Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بشار ونهاية "محور المقاومة"

"الدرس الذي يقدمه تقويض نظام عائلة الأسد هو أن الرضا الشعبي هو الضامن الوحيد لاستقرار البلدان"

الأسد مستقبلاً رئيس الوزراء التركي آنذاك رجب طيب أردوغان، بقصر الشعب بدمشق، في 6 ديسمبر 2006 (سانا/ أ ف ب)

ملخص

بشار الأسد درس يجب أن يستوعبه كل حاكم جمهوري في المنطقة العربية، وهو أن الحاكم الذي ينشغل بتثبيت حكمه خارج الأطر الدستورية لا يمكن أن ينتهي إلا في المنفى إذا حالفه الحظ في الفرار قبل أن يقتله خصومه.

في الـ24 من يونيو (حزيران) 2000 أجرى مجلس الشعب في سوريا تغييراً عاجلاً على النص الدستوري الذي يشترط بأن تكون السن القانونية للرئيس 40 سنة. كان مشهداً تهكمياً ومؤشراً إلى المرحلة التالية، إذ جرى تحديد 34 سنة ليوائم عمر المرشح الوحيد "بشار"، بديلاً من والده الرئيس السابق حافظ الأسد، ثم جرى "انتخابه" في عملية لم تستغرق أكثر من ساعة.
كان صعود بشار مفاجئاً بعد مقتل شقيقه باسل الذي كان مرشحاً متوقعاً لخلافة والده المريض، وصار أول رئيس جمهورية عربية يقفز إلى الموقع الأول في بلاده بالوراثة، وهي التي كان البيان الأول لانقلاباتها العسكرية يتحدث عن الديمقراطية وتأمين الحريات العامة والخاصة، إضافة إلى العبارة الأثيرة لدى الانقلابيين العرب، ألا وهي "تحرير الأراضي المغتصبة". بطبيعة الحال حصل على إجماع الأعضاء. ذلك المشهد كان جديراً بأن يعطي المؤشر إلى المنهج الذي ستُدار به الأمور وأن شيئاً لن يتغير عما كان في عهد والده حافظ الأسد الذي حكم سوريا منذ انقلابه على رفاقه جميعاً في الـ12 من نوفمبر (تشرين الثاني) 1970.
لم يكتسب بشار أياً من مهارات والده في أسلوب الحكم الفردي المستبد والذكي في آن، وفي قدرته على قراءة نقاط الارتكاز ومناطق الجاذبية في العالم والتلاعب بها. مع مرور الوقت أخفقت كل التوقعات التي وضعتها بعض العواصم الغربية، على وجه الخصوص، وتكهنت بتغير في السياسات الداخلية التي كانت في الواقع الأجهزة الأمنية تقررها وتديرها. بمرور الوقت تضخمت ثروات الأسرة وحماتها وصارت تتحكم في كل مقدرات البلاد بعيداً من القنوات الشرعية، وانتشرت روايات عن إشرافها على تصنيع وتجارة المخدرات وتوزيعها.
كان الجميع يرصد كيف سيتعامل طبيب العيون بشار مع قضايا مركبة خلَّفها والده. كان لبنان على رأس هذه الملفات، وكذلك العلاقات مع إيران، لكنه استسلم إلى هوس وشهية الأجهزة الأمنية في القمع والترهيب، فهي التي ضمنت له الوصول إلى الموقع الأول وهي التي تؤمن بقاءه فيه. لم يستغرق الوقت طويلاً حتى دب اليأس في نفوس المتفائلين فتوالت الأخطاء والخطايا. أدى الغرور وانعدام التجربة السياسية في حكم بلد شديد التعقيد والحساسية، إلى ارتكاب حماقات هي في الواقع جرائم في حق الشعب السوري.
ظن بشار أن العون الخارجي الإيراني والروسي كافٍ لحماية نظامه واستمرار حكم أسرته، وضمان تحويله إلى نظام وراثي لا يتسق مع شعارات "حكم الشعب بنفسه" كما تردد أدبيات الثوار في الجمهوريات العربية التي يحكمها ويتحكم بها العسكر وأجهزة الأمن لتلهي الشعوب بكلمات لا ترتبط بالواقع.
الدرس الذي يقدمه تقويض نظام عائلة الأسد هو أن الرضا الشعبي هو الضامن الوحيد لاستقرار البلدان، وأن الإفراط في التعويل على الدعم الخارجي عسكرياً ومالياً وسياسياً لا يستطيع أن يكون بديلاً من قبول المواطنين وقناعاتهم بحكامهم. وهناك درس مهم آخر يقول بأن القوى الخارجية لا ترعى التماسك الداخلي ولا تستطيع أن تشرعن وجودها الذي وصل في دمشق إلـى حد مكنها من تجاوز سلطات الحكومات الوطنية في اتخاذ قرارات وتدابير لا تصب في مصلحة المواطن.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ليس من العسير إطلاق الأحكام سريعاً على حكم بشار الأسد، إذ كان كل مراقب يعرف كيف أن ذلك البلد العربي كان يدار بعيداً من مراعاة مصالح الناس وحقوقهم. كانت إيران هي المهيمن على سياسات سوريا الخارجية تحت رمز "محور المقاومة" الذي كان "حزب الله" أهم أعضائه. ضمرت قوة النظام السوري على وقع الفساد والاحتقان الشعبي، ولم ينتبه إلى أن "الحزب" الذي أنقذه في الماضي قد انتهى دوره العسكري تحت وقع الضربات الإسرائيلية ولن يهب لنصرته مرة أخرى. إيران هي الأخرى لم تعد قادرة على مواصلة تمويل أذرعها في المنطقة، كذلك فإن روسيا منشغلة بحربها الممتدة في أوكرانيا.
أما الوافد الجديد إلى قائمة "محور المقاومة"، أقصد الحوثيين في اليمن، فهو أضعف من أن يكون عوناً جاداً ولا يستطيع أن يقدم أكثر من الخطابات البائسة، وهو نفسه يواجه مجتمعاً ساخطاً من الجبايات وقمع الحريات وشح العيش، والأسوأ تصرفاتهم المذهبية الضيقة إلى حد مقيت، وإيران لن تتمكن من مساعدتهم كما كانت الحال في الماضي القريب وستتركهم يجابهون مصيرهم أمام غضب الناس وكراهيتهم.
لقد باتت الجمهوريات العربية موبوءة بالفوضى والفساد، وليس العيب في الأنظمة بأية حال، ولكن النكسة هي في أن القائمين على أغلبها باتوا مسكونين بكيفية الاستمرار في الحكم، متغافلين عن أن صلب النظام الجمهوري هو في التداول السلمي للسلطة ولا يجوز أن يكون سبيلاً للتوريث والإثراء ورضا أسرهم وعشيرتهم وإشباع رغباتهم.
بشار الأسد درس يجب أن يستوعبه كل حاكم جمهوري في المنطقة العربية، وهو أن الحاكم الذي ينشغل بتثبيت حكمه خارج الأطر الدستورية لا يمكن أن ينتهي إلا في المنفى إذا حالفه الحظ في الفرار قبل أن يقتله خصومه.

هرب بشار ذليلاً مع أسرته الصغيرة تاركاً إرثاً شقياً من القمع والإرهاب والفساد، وخلّف بلداً منهكاً سقيماً سيحتاج إلى عقود من المجهود الجماعي لرأب الأضرار التي صنعها حاكم كانت مصالح شعبه في أدنى سلم اهتماماته.
أما مستقبل سوريا فلا يمكن الحكم عليه من خلال كلمات السلطة الجديدة فقط لأن تاريخها لا يبعث على الطمأنينة، ويجب الانتظار للتيقن منها ولمعرفة موقفها من قضايا وطنية كثيرة على رأسها أراضيها المحتلة، وهي تحت أنظار الجميع للتحقق من حقيقة ألفاظ الحكم الرشيد وحماية الحريات وسيادة القانون والتعامل مع خصوم الأمس.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء