انخرط في العاصمة السودانية #الخرطوم خلال الفترة من 12 إلى 15 فبرابر (شباط) حوالى 600 شخص يمثلون قوى مجتمعية وسياسية في ورشة ناقشت خريطة طريق #الاستقرار_السياسي والأمني والتنمية المستدامة في #شرق_السودان الذي يعاني من أزمة سياسية تفجرت بسبب توقيع أحد مكوناته السياسية على مسار الشرق ضمن اتفاق سلام #جوبا مطلع أكتوبر (تشرين الأول) 2020، وهو ما وجد اعتراضاً من مجموعات وكيانات أخرى.
وأكدت الورشة في ختام مداولاتها على أن المواطنة المتساوية هي أساس الحقوق والواجبات لأهل الشرق، مؤكدة على مطالب الحكم الفيدرالي وحق مواطني الشرق في الإقليم الواحد وأن المخرج من الأزمات المتعددة يكمن في الوصول إلى توافق سياسي بين مختلف القوى والتنظيمات في الإقليم على حلول سياسية - تنموية استراتيجية عاجلة.
ودعت الورشة إلى المشاركة السياسية العادلة لممثلي الشرق في مستويات الحكم الاتحادي والولائي كافة، وأن يضمن ذلك الالتزام في أي ترتيبات دستورية انتقالية جديدة، إلى حين قيام الانتخابات بنهاية الفترة الانتقالية المحددة بـ 24 شهراً.
فيما شددت الورشة على حقوق ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي طالت أبناء وبنات الشرق، وإجراء التحقيقات اللازمة لتقديم مرتكبي تلك الجرائم إلى العدالة الجنائية والعدالة الانتقالية.
حوار وتحديات
وحول مدى إمكان حدوث توافق واستقرار سياسي في شرق السودان، يقول الوالي السابق لولاية كسلا بشرق السودان، صالح عمار "لكي نتجاوز الأوضاع الصعبة التي يمر بها الشرق لا بد من معالجة أسباب المشكلة، فهناك مشكلة تاريخية يعاني منها الإقليم منذ عشرات السنين تتعلق بالفقر والأمراض وانعدام التنمية وغيرها، وأخرى نشأت بعد سقوط النظام السابق في أبريل (نيسان) 2019، وهي مشكلة مختلقة يمكن تجاوزها في وقت وجيز إذا أراد صانعوها التخلي عنها وهم جهات في أجهزة رسمية يحركون لاعبين محليين في الإقليم بمشاركة عناصر من نظام الإخوان، لكن في ما يتعلق بمجتمع الشرق ممثلاً في قواه المدنية والسياسية وإدارته الأهلية فقد وصل إلى قناعة بأنه ليس هناك طريق أو سبيل لاستقرار الإقليم سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وتنموياً إلا عبر الحوار والتوافق والسلام، وهو ما يجري الآن في إطار الورش التي ترعاها الآلية الثلاثية التي تشمل الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والإيغاد لتسريع خطوات الاتفاق الإطاري".
وأضاف "بلا شك أن الحوار هو الطريق الصحيح لحل مشكلات الشرق وهو طريق ليس محفوفاً بالورد بل يواجه تحديات كبيرة، وحسب معلوماتنا فإن المعارضين للاتفاق الإطاري داخل كتل الإقليم المختلفة هم مجموعة قليلة ليس لديها القدرة على تنفيذ أي تهديدات كما حدث في السابق بإغلاق الميناء والطريق القومي الذي يربط الشرق بالعاصمة الخرطوم، كما أن هذا الكرت (التهديدات) قد ولى زمانه لأن الغرض منه لا علاقة له بأجندة الإقليم بقدر ما هو ورقة تراهن عليها القوى ذات الصلة بنظام البشير المعزول، فضلاً عن أنه إجراء مخالف للقانون، ولا يتناسب مع أوضاع الإقليم الذي يشهد انهياراً اقتصادياً وغذائياً ناهيك عن تردي خدمات ومجالات الصحة والبيئة والتعليم".
تقرير المصير
واستبعد عمار أن "يحظى المطلب الخاص بتقرير المصير بتأييد من قبل أهل الشرق، بخاصة إذا كان قرار سكان المنطقة، لأن الغالبية المطلقة مع وحدة الإقليم، لكن إذا كان القرار في يد جهة أخرى فلا إجابة لي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي شأن الاختلاف حول مسار الشرق الذي تضمنه اتفاق سلام جوبا، أوضح "أن المسار جاء في إطار وضع استثنائي وليس طبيعياً، كونه يرتبط بفترة انتقالية محددة، فكل ما جاء في اتفاق جوبا ومساراته لم يتم فيه مشاورة أصحاب المصلحة سواء في الشرق أو دارفور أو جنوب كردفان والنيل الأزرق وغيرهم، فالاتفاقية فرضت على الجميع نظراً لوضع البلد من أجل تجاوز مشكلاته، لكن الحق يقال إن نصوص مسار الشرق جيدة ولا غبار عليها من ناحية منح الإقليم تمييزاً إيجابياً، وإذا كان هناك اعتراض على شخصيات وأحزاب بعينها أو توزيع السلطة فهذا يتم عبر النقاش".
وحول أثر التدخلات الإقليمية على قضية الشرق واستقراره، أفاد والي كسلا السابق "في اعتقادي أنه إذا مر أي إقليم في أي دولة بظروف شرق السودان نفسها لحدث التدخل، بخاصة أن الشرق يقع في منطقة تشهد تقاطعات قبلية مع دول مجاورة، فضلاً عن أن الصراعات الداخلية فتحت الباب لتلك التدخلات، ولا بد من الإشارة إلى أن هناك دولاً إقليمية لعبت أدواراً إيجابية لحل أزمة الشرق، بينما سعت أخرى لفرض أجندة مغايرة لتنمية واستقرار الإقليم".
تأجيج الصراع
في السياق قال المحلل السياسي، خالد محمد نور "المتابع لمجريات الأحداث يصل لاعتقاد جازم بأن شرق السودان الآن أقرب للوصول لحل يرضي كل أطراف الصراع أكثر من أي وقت مضى، نظراً لاعتراف تلك الأطراف بأنها كانت تستخدم لتأجيج هذا الصراع حتى لا يحدث توافق واستقرار في الإقليم، بالتالي تبقى المشكلة كيف تعزل هذه الأطراف من الصراع السياسي الدائر حول إقليم الشرق. فما حدث من تقارب بين بعض القيادات والمجموعات هو نتاج التجربة المريرة التي وسعت مداركهم وجعلتهم يصلون إلى قناعة بأنهم كانوا مجرد أداة للغير".
وتابع نور "في رأيي أن المطلب المطروح من بعض المجموعات بإيجاد منبر تفاوضي منفصل لشرق السودان، يتطلب جلوس كل الأطراف إلى مائدة حوار للوصول إلى حل يضمن حقوق الآخرين، على أن تكون المؤتمرات والمسارات السابقة كمسار الشرق في اتفاق سلام جوبا ومؤتمري سنكات وشمبوب مرجعية تقود لاتفاق جديد يحمل أي مسمى آخر، فهذه الأطراف مجتمعة جربت كل أنواع الإقصاء وفشلت فشلاً ذريعاً في تحقيق أهدافها، فظل مسار الشرق على رغم التوقيع عليه مطلع أكتوبر 2021 مجمداً حتى هذه اللحظة، كما فشلت المجموعات الأخرى في تصدر المشهد بشرق البلاد".
وواصل المحلل السياسي "لقد ظل شرق السودان مسرحاً لصراع دولي وإقليمي بسبب الموانئ وساحله الطويل الممتد لأكثر من 750 كم، ولا يستطيع أحد أن ينفي ذلك أو يتجاوز الدور الخارجي في أزمة الشرق باعتباره عاملاً مؤثراً للغاية، لكن الآن أصبح الدافع موضوعياً، فلأول مرة يحدث تمركز لقضايا إقليم شرق السوان منذ الاستقلال في عام 1956، إذ لم يتمكن أي طرف من كسب الجولة لصالحه على رغم ما بذل من جهد لإلغاء الآخر".
المرحلة النهائية
وتعد هذه الورشة الثالثة من نوعها ضمن أعمال المرحلة السياسية النهائية، فقد سبقتها ورشة تجديد خريطة تفكيك نظام 30 يونيو (حزيران)، ومؤتمر استكمال السلام، على أن تعقد في وقت لاحق ورشة عن الإصلاح الأمني والعسكري، ومؤتمر خاص بالعدالة والعدالة الانتقالية.
وشملت القضايا التي ناقشتها الورشة التنوع الثقافي والاجتماعي وحماية التراث، وقضايا التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وقضايا المرأة، ودور الإدارة الأهلية في السلم المجتمعي ونبذ خطاب الكراهية، واللامركزية ونظام الحكم ومستوياته، والمهددات الأمنية وقضايا الحدود والهجرة غير الشرعية والجريمة المنظمة، وقضايا الزراعة والرعي والصيد، والبيئة والتغيير المناخي، والخدمات الأساسية، وقضايا المهجرين.
وفي الخامس من ديسمبر (كانون الأول)، وقعت قوى سياسية وكيانات نقابية ومهنية من بينها الحرية والتغيير، اتفاقاً إطارياً، مع قادة المكون العسكري في مجلس السيادة السوداني، ومن المقرر استكمال هذه الخطوة باتفاق نهائي بعد التوافق على قضايا الانتقال التي تتمثل في حل أزمة شرق السودان وتفكيك النظام السابق وتقييم اتفاق السلام والعدالة والعدالة الانتقالية وإصلاح المؤسسات الأمنية والعسكرية.