Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هكذا تُلحق شبكة الإنترنت الأذى بالبيئة

تكنولوجيا المعلومات وصناعة الطيران تتساويان في بصمتهما الكربونية

متشابكة باللون الأزرق: من الصعب على الشركات لاستخدام الطاقة النظيفة لتخزين البيانات - لأن العديد منهم يستعينون بمصادر خارجية (غيتي)

لا تمضي دقيقة من دون أن تتلقى مراكز البيانات عشرات الملايين من الأسئلة للاستفسار عن حالة الطقس، وتعتمد الإجابة عن تلك الأسئلة الصعبة على عمليات معقدة تحتاج إلى كميات هائلة من معلومات تُجمع من أنحاء العالم.

لكنّ، المفارقة أن تلك وعمليات كثيرة تشبهها، بدءاً من تحميل صورة وصولاً إلى بث فيلم على شبكة "نتفليكس"، تؤثِّر بشدّة في الأحوال الجوية، ذلك أن التكنولوجيا نفسها التي نستخدمها لفهم عالمنا قادرة في الوقت عينه على تغييره جذرياً.

وباعتبار أن صناعة تكنولوجيا المعلومات تُنتج 2 % من إجمالي الانبعاثات، فإن بصمتها الإلكترونية تكاد تساوي بصمة صناعة الطيران بأكملها. تستخدم مستودعات البيانات الضخمة المنتشرة في أنحاء العالم مقداراً من الطاقة يكفي لسدّ احتياجات مدينة كبيرة.

التأثير البيئي للأجهزة التي نستعملها للوصول إلى الإنترنت معروف على نطاق واسع كما أنه موضوع مناقشات كثيرة. ولكنّ ذلك ليس سوى الجزء الملموس والأكثر وضوحاً من بصمة التكنولوجيا الكربونية. ويتساوى هذا الجزء من حيث الأهمية مع مراكز البيانات التي تلجها الأجهزة ملايين المرات يومياً، وتتنقّل جيئة وذهاباً غير مرئية في أجزاء مجهولة في العالم. والأهمية التي تتمتع بها مراكز البيانات بالنسبة إلى ثورة المعلومات حالياً لاتقل عن الأهمية التي حازها المصنع  بالنسبة إلى الثورة الصناعية في الماضي؛ فهذه المراكز مولدات لتحوّلات جذرية في العالم، ليس عبر التطوّر التكنولوجي فحسب بل عن طريق تغيير البيئة الطبيعية أيضاً.

إذا كان ثمة عنصر يتمتع بأهمية الطاقة في تحريك العالم، فهو بلا شك البيانات التي لاتتوقف عمليات إنشائها والوصول إليها. وبغرض ضمان إمكانية تنزيل المعلومات وتحميلها عند الحاجة من جانب المستخدمين، تدير شركات الإنترنت في العالم مراكز بيانات هي عبارة عن مخازن واسعة تفيض بأنظمة كمبيوتر، تُستعمل لتخزين المعلومات ومعالجتها.

في هذا السياق، ربما من المستحيل فهم السرعة الهائلة التي تُعالج بها البيانات، ففي دقيقة واحدة لا أكثرولا أقل، يجري المستخدمون نحو أربعة ملايين عملية بحث على محرك البحث "غوغل"؛ ويشاهد مستخدمو "نتفليكس" زهاء 100 ألف ساعة من الفيديو؛ وتتلقى قناة الأحوال الجوية الأميركية وحدها 18 مليون طلب بشأن تنبؤات حالة الطقس، ذلك وفقاً لشركة "دومو" الأميركية المتخصصة بخدمات "الحوسبة السحابية". ويعتمد كل "بايت" يُصرف في تلك العمليات على مراكز البيانات، التي يتطلب كل واحد منها  كميات هائلة من الطاقة لتشغيل الأنظمة وضمان المحافظة على برودة حراراتها منعاً لحصول أعطال.

لا تحتاج معظم شركات التكنولوجيا إلى من يقنعها بقيمة الطاقة النظيفة كي تشرع في اعتمادها. فعلى سبيل المثال،  تدير "آبل" شركاتها كافة بفضل الطاقة المتجددة؛ وأصبحت "غوغل" بدورها أكبر مشترٍ للطاقة النظيفة في العالم، وتقول إنها تحرص على شراء قدر من الطاقة المتجددة يعادل تماماً استهلاكها الإجمالي من الكهرباء.

تعمل الشركات أيضاً على خفض كمية الطاقة التي تحتاج إليها مراكز البيانات؛ بمعنى أنها بدلاً من جعل تلك الطاقة قابلة للتجديد فهي تسعى إلى تجنب الحاجة إلى كمية كبيرة منها في المقام الأول. على سبيل المثال، تقول شركة "غوغل" إنها جعلت أنظمتها أكثر كفاءة، إذ تؤمِّن مراكز البيانات التابعة لها حالياً سبعة أضعاف القدرة الحاسوبية التي كانت تُنتج قبل خمس سنوات باستخدام المعدل نفسه من الطاقة . واللافت أن قدرات التعلّم الآلي نفسها التي تزوِّد المنتجات الأخرى بالطاقة تتولى أيضاً تبريد مراكز البيانات، ما يوفر نحو 30% من استهلاك الطاقة.

بيد ان التحدي يبدأ عندما تنمو الشركات بسرعة وبالتالي يزداد استخدام بياناتها. قد تكون شركات الإنترنت صادقة في التزامها باستخدام الطاقة النظيفة، ولكن ربما سيصير صعباً عليها الالتزام بذلك الخيار عندما ترتفع احتياجاتها إلى الطاقة كثيراً.

تشتدّ تلك الحاجة فعلاً في فرجينيا، على الساحل الشرقي للولايات المتحدة، إذ يقع هناك "ممر مركز البيانات" في الجزء العلوي من ولاية فرجينيا الشمالية.  صحيح أن هذا المركز أقل شهرة من مراكز صناعة التكنولوجيا الأخرى في الولايات المتحدة، وهو يحظى بالتأكيد باهتمام أقل من مراكز البيانات في وادي السيليكون أو سياتل أو نيويورك، غير أنه يُعتبر قلب الإنترنت من نواح كثيرة، إذ أنه يضخ البيانات التي تشغلها الشبكة في أنحاء العالم.

يحتاج ذلك الضخ كله الى الطاقة التي لا توفرها شركات التكنولوجيا بل شركات الطاقة المحلية. و في فرجينيا تقع مسؤولية تأمين الطاقة اللازمة على عاتق شركة "دومينيون" للطاقة مثلاً، التي قاومت إلى حد كبير استخدام مصادر الطاقة المتجددة.

وجهت في مايو (أيار) الماضي مجموعة من شركات التكنولوجيا، بعضها معروف مثل "آبل"، وبعضها الآخر شركات مركز بيانات مغمورة مثل "إكوينيكس"،  كتاباً إلى الجهات المسؤولة عن تنظيم قطاع الطاقة في فرجينيا لحثها على ضمان أن تكون الطاقة اللازمة لتشغيل مراكز البيانات الخاصة بهذه الشركات آتية من مصادر نظيفة. وأوضحت الشركات أنها تريد طاقة "ولّدتها طاقة نظيفة ومتجددة" مُعربةً عن قلقها من أنها ستقابل بدلاً من ذلك "مشاريع الوقود الأحفوري الباهظة الثمن". في هذا الصدد، تقول منظمة "غرين بيس"، التي عملت جاهدة على مدى السنوات العشر الماضية لتوثيق الأثر البيئي لمراكز البيانات، إن شركة "دومينيون" استخدمت في الواقع متطلبات الطاقة المتزايدة لصناعة التكنولوجيا من أجل تبرير استثماراتها في إمدادات الغاز الطبيعي وتوليده، ما جعل فرجينيا تعتمد أكثر من أي وقت مضى على الطاقة التي لا تريدها الشركات.

يعني ذلك أن المستهلكين بعيدون أشواطاً عن نقطة اتخاذ القرار بشأن الطاقة المستخدمة.

وثمة المزيد من التعقيد الناجم عن عجز شركات كثيرة عن تأمين الطاقة اللازمة لإدارة بياناتها بالكامل، أي أن النمو السريع نفسه الذي يدفع شركات مراكز البيانات إلى الاستسلام للوقود الأحفوري يؤدي أيضاً إلى حمل شركات  تكنولوجيا المعلومات على الاستعانة بمصادر خارجية لتلبية متطلبات مركز البيانات لديها. هكذا، فحتى شركة "آبل" مثلاً ، تحتاج إلى طلب خدمات من طرف ثالث لإنجاز بعض أعمالها . وتشتمل هذه الخدمات على ضمان استخدام الطاقة بشكلها المتجدد وفق أهدافها ذات العلاقة، وبحيث يكون استخدامها الكلي للطاقة معادلاً تماماً لما تصرفه من الطاقة المتجددة، الامر الذي يعني اعتمادها 100% على الطاقة المتجددة. ولكن قد يكون تحقيق مثل هذه المهمة  أكثر صعوبة بالنسبة إلى شركات لاتتمتع بالنفوذ القوي نفسه الذي يميز الشركات الكبرى.

على سبيل المثال، تعتبر "سلاك" التي تقدم خدمة المراسلة، إحدى أكبر الشركات في العالم، لكنها لا تزال تعتمد على خدمات الويب من "أمازون" لتشغيل مراكز البيانات الخاصة بها. يعني ذلك أنها لا تملك خياراً واسعاً حول كيفية تخزين المعلومات. وهي ليست الوحيدة، إذ تقول "أمازون" إن أكثر من مليون شركة تتكأ على قسم خدمات الويب الخاص بها، ويشمل ذلك بعض أكبر الشركات في العالم التي تعتمد على البيانات، من بينها "نتفليكس".

ونظراً إلى أن البيانات تنتقل في أنحاء العالم عِبر عمليات غير مرئية إلى حد كبير فإن المساءلة بشأن الطاقة تكون مستحيلة تقريباً. فقد تعرض لك "نتفليكس" فيلماً مصدره أحد مراكز البيانات، لكن لا يعني ذلك أنها هي من يدير المركز بالضرورة؛ فالاستعانة بمصادر خارجية تنطوي على أن البيانات موجودة في كمبيوترات في غرف حتى "نتفليكس"  نفسها قد لا تعرف شيئاً عنها، ناهيك عن تشغيلها. لذلك حتى لو كنت قادراً على معرفة مكان تخزين البيانات تحديداً، فمن الصعب إلقاء اللوم على الشركات التي تخزنها، لأنها في الحقيقة تستعين بشركة أخرى.

مع ذلك، من الممكن تّتبع بعض التفاصيل بشأن كيفية اتخاذ شركات جادة قراراتها المتعلقة  بالطاقة التي تستهلكها. فمنذ عام 2010، تدير منظمة "غرين بييس" حملة "كليك كلين"  التي تسمح للناس بالتعرف على تصنيفات أي شركة تقنية معينة وفهم كيفية حصوله على الطاقة.

وهكذا، فلقاء بث فيديو ينال "فيسبوك" و"آي تيونز" و"يوتيوب" و"غوغل بلاي" التصنيف الأول  في المسؤولية تجاه البيئة. في المقابل، ينتقد النشطاء كلاً من "نتفليكس" وموقع "فيمو" وشبكة "إتش بي أو غو". ينطبق الأمر نفسه على تبادل الرسائل، إذ يحوز "غوغل" و"آبل" و"فيسبوك" تصنيفاً عالياً مجدداً فيما ينال "تويتر" و"وي تشات" انتقاداً قاسياً.

يحثّ المشاركون في الحملة المستخدمين على إيلاء تلك التصنيفات الأهمية نفسها التي يولونها لسرعة الاتصال أو عدد الأفلام المتوافرة على خدمة بث معينة. يقول غاري كوك، الذي يعمل في حملة "كليك كلين" في منظمة "غرين بييس" إن "على المرء أن يُدرك أن لنشاطه على الإنترنت بصمة بيئية، لذا عليه تعيين الشركات التي يلجأ إليها غالباً وأن يتأكد ما إذا كانت تستعمل الطاقة المتجددة". ويضيف موضحاً "يتمتع الناس بكثير من القوة في هذا الجانب وعليهم أن يثقوا بأن الشركات تهتم حقاً بخير العملاء".

حتى التقاط الصور يحتاج إلى الطاقة. في معظم الهواتف، تُرسل اللقطة إلى شبكة الإنترنت فوراً، وعلى الأرجح أنها تتتعرض للتكرار مرات عدة في مراكز بيانات مختلفة في أنحاء العالم، وكل بيان جديد يستهلك مقدارا جديداً من الطاقة.

في مواجهة استخدام كل هذا القدر من الطاقة، ومدى استحالة معرفة حجمه تماماً، ربما يبدو تجاهل القضية كليّاً أمراً مغرياً.  اللافت في هذا الإطار أن خبراء أنفقوا في احتساب مقدار الطاقة اللازمة لتشغيل فيسبوك لنحو سنة وقتاً معادلا لما يصرفونه في إعداد كوب من القهوة، ما يعني أن تأثير بياناتنا يكون شاسعاً عند جمعها معاً ولكنه يبدو ضئيلاً على المستوى الفردي. علاوة على ذلك، يبدو استخدام هذه الخدمات أمراً لا مفر منه، فحتى لو لم تدخل موقع فيسبوك، سيضيف تصفحك للويب في حد ذاته معلومات جديدة إلى مخزن معلومات فيسبوك، ولا حيلة لك تجاه هذا الأمر. مثلما يبدو لنا أن إعادة تدوير قارورة بلاستيكية لن يحدث فرقاً يُذكر في مواجهة البلاستيك الذي يخنق محيطنا، ربما نعتقد أن جعل حياتنا الرقمية مستدامة، بمعنى أن نوازن بين الخدمة التي نبحث عنها عبر الإنترنت وأثرها في البيئة، ليس بالخطوة المهمة.

لكنّ هناك من حقق نتائج ايجابية ملموسة. في عام 2011 مثلاً، أعلنت شركة فيسبوك أنها ستبتعد عن الاستعانة بالفحم وتركز بدلاً منه على الطاقة النظيفة. جاء ذلك نتيجة حملة استمرت سنتين أطلقتها "غرينبيس" ودعا خلالها مئات الآلاف من مستخدمي عملاق التواصل الاجتماعي الشركة إلى الكفّ عن استخدام الفحم. آنئذ، اتخذت فيسبوك قرارها واعترفت صراحة بالحملة التي انطلقت عبر وسائل التواصل الاجتماعي نفسها، لذا قالت شركة فيسبوك لاحقاً إنها تأمل في أن تستخدم الحملات الأخرى الموقع الإلكتروني الخاص بها في المرة المقبلة عندما تهبّ لدعم قضايا الطاقة النظيفة.

اشتعلت خوادم بيانات فيسبوك التي كانت تعتمد على الوقود الأحفوري آنذاك بمطالبات المستخدمين بأن تكون الطاقة التي تحتاج إليها المنشورات على موقع التواصل الاجتماعي الأبرز لتخرج إلى الضوء أكثر نظافة. إذن، اُستخدمت الطاقة غير المتجددة في حملة تهدف إلى إسقاطها هي نفسها.

في المحصلة، يمكننا القول إن البيانات تصبح ببطء أكثر نظافة.

© The Independent

المزيد من بيئة