Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تستعيد إثيوبيا مكانتها الإقليمية بعد ترسيخ السلام؟

محللون: "وقف الحرب ضرورة متصلة بمصالح أطراف عدة في استتباب الأمن الإقليمي والدولي"

بعد عامين من الصراع المحلي بدأت إثيوبيا التوجه نحو السلام بـ"اتفاق بريتوريا" للمصالحة الذي وقعته الحكومة الإثيوبية مع الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي نهاية العام الماضي.

وكانت ظروف دولية استثنائية واكبت الصراع الداخلي في إثيوبيا من تداعيات جائحة كورونا إلى حرب روسيا وأوكرانيا والأوضاع الإنسانية المصاحبة لها من نقص في الغذاء وغيره، مما كانت له انعكاساته وسط ضغوط دولية ووضع إقليمي ينذر بالأخطار. فهل تحقق إثيوبيا من خلال اتفاق السلام ريادة في المنطقة وما هي مترتبات السلام على الواقع الإقليمي؟

إن ما تمثله المرحلة المقبلة ضمن خيار السلام يعطي ثمرته في الوضعية الطبيعية لإثيوبيا كدولة مهمة في شرق أفريقيا ومنطقة القرن الأفريقي، وأصبح السلام حقيقة لا رجعة فيها ضمن دلائل تأكيد مسار الاتفاق، وبدأت الحكومة بسط نفوذها الفيدرالي على الإقليم ووضع يدها على الأسلحة الثقيلة للجبهة كدلالة على جدية الطرفين بعد استعادة الإقليم وضعه الطبيعي وتدفق الغذاء والإعانات الإنسانية إلى جانب عودة الخدمات الفيدرالية الحيوية من كهرباء وبنوك واتصالات وغيرها.

تبعات الحرب

في ظروف دولية وإقليمية غير مواتية اندلعت حرب تيغراي في ديسمبر (كانون الأول) 2020 وتلخص الخلاف في قضايا سياسية وقومية ذات بعد تنافسي معقد فضلاً عن خلافات دستورية، وإلى جانب الخسائر والتبعات التي لحقت بها فقدت إثيوبيا على المستوى المحلي كثيراً من الامتيازات وأثرت الحرب في مكانتها الاقتصادية، وكانت مؤسسات اقتصادية دولية أشارت إلى تراجع معدلات النمو الاقتصادي لإثيوبيا إلى اثنين في المئة عام 2021 بعدما كان ستة في المئة خلال العام السابق للحرب.

ووفق تقييم للبنك الدولي مثلت إثيوبيا خلال عقد كامل واحدة من أسرع الاقتصادات الأفريقية نمواً حتى عام 2019. ووفق تقديرات مؤسسات اقتصادية عالمية بلغ المتوسط السنوي للنمو الاقتصادي لها أكثر من 10 في المئة خلال الفترة من 2004 وحتى 2014، مما أعطى موشراً مهماً إلى مكانة اقتصادية مأمولة.

كما تأثر دور إثيوبيا الإقليمي الذي ظلت تضطلع به في أفريقيا باعتبارها مقر الاتحاد الأفريقي، إلى جانب عضويتها في الهيئة الحكومية للتنمية (IGAD)، وما ظلت تمثله كقوة أفريقية معتمد عليها في مهمات القوات الدولية، لا سيما في ما تلعبه من دور وحضور بمنطقة القرن الأفريقي سواء على المستوى السياسي أو الأمني.

محط ضغوط

تمثل منطقة القرن الأفريقي أهمية حيوية بموقعها الاستراتيجي، إضافة إلى مواردها الاقتصادية المتنوعة، وكونها موضع اهتمام من قوى دولية كأميركا وروسيا والصين في ظل تنافس محموم بينها لبسط النفوذ ضمن طموحات الهيمنة والسيطرة على العالم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتشير مصادر إلى أهميتها الاستراتيجية كونها تطل على المحيط الهندي من ناحية، والمدخل الجنوبي للبحر الأحمر حيث مضيق باب المندب من ناحية ثانية. ومن ثم فإن دول المنطقة تتحكم في طريق التجارة العالمي بخاصة تجارة النفط الآتية من دول الخليج والمتوجهة إلى أوروبا والولايات المتحدة.

وإثيوبيا والسودان دولتان تمثلان الأهمية السياسية القصوى في القرن الأفريقي، وهما بالتالي محط ضغوط واضحة من أجل تهيئة الواقع السياسي الذي يخدم المصالح الغربية.

ووصلت الضغوط الأميركية على إثيوبيا في السابق إلى حد فرض قيود على المساعدات الاقتصادية والأمنية بسبب مزاعم حول انتهاكات حقوق الإنسان، وتردت العلاقة بينهما أثناء الحرب في مايو (أيار) 2021 إلى المستوى الذي اتهمت فيه إثيوبيا الولايات المتحدة بالتدخل في شؤونها الخاصة وهددت الخارجية الإثيوبية بأنه "إذا استمرت القيود الأميركية فستضطر أديس أبابا إلى إعادة تقييم علاقاتها مع واشنطن".

المستوى المحلي والإقليمي

كان إيقاف الحرب الأهلية الإثيوبية والتوصل إلى سلام بين طرفي الحكومة وجبهة تيغراي ضرورة متصلة بمصالح أطراف عدة في استتباب الأمن الإقليمي والدولي، لا سيما الأمن الإثيوبي المحلي بعد ما مثلته الحرب من تهديد لوحدتها وخطر حقيقي على المنطقة ككل.

فعلى المستوى الإقليمي تظل إثيوبيا شريكاً حقيقياً للولايات المتحدة وحلفائها الغربيين تجاه أهداف محاربة الإرهاب، فضلاً عن دورها الرئيس الذي تلعبه في قوات حفظ السلام الدولية وبعثات الاتحاد الأفريقي لعدد من الدول الأفريقية كالصومال وجنوب السودان وجمهورية الكونغو الديمقراطية.

وكان بيان حكومي ذكر "لقد اتفقنا على إسكات البنادق بشكل دائم وإنهاء عامين من الصراع في شمال إثيوبيا بعد أن أدى الصراع إلى درجة مأساوية من الخسائر في الأرواح وسبل العيش، ومن مصلحة شعب إثيوبيا بأكمله ترك هذا الفصل من الحرب وراءه والعيش في سلام ووئام"، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء الإثيوبية (فانا).

من جهته قال وزير السلام الإثيوبي بنالف أندواليم إن "الحرب لم تكن دائماً حلاً للمشكلات، والبديل السلمي أفضل وسيلة".

وصرح رئيس الوزراء آبي أحمد بأن "الاتفاق الذي تم التوصل إليه لإنهاء الصراع سلمياً في الجزء الشمالي من إثيوبيا أعطى إحساساً كبيراً بالارتياح لدى الشعب وفتح فصلاً تاريخياً للبلاد على طريق التنمية".

ويتوقع مراقبون أن تستعيد إثيوبيا مكانتها بعد تعافي اقتصادها من آثار الحرب، وفي ظل المساعدات المتدفقة عليها سواء على المستوى الشعبي للمناطق المتضررة، أو تسابق الشركات الأجنبية على الاستثمارات وسط ما يخلقه واقع السلام من محفزات.

وكانت الحكومة الإثيوبية أعلنت أخيراً نيتها فتح المجال أمام البنوك الأجنبية في خطوة جريئة تحدث للمرة الأولى في تاريخ البلاد، فضلاً عن توجهات تحرير اقتصادي لقطاعات عدة كالاتصالات والنقل وغيرها. ويتوقع أن تتبع هذه الخطوات متغيرات كثيرة على المستوى الاقتصادي المحلي إلى جانب انعكاسات إيجابية في مختلف المجالات.

الحرب الباردة الجديدة   

الخضر هارون أحمد سفير ومندوب السودان السابق في واشنطن يؤكد أن "الوضع الدولي الآن بدأ يتغير، وهو يشبه أجواء الحرب الباردة من استقطاب بين الغرب والشرق. وما ستسفر عنه الحرب الأوكرانية يحمل دلالات كثيرة على ذلك، وربما بعد انقضاء هذا الشتاء سيظهر ذلك جلياً".

يوضح أن "إثيوبيا لديها تعاون اقتصادي كبير مع الصين، والأمر كذلك مع الهند، وهو ما يوضع في الاعتبار إذا تباعدت الشقة بين الغرب والشرق بقيادة روسيا والصين. وكذلك لإثيوبيا علاقات تاريخية متينة مع الغرب، وربما ساعد على ذلك كونها جزيرة مسيحية في محيط عربي وإسلامي ومنطقة مضطربة تفرّخ التشدد والهجرة اللذين تخشاهما أوروبا وما يتبع ذلك من قضايا الاتجار بالبشر والمخدرات بما يهدد المصالح الغربية، بالتالي فإن الحفاظ على استقرارها من صميم المصالح الغربية والدولية فضلاً عن اعتبارات إقليمية كونها مقراً للاتحاد الأفريقي".

ويضيف "في تقديري أنه إذا تحقق السلام فعلياً في إثيوبيا ولم يكن مجرد هدنة موقتة لالتقاط الأنفاس، وإذا تبعته تسوية شاملة ترضي كل القوميات الأخرى المتأثرة بالصراع، فإنه يمكن أن يتحقق لإثيوبيا ما تصبو إليه من استعادة دور يخدم مصالحها المحلية ويحقق لها وضعاً إقليمياً رائداً".

ويشرح هارون أحمد "الطريق نحو هذه الغاية يتطلب دبلوماسية إثيوبية ذكية تتحسب لما هو مقبل من تحولات على المسرح العالمي، وتقرأ التكالب الدولي والإقليمي على دول المنطقة وتأثيرات ذلك في إثيوبيا. وكل ذلك يتقدمه تحقيق السلام واقعاً فعلياً، وتلك مهمة صعبة في مسك العصا من الوسط والحياد بما يؤمن المصالح ويحقق الاستقرار في منطقة القرن الأفريقي".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير