Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

نظام عالمي جديد يرتسم ... وروسيا غير راجحة فيه

كثر الكلام أخيراً عن خطر تقسيم الاتحاد الروسي. وحذر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من ذلك الشهر الماضي، وكان سبقه هنري كيسنجر إلى قرع ناقوس خطر مثل هذا التفكيك  

لم ترم أوكرانيا السلاح سريعاً كما توقع الكرملين ولا تزال سبحة الحرب تكر وتغير موازين القوى (رويترز) 

ملخص

ما يصبو اليه #بوتين ليس التوسع العسكري فقط بل الخروج من #النظام-الدولي "الغربي" وقيوده واتفاقاته لاستعادة مكانة الاتحاد السوفياتي

عشية ذكرى عام على "العملية الخاصة" على أوكرانيا، أشهر صاحب مجموعة "فاغنر"، يفغيني بريغوجين، الخلاف مع وزير الدفاع ورئيس الأركان الروسيين. وأعلن أنهما "يحاولان تدمير فاغنر، ويحرمانها من الذخائر"، وطعن في ولائهما قائلاً "هذا يعد في مثابة خيانة". وهذا مرآة تنازع على السلطة في الداخل الروسي بين المؤسسات الرسمية وبين مجموعة مقاتلة قوامها من السجناء السابقين. وهذا النزاع قد يرقى إلى نزاع أهلي. واحتل كلام بريغوجين الصدارة قبيل خطاب فلاديمير بوتين في 21 فبراير (شباط). فالتلفزيونات الإخبارية نقلت تصريحات بريغوجين ثم بثت خطاب بوتين. وهذا التتالي المتزامن، إلى حد ما، ليس من بنات صدفة لا يعتد بها بل قد يكون مؤشراً إلى خطر انقسام داخلي قد يهدد روسيا في وقت لم تعد مؤسسات السلطة تحتكر السلاح. ويبدو أن ثمة نزاعاً أهلياً روسياً يدور ولم يعد يخفى: نزاع بين قوات فاغنر والقوات والقيادات النظامية.

وأعلن بوتين في خطابه الانسحاب من معاهدة الحد من الأسلحة النووية. ولكن هل يوجه انسحاب روسيا ضربة قاضية إلى النظام العالمي الموروث من حقبة ما بعد الحرب الثانية؟ وسبق أن وجه بوتين ضربات صغيرة زعزعت هذا النظام حين اجتياح جورجيا في 2008 وقضم شبه جزيرة القرم في 2014. ولكن هذه "العمليات الخاصة" لم تنته إلى تقويض النظام العالمي فحسب بل قوضت كذلك نفوذ روسيا في باحتها السوفياتية السابقة من آسيا الوسطى إلى أوروبا الشرقية مروراً بالقوقاز.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أما آخر خطوة أقدمت عليها موسكو على الصعيد الدولي فلقت صدى إيجابياً في أوساط تيار أميركي راسخ. فرحبت "وول ستريت جورنال" على سبيل المثل بانسحاب بوتين من معاهدة "ستارت". ولا يخفى أن المجتمع الأميركي لطالما تنازع بين الانعزالية التي تقضي بالانسحاب من العالم والسياسة الخارجية الرائدة و"الانغماسية"، أي لعب دور الشرطي، في العالم والتيار الأميركي الإنكفائي يرى أن التفاهمات الدولية تقيد يد بلاده النووية والعسكرية والتجارية. ونبهت الصحيفة الأميركية إلى أن اتفاقيات الحد من الأسلحة لا تحول دون حيازة الخصم مثل هذه الأسلحة وإفلاته من القيود والرقابة. ورأت أن مثل هذه الاتفاقات توحي بطمأنينة كاذبة ولكن الموقعين عليها قد يكونوا في حل منها. فعلى سبيل المثل، أمكن روسيا حيازة ترسانة رؤوس نووية تكتيكية عديدها ألفي رأس نووي تكتيكي وتفوقت على واشنطن في هذا المضمار التي التزمت بنود معاهدة الحد من الانتشار النووي ولا تملك سوى 230 رأساً من هذا النوع.

ويبدو أن ما يصبو اليه بوتين ليس التوسع العسكري فحسب بل أولاً الخروج من النظام الدولي "الغربي" و"الأميركي" وقيوده واتفاقاته على أمل استعادة روسيا مكانتها "السوفياتية"، ولكن يبدو أنها ستخرج أضعف مما كانت عليه في التسعينيات.

ضعف وتقسيم؟

وكان مستشار الأمن الأميركي الأسبق، هنري كيسنجر، أول من قرع ناقوس خطر تقسيم روسيا في مقالته المنشورة في موقع "ذي سبيكتايتور" في ديسمبر (كانون الأول) 2022، ثم في دافوس حين ذهب إلى ضرورة الحؤول دون تدمير روسيا نفسها.

والحق أن التقسيم في تحذير كل من بوتين وكيسنجر هو ثمرة مساعي تدخل خارجي يخشى من نتائجها وتبعاتها، في حين أن الضرب الآخر من التقسيم الذي بدأ كلام مراقبين يدور عليه هو من طينة أخرى، وهو نتيجة مباشرة لخطوات الكرملين غير المحسوبة العواقب. وهذا التقسيم من بنات يد بوتين وصنيعته والأمارات عليه تظهر أكثر فأكثر. والحق أن تحذير كيسنجر أكثر دقة مما يحسب المرء في الوهلة الأولى، فهو ذهب إلى ضرورة الحؤول، حؤول الغرب، دون تدمير روسيا نفسها، وحث واشنطن وأوروبا على الإحجام عن السعي إلى تهميش روسيا أو إلحاق هزيمة بها.

 وعلى قول غاري كاسباروف، لاعب الشطرنج الأشهر، في مقالة مشتركة مع ميخائيل خودوركوفسكي في "فورين أفيرز"، صار الرئيس الروسي "مهندس" تحول بلاده إلى دولة فاشلة، وتعريفاً هذه دولة 1) لا تملك السيطرة على حدودها ويبقى شطر منها مشرع على غاربه، و2) بروز قوات عسكرية غير نظامية خارجة على القوانين- فعلى سبيل المثل حين أوكلت واشنطن إلى شركة "بلاك ووتر" صلاحيات أمنية شبه عسكرية اتهمت بسفك الدماء ولكن القضاء الأميركية كان في وسعه إحالتها إلى المحاسبة، فهل من يحاسب "فاغنر" اليوم؟ ويبدو أنها في حل من القوانين الروسية، فمصير المنشقين عن صفوفها والفارين من الحرب هو القتل "بالمطرقة" بحسب تقريرين الأول نشرته "بي بي سي" الروسية والثاني نشرته "اندبندنت" البريطانية. ومن سمات الدولة الفاشلة كذلك تفاقم الاضطرابات الداخلية، وهجرة أبنائها ونزوحهم. وكان بوتين حينما شن "العملية الخاصة" في أوكرانيا رمى إلى ضم أراضيها ومصادرة سيادتها وطمس هويتها الوطنية وصهرها في هوية الاتحاد الروسي. ولكن الأمر انتهى به إلى تعزيز هوية ولحمة الدولة الأوكرانية على وقع تصديها للعدوان الروسي وكأنه شد لحمتها عوض فرط عقدها على رغم أن شرائح يعتد بها من سكانها يحنون إلى الماضي السوفياتي.

ولكن هل تسهم الحرب الروسية على أوكرانيا، حرب بوتين، مهما كان مآلها سواء إلى النصر أم خلافه، في تحويل روسيا إلى دولة فاشلة، على ما نبهت مجلة "إيكونوميست" في عددها المخصص لاستشراف مستقبل الأمور في 2023؟ ويدور اليوم السؤال على مستقبل روسيا نفسها، فهل ستكتب لها النجاة من الحرب مع تعاظم مخاطر اندلاع نزاعات مدنية، ومثل هذه النزاعات تسمى "أهلية" في بلادنا؟ ونظام دولي ترجح كفة روسيا فيه على ما يشتهي الكرملين مستبعد اليوم، ولكن نظاماً [أمنياً] عالمياً جديداً يرتسم، تحديداً في أوروبا الوسطى وشرقها على ما أشار كيسنجر. وفي مثل هذا النظام لا مفر من أن تجد روسيا مكانها فيه ولكن الريادة يبدو أنها لن تقيض لها.

المزيد من تحلیل