ملخص
ما أفرزته #الحرب_الأوكرانية من ظروف وما يشهده العالم من #كوارث يتطلب خلق بدائل غذائية تستجيب لحاجات الشعوب.
جراء ما يشهده العالم من نقص في إنتاج الغذاء تتحول الأنظار إلى دول ذات قدرة زراعية في سد حاجته الغذائية، وبما أن الدول الأفريقية من أكثر المناطق التي تعاني نقص الغذاء، فإن التحدي يتمثل في تغلبها على الظروف الطارئة، ورسم واقع غذائي جديد ينعكس إيجاباً عليها في الاستقرار والنماء، فهل يحقق السودان وإثيوبيا هذا الدور؟
تشهد إثيوبيا نجاحاً في إنتاح القمح، وهو تحد استبقته حينما أطلق رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد إشارة زراعة القمح بإقليم الصومال في 29 سبتمبر (أيلول) من العام الماضي. وقال "لقد أثبتنا حقيقة أننا قادرون على تحقيق ما خططنا له في مبادرة البصمة الخضراء، والآن أظهرنا للإثيوبيين والعالم أننا تمكنا من تصدير إنتاج القمح، إضافة إلى وقف الاستيراد".
وكان مستشار رئيس الوزراء للاقتصاد الكلي السفير جيرما بيرو أعلن قدرة إثيوبيا على تصدير 32 مليون قنطار من فائص إنتاج القمح بعد تغطية الحاجة المحلية، وفقاً للهدف الوطني الذي حددته إثيوبيا، مشيراً إلى أنه "تحقيقاً لهذه الغاية تم توقيع عقد بقيمة ثلاثة ملايين قنطار مع ست دول مهتمة بشراء القمح هذا العام". ومن المعروف أن إثيوبيا كانت تخطط لوقف استيراد القمح والبدء في تصدير إنتاجها منه منذ الخريف الماضي.
تجارب بلدين
التجربة الإثيوبية يشابهها نجاح مماثل حقق فيه السودان فائضاً كبيراً من القمح أغناه عن الاعتماد على الاستيراد من الخارج خلال تسعينيات القرن الماضي. ويعد السودان ثالث أكبر دولة في أفريقيا من حيث المساحة، وتصل مساحة الأراضي الزراعية فيه إلى أكثر من 16.900.000 هكتار على ضفاف نهر النيل وفي الأجزاء الشمالية من البلاد إلى جانب أقاليم غرب السودان في دارفور وكردفان وإقليم شرق ووسط السودان، ويمثل القطاع الزراعي أهم مرفق في الاقتصاد السوداني، فالزراعة هي العمود الفقري للاقتصاد وتمثل 60 في المئة من إجمالي الصادرات الوطنية.
واشتهر السودان منذ أوائل تسعينيات القرن الماضي بأنه سلة غذاء العالم، وترجع التسمية إلى وفرة الأراضي الزراعية الصالحة، إلى جانب تعدد مصادر المياه، مما أكسبه مميزات خاصة في الزراعة وتربية المواشي كأهم مصدر كسب للسكان.
الطبيعة المتداخلة
الكاتب الصحافي أيوب قدي، أوضح أن "هناك تشابهاً في البيئات والإمكانات الزراعية بين إثيوبيا والسودان بحكم الطبيعة المتداخلة، كما أن هناك تباينات حيث يملك السودان أراضي مسطحة ذات صفات عالية في الإنتاجية الزراعية، إلى جانب وفرة في مصادر المياه، كما تملك إثيوبيا هي الأخرى عوامل مهمة للنشاط الزراعي، كتنوع البيئات والمحاصيل الزراعية، وكثرة وانتشار مصبات المياه، إلى جانب وفرة الأيدى العاملة، وغير ذلك من عوامل مشجعة لأي تكامل مستقبلي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويتابع قدي "أي توجه نحو التعاون الإقليمي جدير بخلق بيئات يعمها السلام والاستقرار. كما أن التداخل الجغرافي والتاريخي بين إثيوبيا والسودان يجعل من البلدين بلداً واحد. وما تملكانه من إمكانات متنوعة يشجع على خلق أعمال وأنشطة ومشاريع زراعية واقتصادية تعود بالفائدة على الدولتين والشعبين، كما يمثل ضماناً إقليمياً واكتفاء ذاتياً للقارة الأفريقية".
يشير قدي إلى أن "إثيوبيا اعتمدت في سياستها زيادة إنتاجية المزارع الصغيرة وتوسيع المزارع التجارية واسعة النطاق لتحفيز النمو الاقتصادي، وأطلقت الحكومة خطة النمو والتحول الثانية، وقد بدأتها بالعمل مع شركاء دوليين لتعزيز الإنتاجية الزراعية من خلال التعاون مع مختلف القطاعات الخاصة، وأنشأت الحكومة وكالة التحول الزراعي (ATA) لمعالجة مشكلات قطاع الزراعة في إثيوبيا. كما شرعت في خطة تنمية اقتصادية مدتها عشر سنوات (2021-2030) وتتقدمها الزراعة كأولوية في تعزيز الإنتاجية الزراعية لتكون إحدى ركائز الاستراتيجية الاقتصادية الرئيسة".
ويضيف "إثيوبيا اتجهت لإنتاج القمح منذ أكثر من عام بدافعين: الاكتفاء الذاتي الذي أصبح يشكل فيه القمح غذاء لا يمكن الاستغناء عنه لبلد يقارب تعداد سكانه 120 مليون نسمة، إلى جانب استغلال إمكاناتها لإنتاج تجاري تدخل به الأسواق الإقليمية والعالمية كمنتجة للقمح، حيث تتوفر لديها الأرض الزراعية والمتطلبات الأخرى".
وفي ما يتعلق بتعاون الدولتين ضمن المشاريع القومية المدروسة الفوائد، يوضح قدي أن "قدرة البلدين، وبهذا المستوى من الإمكانات، فإنهما جديران بتحقيق غايات كبرى من الإنتاج الزراعي القاري الذي يحقق لأفريقيا أمنها الغذائي".
سلة غذاء العالم
الباحث الاقتصادي السوداني والمدير السابق لبنك "أم درمان" الوطني الفاتح أمين عبدالقادر يوضح أنه "على رغم أن الوضع في السودان بدأ بالتراجع تدريجاً خلال الأعوام الماضية نتيجة الصراع السياسي والتدهور الاقتصادي والتضخم وهبوط الإنتاج الزراعي الناجم عن نزوح السكان، فإن البلد لا يزال يحتفظ بكونه أحد الخيارات الرئيسة للجهات الدولية العاملة في مجال إنتاج الغذاء وتحقيق الأمن الغذائي العالمي".
ويتابع "السودان احتل المرتبة الثالثة في إنتاج السمسم بعد الهند والصين، كما يدرج في قائمة الدول الأكثر إنتاجاً لمحصول الذرة والحبوب. ويشهد على المستوى المحلي وعبر بعض الجهات العربية تحولاً حقيقياً في إنتاج سلع استراتيجية كقصب السكر والقمح والفول وعباد الشمس وعديد من أنواع الفواكه كالمانجو والموالح".
ويضيف عبدالقادر "بعد ما شهده العالم من تراجع في إنتاج القمح جراء الحرب الروسية – الأوكرونية، تشير كثير من الدوائر الاقتصادية إلى أهمية خلق بدائل قطرية لتأمين الغذاء عبر السودان، ودلالة ذلك أن مجلس إدارة مجموعة البنك الأفريقي للتنمية وافق في التاسع من ديسمبر (كانون الأول) 2022 في أبيدجان على تمويل مشروع طارئ لإنتاج القمح في السودان بمبلغ 73.81 مليون دولار في إطار المرفق الأفريقي لإنتاج الأغذية في حالات الطوارئ التابع للبنك".
ويشير إلى أن "ما أفرزته الحرب الأوكرانية من ظروف نقص القمح والحبوب، وما يشهده العالم حالياً من كوارث وظروف طبيعية تعانيها بعض الأماكن كما يحدث حالياً في سوريا وتركيا نتيجة الزلازال، يمثلان دافعاً مهماً كي تطرق الدول والجهات المانحة والمنظمات المعنية وسائل تشجيعية لدول كالسودان وإثيوبيا من أجل المساعدة في خلق تعاونيات تمثل ضمانات إنسانية في توفير الغذاء العالمي لأي طارئ إنساني".