Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

دفء لا يرحم... النار البدائية تقتل سكان غزة

وسائل التدفئة القديمة تودي بحياة 5 وتزج بـ20 في العناية المركزة خلال أسبوع واحد والأهالي: "ليس أمامنا سواها"

يتخذ الحطب مكان الصدارة في وسائل التدفئة بالنسبة إلى سكان غزة لرخص ثمنه (اندبندنت عربية – مريم أبو دقة)

في مساء يوم ماطر و#شديد_البرودة، جلبت هناء إبريق الشاي وقطعة من الخبز وأكوام الحطب إلى غرفة منزلها الصغير ورتبت #الأخشاب_اليابسة فوق كانون مهترئ، وبيديها المرتعشتين أمسكت أعواد الثقاب لتضرم النار فيها علها تشعرها بالدفء.

بدأت هناء ليلتها الباردة على صوت قارئ نشرة الأخبار في المذياع الذي يعمل بالبطاريات، فالكهرباء مفصولة عن منطقتها بحسب جدول توزيع الأحمال في غزة، مدت يديها بالقرب من اللهب لتكتسب بعض الدفء وتقلب قطع الخبز فوقه واستمرت على تلك الحال حتى غفت من دون أن تدري أنها ستكون غفوتها الأخيرة.

دفء بلا رحمة

بعد ساعتين، علم الدفاع المدني عن حال السيدة هناء ونقلها إلى المستشفى جثة هامدة على إثر استنشاقها كمية كبيرة من المواد السامة الناتجة من اشتعال الحطب في مكان مغلق من دون تهوئة، بحسب ما أفاد المتحدث باسم جهاز الدفاع المدني بغزة الرائد محمود بصل.

كان الحطب وسيلة التدفئة الوحيدة المتاحة أمام هناء الفقيرة التي لا تقوى على شراء مدفأة مثلها مثل كثيرين من سكان غزة الذين باتوا يعتمدون على وسائل تدفئة بدائية تقيهم برد ليالي الشتاء وتكون أنيساً لأوقاتهم.

لكن وسائل التدفئة البدائية هذه لم تكن رحيمة بسكان غزة وتسببت خلال أسبوع واحد في وفاة خمسة أشخاص واختناق عدد كبير منهم 20 دخلوا إلى غرف العناية المركزة ومكثوا فيها أربعة أيام في الأقل يتلقون الرعاية الصحية، وفقاً لما أعلنه جهاز الدفاع المدني.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

سكان غزة مجبرون على استخدام وسائل التدفئة البدائية ولا خيارات أمامهم سواها، فهي الطريقة التي توقف رعشات الشتاء، فضلاً عن أنها الوسيلة الأقل كلفة في ظل ما يعيشونه من أزمات مادية تعصف بحياتهم.

يتخذ الحطب مكان الصدارة في وسائل التدفئة بالنسبة إلى سكان غزة لرخص ثمنه، فالكيلوغرام منه لا يتجاوز سعره ربع دولار أميركي، يليه الفحم الذي تتجاوز الكمية نفسها منه دولاراً ونصف الدولار، ثم مدفأة الغاز ويبلغ سعر الأسطوانة منها بحجم 12 كيلوغراماً نحو 21 دولاراً.

تعد أسعار الوقود والغاز في غزة مرتفعة جداً، وتفرض الحكومة ضريبة ثابتة مقطوعة على المشتقات النفطية، مما يجعل مشتقات النفط أو الغاز بعيدة من متناول الفقراء ومحدودي الدخل، بخاصة مع بلوغ نسبة البطالة نحو 75 في المئة، بحسب بيانات جهاز الإحصاء الفلسطيني (مؤسسة حكومية).

أما المدفأة الكهربائية وأجهزة التكييف، فلا يستخدمها عامة سكان غزة، بل تقتصر على طبقة معينة في القطاع في ظل عدم توافر التيار إلا لمدة أربع ساعات في اليوم مقابل غيابه 20 ساعة.

هل تكفي التحذيرات؟

ليس عدم انتظام الكهرباء وحده الذي دفع سكان غزة إلى استخدام النار للتدفئة، بل أيضاً كان للفقر دور مهم، فمؤشراته تجاوزت 80 في المئة، مما يعني أن 1.2 مليون شخص في غزة بات مصدر دخلهم لا يتجاوز خمسة دولارات في اليوم، فضلاً عن تفضيل الأسر شراء الغذاء على التدفئة، إذ إن 81 في المئة من أسر غزة من دون مأمن غذائي، وفق بيانات مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة "أوتشا".

على أية حال، قصة وفاة خمسة أفراد من غزة واختناق كثير منهم ودخولهم العناية المركزة، أثارت موجة سخط واسعة بين السكان لأن الناس باتوا عاجزين حتى عن توفير تدفئة جيدة للأطفال الصغار وعدم قيام الجهات الحكومية بأية جهود لتخفيف معاناة الأهالي.

في الواقع، حذرت الجهات الحكومية في غزة المواطنين من استخدام وسائل التدفئة البدائية، كما أطلق رئيس قسم الاستقبال والطوارئ في مستشفى "الشفاء" نداء إلى المواطنين بضرورة عدم إشعال الفحم والحطب ومدفأة الغاز، لكن في الوقت نفسه يتساءل السكان عن طرق التدفئة في حال لم يلجأوا إلى هذه الوسائل.

يقول المتحدث باسم جهاز الدفاع المدني التابع لوزارة الداخلية في غزة محمود بصل إن استمرار استخدام سكان غزة لوسائل التدفئة البدائية يجعلنا أمام كوارث أخرى في البيوت، لذلك عمدنا إلى تحضير إرشادات ونصائح للمواطنين.

ويضيف "طواقم الدفاع المدني تقوم يومياً بمهمات إنقاذ تسببها الاستخدامات الخاطئة لوسائل التدفئة البدائية خلال فصل الشتاء، ومن خلال التحقيقات وجدنا أن جزءاً من المهمات التي نقوم بها ناتجة من تسريب في إمدادات الغاز، أو إشعال مواقد الفحم في أماكن مغلقة.

يوضح بصل أن التحقيقات في إحدى الحوادث أثبتت تسرب كميات كبيرة من الغاز في أحد المنزل، حيث لم يستطع أصحابه أن يطلبوا النجدة بسبب الاختناق وتوفي أحد الأطفال لأن الفحم والحطب المستخدمين سيئان وكانا يحتويان على مواد سامة.

وحول دور الجهات الحكومية، يقول رئيس مكتب الإعلام الحكومي سلامة معروف إن الحكومة قدمت دعماً وصل إلى 4 ملايين دولار في قطاع المحروقات من أجل توفيرها في السوق المحلية بالأسعار نفسها من دون ارتفاع، وذلك حتى يتسنى للمواطنين شراؤها في فصل الشتاء لتكون وسيلة تدفئة آمنة.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير