، ويصفها بأنها ثمن علبة سجائر، وهذا الفقر الذي دفعه إلى الهجرة حتى يوفر لأطفاله حياة سالمة كريمة يقول إنه "هاجر كما جميع فقراء العالم، وتوجه إلى البحر ليخرجه من ظلم غزة إلى الحياة خارجها".

خلال عام 2022، غادر غزة 145 ألف مواطن عبر معبر رفح الحدودي مع مصر، وهذا يمثل أعلى عدد منذ عام 2014، فيما عاد إلى القطاع نحو 57 ألفاً وهذا أدنى عدد، والبقية ما زالوا في الخارج، لكن ليس من الضروري أن يكونوا باحثين عن الهجرة، وفقاً لما رصده مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.

 

 

ومن غير المعروف بشكل رسمي عدد الأشخاص الذين هاجروا من غزة منذ سيطرة حماس على القطاع عام 2007، لكن تقرير لمجلس العلاقات الدولية يظهر أن 960 ألف مواطن غادروا القطاع من دون عودة منذ سيطرة حماس غزة عام 2007، وبحسب التقرير هناك 60 ألفاً هاجروا من غزة بطرق غير شرعية منذ عام 2014، بحثاً عن حياة أفضل.

وبحسب الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني "حشد"، فإن أكثر من 360 فلسطينياً من غزة لقوا مصرعهم أو فقدوا في البحر خلال العام الماضي أثناء محاولات الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا.

وكما محمود وصابرين، اختفت آثار عدي في بحر اليونان، يقول أخوه محمود إنهم لا يعرفون أية معلومات عنه، وتواصلوا مع السفارة الفلسطينية لكن لم يحصلوا على رد، ولم يستجيبوا لرسائلهم.

يضيف "لا مسؤول تحرك لمعرفة أخبار أخي الذي غادر غزة هرباً من فجر هذا البلد، وهذا يعني أن سكان غزة باتوا سلعة تجارية في يد الحكومات الفلسطينية، والناس تموت ألف مرة في الثانية من دون أن يتحرك مسؤول، وسط المناشدات التي يطلقها كل يوم المواطنين".

لكن يرد رئيس ديوان مكتب وزير الخارجية والمغتربين الفلسطيني أحمد الديك بأنهم يتابعون قضية غرق قارب الهجرة غير الشرعية قبالة سواحل اليونان، مع السلطات ذات الاختصاص، لكن في بعض الأحيان الوصول إلى المعلومات عن الأشخاص الغرقى يحتاج إلى وقت".

ويضيف "على مدار أعوام ونحن نحاول وقف محاولات الهجرة لكن لم ننجح في ذلك، لأن سكان غزة يلجأون كثيراً إلى الهجرة بطرق غير شرعية، هرباً من الأوضاع الاقتصادية المتردية في القطاع، ويسقطون في يد عصابات الاتجار بالبشر".

أما من جهة الجهات الحكومية في غزة، فهي لا ترى أن الهجرة غير الشرعية ظاهرة. ويقول النائب عن حركة "حماس" في المجلس التشريعي عاطف عدوان، إنهم يعملون على تمكين الشباب في القطاع من خلال تغيير أوضاع المجتمع بخاصة النواحي الاقتصادية".

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي